بشكلٍ غريب، أشعر بأن مزاجي أصبح سيئًا
“……حتى لو كان الأمر كذلك قبل قليل، فقد لا يكون الآن….”
كنتُ أُجيب متأخّرة بنبضة واحدة، حين وصلني من خلفي صوتٌ مألوف.
كلانغ، كلانغ.
كان ذلك الصوت البشع نفسه لارتفاع المسامير و انخفاضها.
ربّما تمّ تفعيل استشعار الفخاخ، إذ ارتجف جسدي قليلًا.
‘الجحيم المسنّن خلفنا، و جحيم النار أمامنا….’
ما معنى مستوى المودة في هذه اللعبة أصلًا؟
أشعر وكأنّ المعاملة ازدادت سوءًا بدل أن تتحسّن، و أتمنّى فعلًا أن يكون ذلك مجرّد وهم.
‘لا يوجد خيار. يجب أن ننزل من هنا بأيّ طريقة.’
على الأقل، حجم الثقوب ليس كبيرًا جدًّا، و هذا عزاءٌ لا بأس به.
بينما كنتُ أعصر شجاعتي و أحسم أمري، قال روين، الذي كان يراقب الممرّ بصمت، بنبرةٍ متراخية.
“إن كنتِ تصرّين على الذهاب إلى الدرج المقابل، يمكننا فعل ذلك.”
“آ، لا. لا بأس. لنهبط من هنا، لكن بحذر، و بحذر، و بحذرٍ شديد.”
“ليلي متقلّبة فعلًا. قبل قليل قلتِ إنّنا يجب أن نذهب إلى هناك.”
صحيح أنّني لا أملك ثباتًا في الرأي، لكن هذا الوغد لا يملك ضميرًا.
كيف يمكن أن يقول مثل هذا الكلام في وضع هكذا ؟
يبدو أنّ سلوك روين المزعج نحوي ليس مجرّد شعورٍ عابر.
‘تحوّلت من جمادٍ إلى كائنٍ حي، فلماذا أشعر أنّه يُعاملني أسوأ من الطعام؟’
كنتُ أظنّ أنّ رفع المودة و الإعجاب هو الحلّ، فهل أخطأتُ التقدير؟
أصبح التحكّم بتعابير وجهي أصعب فأصعب.
لكن يبدو أنّ روين ظنّ أنّ وجهي أظلم لأنّني خائفة.
“…لا داعي لكلّ هذا الخوف. سأبقى بجانبكِ طوال الوقت.”
همسُهُ الخافت و أنفاسه جعلت قفاي يقشعرّ.
“أنا هنا.”
“لا بأس.”
“لا تخافي.”
كلمات سمعتها كثيرًا لدرجة أنّه لن يكون غريبًا لو سال مربّى الفراولة من أذنيّ.
لكن، كيف أقولها.
في السابق، كان يقولها بلا روح ولا شعور، أمّا الآن فهناك شيء مختلف…
“ليلي.”
“ها؟!”
“يبدو أنّ شيئًا ما يحاول الخروج من داخل الحفرة.”
“……ماذا؟”
كانت نظرة روين و يده موجّهتين نحو الدرج.
لم يكن هناك شيء يُرى.
لكن أذنيّ المتوتّرتين التقطتا صوتًا خافتًا.
كيك، كيك.
صوتٌ بغيض يشبه حكّ الأظافر على الحديد أو الزجاج، يتتابع ببطء.
بينما كنتُ أتساءل بلا تفكير لماذا يصدر مثل هذا الصوت من داخل الحفرة، أدركتُ الأمر دفعةً واحدة.
ذلك “الشيء” كان يتسلّق الجدار صعودًا.
“يبدو أنّه يصعد من هنا.”
قال روين ذلك بنبرةٍ هادئة، كأنّه يُسدّد الضربة القاضية.
شدّدتُ قبضتيّ على يدي اليسرى التي تحمل المصباح، و اليمنى التي تمسك يد روين.
لم يكن ذلك بسبب شعوري بالخوف، بل لأنّني لو لم أفعل ذلك، لشعرتُ أنّني سأدفعه داخل الحفرة.
‘لكن بعدها، سيزحف روين من الجحيم و يقطعني إربًا، أليس كذلك.’
