بهذه الحالة، تفحّصتُ النقوش المحفورة في الأرضيّة، لكن حين نظرتُ إليها عن قرب، وجدتُ أنّ أجزاءً كثيرةً منها كانت مطموسة.
‘الحروف نفسها ملتوية جدًّا، فلا أستطيع معرفة ما المكتوب أصلًا.’
حدّقتُ فيها إلى أن آلمتني عيناي، ثمّ استسلمتُ في النهاية و نهضتُ.
حين خرجتُ بتردّد إلى الممرّ، كان لا يزال ساكنًا و كئيبًا.
المشهد لم يختلف، فلم أعد أميّز إن كنتُ في الطابق الثاني أم الثالث، لكنّني قرّرتُ النزول إلى الأسفل على أيّ حال.
‘لو اتّجهتُ نحو الشرفة أو القبو، سألتقي بروين. فالطريق ليس ممّا يمكن أن نتقاطع فيه.’
ما يقلقني هو: هل سأصل إلى هناك بسلام؟
راجيةً ألّا تكون هناك أفخاخ أو مخاطر أخرى، غيّرتُ مساري نحو اليسار.
في الدقائق الأولى، لم يحدث شيء.
لم يكن يُسمع سوى وقع قدميّ على السجّاد، ولم أشعر بأيّ حركة مريبة أو إحساسٍ غريب.
أعني، في الدقائق الأولى فقط.
“…….”
طق، طق.
كلّما تقدّمتُ بضع خطوات، تداخل صوتُ خطواتٍ أخرى فورًا.
ثمّ
طق، طق
من جديد.
كلّما تقدّمتُ بضع خطوات، تداخل الصوت مرّةً أخرى.
ليتَ الأمر كان مجرّد وهم، لكنّه لم يكن كذلك.
أذناي تعملان على أكمل وجه.
[‘؟’ يريد أن يقوم بـ ‘—البيب’ بك.]
و النافذة النظام هذه تظهر منذ قليل كلّ ثلاثين ثانية تقريبًا، لذا فالأمر مؤكّد.
لو كان هذا وحده، لكنتُ شددتُ الخطى فقط لألتحق بروين بأسرع ما يمكن.
لكنّ الممرّ نفسه كان يتكرّر بلا نهاية، و هذا ما جعلني أجنّ.
كيف عرفتُ؟
لأنّني كنتُ أسير في خطٍّ مستقيم، و مع ذلك كنتُ أرى باب غرفة الصلاة الذي لم يُغلق، مرارًا و تكرارًا.
‘هذه المرّة الرابعة بالفعل….’
كنتُ أحاول أن أبدو هادئة، لكنّ فمي كان يجفّ و دمي يكاد يتبخّر في كلّ مرّة أمرّ من هناك.
فكّرتُ أن أدخل و أختبئ، لكنّني عدلتُ عن ذلك.
في اللعبة، كان هناك مصّاصو دماء يفتحون الأبواب و يدخلون.
إن وُجدت حواجز كثيرة، يمكن المراوغة و الدوران و حبسهم، لكن تلك الغرفة لا تحوي سوى مذبح واحد، و هذا خطير.
‘ماذا أفعل حقًّا؟ هل أنثر دمي الآن و أستدعي روين؟’
لكن هذا أيضًا مقلق.
لا ضمان أنّ روين سيأتي هذه المرّة، و حتى إن جاء، فقد يكون هذا الشيء أسرع في صيدي…
و في تلك الأثناء، خفّ نور عود الثقاب مجدّدًا.
كان مصّاص الدماء يلاحقني على وتيرة خطواتي، فتوقّفتُ قليلًا.
و عندها أيضًا، تداخل صوت الخطوات بشكلٍ غريب ثمّ انقطع.
‘إمّا أن تظهر بوضوح، أو لا تُصدر أيّ إشارة أصلًا!’
بيدٍ مرتجفة، أخرجتُ عود ثقاب و أشعلته.
و بينما كنتُ أكتئب أفكر بأنّه لم يتبقَّ سوى ثلاثة أعواد فقط…… حدث ذلك.
