لم أستطع الالتفات فورًا، فأمسكت بذراع روين.
ابتسم روين ببراءة و أجاب مينا.
“آه، مينا. هل كنتِ هنا في مكان كهذا؟ كنتُ قلقًا جدًّا. هل كنتِ مع ليلي؟”
حوار عادي كان يتدفّق كالماء.
يبدو أنّه ينوي الاستمرار في لعبة الصداقة، فشعرتُ بالارتياح داخليًّا و أدرت رأسي.
كانت مينا تقف متردّدة أمام الباب الدّوّار.
‘عادت ثيابها إلى طبيعتها.’
لم تكن ترتدي ذلكَ الفستان الغريب الّذي أثار تساؤلاتي، بل مجرّد ملابس عاديّة.
و بالرّغم من أنّها تبدو شاحبة بعض الشّيء، إلّا أنّ عينيها كانتا مليئتين بالحيويّة.
‘لحسن الحظّ أنّها خرجت من تلكَ الحالة…’.
غريـب.
كان تعبير وجهها بينما تنظر إلينا شاحبًا كمَـنْ رأى شيئًا مرعبًا.
‘…هل اكتشفت هويّـة روين الحقيقيّة؟’
ربّما رأتـه يشرب دمي قبل قليل.
أو ربّما، كما حدثَ لي سابقًا، انفـكّ التّلاعب بالذّاكرة فجأة.
بينما أنا متوترة لا أعرف أيّ قنبلة ستنفجر منها، فتحت مينا فمها.
“ذ، ذلك الشّخص، مَـن يكون؟”
كان إصبعها المرتعش يشير إليّ أنا بالذّات.
قبل أن أردّ، سبقني روين و قال.
“ماذا تقولين، مينا. إنّها ليلي. صديقتنا الّتي ولدت و ترعرعت معنا في القرية.”
“أنتَ، أنتَ بالأحرى ما الذي تقوله الآن؟ صديقة ولدت و ترعرعت معنا؟! لم أرَ مثل هذه الفتاة قط!”
هزّت مينا رأسها بسرعة و ازداد وجهها شحوبًا.
من مظهرها الخائف بصدق، خمّنتُ ما يحدث.
‘لقد تلاعب بذاكرتها. يريد إثارة النّزاع بيننا ليجعل الأمر أكثر رعبًـا.’
عندما رأيت اسمير لأوّل مرّة في غرفة التّعذيب، تأكّدتُ أنّه ليس شخصًا عاديًّا.
فمَـنْ الذي قد يمتلك عقلاً سليمًا و يدخل مكانًا كهذا.
و الأمر نفسه ينطبق على مينا.
‘بل و يقول حتى أنني صديقة ولدت و ترعرعت معهم في القرية…’.
كنتُ هادئة لأنّني أعرف أنّ هذا عالم لعبة و أعرف مَـن ْهو أسمير. أمّا مينا فلا.
بالإضافة إلى أنّها مـرّت بأحداث مرعبة كثيرة، فكم سيكون مخيفًا أن يُقال لها أنّ فتاة لا تتذكّرها هي صديقتها.
‘لكن لماذا لم يتلاعب بذاكرتي أنا؟’
حتّى لو لم يكن تلاعبه بذاكرتي ناجحًا ، إلا أن روين لا يعرف ذلك.
مهما فكّرت في الأمر، لم يكن أمامي سوى التظاهر بالصّدمة على وجهي.
“مـ، مينا…”.
ربّـت روين على ظهري وقال بصوت يُقصد به أن يُسمع.
“لا بأس، ليلي. لا تقلقي. يبدو أنّ مينا تمـرّ بضغط كبير الآن.”
“م، ماذا… روين. أنـتَ، أنـتَ…!”
“مينا، اهدئي قليلًا. أحقًّا لا تتذكّرين؟ إنّها ليلي.”
نظرت مينا إليّ بوجه بـاكٍ، ملتصقة بالجدار وهي تلهث، ردًّا على كلام روين الهادئ.
