حين بدأت السماء تظلم عاد فيلق الفرسان السود، الذين خرجوا للمعركة، إلى القلعة.
وقفت أدريان في الرواق تراقبهم وهم يدخلون، تتفقد بين صفوفهم كم من الجرحى هناك.
[يوريا، فلننزل الآن.]
ثم سرعان ما نزلت إلى الأسفل.
وبينما كانت تتجاوز الملجأ وتتجه إلى قاعة العلاج، وجدت تيسا وإل يتحركان بنشاط مع الخدم.
“جلالتك.”
[هل أنتم بخير؟]
“كما ترين، هناك بعض الجرحى. يبدو أن المعركة كانت أكبر من المعتاد.”
[وأنت يا تيسا؟ هل أصبت؟]
“أنا بخير تمامًا. عملي يقتصر على الدفاع من بعيد فحسب.”
ابتسم تيسا ابتسامة مريرة.
[الحمد لله أنك لم تُصب.]
بدى منزعجا لأنه لم يستطع تقديم مساعدة كبيرة في المعركة الضارية، لكن الآن لم يكن وقت مواساته.
ابتسمت أدريان لتيسا ابتسامة خفيفة ثم توجهت نحو إل، الذي كان يعالج أحد الفرسان.
[ما الذي يمكنني فعله يا إل؟]
“ضعي هذا الدواء على جروح الفرسان الذين لم يصابوا باصابات خطيرة، جلالتك.”
[سأفعل.]
أخذت أدريان الدواء من إل، وبدأت مع يوريا بمعالجة جروح الفرسان. وعندما رآها تيسا، لحق بهما وأخذ يستخدم سحر العلاج على المصابين أيضًا.
[هل الدوق بخير؟ لم يُصب؟]
سألت أدريان تيسا بإشاراتها وهي ترش الدواء. فأومأ تيسا برأسه، لترتسم ابتسامة محرجة على شفتي أدريان.
[أعلم أن المساعدة مطلوبة دائمًا، لكن إن علم الدوق ربما يثور غضبًا، جلالتك.]
قال تيسا ذلك بالإشارات فقط، خشية أن يسمع الفرسان في القاعة.
[حتى لو غضب، أريد أن أقدم ما أستطيع. فاليوم أُصيب عدد كبير من الفرسان. لا يمكنني أن أبقى مرتاحة لوحدي في مثل هذا اليوم.]
أيعقل أن يُقتل المرء لأنه ساعد في علاج الفرسان؟! أما الكراهية، فهي لم تكن أمرًا صعبًا على أدريان.
ماتت أمها، ونبذها والدها، وفوق ذلك كرهتها زوجة أبيها ومن يحيطون بها. لقد خبرت الكراهية حتى اعتادت عليها.
الكراهية بلا قوة.
رغم الاضطهاد والكراهية التي أحاطت بها، إلا أن قلة من الناس الذين أحبوها بصدق، جعلوها تكبر مكتملة.
لذلك… الكراهية بلا قوة.
“أحبك يا صغيرتي. سأمنحك قوة الأرواح المباركة التي تسكنني. أدريان، ستكونين طفلة محبوبة، صدقي كلام أمك.”
كان الحب بذرة نبتت في قلبها. ماتت الأم، لكن ذلك الحب لم يمت.
شدّت أدريان على قلادتها بصمت.
لم تكن تخشى غضب لوكاس. صحيح أن نظرته الباردة ستجرحها، لكنها كانت تؤمن أن الزمن سيغير ذلك أيضًا. فلو كانت مكانه، لما وثقت في نفسها بسهولة.
[…]
فجأة عمّ شعور بالاضطراب. اعتدل الفرسان الجالسون والمضطجعون في أماكنهم ونظروا نحو باب القاعة.
في تلك اللحظة، شعرت بنظرة تخترقها كحد السيف.
رفعت أدريان جسدها ببطء عن الفارس الذي كانت تعالجه.
