أمال روين رأسه إلى الجانب و تحرّكت شفتاه ببطء أكثر.
كان يبدو و كأنّه ينطق كلّ حرف على حدة، لكنّني لم أستطع تخمين ما يقوله.
هززتُ رأسي مجدّدًا و قلتُ:
‘أبطئ أكثر…’
بالطبع، كلمة “قلتُ” ليست إلّا فكرة في ذهني.
كيف أعرف إن كنتُ أصدرتُ صوتًا صحيحًا و أنا لا أسمع شيئًا؟
[‘؟’ تعتقد أنّ صوتكِ رقيق و محبّب كصوت غزالٍ حديث الولادة.]
[‘؟’ تريد جمعكِ.]
و بهذا اكتشفتُ الأمر.
عبر النافذة شبه الشفّافة، تحرّكت شفتا روين ببطء أكثر من قبل.
لكن مع حجب رؤيتي و زيادة توتّري، كان عقلي خاليًا تمامًا.
حاولتُ التركيز قدر استطاعتي، لكنّني سرعان ما هززتُ رأسي مجدّدًا.
‘لا أعرف، روين. أنا آسفة. حقًا، لا أسمع شيئًا…’
بينما كنتُ أتلعثم بكلمة “آسفة”، حدّق روين بي بهدوء ثمّ عَقَـد شفتيه.
في تلكَ اللّحظة ، بـدا و كأنّ عينيه أصبحتا أكثر عمقًا.
أغلق جفناه ثمّ رفعهما، و تحوّلت حدقتاه إلى خطّ رأسي.
[أصبتِ بحالة غير طبيعيّة: “النوم” (الهدف : أنـتِ)]
تعثّرتُ مع موجة النعاس المفاجئة التي اجتاحتني مع نافذة النظام.
في المرّة السابقة، تمكّنتُ من الصمود دونَ محاولة، لكن هذه المرّة، أغمضتُ عينيّ رغمَ محاولتي المقاومة.
و خلال رؤيتي الضبابيّة، ظهرت نافذة جديدة.
[‘ليلي’ قد تجنّبت نهاية [‘تحوّلت إلى دمية حيّـة…’].]
أظلمت رؤيتي تمامًا.
* * *
أمرٌ سخيف و لا يُصدَّق ، لكنّني محاصرة الآن داخل لعبة… أو بالأحرى ، يبدو أنّني انتقلتُ إلى لعبة أخرى.
بعد أن أصبتُ بحالة غير طبيعيّة و غفوتُ كما لو أنّه أغمي عليّ ، استيقظتُ لأجـد نفسي في مكانٍ لم أره من قبل.
مهما نظرتُ، لم يبدُ هذا المكان كجزء من خلفيّة <القلعة الملطّخة بالدماء>.
‘بل إنّها تبدو لعبة رعب أخرى ، و لا أعرف حتّى ما هي.’
كيف عرفتُ أنّها لعبة رعب دون معرفة ماهيّتها؟
لأنّني أرى تلك الأشياء.
…الأشباح.
أو ربّما هنا يُطلق عليهم الأرواح.
‘يبدو أنّني في حياتي السابقة لم أخـن بلدي فقط، بل خنت عائلتي و أصدقائي و الأشخاص الطيّبين معي أيضًا.’
كنتُ متكوّرة تحت طاولة كانت مغطّاة بقماش دانتيل طويل
كلّما رأيتُ قدمًا مشوّهة أو طرف ثوب، كانت أنفاسي تتسارع.
ثمّ ظهرت نافذة أمام عينيّ.
[قريبًا، سيتلاشى الظلام الذي يغطّي دير لاتري…]
عند ذكر كلمة “ديـر”، سددتُ فمي بغريزة.
‘لماذا تظهر الأرواح في ديـر…’
بعد لحظة، أدركتُ أنّ ملابسي، و كذلك ملابس الأرواح التي رأيتها في لمحـة، تشبه زيّ الراهبات.
على الرّغمِ من أنّني لستُ متديّنة، مـنْ يصنع لعبة رعب بمكان مثل الديـر؟
أردتُ أن أصرخ أنّ هذا تدنيس للمقدّسات.
‘لأنّه ، بطريقةٍ ما، عندما تكون الكنيسة أو الكاتدرائيّة هي الخلفيّـة، يصبح الأمر أكثر رعبًا…’
علاوةً على ذلك، على عكس <القلعة الملطّخة بالدماء>، ليس لديّ أيّ معلومات عن هذا المكان.
