الأرستقراطية
في زمنٍ تتراقص فيه الشموع فوق رقاب الملوك،
وحيث تخضع القلوب لمراسم القصر، لا لنبضها،
وُلدت أوسكار فرانسوا دي جارجايس… فتاة بهيئة فارس،
ابنة الجنرال، وقَسَماً على السيف، لا على الورود.
في بلاط فيرساي المذهَّب، حيث الضحكات تُغتال بخناجر الابتسامات،
كبرت أوسكار بين الحرير والفولاذ،
حارسة لملكة تعانق النعومة وتجهل العاصفة: ماري أنطوانيت.
وتحت ظلال القصور، همس الشعب بأنينه،
وبين رفاهية الحفلات، تساقطت أحلام الفقراء كورق الخريف.
في قلب هذا الصراع…
اشتعلت حرب بين الحب والواجب، بين القلب والعَلَم،
وبينما كانت الثورة تُسنّ سيوفها في الأزقة،
تفتحت زهرة… لتُزهق بين نار العرش ودم الفقراء.
وجدتُ نفسي متجسدةً داخل روايةٍ رومانسيةٍ مُظلمة محظورةٍ لمن هُم دون التاسعة عشرة.
بصفتي ليندسي شارلوت إيفرغرين، شخصيةٌ لا علاقة لها البتّة بأحداثِ الرواية الأصلية.
كنتُ أعيشُ بسلامٍ في بلدة هوغوس الريفيّة، أنتظرُ بفارغ الصبر اليومَ الذي سأتزوجُ فيه من خطيبي، كايدن.
لكن كايدن، بعدما سافر إلى العاصمة، خانني وارتبطَ بابنة أحد النبلاء، الذي كان كونتًا.
هكذا تركني وحيدةً خلفه، أذرفُ الدموع في حسرةٍ وألم.
حينها اقترب منّي ابنُ عمّي، ريجيس إينيف دي فالنتين.
“ليندسي، أستطيعُ فعل أيّ شيءٍ لمواساتكِ.”
فكرتُ في نفسي أن هذا القدر من اللطف مبالغٌ فيه، لكنني ظننتُ أن لطفه المفرط ينمُّ عن طباعه اللطيفة.
حتّى صباح اليوم التالي، عندما استيقظتُ لأجدَ نفسي في سريرٍ واحدٍ معه.
حدّق فيّ بعينيه الذهبيتين المفعمتين بالرغبة، لكنّني صرختُ فيه أن هذا لا يليقُ بأفرادِ العائلة……
“كفى كلامًا كهذا يا ليندسي. فكّري في ذلك جيدًا، لا يُمكننا أن نكون عائلة.”
كان مُحقًا.
عند التفكير في الأمرِ مليًا، لم يكُن سوى ابن زوج أخت والدة أختي غير الشقيقة.
* * *
بعد أن أغواني ريجيس وتزوجتُه في حالةٍ من الضياع، اكتشفتُ الحقيقة.
كلّ شيء، من خيانة كايدن مع ابنة الكونت، إلى اقترابِ ريجيس منّي، كان جزءًا من مخططٍ محبوكٍ بعنايةٍ منه.
لكن الجزء الأكثر إثارةً للجنون هو
أنه لم يكن العقل المدبر الذي يتحكمُ بالبلاط الملكيّ في الخفاء فحسب، بل كان أيضًا الشرير الأخير في الرواية، الذي حبسَ البطلة وعذّبها، دوق شونيس.
تجسّدتُ في شخصية شرّيرة داخل رواية.
لكن فجأة ، اختفت البطلة.
و لم يتبقَّ سوى الأبطال الذكور الذين جُنّ جنونهم.
“عادت من الموت ، لكن يبدو أنّها فقدت عقلها بالكامل”
“إيديث ، من غيري يمكنه احتمالُك؟”
“حقًّا … أنتِ يا آنسة تجعلين المرء يكره الحياة.”
“لماذا؟ هل تخافين أنني جئتُ إلى قصر الدوق لأفعل شيئًا بالأميرة؟”
من المهووس بالسيطرة ، إلى النرجسيّ ، إلى المصاب بجنون الاضطهاد ، إلى السيكوباثي …
اللعنة. أين ذهبتِ ، أيتها البطلة؟
مركز تدريب الكوادر التابع لنقابة الظل “ريفن”.
