في غمضة عين، اختفى الشّعر المتساقط من السّقف دونَ أثـر.
نظرَ اسمير إلى حيث أشير بنبرته السّاخرة المعتادة.
“ماذا هناك. لا يوجد شيء.”
“….”.
“هل رأيتِ هلوسة؟ سمعتُ من أخي روين أنكِ تقفين متجمدة و شاردة أحيانًا.”
نعم، كان ذلك يحدث.
لكنّ ذلك كان هلوسة حقًّا، أمّا الآن فلا.
[‘إديلين’ تريد جمع ‘بيب—’ الخاصّ بكِ.]
‘لكن الآن ، بالطّبع ليست هلوسة بما أنني رأيتُ مثل هذا التحذير من النظام…’.
لكنّني لم أقفز قائلة أن كلامه مستحيل، بل أجبتُ بوجهٍ قلق.
“نعم، يبدو أنّني أخطأتُ. ربّما بسببِ التّعب.”
لا أفهم ما الذي يهدف إليه. هل أراد تغيير طعم الدّم عند شعوري بالخوف؟
على أيّ حال، مواكبة الأمر ليست أمرًا صعبًا.
كلّما أشعر أن عقلي ينهار ، أفكّر أنّني لو لم أكن أعلم أنّ هذا عالم لعبـة، أو لو لم أكن أرى نوافذ النّظام، لكنتُ جننتُ منذُ زمن.
‘أو مـتّ قبل أن أجـنّ حتّى.’
بالطّبع أشعر بالحزن كلّما أرى أفكارهم، لكنّ معرفة ما يجري أفضل.
‘بفضل ذلكَ أنجو بطريقةٍ ما.’
تنهّدتُ بصمت، فنظر أسمير إليّ ثمّ إلى يدي مرّة أخرى.
شعرتُ بالأسف الشديد، ففكّرتُ بيأس.
‘لو رفعتُ يدي فجأة، سيظنّني مشبوهة.’
بعد التّفكير، عبستُ و رفعتُ يدي إلى وجهي.
لمستُها قليلًا بفمي، فشعرتُ بطعم حديديّ و كـدتُ أتقيّأ.
ردّ اسمير فورًا على منظري.
“ما الذي تفعلينه الآن، أختي.”
“أضـع لعـابي.”
“لا، لماذا تضعيـن اللّعاب.”
“…من أجل التعقيم؟”
“مَنْ يعقّم بهذه الطّريقة… هل أفعلها لكِ؟”
تغيّرت نبرة اسمير السّاخرة فجأة.
كنتُ أرغب بشدّة أن أردّ عليه بنفس النظرة، لكنني كتمتُ الأمر و مددتُ يدي ببساطة بينما قلتُ:
“حسنًا!”
أمسكَ اسمير بيدي بوجه محمَر، ثم دفن وجهه فيها.
وبما أنني اختبرت هذا مرارًا من قبل، فقد وقفتُ ثابتة و كأنني أمنح دمي لبعوضة جائعـة.
و بعد قليل رفعَ اسمير رأسه و ترك ذراعي.
كانت راحة يدي نظيفة تمامًا، و بدأت تفوح منها من جديد رائحةُ الأزهار. بل إن الجرح قد اِلتـأم أيضًا.
‘هل هذه سمة من سمات مصاصيّ الدماء؟’
حين أخبرني روين بأنه يملك قدرة على الشفاء، ظننت أن الأمر هراء، لكن كان هذا حقيقيًا بالفعل.
قررت ألا أفكّر بعمق لماذا هذه سمـة من قدراتهم.
فعلى أي حال، سينتهي الأمر باستنتاج يشبه: للحفاظ على دمٍ طازج، أو لتسهيل شرب الدم……
‘لكن…هل هذا هو السبب حقًّا؟’
نظرتُ إلى ظهر يدي بتردّد، فقال اسمير.
“ما الأمر؟ هل هناك مشكلة؟”
“لا، أبدًا! شفـي الجرح تماما. أنا محظوظة.”
“…هل هذا كلّ شيء؟”
هل هناك شيء آخر يجب علي قوله أيضًا؟
فكّرتُ قليلًا ثمّ قلتُ ما كنت أقوله لروين.
“شكرًا، ميـر. بفضلكَ اصبحت أشعر بالراحة قليلًا.”
“….”.
لكنّ تعبير اسمير أصبح أغرب.
فكّرتُ ما إذا كان قد فاتني شيء ما.
ابتسمتُ و استمررتُ في التّفكير، لكن نظراته ازدادت غرابة.
ثمّ انحنى فجأة و قال .
“البشر العاديّون لا يشفون ببعض اللّعاب على الجرح. لماذا لا تشكّين أبدًا.”
إذن، هذا ما فاتني.
أعرف أنّ اسمير مصاص دماء، لهذا مرّرتُ فعلته كأمر طبيعيّ.
‘لا بأس. سأخبره أنني سمعتُ ذلكَ من روين!’
فتحتُ كفّي الأيسر تلقائيًّا.
كنتُ أمسك الكبريت بإصبعي السّبابة و الإبهام، فظهرتْ ثلاثة أصابع فقط، لكنّها كافية.
