كما قال لاس قبل قليل، إذا انفتح مكان لا يمكن الذهاب إليه عادةً، فمن الطبيعي أن يثير الفضول.
و الشخص الذي يتجاوز الحدّ هناك لا يُمنَع عمدًا.
ثمّ إنّ روين يُغريهم و يسحبهم إلى القلعة ليجعلهم طُعمًا.
‘لا أعرف لماذا يتصرّف أهل القرية هكذا، لكن إن فُسِّر هذا وحده فستتوافق الأمور قبلها و بعدها إلى حدٍّ ما.’
كما أنّ الإنسانيّة تدهورت معها أيضًا.
إنّه عالم مجنون بكلّ معنى الكلمة…
أمّا الاحتمال الثالث و الأخير فلا شيء مميّز فيه.
أن يكون كلّ شيء مجرّد مصادفة عجيبة.
‘هو أكثر أملًا من الاثنين الآخرين، لكن بهذا الشكل لا يفسّر ريبة القرية.’
في النهاية، الخلاصة أنّ هذه اللعبة على الأرجح قذرة من أساس خلفيّتها.
‘آآآه….’
منذ أن أخرج المنتج نهاية بذلك السوء، كان الأمر فاسدًا من جذوره.
و حين وصلتُ أنا أيضًا إلى حدّ انتزاع شعري يأسًا، أخذ لاس يهتزّ من كتفيه و هو ينتحب.
“آه، آه، هييك…. نـ، نحن…هل نُشعل، النار هنا فحسب…؟”
قال ذلك و هو ينتحب، بكلامٍ خطير للغاية.
حدّق ريد في لاس بتعبيرٍ مذهول.
و بما أنّني شعرتُ بأثر خيارٍ مألوف، أجبتُ ببلادة.
“لو أردنا حرق المكان كلّه فسنحتاج إلى كمّيّة هائلة من الزيت، فمن أين سنجده….”
“…هل إشعال النار أمرٌ مقبول أصلًا؟”
نظر إليّ ريد بتعبيرٍ أشدّ ذهولًا.
و بينما أنظر إليه، خطر ببالي شيء فجأةً.
“بيغوي.”
“ماذا؟”
“…..”
“……ليلي، هل أَنتِ، بخير فعلًا؟”
“نعم، أنا بخير. فقط لا تكلّمني قليلًا. لديّ ما أفكّر فيه.”
لو كان هناك ما أدوّنه لكان الأمر أسهل، لكن لا مجال حتى لأحلم بذلك هنا.
عوضًا عن ذلك، فرّغتُ رأسي قدر الإمكان ونظّمتُ أفكاري بهدوء.
‘ريد مات محبوسًا في غرفة تحترق. لكن قبل موته، أظنّ أنّه تذمّر فجأةً من انهمار الزيت عليه.’
كانت الضحيّة الرابعة التي ظهرت بعد ماريان، و مينا، و جين هي ريد.
وعند تلك النقطة، أصبح واضحًا:
‘آه، هو أيضًا سيموت قريبًا….’
و بالاستناد إلى جملة «انهمر»، فالاحتمال الأكبر أنّ هناك آليّة في السقف، مثل الفخّ الذي هاجم “ليلي”.
‘ألا توجد طريقة ما لجمع ذلك الزيت؟ كأن نضع وعاءً تحته….’
و أثناء التفكير بذلك، أدركتُ فجأةً.
يبدو أنّني أنا أيضًا لستُ في كامل صوابي الآن.
هززتُ رأسي، و أفرغته مرّةً أخرى، ثمّ قلتُ بهدوء.
“هذا لا يصلح يا لاس. ليس فقط أنّ الحصول على الزيت مستحيل، بل أصلًا، هل تظنّ أنّ تلك الوحوش ستقف متفرّجة و نحن نشعل النار في بيتها؟”
“ليلي، قبل قليل كنتِ…… لا، لا بأس كلامكِ صحيح. حتى لو أشعلنا النار بمعجزة، فما الفائدة إن لم نستطع الخروج؟هل نتحوّل إلى لحم مشوي معًا؟”
“……إذًا ماذا نفعل؟ نستمرّ في لعب الغميضة إلى أن نموت؟!”
كانت عينا لاس محمرّتين بشدّة.