بل ربّما سيكون مصيري أسوأ من ذلك بكثير.
أطلقتُ زفيرًا حادًّا، و أشرتُ بعينيّ إلى المسافة بين الحفر، ثم قلتُ.
“لنسرع قبل أن يخرج شيء فعلًا. هنا لا مكان للاختباء و لا مجال للهرب هنا.”
و احتمال أن تُمسك كاحلينا أثناء المرور عالٍ جدًّا أيضًا.
لهذا، ربّما يكون الالتصاق بالجدار هو الخيار الأفضل.
مع أنّه لا ضمان ألّا يخرج شيء من الجدار أيضًا، لكنّه أفضل من السقوط داخل الحفرة.
كنتُ أحسب في رأسي كيف سأستخدم روين كدرعٍ بشريّ و أتحرّك بأمان، بينما أحرّك قدميّ ببطء.
و في تلك اللحظة.
“غغغغغغغغ…….”
“…….”
“غغغغغغ…….”
من داخل الحفرة التي أمامنا مباشرةً، خرج أنينٌ لا يُعرف أهو لرجل أم امرأة.
ارتعدتُ و تراجعتُ جانبًا، فانبعث الصوت هذه المرّة من الحفرة المجاورة.
ذكّرني المشهد بـبيوت الأشباح.
تلك التي تتحرّك أو تصدر أصواتًا عندما تكتشف اقتراب البشر.
‘……هل ستخرج عندما نقترب؟’
ربّما يكون النزول عبر الدرابزين أفضل.
و في اللحظة التي خطرت فيها هذه الفكرة، صعد شيءٌ فجأة.
كانت يد إنسانٍ تشتعل بالنار.
كـمّ ثوبٍ مهترئ، يظهر طرفه قليلًا.
و قبل أن أتمكّن من تهدئة صدمتي، خرج الوجه.
جلدٌ ذائب بالكامل، كاشفًا العضلات و اللثّة، و عيونٌ تتدحرج داخل محاجرها، منظرٌ مروّع جعلني أحبس أنفاسي.
لكن ذلك لم يكن سوى البداية.
سرعان ما ظهرت الأيدي و الوجوه من جميع الحفر.
غغك، غك.
كلّها تُصدر أنينًا غريبًا وهي تحكّ أعناقها، وتحرّك عيونها.
“……غغغ.”
و كأنّها اتّفقت مسبقًا، ثبّتت أنظارها علينا أنا و روين في الوقت نفسه.
“آآآه!”
انفجر صراخي المكبوت عندما دارت الأعناق التي كانت موجّهة للجهة الأخرى بصريرٍ مقرف.
أردتُ الفرار بأقصى سرعة، لكن قناعةً قويّة بأنّ عليّ ألّا أبتعد عن روين جعلتني أتعلّق به بصعوبة.
نظرتُ إليه و الدموع تترقرق في عينيّ، فكان ينظر إليّ أيضًا.
لم يكن يضحك باستمتاع، ولا كان بلا تعبير.
كان وجهه يحمل حيرةً خفيفة، و كأنّه يفكّر.
ثم فتح فمه فجأة.
“أنا خائف جدًّا، ليلي.”
و قال مثل هذا الهراء.
تفاهتـه جعلت قواي تختفي.…
صار التحكّم بتعابير وجهي أصعب من ذي قبل.
شعرتُ أنّ عينيّ و أنفي و فمي قد انكمشت بشكلٍ بائس، لدرجة أنّني أدركتُ ذلك بنفسي، لكن روين، و قد أنزل رأسه، تابع هراءه.
“أنا خائف لدرجة أنّني لا أستطيع التحرّك. ماذا أفعل؟”
لا أفهم حقًّا لماذا يتصرّف هكذا فجأة، لكن روين كان أصلًا شخصًا لا يمكن فهمه بمنطقي.
تنحنحتُ، و حركت عنقي المتيبس من التوتّر، ثم أجبته بلطف.
“أه، همم. هل حقًّا لا تستطيع التحرّك؟”
“نعم.”
“…إذًا، همم، هل أذهب بسرعة لأبحث عن شخصٍ يساعدنا…؟”
“هل تنوين تركي وحدي في مكانٍ مخيف و خطير كهذا؟”
لا أعلم مَنْ المجنون هنا، أنا أم هو.