“روين فعـلَ الشّيء نفسه و شفي الجرح؟ تعجّبتُ عندما فعلها لكنه قال أنها قدرة شفاء. أنـتَ أخ روين و تفوح من لعابكما رائحة أزهار، لذلك كنتُ أظن أن لديكَ نفس القدرة…”.
عند كلماتي التي قلتها و أنا أظهر كفّي ، ابتعد اسمير و قال.
“هاه؟ قدرة شفاء؟ هل قال أخي روين ذلك؟”
“نعم. و قد طلبَ مني الإحتفاظ بالسر لهذا لم أخبر مينا. أنـتَ أخ روين ، و بما أن الجرح شفي تمامًا كنتُ أعتقد أنكما تملكان نفس القدرة.”
لا بأس بالارتباك، لكن لا يجب أن أظهر أي خوف أو تلعثم.
كبحتُ بردوة اجتاحت داخلي و قلتُ بهدوء، فأصدر أسمير صوت تنهّـد قصير.
“هل هو كذلك؟”
“نعم. هل… ربّما أخطأتُ في فهم شيء ما؟”
“لا. ليس كذلك.لكن….هل تفوح رائحة أزهار حقًّا؟”
اختفى الضّغط الخفيّ الذي كان يثقل الأجواء.
شعرتُ أنّ هذا أيضًا غير طبيعيّ، لكنّني لم أستطع التراجع الآن.
ابتسمتُ ببراءة و قلتُ.
“نعم. رائحة أزهار حلوة. ألا تشمّها، مير؟”
رمّش أسمير و سحـبَ معصمي.
أخذ يشتمّ ككلب ثمّ مال برأسه.
“لا أشمّ أي رائحة زهور… لكن هل هي رائحتكِ؟ هناك رائحة تشبه الأعشاب.”
رائحة أعشاب من جسـد ليلي؟
تمتمتُ في داخلي أن هذه مبالغة بالنّسبة لشخصية إضافية ، فسمعتُ أسمير يتمتم:
“إذن هي كانت توابل.”
توقف عن مقارنتي بالطّعام…
لا أستطيع حتى التّجهّم، لذلك ابتسمت و مرّرتُ كلامه.
“سنسأل روين لاحقًا. روين ذكيّ جدًّا. يعرف الكثير و قراراته سريعة.”
ردّ اسمير فورًا على المديح الخفيف.
“صحيح! أخي روين هو الأفضل! يبدو أنّـكِ تعرفين شيئًا على الأقل”
نعم، انا أعرف الكثير بالفعل.
لكنّني لم أرغب في الاستمرار في الحديث، لذلك ابتسمتُ و أومأتُ.
‘لا يجب رفع درجة حـبّ أسمير كثيرًا.’
بل يجـب علي أن أزيد الاتّصال الجسديّ أكثر لأدخل في مسار الصّداقة.
‘بصراحة، رفع الإعجاب باللمس للوصول إلى مسار الصداقة أمر سخيف.’
أمسكتُ يـد أسمير بطبيعيّة.
“أين المكان الذي توجد به مرافق الماء؟ هيّا لنذهب إليه سريعًا.”
“…اذهبي مباشرةً في ذلك الإتجاه.”
ارتجف أسمير قليلًا لكنّه لم يسحب يـده.
استمرّ الصّمت أثناء السّير في الممرّ.
لكن على عكسِ ما كنت أتوقع ، الوضع معه لم يكن مرهقًا نفسيًّا أو جسديًّا بشكلٍ مفاجئ.
‘الفخاخ تختفي باستمرار.’
شعرتُ بكلّ شيء.
أحيانًا أشعر بوخز في جسدني يدفعني للحذر، لكنه سرعان ما يختفي.
و رغمَ أن اسمير بـدا غير مهتم، إلا أنّني كنتُ أعرف أنّه مَـنْ يفعل ذلك.
‘هل دمي لذيذ لدرجة أنّـه حسّـن مزاجـه؟’
لا أعرف السّبب، لكنّه جيّـد بالنسبة لي. أتمنّى ألّا يكون هذا هدوء ما قبل العاصفة…
بعد تجاوز عدّة غـرف، توقّف اسمير أمام باب كبير جدًّا.
“هنا.”
“هذا الباب أكبر من البقية.”
“إنّـه حمّام، لذلك هو كبير.”
“حمّام؟”
“نعم. الدخول فيه جماعيّ، لذا يجب أن يكون كبيرًا.”
مكان غير موجود في اللّعبة.
لكن رأيتُ بابًا كبيرًا في الطّابق الثّالث أو الرّابع.
‘بما أنها قلعة، فمن الطبيعي أن يكون لديهم حمامات مشتركة…’.
فرغمَ أن هذا المكان أصبح وكـرًا لمصاصّي الدماء الآن، إلا أنه لا بدّ أن يكون له تاريخ من قبل.
لا أظن أن روين أو غيره من مصاصّي الدماء قد بنـوه.
بينما كنتُ أحدّق في الباب المنقوش بعناية، سحب اسمير المقبض.
التعليقات لهذا الفصل " 34"