[كيكيك، كيك. ثلاثة، ثلا—ثة—]
“…….”
[ثلا—ثة.]
هل يعقل أنّ هذا الشيء……كان ينتظر أن يقلّ عدد أعواد الثقاب لديّ؟
[كيكك، كيكيك، كيك……ثلاثة. كيك، كيكيك!]
[‘؟’ يريد أن يقوم بـ ‘—بيب’ بك.]
[‘؟’ يريد أن يقوم بـ ‘—بيب’ بك.]
عاد الحجب بـ ‘البيـب—’ مرّةً أخرى، لكنّني فهمتُ فورًا.
الصيد و الافتراس.
في لحظة، انتشر هواءٌ رطبٌ و ثقيل من خلفي.
بدأ قلبي يخفق بعنف.
كان بطني ينقبض ببرودةٍ قاسية، كأنّني ابتلعتُ جليدًا، و حتّى العرق البارد سال.
‘سأموت. حقًّا، حقًّا سأموت هنا….’
الضحك المتواصل كان كالسكاكين يغرس نفسه في جسدي.
تحرّكتُ بدافع الغريزة، لكنّ صوت الخطوات صار غير متناسق الآن.
كلّما تقدّمتُ خطوة، كان يتعمّد أن يُصدر الصوت متأخّرًا، فاضطررتُ أخيرًا إلى التوقّف.
و في اللحظة نفسها، هبّت ريحٌ مفاجئة من الخلف، فانطفأ عود الثقاب فجأةً.
“……!”
[تسـ—عة— عشـ—رة— ثما—نية—]
فهمتُ فورًا ما يعنيه العدّ المفاجئ.
ما إن أشعلتُ عود ثقاب جديدًا، حتّى دوى الصوت و كأنّه كان ينتظر.
[اثـ—نان. كيكك، كيك. اثـ—نان—]
ربّما كان من الأفضل أن أدخل غرفة الصلاة الآن وأختبئ.
فكّرتُ بذلك، لكنّ ساقيّ لم تتحرّكا، كأنّ شيئًا يمسك بكاحليّ.
‘لا، لحظة.أشعر فعلًا و كأنّ شيئًا يمسكني……؟’
من دون وعي، نظرتُ إلى الأسفل.
ما رأيتُه كان يدين.
يدان حمراوان قانيتان، حادّتا الأطراف، تمسكان قدميّ من الجانبين.
و فجأةً، ظهرت عيونٌ عديدة في مواضع مختلفة من تلك اليدين.
“……هاها.”
حين التقت عيوننا، انفجر الضحك منّي بلا سبب.
جسدي المتين على نحوٍ غير طبيعيّ لم يفقد وعيه حتّى في هذا الوضع.
“هاها، هاههاها. هاها…. ها.”
لكن لا، هذا لا ينفع.
الآن فعلًا لا ينفع.
لم أعد أميّز إن كان ما يسيل من عينيّ عرقًا أم دموعًا.
و في الوقت نفسه، كان الأمر أشبه بحلم.
كابوس حقير بحقّ.
وفي تلكَ اللّحظة.
[▶ يبدو أنّني أرى كابوسًا. ماذا أفعل؟
1. (أهاجم.)
2. (أهرب.)
3. (أنام.) ]
“……صحيح. إذًا هو كابوس فعلًا. كان حلمًا حيًّا بعض الشيء لا أكثر.”
حتّى نافذة النظام كتبت بوضوح «كابوس»، فلا بدّ أنّه حلم.
لم أعد أريد الهرب.
لقد تعبتُ كثيرًا.
و النوم يبدو خيارًا ناقصًا.
بعد أن ضحكتُ طويلًا، انحنيتُ عند الخصر و قرّبتُ لهب الثقاب من العيون.
طعنتُ أكبر عينٍ مباشرةً، فجاء الردّ فورًا.
[كي—آااخ!]
يبدو أنّ له تأثيرًا!
كلّما طعنتُ عينًا تلو الأخرى، أُغلقت، و حين أُغلقت كلّها، ارتخى شدّ اليدين الممسكتين بكاحليّ.