هذا ليس هراءً فحسب، بل هراءٌ تام.
حتى كلبٌ عابر سيشعر بالظلم لو سمعه.
كان روين ينظر إليّ بنظرةٍ حالمة، لكن لحسن الحظ، لم تمضِ لحظات حتّى عاد إلى طبيعته.
“كنتُ أمزح. لننزل.”
قال ذلك بنبرةٍ لطيفة و هو يبتسم ابتسامةً خفيفة.
كدتُ أقول إنّ مزاحه قذر، لكنّي ابتلعتُ الكلمات بصعوبة، و أجبتُ بصوتٍ مرتجف.
“لكنّ الوحوش ما زالت هنا….”
“لا بأس. لا تستطيع فعل شيء، يمكننا المرور فحسب.”
ثم أمسك روين بيدي و تحرّك نزولًا.
كنتُ أصرخ في داخلي و أنا أتبعه، لكن كما قال، لم تفعل تلك الوحوش شيئًا.
كانت فقط تُحدّق بنا.
كانت تدحرج عيونها، و تحرّك أعناقها بصرير.
‘آآآه…….’
في كلّ مرّة نمرّ بجانب حفرة، كانت رائحة احتراقٍ لزجة تلسع أنفي.
بينما كنتُ أمشي متجاهلةً إياها قدر الإمكان، أدركتُ فجأةً أمرًا غريبًا.
‘أجسادهم احترقت بالكامل، لكن ملابسهم لم تحترق……’
كان الضوء قويًّا بسبب النيران، فلم يكن بالإمكان عدم رؤيته.
كانت الملابس ممزّقة، لكن لا يوجد عليها أثر لاحتراقٍ أو ذوبان.
و الأغرب أنّ الجميع كان يرتدي الزيّ نفسه.
ثوبٌ أسود طويل، مُطرّز بخيوطٍ ذهبيّة من الصدر حتّى الأكمام.
كان أشبه برداء الكهنة الذي رأيته في الحلم.
و في اللحظة التي راودني فيها هذا التساؤل، تلاقى بصري مع وجهٍ قريب.
عينان مكشوفتان بالكامل بسبب ذوبان الجفون، كانتا تتحركان، و فمٌ لا يخرج منه سوى أنينٍ غريب، تحرّك ببطء.
“غغغغ…. لي… لي….”
وفي الوقت نفسه، لامست قدمي نهاية الدرج.
و بعد أن رمشتُ مرّةً واحدة، اختفت الحفر كما لو كانت سرابًا.
لم أكن أتوهّم، ولم أُخطئ السمع.
لقد نظر إليّ مباشرةً، و نطق باسمي، “ليلي”.
‘لا يمكن أن يكون ريد…، أليس كذلك؟’
لماذا خطر لي ذلك ؟
لأنّ الشخص الوحيد الذي احترق حتّى الموت في اللعبة كان ريد.
صحيح أنّ الزيّ مختلف، لكن حتّى أنا تمّ تغيير ملابسي بسبب أديلين، لذلك لا يوجد شيء في ذلك.
لكنّها فكرة مرعبة جدًّا، فمسحتُها سريعًا من رأسي.
لم تكن جملة “الجهل نعمة” تُقال عبثًا.
استدرتُ بسرعة، فكان روين ينظر إليّ، و سألني فورًا.
“ما الأمر؟ هل هناك شيء آخر يزعجك؟”
“لـ، لا. لا شيء. بالمناسبة، أين المكتبة؟”
“هناك. الباب الثالث من هنا.”
كان الطابق الثاني أكثر إشراقًا مقارنةً بالطابقين الثالث و الرابع، لكنّه لم يكن مضاءً بالكامل.
التصقتُ بروين، و مددتُ المصباح إلى الأمام، و أنا أراقب الأبواب واحدًا تلو الآخر.
كانت أشكالها تختلف قليلًا.
الباب الخشبيّ الأوّل كان مزخرفًا بنقوشٍ عتيقة.
عرفتُ المكان فورًا.
غرفة التعذيب.
المكان الذي التقيتُ فيه أسمير لأوّل مرّة.
التعليقات لهذا الفصل " 50"