كان المكان الذي اقتيدتُ إليه أنا وأخي الصغير بسبب ديون والدي.
أرسلتُ أخي بعيدًا على أمل أن ينشأ في أمان، ومنذ تلك اللحظة سلك كلٌّ منا طريقًا مختلفًا تمامًا.
هو أصبح ابنًا مدللًا لعائلةٍ نبيلة غمرته بالحب،
أما أنا، فأصبحت الوريثة المنتظَرة لنقابة الظل.
ومضت عشرة أعوام على ذلك.
وفجأة، أتيحت لي فرصة لم أتوقعها: فرصة للانفصال عن النقابة.
بعد كثيرٍ من التردد، قررتُ العودة إلى المتجر الذي قضيتُ فيه طفولتي مع والديّ.
كنتُ أنوي أن أعيش حياة بسيطة، أمارس فيها التجارة بتواضع،
وأن أُدير في الوقت ذاته فرعًا صغيرًا تابعًا للنقابة…
“…لكن، لماذا ينجح المتجر على هذا النحو؟!”
بسبب أخي، الذي صار الرجل الأكثر شعبية في الإمبراطورية،
أصبح المتجر، رغم وقوعه في أعماق الجبال حيث لا توجد طرق،
مزدحمًا بالزوار يصطفّون في طوابير!
وها هو كاهن المبنى المجاور يظهر فجأة ويطلب:
“هل يمكنني… المبيت هنا؟”
ثمّ يبدأ الأمير، وهو رئيس أخي في العمل، بالتورّط معي ويقول:
“كوني خطيبتي.”
وليت الأمر توقف عند هذا الحدّ…
فالمتجر، لا، بل والديّ الراحلان،
يبدو أنهما مرتبطان بحرب سحرية ظن الجميع أنها انتهت قبل 600 عام!
…ألم يكن من المفترض أن أعيش أخيرًا حياة هادئة؟
مات أخي، الذي كان من المفترض أن يكون عضوًا (مستقبليًا) في الحريم العكسي للبطلة.
وذلك في اليوم السابق لالتحاقه بجيش مقاومة الشياطين لإنقاذ عائلتنا المنهارة!
في اللحظة التي كان الجميع على وشك الاستسلام، متسائلين: “هل هذه هي النهاية؟”
خطر ببالي: “ماذا لو التحقتُ أنا بالجيش بدلاً من إرهان؟”
جيش مقاومة الشياطين يتخفى في هيئة قوة خاصة، لكن حقيقته الصارخة هي حريم عكسي ضخم، بجنون اتساعه، مخصص لإيجاد زوج للبطلة.
وكان أخي إرهان مجرد شخصية ثانوية هامشية، سطر واحد فقط، من بين 50 مرشحًا للبطولة.
إذا تخفيتُ كرجل والتحقتُ بالجيش بدلاً من أخي، وصمدتُ لمدة عام واحد فقط بهدوء تام، سأتمكن من الحصول على مكافأة التجنيد وإنقاذ العائلة!
•
مستفيدةً من خبرتها في حياة سابقة كجندية، اندمجتُ في الوحدة بشكل طبيعي تمامًا.
ولكن…
“ما هذه الحيلة التي دبّرتها؟”
البطل الأصلي يشعل نار المنافسة ضدي،
“إرهان، تبدو مختلفًا عن الرجال الذين عرفتهم.”
والبطلة، صاحبة الحريم العكسي، تُظهر اهتمامًا بي،
“انظروا! إنه إرهان، صاحب الترتيب الأول الجديد!”
علاوة على ذلك، هل يُساء فهمي حتى كأقوى شخص في الوحدة، متجاوزةً البطل؟
يبدو أنني قد تكيفتُ جيدًا… أكثر من اللازم!
“آمل ألا تكون من الأشخاص الساذجين الذين يظنون أن الزواج هو ثمرة الحب.”
لم يكن الزواج الذي أراده دان تاي مو. كان مجرد لعبة في يد الإمبراطور المتعجرف وتقلباته.
