في هذا الوضع، و بعد زلّة لسان واحدة جعلت نسبة صداقة أسمير تهبط إلى الصفر، لم يبقَ لي احد لأعتمد عليه سوى روين.
عندما أطلقتُ تنهيدةً أخرى، مـدّ روين إصبعه و لمس خدّي بخفّة.
“هل أنتِ منزعجة كثيرًا بسبب مينا؟”
“ها؟ لا، ليس حقًّا. مينا خائفة أيضًا، أليس كذلك؟ أظنّني فقط لم أستيقظ تمامًا بعد. جسدي يشعر بالكسل و رأسي مشوّش قليلًا….”
“فهمت. حسنًا، بالنظر إلى أنّكِ نمتِ أربع ساعات دون أن تتحرّكي، يبدو أنّكِ كنتِ متعبة فعلًا.”
“نمتُ أربع ساعات؟”
في مكانٍ بلا ساعة، ذكر رقمٍ محدّد لا يهمّ كثيرًا.
لكن ما يهمّ فعلًا هو أنّنا تجوّلنا في القصر لمدّة ليست قصيرة، ثمّ أغمي عليّ و نمتُ مرتين تقريبًا، ومع ذلك ما يزال الخارج مظلمًا تمامًا.
إذا كان نظام الهجوم الزمني مطبّقًا هنا أيضًا كما توقّعت سابقًا، فسنموت جميعًا فور بزوغ الفجر.
رمقتُ النافذة الصغيرة جدًّا مقارنةً بتلك التي في الطابق الثاني، ثمّ تابعتُ كلامي بتردّد.
“هل… هل تعرف كم من الوقت مرّ منذ دخلنا القصر؟”
“ربّما حوالي عشر ساعات.”
“عشر ساعات….”
هذا غامض.
لا أعرف بالضبط في أيّ ساعة دخلنا هذا المكان.
لكن بما أنّنا تسلّلنا بعيدًا عن أعين الناس، ومع الأخذ في الاعتبار أنّها لعبة رعب، فمن غير المرجّح أنّ الوقت كان قبل الثامنة أو التاسعة مساءً.
‘إذا مرّت عشر ساعات منذ ذلك الحين، فهل يعني أنّ الوقت الآن ما بين السادسة و السابعة صباحًا؟’
عادةً تكون الشمس قد أشرقت في هذا الوقت، لكن بما أنّ الشروق يختلف حسب الفصل و المنطقة، لم أستطع الجزم بشيء.
لاحظ روين إلى أين يتّجه نظري، فنقر خدّي مرّة أخرى و تكلّم.
“من الواضح أنّ الأمر يزعجك، أليس كذلك؟ رغم أنّ الساعة تجاوزت التاسعة، لا يزال الخارج كمنتصف الليل.”
التاسعة؟
هذا وقتٌ متأخّر أكثر ممّا توقّعت.
و بينما لم أستطع إخفاء دهشتي، واصل روين حديثه.
“هذا مجرّد تخمين منّي، لكن يبدو أنّ تدفّق الزمن هنا مختلف عن الخارج. هل يسهل فهم الأمر إن قلنا إنّنا في فضاءٍ مختلف؟”
“فضاء مختلف.”
“نعم. و بعبارة أخرى، هذا يعني أنّه لا يمكن الخروج من هنا بوسائل عاديّة.”
فجأةً، صار الاستنتاج غريبًا.
صحيح أنّنا لن نخرج إذا لم يسمح لنا ذلك الشخص، لذا فكلامه ليس خاطئًا، لكنّه ليس شيئًا يُقال بهذه النبرة الواثقة.
‘أمم… كيف يُفترض بي أن أردّ على هذا؟’
لو لم أكن أنا، لكان من الطبيعي لأيّ شخص آخر أن يسأله: “و كيف عرفتَ ذلك؟”
و طبعًا، بعد هذا السؤال سيكون الموت بانتظارهم…
على أيّ حال، كنتُ أفكّر بهدوء في كيفية تجاوز هذا الموقف أيضًا.