لكن عبارة “سيتلاشى الظلام” أعطتني بعض الأمل.
‘ربّما ستختفي الأرواح. سأنتظر و أخرج بعدها.’
لحسن الحظ، بدا المكان نظيفًا و مُعتنى به جيدًا، على عكسِ القلعة.
هذا يعني أنّ هناك احتمال وجود أشخاص آخرين.
كوّرتُ جسدي أكثر و أدرتُ عينيّ بقلق.
كم مـرّ من الوقت؟
بدأت الأرضية المرئيّة تحت الطاولة تتّضح تدريجيًا.
بدأت أرجل الأرواح تصبح شفّافة.
‘أخيرًا…’
حسنا ، كان هذا أكثر رعبًا من البقاء مع روين.
بدأ التوتر الحاد الذي جعلني أشعر كما لو كنتُ أقف على جليد رقيق ، يهـدأ.
عندما رفعتُ يديّ عن الأرض و تنفّستُ الصعداء،
صرير.
مع صوت شيء ينكسر، عاد الظلام مجدّدًا.
“…..”
ما هـذا؟
لدي شعور سيّء للغاية.
بدلًا من الخروج من تحت الطاولة، رفعتُ يدي لأغطّي فمي مجدّدًا.
‘لم أعـد أرى أرجل الأرواح…’
هل يمكنني البقاء هكذا؟ أم هل يجب علي أن أهرب الآن؟
في خضمّ القلق المُنهك، ظهرت يـد فجأة من تحت قماش الدانتيل.
‘آه!’
عضضتُ لساني، و ارتجفتُ كشخصٍ أصيب بنوبـة، لكنّني كبحتُ صرختي بصعوبة.
عضضتُ على فمي بقوّة لدرجة أنّ الدموع كادت تنهمر، لكن ذلكَ لم يكن الشّيء المهم الآن.
‘هذه ليست يـد إنسان.’
ليست يـدًا بشريّة، هذا مؤكّـد.
لأنّ اليـد التي كانت الباهتة لدرجة أنّ الأوردة تظهر من خلالها، لم يكن لها أظافر.
“…آه.”
لم تكن الدموع بسبب لساني المعضوض، بل لسببٍ آخر.
كانت اليـد تتحرّك كما لو تبحث عن شيء، و تقترب تدريجيًا.
تراجعتُ إلى الخلف، لكن ما كان خلفي هو جدار.
لا مكان للهروب.
وفي اللحظة التي لامست فيها تلكَ الأصابع طرف قدمي،
[وجدتـكِ.]
مع صوت خشن، أمسكت اليـد بكاحلي و جذبتني بقـوّة.
“آآآآه!”
شعور مرعب سبـق أن اختبرتـه.
صرختُ بقوّة، أغمضتُ عينيّ ثمّ فتحتهما.
“ليلي؟ لقد استيقظتِ!”
بجانبي كانت مينا، ترتدي فستانًا أخضر يشبه لون عينيها.
لم أستوعب الوضع بعد.
بينما كنتُ ألهـث و أحدّق في وجـه مينا، أدركتُ متأخرةً.
‘حلم…؟’
لقد كنـتُ أحلم.
“…ليلي، هل أنـتِ بخير؟”
لم أشعر بالواقع بعد.
تحدّثت مينا إليّ بحذر بينما لا أزال في حالة من الصدمة.
أملتُ رأسي، و أخيرًا استطعتُ الردّ عليها بشكلٍ صحيح.
“مينا…هذه أنـتِ، صحيح؟”
بالأحرى، لم يكـن ردًا، بل سؤالًا آخر.
و مع ذلك، عضّت مينا شفتيها، و أومأت برأسها و هي تذرف الدموع.
“نعم ، إنّهـا أنا. أنـتِ بخير. لحسن الحظ. لقد اختفيتِ فجأةً و قد كنّا قلقين…!”
احتضنتني بقوّة و بكـتْ بحرقة . عندها شعرتُ أنا أيضًا بالدموع و هي تتحمّع في عينيّ.
“أنا مَنٔ كنتُ أبحث عنكم. عندما عـدتُ مع روين، لم أجـد أحدًا منكم.”