ولكن، لا يدري لماذا لا يستطيع التوقف عن التفكير في جاي إن.
لماذا تبدو الابنة المدللة للإمبراطور وكأنها لم تذق لقمة منذ أيام؟
لماذا تنهار على الأرض من دون سبب واضح؟
لماذا تمرض لأيام متواصلة حتى تُرعب من حولها؟
وما هو السر الذي تخفيه خلف ذلك الوجه البارد؟
“لن أتوق إلى الحب. لا الآن، ولا في المستقبل.”
كانت جاي إن تعلم أن دان تاي مو يكرهها. لكنها كانت بحاجة إليه.
فهو كان قطعة الشطرنج التي ستكمل بها انتقامها.
ولذا، حتى يحين ذلك الوقت، كانت تنوي التمسك به بقوة.
لكن، لماذا بدأ قلبها المتجمد يذوب أمام لطفه؟
لماذا تنهار الجدران الصلبة التي بنتها أمام دفئه؟
وهي تعلم جيدًا أن ذلك ليس صدقًا.
ومع ذلك… لماذا؟
أعظم نبيل في ريخيم.
صاحب العمل الذي تخدمه والدتها.
أول بذرة سوء حظ سقطت في حياتها.
كل هذه العبارات تشير إلى رجل واحد.
أولريش ألتهارت.
ليزبيل، محاصرة في الجنة التي خلقها هذا الرجل الجميل والمتغطرس.
تفقد طريقها تدريجيا ولا تستطيع تجنب سقوطها….
***
في مدينة مارنيا الخلابة، تجد ليزبيل أوزبورن، التي كانت على وشك الزواج من خطيبها، نفسها، على مضض، منجذبة إلى أولريش ألتهارت، سليل عائلة ألتهارت المرموقة. يمتاز لقائهما الأول بعدم ارتياح ليزبيل وسحر أولريش الغامض.
“تشرفتُ بلقائك. أنا أولريش ألتهارت،” كان صوت أولريش آسراً.
“سُررتُ بلقائك. أنا ليزبيل أوزبورن،” تلعثمت ليزبيل، غير قادرة على إبعاد بصرها عن حضوره الآسر.
بينما تصارع ليزبيل مشاعرها المتضاربة، ينقلب عالمها رأسًا على عقب عندما تواجه والدتها اتهامات بالسرقة، مما يُجبرها على العودة إلى مارنيا وإلى فلك أولريش مجددًا. تواجه ليزبيل مهمة طلب مساعدة أولريش الشاقة، فتواجهه بخوف:
“طلبتَ الرأفة، صحيح؟ إذًا تعالَ إلى الغرفة المجاورة للدراسة. أنا متشوقٌ لأرى إن كان إخلاصك الراسخ سيتحمل الأمر حقًا،” علقت كلمات أولريش في الهواء، ممزوجةً بلمحة من التحدي.
“ماذا تقصد… ذلك المكان هو…” تلعثم صوت ليزبيل، وعقلها يتسابق مع عدم اليقين.
عالقةً في دوامةٍ من الانجذاب والالتزام، تُصارع ليزبيل مطالب أولريش وبوصلتها الأخلاقية. في ظلّ مارنيا المثالية، تجد نفسها عالقةً في علاقةٍ مضطربة مع أولريش، حيث يُهدد كل خيارٍ تتخذه بغرقها في اليأس. فهل ستجد ليزبيل القوة للتحرر من قبضة أولريش قبل فوات الأوان؟
أنا أكرهك حتى الموت، ولكننا لا نستطيع أن نترك بعضنا البعض،
حتى لو قاتلنا حتى الموت، فإننا لا نغادر أبدًا ونعود دائمًا،
أنت خلاصي وأنا أنفاسك
أحبك، خيالي الوحيد.
ليكان تينكفان هو زعيم فصيل نبيل صاعد، ويُعتبر متمردًا بفضل جاذبيته الطاغية. ليكان، الذي أصبح في النهاية إمبراطورًا للبلاد، عبقري لا مثيل له في القارة.
وينتر روتيا مخطوبة لليكان منذ صغرها، لكنها تُخفي هويتها تحت اسم مستعار هو لييشا بعد اتهام أهلها ظلماً بالتمرد. عبقرية في نظرية السحر، عليها أن تقتل ليكان الصامد لإثبات ولائها.