فأعدتُ إليه الكلام الذي قلته لمينا قبل قليل حرفيًّا.
“نحن كلّنا عالقون ولا نستطيع الخروج، و كلامكَ ليس خاطئًا، لكن لماذا تصبّ غضبكَ علينا؟”
رغم أنّ نبرتي أصبحت ألطف بكثير بفضل ما تعلّمته سابقًا.
و أصلًا، لاس ليس من ذوي الطباع الحادّة، لذا انتفض جسده فورًا عند سماع الصوت الحازم.
و كأنّه خشيَ أن يسوء الجوّ، ربتَ ريد على ظهره وقال.
“لاس، هدّئ من روعك. ليلي ليس في حالة جيّدة أيضًا، فماذا نفعل إن تصرّفتَ هكذا؟”
لكن لماذا يمسك بشعري؟
استفزّني هذا الكلام غير اللائق.
أنا شخص يُجيد إظهار القسوة على الضعفاء و التهاون مع الأقوياء، ولا أُجامل أحدًا سوى روين و مصاصي الدماء أمثاله.
لكن……
“أرجوك…أشعر أنّني سأجنّ….”
أمام توسّل ريد، الذي حافظ طوال الوقت على هدوئه و نضجه، قرّرتُ أن أتجاوز هذه المرّة.
مددتُ ذراعي و ربتُّ على كتفه مواسيةً.
“أنتَ أيضًا حالتكَ ليست جيّدة.”
“…سماع هذا منكِ يجعلني أجن. لكنّه ليس خطأ. من الصعب الحفاظ على العقل هنا. لا تخطر ببالي سوى أفكارٍ سخيفة، ماذا أفعل فعلًا؟”
ثمّ مسح ريد وجهه بيديه الجافتين مرّةً أخرى وهو يتذمّر.
يبدو أنّ رؤية ضعف صديقه أيقظت في لاس مشاعر مختلفة.
و بعد أن أخرج أنفاسًا متقطّعة عدّة مرّات، قال بصوتٍ خافت.
“آسف يا رفاق. آسف……أريد أن أكون ثابتًا، لكن هذا المكان، مخيف بشكلٍ لا يُحتمل. قلبي يخفق بقوّة، و يصعب عليّ حتّى التنفّس…….”
“بالنسبة لأشخاصٍ جبناء مثلنا، فلا حيلة لنا. أنا أيضًا كان قلبي يخفق بعنف طوال الوقت و أنا مع روين…….”
“أ، أنا، لو تعرّضتُ لما تعرّضتِ له أنتِ يا ليلي، لكنتُ مـتّ بنوبة قلبيّة منذ زمن……لكن هذا مختلف. هذه القلعة نفسها مرعبة بشكلٍ بشـع. في الحقيقة، هربتُ قبل قليل لهذا السبب.”
حتى في اللعبة، كان لاس خائفًا إلى حدٍّ غير طبيعي.
و كان موته الوحشيّ لأنّ خوفه المفرط استمرّ في استفزاز روين.
‘و كان مشهد موت لاس هو أيضًا اللحظة التي كُشفت فيها طبيعة روين.’
……هل يُعقل أنّ لذلك سببًا ما أيضًا؟
يبدو أنّ الوضع صار الآن لا يسمح بتجاهل أيّ تفصيل.
لم أستطع منع نفسي من التنفّس بعمق.
بعد كلام لاس، أطبقنا الصمت تمامًا.
و في تلك الأثناء، احترق عود الثقاب إلى النصف تقريبًا، فخفت الضوء.
‘لم يكن الأمر هكذا حين كنتُ مع روين.’
وجوده بجانبي أو غيابه، في الحالتين يدفعني للجنون.
بكلّ المعاني.
تنهدتُ و أخرجتُ علبة الثقاب مجدّدًا.
كنتُ أظنّها وفيرة، لكن لم يبقَ سوى خمسة أعواد.
‘كان هناك شيء يشبه الشمعدان على المذبح.’
لا نعرف ما الذي قد يحدث لاحقًا، لذا من الأفضل الاقتصاد في استخدام الثقاب قدر الإمكان.
غطّيتُ اللهب الضعيف بكفّي كي لا ينطفئ، و قلتُ لهما.
“ريد، لاس. هناك شيء يشبه الشموع في الأعلى.