وبالوقت نفسه، اقترب لوكاس منها بخطوات ثابتة.
وكان يتبعه قائد الفرسان جاكسون، ورئيس الخدم جايرد.
“زوجتي عنيدة فعلًا.”
[…]
“كان هناك الكثير من الجرحى بسبب حجم المعركة.”
“حتى أن سيدة القلعة نفسها رفعت كمّيها لتساعد؟”
تقدم تيسا للدفاع عنها، فازدادت حدة نظرات لوكاس.
وكانت علامات القلق بادية على وجه جايرد، الذي لا شك أنه أخبر لوكاس عن أدريان في طريقهم. والآن بعدما علم بكل شيء، لم يزد ذلك إلا غضبًا.
“مجرد وجودك في هذا المكان النائي يثير الانتباه، فكيف إذا قمتِ أنتِ بنفسك بعلاج الفرسان؟ كيف سأواجه اللورد كلاديوس؟”
[أعتذر، جلالتك.]
“تقول إنها تعتذر، يا جلالة الدوق.”
قالت يوريا وهي منكمشة الأكتاف، تنقل كلام أدريان إلى لوكاس الذي كان يرمقها بنظراته.
“هل انتهيتم من العلاج؟”
تجاهل لوكاس اعتذارها وسأل إل وتيسا وهو يلقي نظرة على القاعة.
“عدا المصابين بجروح خطيرة، فقد انتهينا تقريبًا.”
“بفضل مساعدة جلالة الدوقة استطعنا إنهاء العلاج بسرعة.”
أضاف إل وهو يلقي نظرة جانبية على أدريان.
ابتسم لوكاس فجأة ابتسامة قصيرة، لكنها اختفت سريعًا، ليعود وجهه صارمًا.
“لا تبخلوا بالدواء. وأعطوا الجميع ما يكفيهم من الطعام أيضًا، يا جايرد.”
“كما تأمر، جلالتك.”
“أدريان، غادري الآن. البقية سيتولى أمرهم إل وتيسا.”
أدار لوكاس رأسه نحوها وقال ذلك، فهزّت أدريان رأسها وقد قرأت حركة شفتيه.
ثم…
مدّت يدها بهدوء وأمسكت بذراعه.
توقف لوكاس فجأة والتفت إليها بدهشة.
“ما الأمر؟”
سأله بحدة، فيما كان جاكسون الذي يسير خلفهما يرمق كليهما بنظرة صارمة.
[هنا، إنّه ينزف.]
أشارت أدريان إلى ذراع لوكاس الذي أبعده عنها بخشونة، ثم نظرت إلى يوريا.
“هل أصِبت؟”
سأل جاكسون بوجهٍ يكسوه القلق. فذلك الدم الأحمر لم يحتج إلى ترجمةٍ ليُرى، لذا لم تُتعب يوريا نفسها بنقل كلام أدريان.
“هل أستدعي إيل؟”
“ليس إلى هذا الحد.”
“ولكن…”
[أنا… أستطيع.]
“تقول السيدة إنها ستتكفّل بذلك.”
رغم كلمات لوكاس السابقة التي منعت عنها كل شيء، كانت أدريان قد تعلمت من إيل بعض ما يخص الأعشاب والعلاجات. لم تكن بالطبع قد تعلمت فنون العلاج الكبيرة، لكنها على الأقل عرفت أي دواء يُستخدم لأي نوع من الجروح.
خصوصًا الجروح الناتجة عن السيوف؛ فقد أتقنت خلال وقتٍ قصير كيفية تقدير مقدار العلاج المطلوب تبعًا لعمق الجرح. إضافةً إلى ذلك، كانت قد اجتهدت في قراءة الكتب التي أوصى بها إيل.
“أنتِ؟”
سألها لوكاس بوجهٍ مملوء بالشك. فأومأت له أدريان بحماسة.
“إذًا، فليكن.”