عندها، فجأةً، ارتسمت على وجه روين ابتسامة مشرقة كضوء الربيع.
“ليلي. أعتقد أنّ في هذا المكان سرًّا لا ينبغي كشفه.
لذا، ما رأيكِ أن نكشف اللغز معًا؟”
و كما حدث قبل قليل، طُرح عليّ اقتراحٌ مفاجئ لا يمتّ لما قبله بصلة.
[▶إذا رفضتِ، ستموتيـن.
1. إيجابي
2. إيجابي
3. إيجابي ]
و مع نافذة النظام (الإجباري) ذات الخيار المحدّد سلفًا.
‘……لماذا تتوالى عليّ هذه المحن؟!’
أشعر برغبةٍ عارمة في الارتماء على الأرض و البكاء.
صحيح أنّني كنتُ أخطّط أصلًا للتحقيق في أمر القصر. و لهذا السبب توجّهتُ نحو المكتبة قبل أن تقع هذه الفوضى.
و من الواضح أيضًا أنّ التصرّف برفقة روين، بعد ارتفاع نسبة المودة و الإعجاب، سيكون أكثر أمانًا من التحرك بمفردي.
لكن.
‘ما الذي يخطّط له هذا الرجل بالضبط؟’
نعم. هناك شيء مريب جدًّا!
ليس الأمر و كأنني أُبالغ.
في اللعبة، كان روين دائمًا فاتِرًا بشكلٍ غريب تجاه موضوع “كشف أسرار القصر”.
عندما كان الأصدقاء يقولون: “ما هذا القصر بحقّ الجحيم؟”
كان يكتفي بالردّ: “لا أدري.”
و إذا طال الحوار، كانت الوحوش تظهر فننهمك بالهروب.
بل إنّ ذلك كان مقصودًا من الأساس…
لكن ذلك الـ روين نفسه، هو مَنٔ قال الآن:
“ما رأيكِ أن نكشف اللغز معًا؟”
مجرّد تخيّل مدى الرعب و الخطر الذي ينتظرني كافٍ ليجعل صدري يضيق.
لكن حتّى لو شعرتُ بالريبة، و بنذير الشؤم، و بالقلق، فالنتيجة كانت محسومة على أيّ حال….
“إيجابي….”
“إيجابي؟”
“أقصد، إنها فكرة جيّدة. روين يتمتّع بذكاء و دقة ملاحظة حادّة ، لذا لا بدّ أنّه سيتمكّن من اكتشاف شيء ما.”
“شكرًا لتقييمكِ العالي. و أنـتِ يا ليلي، أمم…بما أنّكِ تحاولين أن تكوني حذرة على أيّ حال، فلو بذلتِ جهدًا فسيكون ذلك كافيًا.”
كلامه الأخير أزعجني قليلًا، لكنّي تجاوزته بابتسامة.
في الوقت الحالي، من الأفضل أن أتصرف دون إثارة أيّ انزعاج.
نهض روين، فنهضتُ بسرعةٍ تبعًا له.
ربّما لأنّي نمتُ ساعات على أرض صلبة، كان جسدي متيبّسًا بشكلٍ واضح.
و بينما تمدّدتُ لا إراديًّا، اجتاحني شعورٌ غير مريح.
ما زلتُ لا أشعر بالعطش أو بالجوع.
‘ظننتُ أنّ الأمر بسبب كونها لعبة، لكن كلّما فكّرتُ فيه، بدا الأمر أغرب.’
الإرهاق، التعب، الخوف، الألم—كلّ الحواسّ الأخرى تعمل بشكلٍ طبيعي.
لكن أن تكون هاتان الحاسّتان وحدهما غائبتين، فهذا مريب حقًّا.
و بينما كنتُ أفكّر و أدلّك كتفيّ، سألني روين:
“هل يؤلمكِ كتفكِ؟”
“أمم، قليلًا فقط. أنتَ، ألا تؤلمكَ ساقك؟ لقد نمتُ و رأسي فوقها طوال الوقت.”
