طرْق، طرْق.
[ما الذي، يحدث؟]
استدارت أدريان نحو يوريا التي كانت تربّت على ذراعها.
“بمّاذا تفكّرين هكذا بعمق؟”
[لا، لا شيء.]
“لا شيء، ومع ذلك وجنتاكِ محمرّتان؟”
[وجنتاي؟]
“نعم. وجنتا سموّك. إنهما محمرتان الآن. أيّ أفكار جعلتهما تحمرّان فجأة؟”
قالت يوريا وهي تدير عينيها في دوائر صغيرة. وبدا على وجهها تعبيرٌ ساخر جعل أدريان تبرز شفتيها بضيق.
[لم أفكّر في شيء، يوريا.]
“أتريدينني أن أصدّق ذلك؟ لقد رأيت بعينيّ الاثنتين أنكما كنتما معًا في الرواق قبل قليل.”
[ذلك… ذاك كان فحسب…]
“لقد تغيّرتِ حقًا. أليس كذلك؟”
اقتربت يوريا فجأة وهي تميل برأسها نحو أدريان، فاضطربت الأخيرة ورفعت وجهها إلى الخلف فيما رمشت عيناها.
[لا أدري حقًا ما الذي تتحدثين عنه.]
“حتى الخادمات قلن ذلك. إنكما تبدوان أقرب إلى بعضكما الآن.”
[…]
“تقول كبيرة الخادمات إن هذا طبيعي بين الأزواج. فعندما ينامان تحت غطاء واحد، يتولّد بينهما وُدّ لم يكن موجود من قبل.”
[يوريا.]
“نعم؟”
[ليس من اللائق مشاركة مثل هذه الأحاديث معهنّ.]
“آه… أستميحك عذرًا يا سيدتي. لم أقصد أي إساءة.”
[أعرف. لكن لا أحبّ أن تنتشر أموري الشخصية في أنحاء القلعة.]
لا سيّما أنّ ما يدور على ألسنتهم لا يتعلق بها وحدها.
حتى لو كان ذلك هو التسلية الوحيدة لهم، فهي لم تحبّ أن تنتقل الأمور الخاصة بلوكاس من فمٍ لآخر.
خصوصًا عندما تصلها أخبار بأنهم ناقشوا تلك الأحاديث بين بعضهم—كان ذلك يزعجها أكثر.
“سأكون أكثر حذرًا، سيدتي.”
[هل ضايقْتُك؟]
“لا. لقد قصّرتُ أنا فقط في التفكير.”
[يوريا…]
“فقط… بدا جميلاً أن أراكما معًا. كنتما تبدوان كزوجان حقيقيان.”
زوجان حقيقيان.
تجمدت ملامح أدريان للحظة عند سماع تلك الكلمات.
كان شعورًا غريبًا ومربكًا أن يراهما سكان القلعة زوجين حقيقيين، لا مجرّد علاقة مفروضة بحكم المصالح السياسية.
[أفهم ما تقصدين، يوريا. لكنني فقط… لا أريد أن يتسبب أيّ شيء—حتى لو كان صغيرًا—في إلحاق الضرر بسموّه.]
“سأكون حذرة، سيدتي.”
هزّت يوريا رأسها علامة الفهم.
[لكنّ إينا تتأخر كثيرًا اليوم.]
“آه صحيح! لقد جئتُ لأخبركِ بذلك ونسيت تمامًا. يا لذهولي.”
[هم؟ هل حدث شيء لإينا؟]
“والدتها، التي لم تستطع الهرب معها سابقًا، وصلت إلى رانتسكوا.”
[قولي التفاصيل.]
“تتذكرين أن إينا ووالدها فرا من قصر الكونت الشهير بسوء سمعته، فرانتس؟”
نعم، تتذكّر.
في ذلك الحين، كانت والدة إينا الوحيدة التي أمسك بها الفرسان الذين طاردوهم.
فاضطرّت إينا ووالدها للهرب وحدهما إلى هنا.
وقد كاد الوحوش يفترسانهما لولا أن جاكسون أنقذهما في اللحظة الأخيرة.
[نعم، أتذكّر.]
وتذكّرت أدريان كيف كانت إينا تخبرها بكل ذلك ودموعها تلمع في عينيها.
“هربت والدتها مجددًا. ولذلك وصلت إلى هنا.”
[وكيف استطاعت ذلك؟]
“تقول إنها تلقت مساعدة من كاهن صادفته في الطريق.”
[كاهن؟]
“نعم. قالت إنه كاهن يستخدم سحر التحوّل.”
[ماذا؟ يستخدم سحر التحوّل؟]
كان من المستحيل أن يكون مجرد كاهن قادرًا على استخدام سحر كهذا.
اتسعت عينا أدريان بدهشة.
“لا أعلم التفاصيل… لكن السيد تيسا يقول إنه على الأرجح ليس مجرد كاهن عادي. فسحر التحوّل من السحر المتقدم، ولا يجيده حتى كثير من كبار السحرة.”