قال لوكاس، وما زال الشك مرتسمًا على وجهه.
ثم أوقف جاكسون ويوريا اللذين أرادا التدخل، واتكأ على حافة النافذة. وبعد أن مضى وقتٌ منذ أن أُغلِق الباب، بقيت أدريان مترددة واقفة عند المدخل.
“أنتِ التي عرضتِ المساعدة، لا أنا.”
[…]
“إلى متى ستظلين واقفة هناك اذن؟”
خفض لوكاس جفنيه قليلًا وهو يرفع كمّه. عندها خطت أدريان نحوه بتردد.
نظرت إلى ذراعه المثخنة بالجروح بوجهٍ متجهم. أما لوكاس، فقد كان يتأمل ذلك التجعّد في ما بينها بصمت. كانت تضع العلاج على الجرح بتركيز، متوجسة لئلّا يتألم.
“هذا القدر من الإصابة…”
كان على وشك أن يقول إن الأمر لا يستحق الذكر، لكنه ابتلع كلماته. شعر فجأة باختناقٍ ما. لم يُعر يومًا أهمية للكلام، بل ولم يهتم إن كانت هذه المرأة بكماء أو غير ذلك.
[…]
أنهت أدريان العلاج، ثم رفعت بصرها إليه.
وجهها شديد البياض، لكن عينيها الزمرديتين كانتا لامعتين وعميقتين على نحوٍ لافت.
ألهذا السبب؟
كلّما حدّقت بهاتين العينين نحو شفتيه، اجتاحه شعور غريب لا يعرف تفسيره.
“إن كان في العلاج خلل، فسوف تموتين.”
قالها بصرامة متعمدة، فازداد وجه أدريان شحوبًا حتى مال الى الزرقة. راحت تهز رأسها باضطراب، والارتباك جليّ على ملامحها.
“همم، كما توقعت. يبدو أن الحديث معك يحتاج إلى رقٍّ وقلم.”
عند قوله ذلك، أومأت أدريان هذه المرّة بحماسة شديدة. فابتسم لوكاس بخفة، ثم ناولها رقعة وقلمًا بريشة.
لا يوجد أي خلل في العلاج. إنه نفس الدواء الذي استُخدم لعلاج الفرسان. أنا أبدًا لــ
طقطق.
نقر لوكاس بأصابعه على الرق كما لو كان يطرق، فرفعت أدريان رأسها عن الكتابة.
“أعلم. أعلم أنك لستِ من يفعل حماقة كهذه.”
[…]
“وأعلم أيضًا أنك ذكية بما يكفي لتكسبي قلوب الكثيرين داخل القلعة.”
[…]
“لكنني أعلم هذا كذلك.”
وفجأة مال بوجهه نحوها، ففزعت أدريان وارتدت برأسها إلى الخلف، وقد اتسعت عيناها دهشة. رأى لوكاس بوضوح عينيها العميقتين المرتجفتين أمام ناظريه.
ابتسم باهتزازٍ خفيف.
“أنك لستِ في صفّي.”
أنا، مهما قال الناس، من أهل رانتسكوآ. وأنا من حاشيتك يا سيدي.
كتبت أدريان ذلك على الرق وهي تضغط بالقلم بكل ما أوتيت من قوة، وكأنها تنقش قلبها ذاته على الورق.
تحرك بصر لوكاس ببطء من تلك الكلمات إلى وجهها.
“حسنًا… لكن الحكم في ذلك ليس لك، بل لي.”
[…]
“سأسمح لك بالاستمرار في تعلّم فنون العلاج من إل.”
شكرًا جزيلًا، سيدي.
“لكن من الأفضل أن تتركي علاج الرجال لإل. فأنا أكره الثرثرة الفارغة.”
قالها وهو يقطّب جبينه، ثم تجاوزها بخطواته وخرج. ولم تنتبه أدريان أنها ما زالت ترمقه بذهول حتى ابتعد خارج الغرفة.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"