لنذهب معًا و نحضره. لم نعـد نسمع طرقًا على الباب منذ فترة، لذا لا بأس أن نبتعد قليلًا.”
بعيدًا عن كون المسافة قصيرة لدرجة أنّ الأنف يكاد يلامس الأرض عند السقوط، فإنّ التحرك وحدي مخيف.
كما أنّ تفحّص الغرفة يفيد أكثر من إضاعة الوقت هكذا.
نهض ريد فورًا و كأنّه يرى أنّ التحرّك أفضل، لكن لاس لم يفعل.
“ه، هل سيكون الأمر بخير؟ ماذا لو حطّموا الباب فجأةً و دخلوا؟”
ابتلعتُ كلام «و كيف لرأسٍ أن يكسِر بابًا؟» و أجبتُ بلطف.
“حينها سيتحطّم ظهرك أنتَ أيضًا، فهل لا بأس بذلك معك؟”
“هيك!”
شهق لاس و قفز من مكانه.
ثمّ التصق بنا سريعًا، لكن ريد لم ينظر إلى لاس، بل إليّ بتعبيرٍ غريب.
“ليلي، أنـتِ…هل كنـتِ فعلًا في سنّ المراهقة؟”
“ماذا؟”
“لا، أعني…كيف أقولها. كنتِ تتصرفين بغرابة في الآونة الأخيرة. تقولين إنّ الوحدة مريحة أكثر، و إنّك تستطيعين البقاء لوحدك، و لا تهتمين بشيء، و تبقين على مسافة. لكن الآن، كأنّك عدتِ كما كنتِ سابقًا.”
الآن عند التفكير في الأمر، قال شيئًا مشابهًا قبل قليل أيضًا.
حتى مينا قالت إنّ ليلي عادةً لا تهتمّ بالآخرين و تبقي مسافة بينهم.
‘هي شخصيّة لم يكن لها أيّ سطر حوار، لذا من الصعب الحكم، لكن يبدو أنّها لم تكن متظاهرة بالهدوء أصلًا.’
و من خلال كلامه، يبدو أنّ علاقتها بريد كانت أقرَب و أخفّ تكلّفًا من علاقتها بمينا.
حين أدركتُ ذلك، شعرتُ بشيءٍ غريب.
‘حتى لو كانوا شخصيّات ثانويّة تموت بطرقٍ بشعة، فقد وضعوا إعداداتٍ لعلاقاتهم الإنسانيّة أيضًا.’
في الواقع، كون سيغ و جين يحبّان ليلي كان واحدًا من تلك الإعدادات التفصيليّة.
بعد أن رتّبتُ أفكاري، أجبتُ ريد بهدوء.
“نعم. لفترةٍ كنتُ أفضّل الوحدة، لكن في مكانٍ كهذا انتهت تصرفات المراهقة. على أيّ حال، لنذهب بسرعة قبل أن ينطفئ ضوء الثقاب.”
“آ، آه.”
حين استدرنا، دخلت الدائرة السحريّة التي رأيناها سابقًا إلى عينيّ بوضوحٍ أكبر.
لكنّ ريد و لاس كانا يبدوان غير مكترثين بها تمامًا، و أنا أيضًا تجاوزتها مؤقّتًا.
و حين اقتربنا من المذبح، تبيّن أنّني لم أُخطئ الرؤية.
كانت هناك شمعة طويلة موضوعة في شمعدان.
‘التي التقطناها في القبو كانت صدئة، لكن هذه تبدو نظيفة نسبيًّا.’
رغم وجود خدوش هنا و هناك، إلّا أنّ اللون الذهبيّ الواضح لفت الانتباه فورًا.
حتى الشكل كان مختلفًا تمامًا.
كان هذا الشمعدان طويلا، مسطّح القاعدة، و يبدو أنّه مخصّص ليُوضَع في مكانٍ واحد.
و فوق ذلك، كان ثقيلًا إلى حدٍّ لا يُستهان به.
‘لسنا في وضعٍ يسمح لنا بالتمييز بين طعامٍ بارد أو ساخن.’
حين نقلتُ لهب الثقاب إلى فتيلة الشمعة المثبّتة بإحكام، أضاء المكان أكثر قليلًا.
التعليقات لهذا الفصل " 43"