وقفتُ أحدّق في خيارات الاختيار بذهول، من شدّة السخافة.
و مع مرور الوقت دون أن أقوم بأيّ فعل، ظهرت عبارة تحذيريّة مألوفة تقول:
[إذا لم تختر، ستموت] ،
لكنّي تجاهلتها.
‘على أيّ حال، هذا مجرّد حلم، لذا حتّى لو مـتُّ….’
لكن في اللحظة التالية، بدأت الأحرف الحمراء تتموّج، و تغيّر محتوى النافذة بأكمله.
[▶ إذا لم تقم بالاختيار، فسيتمّ فرض جميع الخيارات اللاحقة قسرًا.
1. كنتَ جائعًا، أليس كذلك؟ هيا، كُلْ كثيرًا. (تقديم الذراع)
2. آ، فقط لا تؤلمني…… (تقديم العنق)
3. ألا تأكل أصلًا؟! (تقديم الإصبع) ]
ما هذا أيضًا؟
حتّى بعد أن فركتُ عينيّ بظهر يدي و نظرتُ مجدّدًا، كان ما أراه صحيحًا.
‘بما أنّه حلم… يمكنني تجاهله…!’
لا بأس، هكذا أردتُ أن أصدّق.
لكنّ شعورًا غريبًا بالقلق أخذ يتصاعد.
جسدي خفيف و مفعم بالقوّة.
لا أشعر بالخوف و لا بالرهبة.
و النيران الطافية حولي ما تزال في مكانها.
لكن، لماذا أشعر بكلّ هذا الانزعاج؟
في النهاية، بعد تفكير طويل، اتّخذتُ قراري.
‘إنّها ذراعي أنا، مَنٔ الذي يقرّر بالنيابة عنّي كم تأكل؟ و العنق أسوأ.’
مددتُ إصبعي بعنف و قلتُ بفظاظة:
“ألا تأكل أصلًا؟!”
أمال مصّاص الدماء رأسه بتعبير أبله، و هو يسيل لعابه.
“طـ—عام؟”
ملامحه و صوته كانا بريئين.
لكنّ حدقتيه الممدودتين و أنيابه داخل فمه لمعَت بشكلٍ مخيف، فارتجفتُ لا إراديًّا.
“كنتَ تتحدّث عن الدم، الدم! قليلٌ فقط، حقًّا، مجرّد لقمة صغيـ— آه!”
تـمّ ابتلاع طرف إصبعي السبّابة اليمنى في لحظة.
صرختُ دون وعي عند الإحساس باختراق الجلد، لكن ربّما لأنّه حلم؟
لم يكن هناك أيّ ألم.
ثمّ مصّاص الدماء، بعد أن تذوّق الدم—
“….!”
أظهر تعبيرًا كأنّه يقول:
‘لا، هذا الطعم؟!’
و أمسك بذراعي بكلتا يديه.
لا يوجد ألم، لكنّني أشعر بوضوح أنّ الدم يُسحَب منّي.
دفعتُ جبين مصّاص الدماء بيدي اليسرى.
“هاي، توقّف عن الأكل. قلتُ قليلًا فقط….”
“ليلي.”
و قبل أن أُكمل كلامي، سمعتُ صوتًا مألوفًا من خلفي.
عندما التفتُّ، كان كلّ من روين و أسمير هناك.
روين بدا سليمًا تمامًا، أمّا أسمير فكان رأسه فقط يطفو في الهواء.
ارتجفتُ مرّة أخرى من هذا المنظر المقزّز، لكنّ النيران الزرقاء التي حولي كانت تقول بوضوح:
“هذا حلم!”
و فوق ذلك، من الغريب أن يعودا معًا بينما أسمير بتلك الحالة، و هو أصلًا يتصنّع البراءة.
رفعتُ يدي بضعف و لوّحتُ لـروين الذي بدا عليه تعبير غريب.
“مرحبًا، روين….”
“…ها؟ آه، نعم. مرحبًا.”
“و مرحبًا لكَ أيضًا، يا مير ذو الرأس فقط…….”
“……!”
في تلكَ اللحظة، أصبحت عينا أسمير الغائمتان واضحتين فجأة.
