اتكأ لوكاس على إطار باب المكتبة وهو يراقب أدريان الغارقة في الكتب.
بينما كانت سيدتها مأخوذة تمامًا بالقراءة، كانت يوريا تتلهّى مع الخادمات الأخريات عند غرفة الغسيل. في الحقيقة، حين يرى المرء أدريان وقد غاب عنها الإحساس بالوقت وهي مستغرقة في الكتب، فسيسهل عليه تفهّم شعور يوريا.
“لقد مضى أكثر من ثلاث ساعات على هذا الحال.”
ارتجف لوكاس من المفاجأة والتفت نحو الصوت المفاجئ.
“ألم أقل لك أن تُظهر وجودك حين تدخل؟”
“لقد فعلت، لكن سموّك لم تنتبه.”
قطّب لوكاس جبينه وهو يجيب، فرفع جايرد كتفيه مبتسمًا ابتسامة ماكرة. من الواضح أنه كان يقصد استفزازه، لكن لوكاس لم يشأ أن ينجر وراءه.
“همم، إن استمرت هكذا ستصبح معالجة أفضل من إيل.”
“وربما ساحرة أفضل من تيسا أيضًا.”
“باعتبارها من نسل كييل، يبدو أنك تعلق عليها آمالًا كبيرة؟”
“لا أستطيع أن أنكر ذلك.”
أجاب جايرد مبتسمًا بعرض.
“ساحرة ومعالجة في آنٍ واحد…… صفقة رابحة أليس كذلك؟”
“حتى وإن لم تكن كذلك، فهي صفقة رابحة على كل حال.”
“وما الذي تعنيه بهذا؟”
“سموك موجود هنا، أليس كذلك؟”
ضحك جايرد بخفة وهو يرد، فيما ازدادت تقطيبة لوكاس وضوحًا، لكن جايرد كالعادة لم يعر ذلك أي اهتمام.
“ألعلّك بدأت تهتم أخيرًا بسيدة رانتسكوآ؟”
“كنتُ أعبر فحسب، فلا تفسّر الأمر على نحو مبالغ فيه.”
“آه…… هكذا إذن.”
هزّ جايرد رأسه ببطء على كلمات لوكاس، مما جعل نظرات لوكاس أكثر انقباضًا. لكنه، وكعادته، لم يُبدِ اكتراثًا.
‘اللعنة.’
لقد تجاوز جايرد حدوده حقًا هذه المرة. ومع ذلك، لم يجد لوكاس ما يقوله ردًا على كلامه.
‘تعبر فقط، تقول؟’
أهذا معقول؟
فهذه المكتبة هي أبعد مكانٍ داخل القلعة الداخلية، وهو لم يتكلف قط عناء المجيء إليها من قبل.
“لكن ما الذي أتى بك أنت إلى هنا؟”
“وماذا غير الكتب قد يجذبني للمكتبة؟ جئت أضع الكتب الجديدة في أماكنها. إنها كتب أحضرها تيسا من أحد كهنة أسكرو بعد أن عاد من البرج الأبيض.”
حينها فقط لمح لوكاس الكتب التي كان جايرد يحملها.
“فن العلاج؟”
“نعم، رأى أن سموها من الأفضل أن تتعلّم أكثر عن الأعشاب.”
انتقلت نظرات لوكاس من جايرد إلى رأس أدريان الصغير، وقد كانت تضع ذقنها على يدها متأملة وهي تغلق الكتاب بين يديها.
“…”
وفجأة، هبّت نسمة هواء حرّكت خصلات شعرها الفضي برفق. وفي تلك اللحظة، استدار رأسها نحوه كما لو بالصدفة.
كان على وجهها ابتسامة خفيف، لكن ما إن وقعت عيناها على لوكاس، حتى اختفى ذلك التعبير تمامًا من ملامحها الصغيرة.
“لقد جلبت الكتاب الذي طلبتِه، يا سموّك.”
[شكرًا لك، جايرد.]
“لا شكر على واجب، سموّك. إذن، أستأذن بالانصراف.”
ألقى جايرد نظرة خاطفة على لوكاس ثم غادر المكتبة.
“أيعرف جايرد الآن لغة الإشارة أيضًا؟”
سأل لوكاس بدهشة، فنفت أدريان برأسها.
“لكنه كان يحدّثك للتو، أليس كذلك؟”
بقيت صامتة قليلًا، ثم أمسكت برقعة وبدأت تكتب
إنها إشارات أكررها عادة، لذا فهمها. أنا دائمًا أقول له “شكرًا”.
