صدر من داخل الباب الذي فُتح و هو يصدر صوتَ صريرٍ، و تسلّل هواء بارد.
‘آه، عودُ الثقاب…!’
ارتبكتُ من ارتعاش النار، فسحبتُ يدي بسرعة إلى الخلف.
مهما اختلف الأمر عن اللعبة، لا يسعني إلا أن أشعر بالخوف.
لكن بخلاف ما كان يحدث عندما أكون مع روين، انطفأت شعلة عود الثقاب سريعًا.
حالما اختفى ذلكَ الضوء الضعيف، أسرعتُ أتشبث بذراع اسمير.
“مـ، ميـر. انتظر قليلًا. علينا إشعال عود ثقاب جديد…”
كنتُ على وشكِ إسقاط عود الثقاب المنطفئ و إخراج علبة الثقاب التي وضعتها في جيبي قبل قليل.
حينها فجأة اندفعت إضاءةٌ من داخل الغرفة.
“……!”
لأن بصري كان قد اعتاد على الظلام، أغمضت عيني لا إراديًا حين انكشف المكان بضوءٍ ساطع.
حتى بين جفنين المغمضين، كان الضوء الذي يتسرّب، ساطعًا إلى درجة أدهشتني.
‘ما هذا، بحقّ…؟ لم يظهر في هذه اللعبة ضوء مثل هذا!’
الضوء كان شديدًا إلى حد الألم.
بينما لم أستطع حتى فتح عيني نصف فتحة، كان اسمير يتقدّم إلى الداخل.
و بما أنني كنتُ متشبثة بذراعه تقريبا، اضطررت إلى الدخول أيضًا.
و في اللّحظة نفسها، سُمِـع صوت انغلاق الباب خلفنا.
‘…الضوء بدأ يضعف.’
بمعنى آخر، من المُحتمل جدًّا أن هذا من فعل أحدهم.
‘قد أرى شيئًا غريبًا جدًا لحظة فتـح عيني.’
مثل مصاص دماء بنصف جسـد فقط، أو واحد بلا تجاويف للعينين.
مهما رأيت فسأفزع، لكني أخذت نفسًا عميقًا حتى لا أموت من سكتة قلبية.
ثم ببطء… ببطء شديد فتحت عينًا واحدة قليلًا.
وما لمحتُه كان أشبه ببيت استحمام فاخر للغاية.
نعم، حمّام.
حمّام فخم.
“.…?”
نسيتُ عزيمتي على فتح عينيّ التدرّج، و فتحتهما بالكامل.
أول ما رأيته، و أكثر ما لفت انتباهي، كان التمثال.
في وسط حمّام كبير تتلألأ مياهه النظيفة، كان يقـف تمثال لصبي صغير في وضعية صلاة.
‘ما هذا الشيء الغريب…؟’
و من فوقنا، كانت ثريا ضخمة تتلألأ بطريقةٍ تجعلني أتساءل: كيف يُحافظون عليها؟
و ليس ذلكَ فقط.
رغمَ أن هذا حمّام، إلا أن جدرانه الرخامية كانت مُعلّق عليها لوحات، و النوافذ كانت مزيّنـة بزجاج مُرصّع.
‘…ما هذا المكان بالضبط؟’
وقفتُ مذهولةً في مكانٍ بـدا و كأنه ينتمي إلى نوع آخر من القصص تمامًا.
“مرحبًا يا جميلة.”
“أآاااااه!”
صوتٌ همس في أذني اليسرى، كأن أحدهم نفخ هواءً دافئًا عليها.
كان صوتًا لم أسمعه من قبل.
لكنّه كان منخفضًا و ناعمًا لدرجة جعلت حرارة تصعد إلى وجهي، فوضعت يدي على أذني و استدرت.
كانت تقـف هناك امرأة ترتدي فستانًا فخمًا.
شعرٌ أحمر مضفور بخفة، و عينان خضراوان متألقتان مثل وردة متفتحة.
