“هل هذا صحيح فعلًا؟”
نهض لوكاس من مقعده فجأة بعد أن سمع ما نقله تيسا.
“هل أنت متأكد؟”
حتى جاكسون بدت عليه الدهشة من حديث تيسا وكأنّه لا يكاد يصدّق، فسأله مجددا.
“إنه حقيقي يا سموّ الأمير. إنه ملح! ملح حقيقي!”
كشف تيسا عن كتلة من الملح كان قد غلّفها بقطعة قماش. وعند سماع ذلك، عاد الفرسان الذين غادروا قاعة الاجتماع مسرعين إلى الداخل.
“ملح؟”
“حقًا، ملح؟”
“واو! لقد عثرنا عليه أخيرًا؟”
“اللعنة، كنتُ واثقًا من هذا.”
“كما هو متوقع، حظّ دوقنا عظيم.”
“أمـم…”
كسر لوكاس قطعة صغيرة من كتلة الملح ووضعها في فمه، فانعقد حاجباه بشدّة من طعم الملوحة الذي وخز طرف لسانه. عندها، أخذ كل فارس يلتقط بدوره قليلًا من الملح من يد تيسا ويضعه في فمه.
“أوه، إنه حقيقي.”
“أمم… مالح جدًا.”
“هاهاها، يا له من طعم مالح! إنه ملح، ملح حقيقي!”
الوجوه التي كانت قبل قليل متجهمة ومثقلة بالهموم أشرق عليها التفاؤل مع طعم الملح اللاذع.
إنه ملح.
لقد عثروا أخيرًا على منجم ملح حقيقي.
ذلك السجل كان صادقًا بالفعل.
“كم يقدَّر حجمه؟”
“لا نعلم بعد. لكن بحسب هيكتور، يبدو واسعًا وشاسعًا. ويُحتمل أن نجد كميات هائلة مدفونة إن تابعنا الحفر في الكهوف.”
“تف، هه… يبدو أنّ القدر لا يتركنا لنموت يا سموّ الأمير.”
قال جاكسون ذلك وهو يبصق الملح الذي وخز لسانه، ثم ابتسم ابتسامة صافية في وجه لوكاس. وبفضل الندبة الطويلة التي شطرت خده، كان وجه جاكسون عادة يبدو مخيفًا، لكن ابتسامته هذه أضفت عليه ليونة غير معهودة.
“يجب أن نرسل المزيد من الأيدي العاملة إلى هناك. اقسم الحرس إلى قسمين، أبقِ قسمًا لحماية القلعة وأرسل القسم الآخر إلى ذلك الموقع، جاكسون.”
“أمركم، يا سموّ الأمير.”
“جايرد، رتّب العمال، واهتم أيضًا بوسائل النقل. حضّروا أكبر عدد ممكن من الخيول والعربات بسرعة.”
“مفهوم، يا سموّ الأمير.”
أجاب جايرد، الذي دخل القاعة مع تيسا، بوجه متورد بحماسة.
[هل هذا حقيقي يا يوريا؟]
اتّسعت عينا أدريان دهشة عندما هرعت يوريا إلى المكتبة وهي تحمل الخبر.
“نعم، يا سيدتي. لقد عثروا أخيرًا على منجم الملح! سمعت الفرسان يتحدثون عن ذلك وهم يخرجون من قاعة الاجتماع. يقولون إنه حقيقي بالفعل!”
[يا له من أمر مفرح. لا بدّ أن الدوق قد سُرّ أيضًا.]
“نعم! إنه خبر رائع يا سيدتي. حتى وجوه الفرسان أضاءت بالابتسامات.”
أخذت يوريا تقفز في مكانها وتصفّق بحماس.
“إينا، هيا. أترغبين بالرقص معي؟”
“ر… رقص؟”
“نعم، رقص. هذا خبر يستحق الاحتفال! ربما لا تفهمين جيّدًا لأنك ما زلت صغيرة.”
أمسكت يوريا بيد إينا الجالسة قرب أدريان، وسحبتها لتقفز معها بحماس. ومع أنّ ملامح إينا بدت مشوشة وهي تدور معها، إلا أنّ الضحكات انفجرت من فمها في النهاية.
‘الشكر للرب.’
فكرت أدريان بسعادة وهي تراقب المشهد.
[ها أنتِ هنا يا سيدتي.]
كان ذلك حين دخل تيسا المكتبة.