تلف في الدماغ وفقدان الذاكرة نتيجة القصف.
هكذا فقدت نفسي. لكن لدي زوج.
“حتى لو قتلتني، سأموت طوعًا لأنني أحبك بما فيه الكفاية.”
سوف يضحي بحياته بكل سرور إذا أردت ذلك.
هل تريدني أن أقتل ذلك الشخص من أجلك؟ إن أردت، أستطيع.
إنه زوج مستعد للتضحية بأرواح الآخرين إذا أردت ذلك.
“أريد استعادة ذكرياتي.”
انسَ الأمر. أنا، أنت، كل شيء.
لكن الشيء الوحيد الذي لا يستطيع أن يمنحني إياه هو الذكريات.
“عدم معرفة أي شيء هو العلاج.”
لأن هناك حقيقة مرعبة كامنة في ماضي.
وأخيرًا عندما أواجه الحقيقة.
“أيها المحتال، لقد خدعتني!”
أردت أن أقتل زوجي.
كان كايلرن بمثابة نور يوريس.
لقد أحبته كثيرًا لدرجة أنها لم تستطع أن تتخيل مستقبلًا بدونه.
لهذا السبب فإن حقيقة أنه كان يدفعها بعيدًا فجأة كانت صعبة التحمل.
“سأتزوج نهاية الشهر ، فلا تبحثي عني بعد الآن. أطلب منكِ لآخر مرة”
لم يكن هناك أي عاطفة في صوته الجاف.
لم يكن هناك أي كراهية ، فقط صوت هادئ يقدم قطعة من الأخبار المملة.
***
و هي منكسرة القلب ، يوريس لا تستطيع أن تحب زواجها المدبر من تشاينت.
و لكن تشاينت أحب زوجته كشجرة عجوز ثابتة.
بغض النظر عن مقدار الألم ، بغض النظر عن عدد المرات التي نادت فيها بإسم حبيب طفولتها في كوابيسها ، بغض النظر عن عدد المرات التي همس فيها أنه يحبها.
كان الأمر كذلك حتى جاءت الحرب المفاجئة التي أخذت كل شيء بعيدًا.
لقد عاد زوجها ميتًا ، و رحل والداها ، و تحوّل بلدها الحبيب إلى رماد.
و ماتت يوريس مع ندم عميق.
هذا ما فكرت به عندما فتحت عينيها.
في يوم ربيعي هادئ قبل ثماني سنوات.
“يوريس ، هل مازلتِ نائمة؟”
لقد كان كايلرن لطيفًا ، لكن هذا لم يعد مهمًا الآن.
لا أعلم لماذا عدتُ إلى الماضي ، و لكنني سأوقف الحرب.
و …
“زوجي ، تشاينت ، على قيد الحياة”.
— «أودّ أن أردّ لزوجي جميلَ كلّ ما فَعلَه لأجلي.»
كانت تلك آخر همسة تسللت من شفتيها وهي على حافة الموت؛ رجاءٌ خافت أن تمنحها الحياة فرصة أخرى، ولو في جسدٍ لا يمتّ إليها بصلة… فما قيمة الجسد إن كان القلب هو ذاته؟ المهم هو الفرصة — الفرصة لردّ المعروف.
لكن الواقع لم يكن رؤوفًا…
— «أتعنين الماركيز هابروفيلد؟ أليس هو من فقد عقله بعد رحيل زوجته؟»
— «عجيب… ألم تكن علاقتهما عابرة لا تُبرر هذا الانهيار؟»
مضت خمس سنوات على وفاتها، لكنّ الشائعاتِ لم تذبل، بل ازداد غموضها وتفرّع صداها.
— «أأنتِ… أحقًّا لستِ أنتِ غريس؟»
حتى زوجها، الذي عاهدته بالوفاء، بدأ يَرتاب.
وفي عالمٍ لا يُسمح فيه لها أن تبوح بأنها غريس، كيف ستستطيع ردّ الجميل؟
وهل يَترك لها القدر سبيلًا نحو نهاية هادئة… أم أن الطريق سيزداد التِواءً وظلامًا؟