كان جمالها دقيقًا و مضيئًا إلى حدّ جعلني أفقد تركيزي للحظة.
حتى الفستان الفخم المنسدل حول جسدها كان كأنه بتلات زهور.
‘إديلين… أليس كذلك؟’
“الكارثة الجميلة”. تذكّرت هذا اللقب الذي مرّ عليّ عرضًا.
حين ابتسمت، ارتفعت الشامة التي عند طرف عينها اليمنى بسلاسة.
ثم انفرجت شفتاها اللامعتان.
“تشرفت بلقائك.”
وما خرج من بينهما كان نفس الصوت الذي سمعته قبل قليل.
أي أنه، صوت رجل منخفض و ناعم.
“…..?”
ماذا؟ لمـاذا؟ لماذا أتى من وجه امرأة… صوتُ رجل؟
و بينما لم أستطع إخفاء ارتباكي، ابتسم الرجل… أو المرأة… لا، إديلين… بخجل.
“جميلتي، جميلتي. لديّ طلب صغير… هل يمكن أن تعطني قليلًا من السائل الأحمر الثمين الذي يكوّن جسدكِ؟”
و قال ذلك بابتسامة خجولة…
بينما كانت تقوم بشيء مقرف من نوع راقٍ جدًّا. كنتُ على وشكِ اعتبارها حالة جديدة من المجانين… لكن المشكلة ظهرت حينها.
[ لقد أُصِبتِ بحالة سحرية: ‘الافتتان’. (الهدف: أنـتِ)]
بمعنى آخر، لقد وقعت ضحية هذا الهراء السخيف.
‘قلتُ لكم لا تستخدموا هذا النوع اللعين!’
كما حدثَ عندما سيطر عليّ روين، كان عقلي صافيًا بينما بدا جسدي و كأنه خضع لسيطرة غيري.
لم أقل شيئًا، لكن اديلين ابتسم بابتسامة فاتنة، و فتح شفتيه.
[“إديلين” يرغب في تذوق الـ ‘بييب’ الخاص بك.]
و بينما ظهرت نافذة النظام هذه، برزت أنياب حادة للغاية من بين أسنانه البيضاء.
كانت حادة حقًّا، أنياب مصاص دماء حقيقية.
‘أآآاااه!!’
و حين اقترب وجه اديلين من وجهي، شعرت بقشعريرة تسري في ظهري.
‘لا!’
كنتُ لأُفضّل أن يُجـرَح جسدي بسيف على أن يُثقب بسنّ.
ارتفعت يدي التي كانت عاجزة عن الحركة من قبل بشكلٍ مفاجئ.
[بفضل إرادة صلبة نابعة من غريزة البقاء، تـمّ تحريرك من حالة ‘الافتتان’.]
كان هناك صوت حادّ يتردد من خلف نافذة النظام.
و شعرت براحة يـدي و هي تضرب شيئًا صلبًا.
كانت هذه هي المرة الثانية.
“…..”
هل لديّ رادار لا يستهدف سوى الصدر، أم ماذا.
لكن الشيء المهم لم يكن هذا.
كانت يدي على صدر اديلين، لكنني لم أشعر بأي شيء.
ليس الأمر في صغر الحجم… بل أنه لم يكن هناك شيء أصلًا.
مسطـح. صلب. خالٍ تمامًا.
بمعنى آخر….
‘مـ ، مصاص الدّماء هذا… رجلٌ متنكر بزيّ امرأة؟!’
بقيتُ متجمّدة في مكاني بينما كان اديلين ينظر إليّ بهدوء، ثم تراجع خطوة وقال:
“يا له من أمر. كيف تلمسين جسـد شاب طاهر بلا استئذان؟ كم هذا محرج.”
“شـ، شاب… طاهر؟”
“نعم، شاب طاهر. و على أي حال، يا جميلة… إن سمحتِ، هل تعطيني قليلًا من السائل الأحمر الثمين المكوّن لجسدك…؟”
شعرتُ أن كل أعصابي ترتجف.