كان الرّفض و الرّعب واضحين على وجهها الشّاحب.
أغمضت مينا عينيها سريعًا و هزّت رأسها.
لم يمرّ وقت طويل حتّى خرجَ صوت ضعيف و مرتجف من بين شفتيها.
“آسـ، آسفة. لقد صدمتُ كثيرًا… ال، الآن، للحظة، لم أكن بوعيي… تـ، تذكّرت، ليلي…”.
كانت خائفة إلى درجة تثير الشّفقة وهي تنظر إليّ.
‘لو كان أي من ماريان أو لاس مكانها، لكانا قد انفجرا بالبكاء بهستيريّة حتّى النّهاية قائلين أنّهم لا يعرفونني.’
في هذه الحالة، لم يكن معروفّا ماذا كان سيفعل روين، لذا كان ردّ فعلها هذا أفضل.
بالرّغم من أنّني أنا ، و ليس روين ، أصبحتُ مصدر الرّعب لمينا الآن.
‘لو كنتُ ليلي الحقيقيّة، لكنتُ فقدتُ عقلي مثل مينا.’
روين هذا الوغد الخبيث.
يعمل رأسه جيّدًا في الأمور الشّريرة.
في هذه الأثناء، مـدّ روين يـده إليّ بعد أن وقف أوّلًا.
أمسكتُ بها و وقفت، فاقتربت مينا متردّدة.
“روين، لي… لي؟ هـ، هل التقيتَ بالآخرين…؟ عندما استعدتُ وعيي، كنتُ هنا.”
بدأ الحديث الّذي دار بيني و بين مينا في غرفة اللّعب خلف الجدار من جديد.
يبدو أنّ وجودي و كلّ ما تبادلناه من كلام قد مُحـي تمامًا.
كان حذر مينا منّي واضحًا جدًّا.
ربّما لهذا السّبب، جـذب روين يدي و أخفاني خلفه ثمّ أجـاب.
“سمعتُ صراخ لاس سابقًا. لم أره مباشرة. و أنـتِ مينا؟ ألم تكوني مع الآخرين؟ سيغ، و ريد، و جين.”
“…كـ، كنّـا ، معًـا. لكنّني، أنا…”.
“لا تبكي و تكلّمي ببطء.”
حثّها روين بلطف لكن بحزم.
عضّت مينا شفتها بقوّة، ثمّ أمسكت بطرف ثيابها و أفلتتها، تردّدت في الإجابة ثمّ انفجرت بالبكاء.
“أنا، أنا… اقترحتُ فقط. أن نخرج نحن على الأقلّ، و عندما يطلع النّهار نأتي بأهل القرية. هل هذا سيّئ جدًّا؟ هاه؟”
“حسنًا. أعتقد أنّه استنتاج منطقيّ إلى حدّ ما. لا نعرف إلى أين هرب لاس و ماريان، و أنا و مير اختفينا أيضًا، لذا من الطّبيعي أن تشعري بالخوف.”
“صحيح. ذلكَ ليس تصرّفًا أنانيًّا. إنّه أمر منطقيّ و معقول. في، في مكان كهذا، ما الذي كنا سنبحث عنه أصلًا…”.
تمتمت مينا و هي تدافع عن نفسها ردًّا على كلام روين.
و لم يبدُ عليها أيّ ردّ فعل خاصّ عند ذكر اسم مير.
‘محـا ذاكرتها عنّي و عـدّل ذاكرتها عن أسمير على ما يبدو.’
فكّرتُ أنّ الكلام الطّائش قد يسبّب مشكلة عندما تقابل روين، لكنّها كانت مخاوف لا معنى لها.
على أيّ حال، يبدو أنّ مينا، كما في اللّعبة، اقترحت الهروب بمفردهم.
و كأنّ أحدًا وبّخها على ذلك.
‘الشخص الذي قال سابقًا دعونا نخرج و نأتي بأهل القرية كانت مينا إذن.’
في ذلكَ الوقت سمعتُ كلّ شيء دونَ تركيز، لكن يبدو أنّ هناك بعض الخلاف.