تخلّصتُ من اليد اليمنى أوّلًا، ثمّ قضيتُ بسرعة على اليسرى.
و حين تحرّرت ساقاي، بدأ مزاجي يرتفع أكثر فأكثر.
‘غريب. لم أعـد خائفة إطلاقًا.’
اختفى الرعب و الهلع تمامًا، وصار جسدي المنهك خفيفًا على نحوٍ لا يُصدّق.
استقمتُ في وقوفي و استدرتُ، فرأيتُ شخصًا يقف هناك.
رجلٌ ذو شعرٍ أبيض أشدّ بياضًا من شعر روين، و عينين ذهبيّتين، و بشرةٍ سمراء.
كان ضخم البنية و ملامحه قاسية بعض الشيء، لكنّ عينيه كانتا دامعتين.
‘أشعر أنّني رأيته من قبل….’
حدّقتُ فيه بصمتٍ حتّى تذكّرتُ.
إنّه مصّاص الدماء الذي التقيتُه في القبو.
ذاك الذي قلّـد روين و سأل بوقاحة إن كان يمكنه الدخول.
‘أيّها الوغد! هل تعرف كم كنتُ خائفة؟!’
غريب حقًّا.
حينها كنتُ مذعورةً لدرجة أنّني لم أستطع فعل شيء، أمّا الآن فكنتُ أرغب فقط في تمزيقه.
و شعرتُ بثقةٍ غامضة أنّ ذلك ممكن الآن.
لأنّه حلم.
بسطتُ كفّي بتهديد، فسقط عود الثقاب من يدي فجأةً.
اختفى حتّى الضوء الخافت، فعاد الظلام يخيّم، لكنّني لم أخف أيضًا.
‘لكنّ الظلام شديد، و لا أرى جيّدًا. ليت المكان يضيء قليلًا.’
ما إن خطرت لي هذه الفكرة حتّى ظهرت كتلٌ من نارٍ مزرقة تشتعل فجأةً حولي.
‘لا تقل لي إنّني أنا مَنٔ صنعتها؟’
توقيت ظهورها كان دقيقًا أكثر من اللازم ليكون فعله هو.
جرّبتُ أن أفكّر في تحريكها، فتحرّكت كما أردتُ.
هذا عزّز يقيني بأنّ كلّ شيء حلم.
رغم أنّها بدت كنيرانٍ هائمة، فزاد جوّها كآبةً بدل أن تنير.
و مع انفصال الإحساس بالواقع تمامًا، صار سلوكي أكثر تهوّرًا.
صرختُ.
“سأمزّقـكَ!”
و صرخ مصّاص الدماء.
“سأقوم بـ البيب— بك!”
حُجبت الكلمة مجدّدًا، لكنّ الإحساس يقول إنّه قال الشيء نفسه.
لو كنتُ في وعيي، لكنتُ صرختُ رعبًا عند سماع ذلك، لكنّني فقط انزعجتُ.
قطّبتُ وجهي و قلتُ بحدّة أكبر.
“لا تقلّدني.”
“لا تقلّدني.”
……هل هذا الوغد؟
“قلتُ لا تقلّدني!”
“قلتُ لا تقلّدني!”
“…..”
“…..”
“أنا غبيّـة.”
“أنـتِ غبيّـة.”
“….!”
هل هذا الموقف الطفوليّ السخيف ناتج عن كونه حلمًا؟
حدّقتُ فيه بغيظ، فضاقت عيناه قليلًا.
ظهرت أنيابه من بين شفتيه المشرعتين، وسال لعابه بغزارة.
“جائع….”
ما إن رأيتُ تعبيره الجائع، حتّى ظهرت الخيارات انعكاسيًّا.
[▶ يبدو أنّ ‘؟’ جائع جدًّا. ماذا أفعل؟
1. (أقدّم له ذراعي بسخاء.)
2. (أتردّد ثمّ أقدّم عنقي.)
3. (أغضب و أقدّم إصبعي.) ]
“؟”
ما هذا؟
أنا لا أنوي أن أقدّم له شيئًا أصلًا، لكنّ الخيارات تجبرني على سفك دمي.
التعليقات لهذا الفصل " 45"