“نقوم بمسح موضع الجرح هكذا، ثم نرش هذا المسحوق فوقه قليلًا. لحسن الحظ، ليس جرحًا عميقًا جدًا، لذلك سنكتفي بهذا، ثم سأستخدم قليلًا من السحر فوقه.”
عند كلام تيسا، أومأت أدريان برأسها.
[ما هذا المسحوق؟]
“إنه دواء مصنوع من طحن جذر زهرة تير، يا صاحبة السمو.”
بينما كانت أدريان تراقب ما يفعله الطبيب إل، قامت برش العلاج على جرح الفتاة الصغيرة. كانت الفتاة النحيلة، ابنة فلاح، الأصغر سنًا بين المصابين.
“أوووه…”
عندما لامس العلاج جانبها المجروح، أطلقت الفتاة أنينًا خافتًا.
[ستكونين بخير.]
“تقول صاحبة السمو إنكِ ستكونين بخير. حين يذوب العلاج، سيلتئم الجرح المفتوح.”
قال تيسا، الذي كان يتفقد مريضًا آخر بجانبها، موجّها كلامه إلى الفتاة.
[ما اسمك؟]
عند السؤال عن اسمها بلغة الإشارة، ارتبكت الطفلة ولم تعرف ماذا تفعل.
“تسألك عن اسمك.”
قالت يوريا، التي كانت واقفة بهدوء بجانبها.
“إ… إينا…”
[اسم جميل.]
قرأت أدريان حركة شفتيها، ونظرت إلى الطفلة بابتسامة رقيقة في عينيها. وعندما ابتسمت بلطف، بدأ التوتر المتصلّب على وجه إينا يذوب ببطء.
“أنتِ محظوظة، إينا.”
تحدث تيسا الذي كان يراقب بصمت، وهو يبث القليل من السحر على جرح إينا.
“شكرًا لك.”
عاد نظر إينا، الذي كان موجّهًا نحو تيسا، إلى أدريان من جديد. وقد أخذت عيناها تلمعان بصفاء واضح.
[على الرحب والسعة. حقًا من حسن الحظ أن الأمر لم يكن أسوأ.]
“تقول صاحبة السمو إنه من حسن الحظ أن الأمر لم يكن أسوأ.”
عندما نظرت إينا إلى يوريا، ابتسمت الأخيرة وهي تترجم إشارات أدريان. عندها انعطف طرفا عيني إينا بابتسامة رقيقة.
“حسنًا، يبدو أننا أنهينا العلاج إلى حدّ ما، فلنخرج الآن.”
[أحسنت صنعًا، تيسا. وأنت أيضًا، إل.]
عند قول تيسا، انحنت أدريان قليلًا نحوه ونحو إل. وعلى عكس ابتسامة تيسا المشرقة، كان وجه إل ممتلئًا بالارتباك.
[ربما بسبب الصورة النمطية عن العائلة المالكة.]
قال تيسا بالإشارة بطريقة لا يفهمها إلا سواها.
[ماذا تقصد…؟]
[ألم تلاحظي أن الجميع كانوا متوترين باستمرار؟ عندما دخلتِ فجأة، ألا تتصورين كم أصيب المرضى بالذعر؟]
عندما دخلت قاعة العلاج أول مرة، كان ذلك واضحًا تمامًا في أعين الناس. عيون كثيرة امتلأت بالارتباك والذهول، وهي تهرب منها هنا وهناك بتوتر ظاهر.
[آه… لكنني أردت فقط المساعدة. وأرغب حقًا في المساعدة متى ما كان هناك حاجة لليد العون.]
“تقول صاحبة السمو إنها ستساعد أيضًا في المستقبل كلما كانت هناك حاجة.”
أخبر تيسا المرضى الممددين في الأركان والوصيفات اللواتي يعتنين بهم. فهتف بعضهم بصوت عالٍ ابتهاجًا.
لكن ما عدا أولئك القلة، لم يفعل الآخرون سوى التحديق إليها خفية بعيون مليئة بالريبة. وكان ارتباكهم يصل إلى قلب أدريان بشكل كامل.
ابتسمت أدريان ابتسامة متكلّفة وهي تغادر قاعة العلاج بهدوء مع تيسا.
[بما أن العلاج هنا أُقيم على هذا النطاق الكبير، فلا بد أن مثل هذه الحوادث كثيرة، أليس كذلك؟]
[ولهذا لم نذهب لاصطحابك من قلعة التاج. في الحقيقة، سواء كنتِ هناك أو هنا، الأمر لن يختلف كثيرًا بالنسبة لكِ.]
أجاب تيسا وهو يسير بجانبها في ممر طويل مستخدما لغة الإشارة.
[لكن على الأقل، هناك أكثر أمانًا بكثير من هنا.]
[لكن قبل قليل قلت إن الأمر سيان بين هنا وهناك. إذن فهذا المكان، حيث يوجد زوجي، هو حيث يجب أن أكون.]
[هذا غير متوقع، يا صاحبة السمو.]
