كان لاس هو أوّل مَنٔ تفاعل، حتّى قبل أن أتكلم.
“ق، قتال؟ مع تلك الوحوش؟”
“ليس مستحيلًا.”
“فكّروا جيّدًا.”
“تتكرّر أمور غريبة، و تبدو تلك الوحوش مخيفة، لكن هل أُصيب أحدٌ منّا؟ هل مات أحد؟”
عند اقتراح ريد الجادّ، فتح لاس عينيه على اتساعهما.
“آه، الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر… يبدو أنّ هذا صحيح؟”
“حتّى ليلي، يبدو أنّ كلّ ما حدث لها هو تغيّر ملابسها فقط.”
“لو كانوا يريدون إلحاق الأذى بنا، لفعلوا ذلك منذ زمن.”
“أقصى ما يفعلونه هو الظهور فجأة، و مطاردتنا، و تهديدنا بهذا المستوى فقط.”
“لذلك—”
“لا.”
كنتُ شاردة، لكنّي قطعتُ كلام ريد بصوتٍ مرتجف. فارتسم الاستغراب على وجهيهما.
و في تلك اللحظة القصيرة، بدا أنّ كليهما لم ينتبه إلى أنّ صوت طرق الباب قد توقّف تمامًا.
‘أليسوا سيزيدون من طرق إيذاءنا لأنّنا تجاهلناهم؟’
كنتُ قلقة خصوصًا من تصرّفات أسمير ذي المزاج السريع الاشتعال.
ولا سيّما أنّ درجة الصداقة صارت صفرًا.
سألني ريد، الذي لم يدرك أنّه قال شيئًا غير معقول.
“ليلي، هل يمكنكِ شرح ما تقصدينه بقولكِ: لا؟”
“كنتُ على وشك أن أموت فعلًا.”
شرحتُ لريد و لاس بالتفصيل نفس الموقف الذي أخبرتُ به أسمير سابقًا، ذلك الذي ‘كدت أموت فيه ثمّ نجوتُ’.
و بالغتُ قليلًا في الوصف، حتّى لا يسرح تفكيرهما. ثمّ أريتُهما ساقيّ، حيث لا تزال آثار الكدمات الملوّنة واضحة.
“لقد غُسلتُ أثناء إغمائي، لذلك اختفت الآن، لكن كانت هناك آثار أصابع مطبوعة على كاحلي بوضوح.”
“كانت قوّة الشدّ هائلة، و بصراحة استغربتُ أنّ عظام ساقي ما زالت سليمة.”
“كيف سنمنع جدارًا غير مرئيّ يقترب، أو فخًّا يظهر فجأة؟”
“……”
“أنا لا أقول إنّ المواجهة فكرة سيّئة.”
“لكن إن هاجمنا بتهوّر، و غضبوا بشدّة… حينها قد نموت جميعًا فعلًا.”
لم يكن هذا بدافع أن أنجو وحدي.
أنا أتذكّر جيّدًا كيف مات لاس في اللعبة.
‘تعرّض جسده للتمزيق و هو لا يزال حيًّا.’
التلاعب بالذاكرة و التحكّم في السلوك قدرات تتجاوز حدود البشر.
فكيف يمكن القتال مع كائنات تمزّق أطراف الناس بسهولة؟
‘في اللعبة، كانوا أكثر حذرًا لأنّ ليلي ماتت، لكن بما أنّ أحدًا لم يمت الآن، صاروا أكثر جرأة…’
لم يكن بالإمكان منع مينا من الذهاب إلى موتها بقدميها في تلك الظروف.
لكن الآن، لم يكن روين بجانبي، ولم يكن هؤلاء الإثنان قد نسياني.
لذلك أردتُ أن أضيف كلمة حاسمة، شيئًا من قبيل التفريق بين الشجاعة و التهوّر.
لكن حينها—
[▶اقترحي على لاس و ريد خطّة التصرّف القادمة.
1. لنكشف سرّ القلعة أوّلًا.
2. فلنُشعل النار في القلعة.
3. لنيأس و نعـش هنا فحسب. ]
“……”
ما الفرق بين هذا و بين التقدّم الإجباري؟
حدّقتُ في نافذة النظام بعينين مرتجفتين.
“ليلي؟ هل أنـتِ بخير؟”
عندما تجمّدتُ و أنا أحدّق في الفراغ، ناداني ريد بحذر.
أومأتُ ببطء، و حرّكتُ عينيّ.
‘أرغب فعلًا في اقتراح إحراق القلعة، لكن يبدو مستحيلًا.’
‘سأحترق أنا قبل أن تحترق القلعة.’
‘أمّا الاستسلام والعيش هنا، فذلك جنون محض.’
‘مستقبلي كحصة طعام طارئة واضح وضوح الشمس.’
‘كنتُ أخطّط أصلًا للتحقيق في أمر القلعة، فلا بأس…’
هل لأنّ الأمر قسريّ إلى هذا الحدّ؟
أشعر و كأنّني أُساق داخل نصّ مُعدّ بإحكام.
بعد تفكيرٍ قصير، قرّرتُ تجاهل الخيارات مؤقّتًا.
‘إن أصبح الأمر خطيرًا، فسيظهر تحذير كما في المرّات السابقة.’
بعد قليل، اختفت نافذة النظام.
و كما حدث مرّات عدّة، بدا أنّ الصمت عُـدّ جوابًا.
و بعد فترة قصيرة، فتح لاس فمه بوجهٍ كأنّه أدرك شيئًا.
“ه، هل تعتقدون أنّه عند بزوغ الفجر، سيأتي الناس لإنقاذنا؟”
“فنحن لسنا واحدًا أو اثنين، بل ثمانية أشخاص مفقودين.”