“إذن كانت تلك تعني الشكر؟”
سأل مجددًا، فأومأت أدريان برأسها بابتسامة خفيفة.
“همم، وقلتِ أيضًا أنك ترغبين بتعليم فن العلاج للطفلة التي عالجتِها من قبل؟”
نعم، إنها إينا. طفلة لطيفة وذكية أيضًا. إن علّمتها العلاج، ستكون مساعدة كبيرة.
“طلباتكِ تزداد يومًا بعد يوم.”
[…]
فجأة انطفأ وجه أدريان، وقد قرأت حركة شفتيه. ظلّ لوكاس يتأملها بتركيز.
‘مزعجة.’
كان لديه من الهموم والقتال وأمور القلعة ما يكفيه. لكن هذه الفتاة الصغيرة كانت تثير أعصابه باستمرار.
لقد كان رجلًا يفصل بوضوح بين ما يثق به وما لا يثق به، ولهذا كان كثير الشكوك. غير أنّه كان يجد نفسه يهتز بسهولة أكثر مما ينبغي.
أدريان كلاديوس.
‘هل يمكن أن أضع ثقتي بكِ فعلًا؟ هل ما تفعلينه حقًا من أجل رانتسكوآ؟’
أعتذر، يا سموّك.
“لكنّك رغم ذلك ستطلبين المزيد، أليس كذلك؟”
أنا فقط أريد أن أكون نافعة لرانتسكوآ. ومع ذلك، إن كان مطلبي غير عادل، فلا بأس أن ترفضوه، يا سموّك.
“أنتِ ذكية حقًا. تجعلين من المستحيل أن أرفض. حين تقولين إن الأمر من أجل رانتسكوآ، بأي حجة أستطيع أن أعترض؟”
إذن، هل ستأذن لي؟
رفعت أدريان رأسها وقد اشرق وجهها. وللحظة، ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهه هو أيضًا. لكنه ما إن أدرك ذلك حتى غيّر تعابيره على الفور.
وحين تبدّلت ملامحه إلى الجدية، خبا النور من وجه أدريان شيئًا فشيئًا.
“بالطبع.”
[شكرًا لك، سموّك.]
“الآن، هل كان ذلك يعني الشكر؟”
أدريان، التي رأت لوكاس وقد فهم إشارتها بلغة الإشارة، أخذت تهزّ رأسها بحماس. أمام مظهرها الطفولي، انفرجت شفتا لوكاس عن ابتسامة مائلة من غير قصد.
***
“جاكسون، أما زلتَ غير قادر على تحديد موقع منجم الملح؟”
“نعم، ما زلتُ كذلك، سموّك.”
لقد مضى عام كامل بالفعل. عام قضوه وهم يجوبون الجبال الصخرية والمنحدرات الحادة بحثًا عن منجم الملح. إنهم يبدّدون الوقت والقوة البشرية اعتمادًا على سجل واحد فقط.
لكن وضع رانتسكوآ كان سيئًا لدرجة أنّه لم يكن أمامهم سوى الاعتماد على ذلك السجل الوحيد.
إذا مرّ عليهم الشتاء القارس القادم أيضًا، فستكون قد مضت ثلاث سنوات. باستثناء السنة الأولى، لم يتلقَّوا أي دعم من الإمبراطور.
وقد تزامن ذلك مع مرض الإمبراطور ولزومه الفراش، وتولّي وليّ العهد أغمنت مكانه.
أما الثروة التي قُدِّمت مع لقب الدوقية حين مُنحوا هذه الأرض، فكانت على وشك النفاد. ولو أنهم اقتصدوا في إنفاقها، ربما استطاعوا تدبير أمور القلعة حتى الربيع المقبل بعد اجتياز الشتاء القارس.
لكن المشكلة تكمن في ما بعد ذلك. فإذا استمرت غارات البرابرة وفشلت الزراعة مجددًا، فقد يجد أهل رانتسكوآ أنفسهم قلقين بشأن لقمة العيش ذاتها.
“ما رأيكم أن نهاجم معاقل البرابرة أولًا؟”
قال دارين، الذي كان يجلس في الزاوية، رافعًا يده فجأة. عندها التفتت أنظار الفرسان الجالسين متفرقين حول الطاولة الطويلة نحوه.
“لكننا لا نعرف تضاريس كيلن بدقة. لو تحركنا لضربهم هناك، قد نقع نحن في الفخ. إنها مخاطرة متهوّرة يا دارين.”