[ما الذي تعنيه؟]
[فقط… كنت أظن أنكِ ستكونين مجرد أميرة متطلبة. أظن أن الجميع اعتقدوا ذلك. فتيفيا بلد ثري للغاية، ثم إنكِ كنتِ الأميرة الوحيدة هناك.]
[كنتُ الأميرة الصمّاء الوحيدة.]
رغم المرارة في عينيها، أظهرت أدريان ابتسامة خفيفة على شفتيها.
[لم أقصد ذلك، يا صاحبة السمو. إن كنتُ قد أخطأت…]
[لا. لم تخطئ في حقي يا تيسا. آه… من الجيد أن هناك شخصًا يمكنني التواصل معه.]
لطالما كانت يوريا الوحيدة التي تحدثها. وقبلها كانت والدتها، هيرسي، كل عالمها. وبالطبع، كان هناك معلّم قديم علّمها في الماضي، لكن ذلك كان منذ زمن بعيد جدًا.
[يبدو أنكِ ترغبين بقول الكثير.]
[بل كان هناك الكثير مما كنتُ أرغب بسماعه.]
[إذن اطرحي أسئلتك. سأجيب قدر معرفتي.]
[تيسا… هل تثق بي؟]
فجأة، سألت أدريان وهي تنظر نحو تيسا. فتوقف تيسا برهة ينظر إليها كأن السؤال كان مفاجئًا تمامًا.
[أنا… أود أن أثق بصاحبة السمو.]
كانت إجابة مختلفة تمامًا عن إجابة جايرد، لكن بطريقة ما جعلت كلتا الإجابتين أدريان تشعر بالاطمئنان.
[هل يمكنني أن أتعلم فنون العلاج من إل؟]
[إن سمح الدوق، فسيكون ذلك ممكنًا.]
[هل من الضروري الحصول على إذن لوكاس؟]
[هنا… هناك أشياء كثيرة لا تحتاج إذن الدوق، هممم… لكن بالنسبة لأمر يخص صاحبة السمو، فالوضع مختلف.]
قال تيسا وهو يدير عينيه بمرح ويحرك يديه بخفة. فانفجرت أدريان ضاحكة من جوابه العجيب. أما تيسا فحكّ رأسه محرجَا وهو ينضر إلى أدريان الضاحكة.
منذ ذلك اليوم، بدأت نظرات الناس تتغير تدريجيًا. بعد أن كانت أعينهم لا تفعل سوى المراوغة أو الامتلاء بالسلبية، صار فيها شيء من الود، ولو قليلًا.
لم يكن الأمر واضحًا تمامًا، لكن بينما كانت أدريان تتجول في أرجاء القلعة وتمضي أوقاتها على طريقتها، لم يعد الناس يتهرّبون منها كما في البداية.
كانت أدريان تشعر وكأنها حية بحق. فحتى مع ما تتعرض له من إهمال من زوجها، كانت في رانتسكوآ تشعر أنها تعيش بالفعل.
حقًا، باستثناء طفولتها التي كانت أسعد من أي وقت مضى، لم تشعر يومًا بأنها حرة هكذا، ولعل الأمر كان طبيعيًا إلى حدّ ما.
حرية…
لم يخطر ببال أدريان يومًا أنها قد تحظى بشيء كهذا.
حرية؟!
إما أن تبقى حبيسة قلعة الشمال في تيريز حتى تموت، أو أن تلقى حتفها في إحدى مكائد زوجة أبيها.
لقد كان يكفي أن تُعرَف بأنها “الأميرة البكمى المسكينة الحبيسة في القصر” ليجعل شعب المملكة ينظرون إليها بعين الشفقة.
لقد ازداد نفوذ الملكة الجديدة يومًا بعد يوم، ومع توسّع سيطرتها وحاشيتها، أخذ الناس يرون أن تيفيا تُدار كما لو كانت مملكة الملكة الخاصة. عندها بدأ الشعب يحنّ إلى تيفيا القديمة.
لقد أحبوا والدة أدريان، هيرسي. على عكس الملكة الجديدة، كانت هيرسي متواضعة، دافئة، وتعرف كيف تمد يدها حتى لأصحاب الطبقة الأدنى من العبيد والأقنان. كانت ملكة حقيقية.
[كثيرًا ما أجدكِ هنا. هل يروق لكِ هذا المكان؟]
بلمسة خفيفة كريشة، وبنظرة مستغربة نحوها، سألها تيسا بابتسامة مشرقة.
[تيسا، متى جئت؟]
[وصلتُ للتو. رأيتُ صاحبة السمو في هذا المكان وأنا في طريقي إلى القصر.]
ابتسم تيسا بعينيه الضاحكتين.
[هل أنهيتِ تدريبكِ جيدًا؟]
[كيف عرفت أنني خرجت للتدريب؟ آه… لا بد أن رئيس الخدم أخبرك.]
[صحيح. لم أرَكِ فسألتُ جايرد عمّا جرى.]