إن سُئلتُ إن كانت مينا سيّئة أو أنانيّة، فسوف أجيب بأنها ليست كذلك.
أنا نفسي كنتُ أنوي الهروب لوحدي، لذا فإن توبيخي لمينا سيكون كالكلب الملوّث بالبراز الذي يوبّخ الكلب الملوّث بالتراب.
‘بصراحة، الأشخاص الرّائعون هم مَنٔ يتصرّفون كسيغ و جين و ريد. الهروب بسببِ الخوف ليس فعلًا يستحقّ اللّوم.’
بالطّبع ضمن عدم التّضحية بالآخرين أو إزعاجهم.
‘مينا خائفة فقط، و لم تسبّب ضررًا لأحـد على ما يبدو…’.
لكنّني تفاجأتُ عندما صرخت عليّ و غضبت.
أنا تفهمّت أنّها كانت في حالة ذعر، لكن لا أعرف إن كان الآخرون فهموا ذلك أيضًا.
“كلّ هذا خطأ سيغ. لو لم يقترح الدّخول إلى هنا…”.
كانت مينا، شبه فاقدة للوعي و هي تلوم سيغ الآن.
لم أستطع قول إنّ الشّخص أمامكِ هو أصل كلّ الشّر، فبقيتُ صامتة.
انتظرنا حتّى تهدأ مينا ثمّ خرجنا من الغرفة.
الخروج نفسه لم يكن مشكلة.
لكنّني لم أرَ أسمير جالسًا القرفصاء أمام الباب، فركلته عن غير قصد، و هذه كانت مشكلة كبيرة.
نظر إليّ أسمير الّذي رُكـل بغضب وقد كتب على وجهه ‘كيف تجرؤين؟’.
[‘أسمير’ يشعر بالقتل تجاهك.]
حتّى نية القتل التي خفّت عادت من جديد.
وليس ذلك فقط.
[‘أسمير’ يريد أن يجعلكِ ‘مليئة بالـبيب—’.]
[‘أسمير’ يريد أن يجعلكِ ‘مبلّلة بالـبيب—’.]
…إنّـه يجعلني أغلي مجدّدًا.
نعم، أنا مخطئة.
لو جاءني فخذ دجاجة و ركلني سأغضب أيضًا. بل إنّني فعلتها مرّتين حتّى، لذا من الطّبيعي أن يغضب.
لذا اعتذرتُ مرارًا.
[‘أسمير’ يريد أن يجعلك ‘ تصرخين بـالبيب—’.]
[‘أسمير’ يشعر بالقتل تجاهك.]
لم ينفع أي شيء معه…
ضحكَ روين كأنّه يستمتع، و ازداد قلق مينا لأنّ أسمير يعرفني أنا أيضًا.
‘سأجـنّ حقًّا.’
لو ركلته بقوّة لما شعرتُ بالظّلم.
كلّ ما فعلته هو مجرّد لمسة خفيفة، و مع ذلك يتصرّف هكذا، لا أعرف ماذا أفعل.
‘بل إنّ الخطأ كان منه سابقًا!’
لكن بينما نسير الأربعة في الممرّ، لم أستطع تجاهل نوافذ النّظام المتتالية.
في النّهاية، نظرتُ حولي ثمّ كلّمت أسمير مجدّدًا.
“مير. أممم…”.
“همف.”
“…أنا آسفة. ألا يمكنكَ التّوقّف عن الغضب؟”
“همف.”
“كان ذلكَ خطأ مني حقًّا. لم أقصد ذلك.”
“همف.”
“…..”
لا أعرف حقًّا…. لكن أليس هو أكبر منّي سنًّا؟
كان يصدر أصوات همف همف بوجه متجهّم ، لهذا أردتُ أن أسـدّ أنفه بأصابعي حتّى يتوقّف.
لكنّني تحمّلتُ الأمر في كلّ مرّة أرى أفكاره الدّمويّة.
التعليقات لهذا الفصل " 31"