“لكن لا يمكننا البقاء في وضع الدفاع للأبد، أيها القائد.”
“صحيح يا قائد. بهذا الأسلوب لن نصل إلى أي حل. علينا البحث عن طريقة أخرى.”
أيّد كيتون كلام دارين وتدخل في النقاش.
“لكننا، في الوقت الراهن، نفتقر إلى الموارد.”
“ماذا لو طلبنا دعمًا من وليّ العهد؟”
“بما أنّ حماية الحدود أمر ضروري، اطلبوا منه أن يُعيد مهر تيفيا الذي دُفع أثناء مراسم الزواج.
“صحيح، فهو في الأصل من حقّ سموّكم. والآن بعد أن صارت الدوقة هنا أيضًا، فهذا إجراء منطقي تمامًا يا سموّ الأمير.”
ازدادت القاعة اضطرابًا بآراء كل فارس. لوكاس قطّب حاجبيه وهو ينظر إلى الفرسان المتمتمين. كلماتهم لم تكن خاطئة.
لا، بل كلها صحيحة. ومع ذلك لم يكن بالإمكان تنفيذها، لأنّ…
“أغمنت لن يمنحنا أي مرتزقة، ولن يُعيد مهر زواج سموّك أيضًا.”
بمجرد أن قال جاكسون ذلك، خيّم الصمت على القاعة. الجميع كانوا يعرفون هذه الحقيقة. فالسيد الذي يخدمونه كان مكروهًا من وليّ العهد أغمنت.
بل، وللتدقيق أكثر، وليّ العهد كان يتمنّى موت لوكاس. كما فعل مع والدته من قبل.
“في الوقت الراهن، الأفضل أن نجتاز الشتاء القارس بأمان يا سموّ الأمير.”
“جاكسون، هل تظن أنّ الأمور ستتغيّر بعد اجتياز الشتاء؟”
لقد اعتادوا على القتال، لكن هذا لا يعني أنّهم أحبّوه. فرسان الفيلق الأسود الذين يملأون هذه القاعة فقدوا الكثير من رفاقهم، وسيفقدون المزيد لاحقًا. خسارة الرفاق لم تكن أمرًا يعتاد عليه الزمن.
“إيجاد منجم الملح هو الأولوية يا سموّ الأمير.”
“…”
“فقط حينها يمكننا أن نوظّف المرتزقة بأنفسنا.”
“إذًا، لا جواب إلا ذاك؟”
“علينا انتظار الفرصة المناسبة.”
“الفرصة، تقول…”
“نعم. على الأقل يجب أن نتجاوز الشتاء القارس. نحن أصحاب القلعة، ووضعنا غير مؤاتٍ. فنحن مقيّدون بما علينا حمايته.”
“يا لها من معضلة.”
أخذ لوكاس يدعك جبينه المقطب بيده في انزعاج.
تبا لهذا المال.
سحقًا لمنجم الملح!
عندما عقد زواجه السياسي مع أدريان، قدّمت تيفيا مهرًا ضخمًا.
لكنّ هذا المهر لم يعد موجودًا في رانتسكوآ الآن. فمباشرة بعد الزواج، نقل أغمنت أدريان إلى قلعة التاج بحجة حمايتها، وجمّد المهر.
والأرجح أنّ أسرة الإمبراطورة فيلوريا هي من استولت عليه تحت ذريعة واهية. كان هدف وليّ العهد عزل رانتسكوآ، بل ودفعها نحو الانهيار.
“إذن، فلنقسّم قواتنا كما اعتدنا، نواصل البحث عن معاقل البرابرة، ونستمر بالبحث عن منجم الملح. فعندما يدخل الشتاء القارس سيكون ذلك أصعب بكثير.”
“نعم، يا سموّ الأمير.”
“مفهوم، يا سموّ الأمير.”
“بالمناسبة، هل زدتم عدد الحراس في برج المراقبة كما أمرت؟”
“أعدنا تشكيل الفرق وصرنا نحرسه بكثافة أكبر يا سموّ الأمير.”
“جيد. إذن فلنُنْهِ الاجتماع لليوم.”
مع انتهاء كلمات لوكاس، نهض الفرسان الجالسون حول الطاولة دفعة واحدة.
“يا صاحب السموّ!”
في تلك اللحظة.
وبينما كان الفرسان يغادرون قاعة الاجتماع واحدًا تلو الآخر، اندفع تيسا مسرعا إلى الداخل وهو يلهث.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"