فسألني روين بوجهٍ أشدّ غرابة:
“لـ، ليلي. كيف عرفتِ أنّه مير؟”
“كيف عرفتُ؟…… إنّه يشبهه تمامًا. لكن هل لديكَ هواية في التجول و رأسكَ مفصول عن جسدك؟”
في الحقيقة، كان المشهد صادمًا لدرجة أنّه ربّما انعكس حتّى في الحلم.
وعندما حمّلتُه المسؤوليّة، عاد أسمير فورًا إلى شكله الطبيعي.
تمامًا كما خطّطتُ.
ثمّ بدأ يتذمّر بغيظ:
“و هل تعتقدين أنّ هذا ذوقي؟ انظر يا روين، ألم أقل لكَ أنها غريبة؟”
“أنا… أردتُ أن أقول منذُ فترة أن الغريب هنا ليس أنا، بل أخلاقكَ….”
“ماذا….”
“أنتم، أنتم بحاجة لأن تفهموا! كم أنّ هذا المكان مرعب و بائس بالنّسبة لجبانة ترتجف مثلي! و أنتَ، توقّف! قلتُ قليلًا فقط!”
صرختُ بغضب، ثمّ ضربتُ رأس مصّاص الدماء الذي ما يزال يعضّ إصبعي بعنف.
صدر صوت رنّان، و سقط وجه مصّاص الدماء.
كان المشهد مقزّزًا مع انخلاع الأنياب و ظهور الثقوب، لكن لحسن الحظّ اِلتأم الجرح بسرعة.
مرّة أخرى، انتشرت رائحة حلوة في طرف إصبعي.
بينما أنا أخفي يدي بعدم ارتياح، أعاد روين الكلام:
“ليلي، ذلك… أنـتِ الآن، بكامل وعيك، أليس كذلك؟”
“هل أنا بكامل وعيي؟ بالطبع أنا كذلك. لماذا تسأل؟”
“لأنّكِ لا تبدين كذلك.”
“أنا…أودّ أن أقول أيضًا أن فاقد العقل هنا ليس أنا، بل أنـ….”
“لا، حقًّا، هذا سخيف. قبل قليل قلتِ إنّك تريدين أن تكوني معي، و كنتِ خجولة جدًّا و وجهكِ محمرّ أيضًا!”
“قلتُ إنّي أردتُ أن أكون مع روين! لكن لو أخبرتكَ أن تبتعد، هل كنتَ ستتنازل بسهولة؟!”
على الأقلّ، كنت أتمنى لو كان هناك خيار يعبّر عن ذلك بلطفٍ أكثر.
ثمّ إنّ وجهي لم يحمرّ من الخجل، بل من شدّة الغضب.
كنتُ أريد تصحيح سوء الفهم، لكن أسمير الذي ابتلع ريقه نظر بيني و بين روين و سأل:
“أ، أليس ممكنًا، يا أختي، أنّكِ، فعلًا، تحـبّين روين خاصّتنا؟”
“ما هذا الهراء؟ كأنّكَ تخبرني بـمصّ شوارب صرصور!”
“……ماذا؟ نـ، نعم……؟”
أُصبتُ بالذهول.
يبدو أنّ كلماتي ولّدت سوء فهم أعجب.
‘تفاصيل الحلم مبالغ فيها حقًّا.’
يجب أن أُصحّح سوء الفهم هذا أيضًا.
فتحتُ فمي بسرعة قبل أن يتفوّه أسمير بحماقة أخرى:
“أنا لا أحبّـه، بل إ—”
كنتُ أريد أن أقول: إنّه مخيف.
على الأقلّ في الحلم، أردتُ أن أكون صادقة.
لكن نافذة النظام حجبت رؤيتي مرّة أخرى.
[▶ عبّـري عن مشاعركِ تجاه روين.
إن لم تفعلي، ستُفرض جميع الخيارات اللاحقة قسرًا.