هذا الشخص أيضًا، من الخارج يبدو جميلا لكن داخله فاسد تمامًا.
انسحبتُ بسرعة إلى خلف أسمير.
‘كلاهما مجنون، لكن جنون هذا أخـف من ذاك…!’
أنا واثقة من ذلك.
تحوّلي من كوني”وجبة خفيفة” إلى “وجبة مميزة” لدى روين ، و ما يحمله من نوايا غير واضحة لدى روين، و بتقدير اسمير المتطرف لروين.
‘بما أنني ارتقيت من وجبة خفيفة إلى مميزة، فلن يسمح أن يُمسّ دمي بسهولة.’
كنت خائفة حقًا، لستُ أدّعي ذلك، بل أنا أرتجف بالفعل بينما أتشبث بأسمير.
في تلك اللّحظة ظهرت نافذة النظام مرّةً أخرى.
[ لقد أُصِبتِ بحالة سحرية: ‘فقدان السمع’. (الهدف: أنـتِ) ]
فقدان السمع؟ هل ذلكَ يعني… أنني لم أعـد أسمع؟
‘صحيح. سابقًا في الممر أيضًا، اختفى الصوت فجأة.’
و كان اديلين هناك أيضًا.
لم أشكّه فيه من قبل، لكنه كان الوحيد القادر على ذلك.
‘لكن لم يظهر إشعار في تلكَ المرة.’
ربّما ظهر سريعًا ولم أره، أو ربّما لم يظهر أصلًا.
لكن المهم الآن أن أُخبر اسمير أنني لا أسمع.
[بفضل إرادة صلبة نابعة من غريزة البقاء، تـمّ تحريرك من حالة ‘فقدان السمع’.]
الآن انحلّت الحالة.
‘هل عليَّ الآن أن أتظاهر بأنني لا أسمع؟’
سأجـنّ حقًا.
مهما قلتُ إنني أتقمص شخصية الفتاة الساذجة العاشقة، فإن التظاهر بعدم السمع في حين أنني أسمع، أمر صعب جدًا.
لكن هذا العالم لا يرحم.
التفت إليّ أسمير و قال:
“أختي؟”
استجمعتُ الإحساس الذي شعرت به قبل قليل، ذلك الفراغ، و قلت متلعثمة:
“مِـ، مِير. ماذا قلـتَ الآن؟”
“….”
“مير؟”
“غبيـة، حمقـاء ، كلبـة قذرة.”
هذا البعوض الحقير تجرأ و بدأ بإطلاق شتائم طفولية سخيفة
كدت أُكتَشف، لكنني سارعت لوضع يديّ على أذني.
“هذا غريب… مير. أنا لا أستطيع أن أسمع مجددًا. لماذا يحدث هذا؟”
هذه المرة كان عليّ أن أبدو متماسكة.
رفعت صوتي قليلًا، لأظهر أن إدراكي للصوت مختل.
‘لا بأس. لن يكتشف أحد. حتى روين لم ينتبه عندما انحل سحر الإغراء سابقًا.’
لم يكن عليّ تمثيل الخوف، لأنني كنت خائفة فعلًا. أطلق أسمير تنهيدةً طويلة و مسح شعره.
“ما الذي تفعله؟”
للحظة، ظننت أن صوته الغاضب موجّـه إليّ.
“الاحتكار شيء سيئ يا أسمير. نحن نتشارك الطعام. هكذا هو نظامنا.”
لو لم يتدخل اديلين ، لكان الصوت موجّهًا إلي حقًا.
‘طعام…’
خفق قلبي بقوّة.
و بينما كنتُ أتظاهر بلمس أذني بارتباك، كان اسمير يحدّق بي بوجه متجهم.
“هذا ليس طعامًا.”
و لم أرتبك عند سماع الكلام التّالي حتّى.
“إنها الوجبة الخاصة للسّيـد روين.”
…كنـتُ أعلم أنه سيقول ذلك.
التعليقات لهذا الفصل " 35"