[نعم. كنتُ أقرأ كتابًا أحضرته لي من قبل، مع إينا.]
داعبت أدريان شعر إينا، فرفعت الأخيرة رأسها إليها مبتسمة.
[إن احتجتِ أي شيء فسأحضره لكِ في أي وقت.]
[يكفيني لطفك هذا، شكرًا يا تيسا.]
رغم أنّ أدريان بدأت تتأقلم مع حياة رانتسكوآ، إلا أنّ أكثر من تشعر تجاههم بالثقة والراحة كانا تيسا وجارد. أما فرسان الفيلق الأسود فما زالوا يربكونها بعض الشيء، وإن كانوا لم يعودوا يتجاهلونها كما فعلوا في البداية.
[لقد وجدنا منجم الملح يا سيدتي. وقد أبلغتُ الدوق بالخبر للتو.]
[آه، لقد أخبرتني يوريا به منذ قليل.]
“نعم، لقد سمعتُ الفرسان يتحدثون عن ذلك في الطريق.”
“أها… هكذا إذن.”
“بلى. إنه خبر رائع حقًا. سيصبح رانتسكوآ غنيًا وقويًا الآن، أليس كذلك يا تيسا؟”
قالت يوريا بابتسامة مشرقة وهي تنظر إلى تيسا الذي كان يهزّ رأسه.
“ما زال الوقت مبكرًا. لكن على الأقل، سنكون أفضل حالًا مما نحن عليه الآن.”
لن تفرغ المخازن بعد اليوم، ولن يقلق السكان بشأن طعام الشتاء القارس. خصوصًا أنّ محصول البطاطا هذا العام كان كارثيًا، فكم هو مفرح هذا الاكتشاف.
[يبدو أننا سننشغل كثيرًا.]
[نعم، سيدتي. يجب تجهيز المعدات اللازمة للتعدين قبل دخول الشتاء القارس.]
[سمعت أن هيكتور خبير في هذا المجال.]
[صحيح. لقد استعنا به بعد أن قرأنا السجل الذي أشار إلى وجود منجم الملح.]
[فهمت… إنه أمر رائع حقًا.]
[منذ قدومك إلى هنا، بدأت الأمور تسير على ما يرام يا سيدتي.]
“أهذا مقصود منك؟”
انبعث صوت بارد جعل تيسا يدير رأسه. كان لوكاس وجايرد واقفين عند مدخل المكتبة، ولا أحد يعلم متى دخلا.
“جلالتك.”
“تيسا، حين تتحدث مع أدريان بلغة الإشارة، فلن يفهم أحد غيركما.”
تجمّد وجه تيسا من نبرة لوكاس المائلة إلى التوبيخ. حتى أدريان، التي قرأت حركة شفتيه، وقفت في حيرة وارتباك.
“لكن، سموّ الأمير، صاحبة السموّ تستخدم لغة الإشارة…”
“زوجتي تقرأ الشفاه. أليس كذلك؟”
اهتزّت حواجب لوكاس الكثيفة بعلامات عدم الرضا، فيما كان جايرد يراقب الموقف بنظرة يملؤها الفضول.
“لا أسمح بأن يحدث شيء اجهله في قلعتي.”
تحولت نظرات لوكاس الباردة من تيسا إلى أدريان، فارتجفت كتفاها وهي تعضّ على شفتها بذعر.
“لقد كنتُ أبلّغها عن خبر منجم الملح، لا أكثر.”
“أكان لا بدّ من أن تأتي إلى هنا، لذلك؟”
“لأنها أنباء سارّة، وأردت أن أُعلمها بها…”
“وأنت كذلك جئت لتبلغها بهذا النبأ السارّ. لقد جئت طول هذه المسافة لاجل ذلك. أليس كذلك جلالتك؟”
تدخّل جايرد الذي كان صامتًا حتى الآن ليتوسّط بين لوكاس وتيسا. كان السبب أن لوكاس بدا أكثر حساسية مما توقّع.
“أردت ابلاغها بالخبر، فجئت بكل بساطة. فلا مكان في هذا القصر محرّم عليّ.”
قال لوكاس ساخرًا بابتسامة خفيفة.
“إذن، بما أن تيسا قد نقل ما أردت قوله، فسنأخذ إذنكم بالانصراف. إينا، إن كنتِ قد انتهيتِ من دراستك، فلتخرجي معي.”
“نعم، يا سيّدي.”