فكرتُ أنّني لو وجدتُ أحدًا، كنتُ سأترك روين له و أهرب، لكنّني ألقيتُ تلكَ الفكرة في الظلام.
ابتعدت مينا، التي كانت تبكي بحزن، و سألتني:
“…روين؟ ليلي، هل كنتِ مع روين طوالَ هذا الوقت؟”
“آه، نعم ، كنـتُ معـه. لكن ، مينا ، أين نحن؟”
بصرف النظر عن الحلم، نسيتُ أمرًا بسبب لقائي غير المتوقّع بمينا.
لقد رأيتُ نافذة تقول إنّني أصبتُ بحالة النوم، ثمّ انقطعت.
‘لحسن الحظ، أنا أسمع بشكلٍ جيّـد الآن…’
بينما كنتُ أسأل مينا، تفحّصتُ المكان بعفويّة.
‘ضوء القمر هنا أقوى بكثير من الرواق. الشموع تبدو أكثر إضاءة أيضًا. مَـنْ يملك مثل هذا الذّوق ليزيّـن هذا المكان كغرفة أميرة؟’
كان فخمًا و عريقًا للغاية.
‘…لكن لا أرى باب خروج.’
في الألعاب، هناك غرف مثل هذه الإعدادات أحيانًا.
يمكنكِ الدخول بحرّيّة، لكن الخروج ليس كذلك.
‘يجب أن يكون هناك مفتاح في مكانٍ ما.’
يجب عليّ إيجـاده.
بينما كنتُ أحرّك عينيّ بتردّد، أجابت مينا متردّدة:
“لا أعرف بالضبط. عندما فتحتُ عينيّ، كنتُ في هذه الغرفة، و قد تمّ تغيير ملابسي بالفعل.”
“آه، صحيح. كنتِ ترتدين ملابس مشابهة لي…”
نظرتُ إلى الأسفل دونَ تفكير و توقّفتُ عن التفكير.
كنتُ أرتدي ملابس عاديّة و بسيطة بوضوح.
فلماذا…
‘لماذا أرتدي مثل هذه الملابس المزعجة…؟’
لم يكن فستانًا مثل مينا.
لكن الزي الأبيض الناصع لم يكن مناسبًا لهذا المكان.
‘مَـنْ يرتدي الأبيض في مثل هذا المكان المليء بالغبار؟ هذا جنون…’
لم يقتصر الأمر على تغيير الملابس.
‘على الرّغمِ من أنّني تعرّقتُ كثيرًا، جسدي نظيف و منتعش. و رائحته جميلة أيضًا.’
حتّى أنّهم قاموا بغسلي و أنا نائمة.
بفضلِ ذلك، أصبح من الواضح مَـنْ فعـلَ هذا.
‘ليس روين أو إسمير. لم يبدوا مهتمّين بالنظافة. إذًا، يجب أن تكون تلكَ المرأة مصّاصة الدماء.’
لم أرَ وجهها، لكنّها بالتأكيد أنثى.
ليس فقط بسببِ شعرها الطويل، بل عند التفكير الآن، بدا أنّها كانت ترتدي شيئًا يشبه الفستان.
‘كلّهم مجانين بوضوح…’
تنهّدتُ بتردّد.
تحدّثت مينا إليّ بحذر أكبر:
“ليلي، هل رأيتِ أيّ شخصٍ آخر غير روين؟”
فكّرتُ في إسمير عند سؤال مينا.
‘حسنًا، اسمير بالفعل شخص آخر…’
المشكلة هي أنّ مينا لم تكن حاضرة عندما تلاعب روين بذاكرتي.
‘إذا تحدّثتُ بطيش، قد يسبّب ذلكَ مشكلة عندما أقابل روين لاحقًا.’
يبدو أنّه من الأفضل التحدّث بشكلٍ غامض الآن.
“سمعتُ صوت لاس و أنا أصعد إلى الطابق الثاني.”
“فقط صوت؟ ألم تلتقِ بـه؟”
“نعم.”
لم أذكر عمدًا أنّها كانت صرخة يائسة.
كما شعرتُ بالارتياح لرؤية مينا، هي أيضًا كانت مثلي. لم أرد إخافتها بكلام غير ضروري، فذلك سيكون مزعجًا لكلينا.
لحسن الحظ، عضّت مينا شفتيها فقط و لم تسأل المزيد.
التعليقات لهذا الفصل " 27"