[سحري ما زال ضعيفًا جدًا، ولا يكفي لأرافق الدوق بشكل كامل. لهذا لا أريد أن أتهاون في تدريباتي.]
[أليس الذهاب إلى غابة الظلام أمرًا خطيرًا جدًا؟]
[لا خيار آخر إن أردتُ الوصول إلى البرج الأبيض.]
لقد سمعت عن ذلك. هناك مكان كان يتدرّب فيه ورثة كييل على فنون السحر.
في غابة كييل حيث وُلد السحر الأول، شيّد ورثة كييل برجًا أبيض ليكون صلة وصل بين البشر والسحر.
ذلك البرج الذي امتلك قوة سحرية مقدّسة كان يُعتبر قديمًا مدرسةً للسحرة. لذلك، كثير من كهنة معبد أسكرو كانوا يتدرّبون أحيانًا مع ورثة كييل هناك.
[لم أكن أعلم أنه لا يزال بإمكان المرء التدريب هناك.]
[الطاقة التي تحيط بالبرج الأبيض خالدة. الذي زال هو غابة كييل، لا البرج.]
[هل يمكن أن تكون أنت أيضًا من ورثة كييل يا تيسا؟]
[كلا. أنا مجرد كاهن من كهنة أسكرو، لا أكثر يا صاحبة السمو.]
حقًا، لم يكن أمرًا يسيرًا على ورثة كييل أن يبوحوا بأصلهم. فحتى الآن كان الناس لا يفرّقون بينهم وبين من يستخدم السحر الأسود.
[لو كنتُ من ورثة كييل، فماذا سيختلف؟]
صارت إشارات تيسا أسرع وهو يتأمل ملامح أدريان. أما الأخيرة فأطرقت ببطء برأسها.
لن يختلف شيء.
حتى لو كان من نفس سلالة والدتها، فما الذي سيتغير؟
كعادتها، راحت أدريان تعبث بالعقد المعلّق حول عنقها.
[ذلك العقد… هل هو عزيز عليكِ؟]
[آه… إنه مجرد تذكار من والدتي.]
[هل كانت والدتكِ إذن من ورثة كييل؟]
عضّت أدريان شفتها السفلى بقوة عند سؤال تيسا. بدا وكأنها قالت ما لا ينبغي.
[لقد رأيتُ نورًا. يوم التقيتُ بصاحبة السمو لأول مرة.]
[نور؟ ماذا تعني؟]
[انبعث نور أبيض من ذلك العقد. كان بلا شك قوة سحرية.]
إذن، لم يكن وهْمًا. فما رأته أدريان في تلك المرة لم يكن سحر تيسا، بل نورًا خرج من تذكار والدتها.
ولم يحدث ذلك قط من قبل. فلماذا الآن؟
[لذا ظننت أنه عقد مسحور.]
كانت والدتها قد قالت لها إن هذا العقد سيحميها. وكان ذلك كل شيء.
[لقد كان ذلك يحدث لأول مرة.]
[ولهذا خمّنتُ أنكِ قد تكونين من نسل كييل.]
[…صحيح. أمي من ورثة كييل.]
اعترفت أدريان بتردّد وهي تبوح بالحقيقة.
[إذن كان حدسي صائبًا.]
[لكن لا أحد يعلم بذلك.]
[لا تقلقي. فأنتِ في رانتسكوآ.]
ابتسم تيسا مطمئناً وهو ينظر إلى أدريان.
[التي تقف أمامي الآن ليست من ورثة كييل، ولا أميرة تيفيا، بل دوقة رانتسكوآ.]
[شكرًا لك يا تيسا.]
[على الرحب والسعة، يا صاحبة السمو.]
ابتسمت أدريان أيضًا بحرارة وهي تبادل تيسا ابتسامته.
“لماذا أنتِ هنا؟”
كان ذلك في تلك اللحظة. عند سماع الصوت المخيف، استدار تيسا بسرعة. من دون أن يُسمَع وقع خطواته، كان لوكاس قد وقف بالفعل عند نهاية الرواق.
“صاحب السمو الدوق.”
انحنى تيسا برأسه أمام لوكاس، فتبعته أدريان أيضًا بانحناءة طفيفة نحوه.
“متى جئتَ؟ لم أسمع أنك عدتَ.”
“لقد وصلت منذ قليل، يا سمو الدوق.”
نظر لوكاس إلى أدريان بطرف عينه وهو يقطب حاجبيه قليلًا، فأجابه تيسا بسرعة.
“منذ قليل إذن… مثير للاهتمام. فبدلًا من أن تأتني مباشرة لتبلّغني، فضّلت القدوم لملاقاة الدوقة أولًا؟”
“صاحب السمو، الأمر ليس كذلك…”
“تيسا، لا تقم بأفعال قد يساء فهمها منذ البداية. فالظنون قد تتحوّل أحيانًا إلى خناجر مرتدة.”
عينا لوكاس، اللتان كانتا تلمعان بحدة نحو تيسا، انتقلتا ببطء إلى أدريان.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"