ثمانية أشخاص.
عدد لا بأس به، لكنّه بدا مزعجًا على نحوٍ غريب.
‘أنا و روين، و ريد، و لاس…’
كنتُ أعدّهم واحدًا واحدًا و أنا أضمّ أصابعي، حين هزّ ريد رأسه بسرعة وقال بصوتٍ منخفض.
“لم نخبر أحدًا بأنّنا سنأتي إلى هنا.”
“ل، لم نخبرهم، لكن المكان الوحيد الممكن هو هنا، لذا بالتأكيد—!”
“هل نسيتَ قواعد القرية أنتَ أيضًا؟”
“لا تقتربوا من القلعة.”
“و لا تبحثوا عن المفقودين ليلًا.”
……هل كانت هناك قاعدة كهذه؟
أعرف قاعدة عدم الاقتراب من القلعة.
لكن قاعدة عدم البحث عن المفقودين ليلًا لم تظهر في اللعبة.
تابـع ريد كلامه.
“كانت مينا تُصرّ على أن نخرج أوّلًا و نُحضر الناس.”
“لكنّنا خالفنا قاعدة عدم الاقتراب من القلعة أصلًا.”
“و قالوا إنّنا إن اعترفنا بذلك، فسنُعاقَب.”
و بينما قال ذلك، بعثر ريد شعره بيديه، وكان يبدو مثقلًا بالهمّ.
و بالطبع، شعرتُ أنا أيضًا بالثقل.
لأنّ لاس بدأ يرتجف على نحوٍ مقلق عند سماعه كلمة “عقاب”.
‘يا ترى ما ذلك العقاب أصلًا…؟’
قاعدة عدم البحث عن المفقودين بحدّ ذاتها مريبة، و ردّة فعلهما أغرب.
حتّى أنا بدأتُ أشعر بالخوف.
و بينما كنتُ أتحرّك بقلق، تمتم لاس بشرود.
“لماذا… لماذا دخلنا هذا المكان أصلًا؟”
“……لقد دخلنا بالفعل، فما الفائدة من الشكوى الآن—”
“لا، ليس هذا ما أعنيه…”
“الأمر غريب، أليس كذلك؟”
“في العادة كانوا يمنعون الدخول منعًا باتًّا، و يتناوبون على الحراسة.”
“و بسبب تلكَ الأجواء، لم نجرؤ حتّى على الاقتراب.”
“لكن لماذا كان المكان خاليًا تمامًا اليوم؟”
“.…”
“ثمّ إنّني أنا و ماريان جبناء، أنتم تعرفون ذلك.”
“نخاف من الرعد و البرق حتّى.”
“اقتربنا من القلعة بدافع الفضول فقط، ولم نكن ننوي الدخول فعلًا.”
“فلماذا… لماذا دخلنا نحن إلى هنا؟”
كان لاس يتحدّث بارتباك، و ملامحه مليئة بالحيرة.
يبدو أنّه، بعد المطاردة المتواصلة، أدرك الأمر متأخّرًا.
و عند سماع ذلك، شعرتُ أنّ الأمر ليس مجرّد تلاعب بالذاكرة.
و كأنّ شيئًا آخر قد فُعِـل بنا.
و أنا بدوري، كنتُ أزداد ارتباكًا كلّما ذُكرت تفاصيل عن تلك “القرية”.
‘إذًا كانوا يمنعون الاقتراب فعلًا.’
‘كون الطريق مفتوحًا اليوم فقط يمكن تبريره كترخيصٍ تم التلاعب به ، لكن…’
ما زال الأمر يقلقني.
فقد ذُكر مرارًا أنّ المطوّر بذل جهدًا كبيرًا في الإعداد.
و الألقاب التي رأيتها في نوافذ النظام، و أسماء روين و أسمير و أديلين ، لعلّها امتداد لذلك.
‘فلماذا فُتح الطريق إلى القلعة تحديدًا اليوم؟’
هناك ثلاثة احتمالات.
الأوّل: روين هو مَنٔ تلاعب بسكّان القرية.
‘بقدراته الغريبة، قد يكون ذلك ممكنًا…’
لكن وفق الإعداد الرسميّ، لا يستطيع روين استخدام قوّته خارج القلعة، و لا الابتعاد كثيرًا عنها.
لذا يبدو من الصعب أنّه أثّر في القرية.
‘و فوق ذلك، لو كان قادرًا على هذا، فلماذا يختلق أصلًا أسطورة عن وحوش تسكن القلعة ليمنع الاقتراب؟’
ثمّ إن كان هذا صحيحًا، فلا فائدة من الهرب أصلًا.
و في الوقت نفسه، تذكّرتُ كلام أسمير ذي المغزى قبل قليل.
أنّ روين كان دائمًا يراقبني.
و الواقع المرعب الذي تخيّلته انطلاقًا من ذلك.
‘…لا، مستحيل.’
‘لا بدّ أنّه ليس كذلك.’
سأؤجّل هذه الفرضيّة الكئيبة، التي لا تحمل حلمًا ولا أملًا ولا مستقبلًا.
الاحتمال الثاني: أهل القرية أرسلونا عمدًا.
كنتُ قبل قليل أستعيد خلفيّة اللعبة، و اعتقدتُ أنّ الحبكة تفتقر إلى المنطق.
لم أفهم لماذا يتركون قلعة يختفي فيها الناس، و لماذا لا يهجرون القرية.
‘لسنا أوّل مَنٔ صار فريسة هنا.’
‘و إن كانت قواعد القرية وُضعت وهي تأخذ ذلك بالحسبان…’
فنحن، ببساطة، قرابين.
التعليقات لهذا الفصل " 42"