“أنا بخير. رأسـكِ كان خفيفًا. ربّما لأنّه لا يحتوي على الكثير؟”
…هذا الوغد؟
إنه يستفزّني منذ فترة، لكن إن كان يظنّ أنّني سأنفجر غضبًا بسبب هذا، فهو مخطئ.
“إذًا…هذا جيّد. ما الذي سنبدأ به؟”
لم أغضب، لكنّ شيئًا ما اندفع في صدري، فارتجفت شفتاي قليلًا.
بينما كان روين يضحك وحده كأنّه يستمتع بإظهار سوء طباعه، أخرج شيئًا من جيبه.
كانت قطعة ورقٍ صفراء بحجم كفّ اليد.
و عندما انحنيتُ قليلًا، ظهرت نافذة بجانبها.
[خريطة ‘؟’ (2/20)
—قطعة من خريطة تُظهر البنية الداخليّة لـ‘؟’.
إذا جمعتِها كلّها، قد تتمكّنين من تحديد المواقع.]
“وجدتُها في الحديقة . يبدو أنّها خريطة لهذا المكان.”
بمجرّد أن سمعتُ الشرح المألوف و كلام روين، أدخلتُ يدي في جيبي فورًا.
تحرّكت داخله القطعة التي أسقطها مصّاص الدماء في غرفة الصلاة، و المناديل التي أعطاني إيّاها أسمير.
أخرجتُ قطعة الخريطة و رفعتها أمام روين.
“روين، هذه…يمكنني القول إنّي وجدتُ شيئًا مشابهًا أيضًا.”
الآن عند التفكير بالأمر، لم أشرح له إطلاقًا ما الذي حدث حتّى التقينا مجدّدًا.
طبعًا، هو يعلم كل شيء بما أنّه كان يراقبني.
لكن من أجل محادثةٍ سلسة، قرّرتُ أن أروي له ما حدث بعد أن افترقنا.
“بعد أن ذهبتَ أنتَ و مينا لتفقد الطابق السفلي….التقينا بـريد و لاس.”
تجاوزتُ عمدًا أشياء كثيرة، ولم أذكر لقاء إديلين ، ولا اختفاء أسمير المفاجئ.
بما أنّ التظاهر بقليلٍ من الجنون بدا أنّه ينجح، قرّرتُ أن ألتزم الصمت إلى أن يفتح روين الموضوع بنفسه.
ولهذا لم أُعـد المنديل، و احتفظتُ به مؤقّتًا.
نظرتُ إلى روين الذي أمال رأسه قليلًا، و تابعتُ كلامي.
“كنّا نتحدّث نحن الثلاثة، و فجأةً صرخ لاس.
فالتفتُّ إلى الخلف، و كان هناك… رأس يطفو في الهواء….”
مهما فكّرتُ في الأمر، فإن أسمير مختل عقليّ بلا شكّ.
و عندما قلتُ ذلك بنفور، أمال روين رأسه إلى الجانب.
“هل كان وجهًا تعرفينه؟”
يبدو أنّ هذا السؤال جاء بسبب أنّني قمتُ بتحية أسمير (الرأس فقط) في ذلك الحلم المزيف الذي أتمنّى لو أنه كان حلمًا حقا.
ضيّقتُ ما بين حاجبيّ متظاهرةً بالتفكير، ثمّ هززتُ رأسي نفيًا.
“لا أدري. كان الضوء خافتًا لأنّنا أشعلنا عود ثقاب فقط، و كنتُ مصدومةً لدرجة أنّني لم أملك رفاهيّة التدقيق.”
“فهمت.”
“نعم. لكن ذلك الرأس بدأ يلاحقنا. هربنا بلا وعي حتّى وصلنا إلى الطابق السفلي، و دخلنا غرفة غريبة.”
“غرفة غريبة؟”
“كانت غرفة فارغة تمامًا، فيها طاولة و حامل شموع فقط.لكن، ذلك….”
و أثناء استرجاعي لما حدث في غرفة الصلاة خطوةً خطوة، تركتُ جملتي معلّقة.
التعليقات لهذا الفصل " 48"