أنهَت أدريان مع لوكاس تناول العشاء، وكانت معه في مكتب العمل.
[تتحدث عن تيفيا؟]
قرأت أدريان شفتَي لوكاس فأشارت بصدمة على وجهها.
“هل يمكنك كتابة ما تقولين؟”
نقَر لوكاس على الرقّ وهو يعقد حاجبيه قليلاً.
• أعذرني، سموك. لم أتوقع هذا الكلام……
“تمّ اتخاذ القرار في الاجتماع قبل قليل. سيغادر تيسا غدًا صباحًا باكرًا إلى قلعة تيريز.”
فهمت.
“لذا، إن كان لديك ما تودين إخبار اللورد كلاديوس به، يمكنك إيصاله عبر تيسا. أو ترك رسالة مكتوبة.”
لم يكن لدى أدريان ما تود قوله لوالدها دافيل خصوصًا. وهو بدوره لن يكون مهتمًا كثيرًا بأحوالها على أي حال.
ولكن…….
• إذًا، هل يمكنني كتابة رسالة إلى المربية؟
“إلى المربية؟ وليس إلى اللورد كلاديوس؟”
سأل لوكاس بملامح مستغربة وهو ينظر إلى الكلمات التي كتبتها أدريان بحذر.
• نعم. أريد إخبار دينيس بأنني بخير، وألا تقلق.
“هي والدة يوريا، أليس كذلك؟”
• صحيح.
“يبدو أنها كانت شخصًا طيبًا بالنسبة إليك.”
• كثيرًا جدًّا.
ارتسمت على وجه أدريان ابتسامة خفيفة.
“همم.”
بعد أن حدّق للحظة في ملامحها الشاردة، تنحنح لوكاس باختصار مع تقطيب حاجبيه.
“أليس لديكِ ما تودينه قوله للورد كلاديوس؟”
•هل عليّ أن أقول شيئًا؟
“لا. لم أقصد أن أُلزمك بإضافة شيء على كلامي.”
ظنّت أنه ربما يقصد أن هناك ما يجب أن يُقال بدلاً عنه، لكن ذلك كان مجرد توهّم. ردّ لوكاس بملامح جامدة على كلام أدريان.
• أنا……
“يبدو كما سمعتُ من قبل، أنكِ لم تكوني على علاقة جيدة به.”
تصلّبت ملامح أدريان عند قوله. لم تكن مجرد “علاقة غير جيدة”؛ كان الأمر أكثر تعقيدًا.
وفاة والدتها، ومرضها، والمعادلات السياسية المتشابكة……
كان كل شيء أقرب إلى أحداث لا مفرّ منها، وفي وسط هذا كله، لم يفعل والدها سوى اتخاذ خياراته.
كان الادعاء بأنها لم تبغضه سيكون كذبًا، ومع ذلك لم تعش حياتها تلومه. ظنّت أنها تفهمه، ولم يكن هناك خيار آخر غير ذلك.
وربما…… فكّرت أحيانًا: ماذا لو لم تكن من السلالة الملكية؟
وفي نهاية سلسلة الأفكار تلك، كان دائمًا نفس الخاطر: لو أنّ عائلتها لم تكن عائلة كلاديوس…… فقط ذلك.
“عمّ تفكرين؟”
سألها لوكاس وهو يحدق في أدريان الشاردة. عيناه كانت كأنهما تنفذان إلى داخلها.
•يا صاحب السمو، لم أسمع ما……
توقّفت يد أدريان فوق الرقّ حين اعترض لوكاس حركتها. نظرت بعينين متفاجئتين إلى الحبر الذي تمدد سوادُه، ثم رفعت رأسها ببطء.
إنهما… تلك العينان.
عينا الليلة الماضية، اللتان التصقتا بها بشدة، بعمق لم تستطع إدراكه. حدّقت أدريان في لوكاس الذي اقترب منها، بينما تمسّك بقبضته أسفل ذقنها الصغيرة.
“أغمضي عينيك.”
ثم مدّ لوكاس يده الكبيرة فغطّى مجال رؤيتها. لم ترَ شيئًا، ولم تسمع شيئًا. شعرت فقط بحرارة أنفاسه المتناثرة فوق وجهها ترتفع معها درجة حرارة جسدها.
……!
أغمضت أدريان عينيها بلا حول. وفي تلك اللحظة، لامست شفتا لوكاس شفتَيها بلطف. هبط قلبها متفاجئاً.
كانت رعشة مألوفة، لكنها لم تعرف طريقة للسيطرة عليها.
بدأت القبلة بلطف ثم ازدادت كثافة. شعرت أدريان بأن أنفاسها تتسرب منها تدريجيًا، لكنها تعلّقت به أكثر فأكثر.
“…….”
وفجأة، أبعد لوكاس أدريان عنه. حدّقت فيه بارتباك بعد هذا الانفصال المفاجئ.
“همم.”
ظهرت على وجه لوكاس علامات انزعاج واضحة، لكنه لم يكن ينظر إليها، بل إلى مكان آخر. تبعت أدريان نظره دون وعي.
‘يا إلهي…….’
كان ذلك جايرد. وخلفه تيسا. احمرّ وجه أدريان كالجمر.
“لم آمر بالدخول.”
استدارت بسرعة مبتعدة عنهما، بينما ألقى لوكاس نظرة خاطفة نحوها، ثم لوّى شفتيه ببرود يناقض حرارة عينيه.
“لقد طرقنا كما نفعل دائمًا.”
ردّ جايرد دون أن يتراجع أمام لوكاس. فمن النادر أن ينتظر أحد إذن الدخول إلى مكتب الأمير.
‘يا لَلسخافة.’
ارتجف طرف عين لوكاس قليلاً. ابتسم جايرد وهو يرى ذلك.