تقدّمت إينا خطوة إلى الأمام بعد أن كانت نصف مختبئة خلف ظهر يوريا.
“يوريا. لتأتي أنتِ أيضًا معي.”
“هاه؟ أنا أيضًا؟”
“ثمة شيء ينبغي نقله إلى جناح جلالتها.”
“آه… نعم، فهمت.”
أومأت يوريا برأسها نحو جايرد ثم استدارت إلى أدريان بملامح مترددة، وغادرت المكتبة مسرعة الخطى.
“إنكِ حقًا تفتقرين إلى الحذر.”
قال لوكاس وهو يجلس بعدما خرج الأربعة من المكتبة. جلست أدريان مترددة إلى جانبه، وهي تعض شفتها السفلى بقلق.
“ما زلتِ غريبة هنا. مجرد أن يُظهر الناس لكِ بعض الودّ لا يعني أن هذا كل شيء.”
[…]
“تيسا شاب، وغير متزوج.”
كلامك فيه مجافاة، جلالتك.
لم تكن أدريان غافلة عن المعنى الذي قصده لوكاس. لكنها رأت أيضًا أن ثمّة حدودًا لما يجوز قوله حتى لو كان من قِبل لوكاس نفسه. تيسا لم يكن سوى شخص من تابعيه، ولم يكن بالنسبة لها سوى من يعينها على التكيف مع هذه الحياة الغريبة. ثم إن لوكاس نفسه يضع ثقته به أكثر من غيره.
“مجافاة… أنا؟ في القصر أناس كثيرون غيرنا، وبعضهم يجد في أتفه الأمور مادة لاهتمامه. أتظنين أن رانتسكوآ كتلة متماسكة واحدة؟ هل كان قصر تيريز الذي عشتِ فيه يومًا خاليًا من الفِرَق والانقسامات؟”
بالطبع لا. لقد كان مكانًا تعجّ به الفصائل والصراعات المستمرة بينها.
“صغيرًا كان الأمر أم كبيرًا، في أي مكان يجتمع فيه الناس تنتشر الأحاديث. وتلك الأحاديث لا يشترط أن تكون حقيقة.”
[…]
“من الآن فصاعدًا، لا تتبادلي مع تيسا لغة الإشارة على نحو سري. هذا أمر.”
كما تأمر.
فالمهم ليس الحقيقة، وهذا ما كانت أدريان نفسها تدركه. فالشائعات قد تكون قاسية أحيانًا إلى حد بعيد. فإذا حُمّلت براءة تيسا معنى آخر، فلن تقع العاقبة عليها وحدها، بل على تيسا أيضًا.
وفوق ذلك، تيسا ساحر لا غنى عنه في رانتسكوآ. صحيح أنه ما يزال بحاجة إلى سنوات من التدريب ليصبح ساحر عظيم، لكن لا وجود لساحر آخر هنا. ولهذا فإن نشوء شرخ بينها وبينهم سيكون أمرًا لا يمكن تعويضه.
“يبدو أنكِ غاضبة.”
قال لوكاس وهو يحدّق في أدريان.
[…]
“أتظنين أنني جائر؟”
أرى أن ما أبديتموه من حرص أمر في محله من وجهة نظرك، يا جلالتك.
“إذن أنتِ تظنين أنني جائرًا.”
قال لوكاس وهو يتأمل الكلمات المكتوبة على الرقّ، ثم هزّ كتفيه بلا مبالاة، لكن بدا في عينيه بريق خفيف من الدعابة.
‘لماذا؟’
تساءلت أدريان في سرها وهي تحدّق في عينيه.
‘ما الأمر؟’
خُيّل إليها أن وجنتي لوكاس قد احمرّتا قليلًا…
“هيا بنا لنغادر. هل كنتِ تنوين مطالعة كتب أخرى؟”
هزّت أدريان رأسها نفيًا ببطء، بعدما قرأت حركة شفتيه.
“إذن فلننزل معًا.”
فأومأت برأسها موافقة.
“صحيح، كنتُ أنوي تناول العشاء الليلة معك. لقد بدأتُ أنزعج من نظرات الناس.”
قال وهو يتقدّم بخطوة سابقة لها، ثم التفت إليها. عندها توقفت أدريان فجأة في مكانها، بوجه شارد. فقد خطر ببالها على الفور ذلك التعبير البارد الذي كان يكسو وجه لوكاس في أوّل مأدبة جمعتهما.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"