1. أحبّـه كثيرًا. (إرسال قلب بالأصابع إلى روين)
2. أحبّـه كثيرًا جدًّا. (إرسال قلب باليدين إلى روين)
3. أحبّـه كثيرًا جدًّا جدًّا. (تشكيل قلب بالذراعين إلى روين) ]
الآن لم يعد حتّى تهديدًا مبطّنًا، بل ابتزازًا صريحًا مع خيارات سخيفة، فاغرورقت عيناي بالدموع.
‘تبًّا!’
صرختُ في داخلي، ثمّ تنهدت بقوّة، و شبكتُ إبهام و سبّابة يدي اليسرى على شكل قلب.
“أحبّـه كثيرًا….”
لماذا لا أستطيع أن أكون حرّة حتّى في الحلم؟
من شدّة الإحراج، لم أستطع حتّى رفع نظري.
لكنّ الصمت عـمّ المكان.
رفعتُ رأسي بحذر، فوجدتُ أسمير بوجهٍ قَلِق، و روين بوجهٍ حائر، كلاهما ينظران إليّ.
فجأةً، اندفع شيء ما في صدري.
‘نعم، أعلم! أعلم! أعلم أنّه حتّى لو قلتُ إنّي أحبّـه، فلن يكون سعيدًا بذلك!’
بالنّسبة لهم، أنا مجرّد كيس دم انتقل من وجبة خفيفة إلى طبقٍ مميّز!
حتّى لو اعترفت له، فلن يبدو الأمر لهم سوى و كأنني غوريلا تؤدّي حركات لطيفة!
في الواقع، حتّى لو ارتفعت درجة الألفة، شعرتُ أنّه لا أمل أصلًا.
رغم ذلك، فعلتُها.
“لكن على الأقلّ، في الحلم، يمكنكم منحي أملًا…!”
“حلم…؟ ليلي، هل تعتقدين فعلًا أنّ هذا حلم؟”
“بالطبع. انظر، روين. هذه النيران. فكّرتُ أنّ المكان مظلم جدًّا و أردتُ أن يضيء، فظهرت. و فوق ذلك—”
حرّكتُ النيران لتطفو أمام روين.
“إنّها تتحرّك كما أريد. إن لم يكن هذا حلمًا، فبأيّ قدرة أخلق شيئًا كهذا و أتحكّم به؟”
“…….”
كان روين على وشكِ أن يقول شيئًا، ثمّ ابتلعه، و حدّق بي بوجهٍ غريب. بنظرة تشبه النظر إلى مخلوقٍ مثير للشفقة جدًّا.
أسمير الذي كان يتتبّع الكرات الناريّة لعق لسانه.
“بدا عليكِ الخوف، لكن بعد سماعكِ تتكلّمين، أظنّكِ مجنونة تمامًا.”
“أنا لستُ مجنونة. المجنون هو هذا العالم….”
“…ماذا نفعل، يا روين؟”
إنّه أمر محبط و ظالم حقًّا.
لكن حتّى لو كشفتُ أنّ هذا عالم لعبة و أنّني أعرف مَنٔ أنتم، ما الفائدة؟
لو كنتُ مكانهم، لظننتُني إنسانة فقدت عقلها أكثر.
‘لنكتفِ بالصراخ و التنفيس.’
و بينما كنتُ أتنفّس بحزن، شعرتُ بشخصٍ يعانقني فجأةً من الخلف.
“طعام.”
تجمّدتُ للحظة، ثمّ غضبتُ عند سماع الصوت قرب وجهي.
“لماذا تواصل الحديث عن الطعام معي؟ ابتعـد!”
“أريد أن أتذوّق العنق أيضًا.”
“مـ……”
ازداد شعوري بالدوار.
بدلًا من الكلام، فككتُ بسهولة الذراعين الملتفّتين حول خصري.
ثمّ هاجمته بالنيران ، لكنّ مصّاص الدماء تفاداها كلّها و فتح عينيه الذهبيّتين بدهشة.
كان الارتباك واضحًا على وجهه.
شعرتُ بشيءٍ من الشماتة، لكنّ التعب بدأ يجتاحني.
في الوقت نفسه، اجتاحني تعب مفاجئ، فتراخت أطرافي، و أصبح ذهني ضبابيًّا.
التعليقات لهذا الفصل " 46"