“ما الأمر؟”
سأل لوكاس وهو يضغط على أسنانه بشدة ويوجه ذقنه نحو جايرد.
“قلتَ لنا أن نحضر الرسائل بعد العشاء، يا صاحب السمو.”
صحيح. لذا كان قد كتب الرسالة إلى دوق كلاديوس قبل تناول العشاء. ثم خطر له فجأة أن أدريان قد تكون لديها رسالة أيضًا.
“هل نسيت؟”
رفرف جايرد بجفنيه المليئين بالتجاعيد بشكل غريب.
“أنا؟ لا. كنت فقط سأرسل رسالة أدريان معها.”
ارتسم قوس سريع على إحدى حاجبي لوكاس الكثيفين.
“آه، لم يخطر ببالي إلى تلك الدرجة. كنت أود أن أستلمها قبل أن تصعدا إلى غرفة النوم، ولكن….”
“أدريان لم تكتب بعدُ ما تودّ إيصاله. لذا انتظر.”
انطلقت من لوكاس أوامر حادة. وانعكس على وجه تيسا، الذي كان ينظر إلى أدريان، تعبيرٌ محرج.
“أدريان. اكتبي الرسالة التي ستُرسل إلى المربية.”
قال لوكاس وهو يمسك كتفي أدريان وينظر في عينيها. كانت نبرته لينة للغاية، مختلفة تمامًا عن أوامره قبل قليل. تشددت ملامح تيسا فورًا، لكن أدريان قرأت حركة شفتيه وأومأت.
كان خدّا أدريان، اللذان ارتجفا حين هزّت رأسها، لا يزالان محمّرين.
كان تيسا يمشي في الردهة الطويلة ووجهه متجمد، يحمل الرسالة بيدها. أما جايرد فكان يسير بصمت إلى جانبه.
“يا له من حسن حظ. أليس كذلك؟”
“عمّ تتحدث فجأة؟”
استدار تيسا نحو جايرد عند سماع كلامه المفاجئ.
“ألا يبدو أن سموّيهما يزداد تقاربهما يومًا بعد يوم؟”
“آه… صحيح.”
“أليس هذا شيء جيد بالنسبة لك؟”
“بالطبع هو كذلك. لا سبب ليكون غير ذلك.”
“صحيح، تيسا. ليس لديك سبب ليكون غير ذلك.”
قال جايرد وهو يحدق في تيسا الذي توقف فجأة عن السير.
“أنت ما زلت صغير.”
“ماذا تقصد بذلك؟”
“صغير بما يكفي لتُثار بسهولة برؤية الأشياء الجميلة.”
“جايرد.”
“لكنني لا أشك ولو للحظة أنك ستجتهد أكثر في أداء السحر وتحقق إنجازًا يحمي رانتسكوا.”
“بالطبع!”
ارتبك تيسا للحظة تحت نظراته التي بدت وكأنها تخترق أعماقه، لكنه سرعان ما رفع صوته نحوه. ابتسم جايرد ابتسامة عريضة وربّت بخفة على كتفه.
“جيرد، هل ما زلت لا تثق بي؟”
وبعد فترة قصيرة من استئناف السير، سأل تيسا جايرد. كان سؤاله هادئ، لم ينظر إليه، ولم يوقف خطواته. ولم يجبه جايرد للحظة.
“ولم تعتقد ذلك؟”
“لقد قلتَ قبل قليل إنك لا تشك أنني سأحقق إنجازًا في حماية رانتسكوا.”
“أليس ذلك دليل ثقة؟”
“لا حاجة لقول ذلك لمن تثق بهم بالفعل.”
“……أفهم.”
“…….”
“أنا لا أثق بك لأنك لم تُظهر ما يكفي. لقد فعلت الكثير بالفعل. لكن… نقاءك هو ما يجعلني غير مطمئن.”
“أنا…….”
“صاحب السموّ الدوق لديه شيء من الهوس فيما يتعلق بحماية ما يخصه.”
“أعلم. وأعلم أيضًا ماذا تقصد، جايرد.”
كان لوكاس يحمل ندمًا عميقًا في عظامه لعدم قدرته على حماية والدته. وبالنسبة لمثل هذا الشخص، كانت أدريان أول شخص في حياته ينتمي إليه بحق، على عكس بعض الفرسان الذين ارتبطوا به بدافع الولاء فقط.
وفوق ذلك، كانت أدريان إنسانة دافئة وذكية. لم يكن كونها لا تسمع ولا تتكلم يغيّر هذه الحقائق عنها.
إنه يعرف. سيقع لوكاس في حبها.
إنها مجرد مسألة وقت.
تذكّر تيسا عيني لوكاس، اللتين تحولتا في لحظة إلى شفرتين مصقولتين حين نظر إلى أدريان.
“اللعنة.”
لم يكن هناك شك في أنه فهم تمامًا هذه الاضطرابات الغريبة التي بدأت تتكوّن داخل قلبه. ولذلك تغيرت عيناه، المعتادتان على البرود، إلى هذا القدر من البرودة.
“هذا مطمئن إذن.”
وفي آخر الردهة، انحنى تيسا نحو جايرد قبل أن يستدير.
“تيسا.”
“…….”
“احترس.”
ابتسم تيسا بسخرية خفيفة عند سماع قلق جايرد الصادق.
“أتعطيني الداء ثم الدواء؟”
“لم تكن تلك نيتي.”
أجاب جايرد بوجه متجهم. هزّ تيسا رأسه بعجز.
“سأعود بأحسن حال.”
“بالطبع ينبغي ذلك.”
ابتسم جايرد أيضًا وهو يبادل تحية تيسا الذي انحنى له مرة أخرى.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"