[إذًا هل جاءت والدة إينا إلى هنا برفقة ذاك الساحر؟]
سألت أدريان ووجهها مفعم بالفضول.
“لا. رافقها فقط إلى مدخل منجم الملح، ثم اختفى. قال إنه في طريقه إلى البرج الأبيض.”
[… فهمت.]
أومأت أدريان برأسها بأسفٍ خفيف.
[على كل حال، هذا رائع. سيكون يومًا سعيدًا لإينا.]
“نعم، بلا شك.”
[يوريا.]
“نعم؟”
[هل تشتاقين أنتِ أيضًا لدينيس؟]
“… نعم.”
[وأنا أيضًا… أشتاق إلى مُرضعتي.]
وبالتأكيد، دينيس تشتاق إليهما بدورها.
[حين يحين يوم تستقر فيه الأوضاع هنا، سنطلب إذن سموّ الدوق ونذهب سويًا لزيارة تيفيا.]
“نعم، سيدتي.”
يوماً ما… ليت ذلك يتحقق حقًا.
ضمت أدريان يوريا إلى صدرها، وقد امتلأت عينا الأخيرة بالحنين.
***
“وماذا عن التحقيق؟”
عندما دخل تيسا برفقة جايرد إلى مكتب العمل، نظر لوكاس نحوه وسأل:
“قالوا إنها تحمل شارة البرج الأبيض.”
“هل يمكن الوثوق بذلك؟”
قطّب لوكاس حاجبيه، فأضاف تيسا:
“وفوق ذلك، إينا ووالدها جيروم من أهل هذه الأرض.”
“ما رأيك أنت، جايرد؟”
“قد نحتاج مراقبتها لبعض الوقت، لكنني لا أرى مشكلة كبيرة.”
“هكذا اذن؟”
كان الوضع، منطقياً، يخلو تقريبًا من مواطن الشك.
إذن لماذا يشعر بوخزٍ غريب في مؤخرة رأسه؟
“سأراقب الأمر عن كثب لفترة.”
قال جايرد بنبرة تطمئن لوكاس.
فأرخى الأخير تعابيره الباردة وأومأ ببطء.
“على كل حال، لقد زاد فرد جديد على أهل رانتسكوا.”
“وجود يدٍ عاملة إضافية أمرٌ محمود.”
“نعم. لا شيء أهمّ من الأيدي العاملة.”
وما إن انتهى جايرد من كلامه حتى دخل جاكسون إلى المكتب، وإلى جانبه دارين وكيتن.
“كيف يسير العمل في منجم الملح؟”
“بدأنا نُحرز تقدّمًا جيدًا يا سموّك.”
“هذا مطمئن. شدّدوا الحراسة حتى لا يتعطّل العمل.”
“حاضر، سموك.”
أجاب دارين بنبرة تؤكّد عدم وجود مشاكل.
“حتى لو هاجم البرابرة، فلن تكون هناك مشكلة كبيرة. فالسيد تيسا يضع حاجز سحري حول المنجم باستمرار.”
“تيسا وحده يساوي مئة مقاتل من فرسان الظلام.”
قال كيتن ضاحكًا وهو يمتدحه.
كان تيسا ما يزال ساحر متوسط، لكن وجوده كان يصنع فارقًا كبيرًا بالفعل.
“صحيح. إنقاذه من غابة الظلام كان ضربة حظ.”
“نعم. لم يكن آنذاك سوى ساحر مبتدئ يرتجف أمام وحشين أو ثلاثة.”
ضحك دارين بصوت عال مؤيدًا كلام جاكسون.
فصرخ تيسا، وقد احمرّ وجهه غضبًا:
“إلى أيّ زمن تعود تلك الحكايات؟ لقد كنت في أول أيامي!”
“صحيح، صحيح. وكأنها كانت البارحة، حين كنت ترتجف.”
“آه، كفّوا عن هذا!”
انفجر الجميع بالضحك: جايرد، جاكسون، كيتن.
فأخرج تيسا شفتيه بضيق.
“حسنًا، كفاكم. لننتقل إلى موضوع المرتزقة.”
ما إن تكلّم لوكاس حتى توقّف الضحك كلّه فجأة.
همهم تيسا بكحة قصيرة وركّز على كلامه.
“فرانتس لن يرسل لنا مرتزقة. أغلبهم على علاقة وثيقة بولي العهد.”
“بالضبط. حتى لو احتاجوا إلى الملح، سيكرّرون الكلام المعتاد: ’الأمر صعب الآن‘.”
قال كيتن بسخرية لا تناسب جسده الضخم.
“ما رأيكم بطلب المساعدة من تيفيا؟”
“كنا نتقاتل معهم حتى قبل بضع سنوات. أتطلبون مني طلب العون منهم؟”
“لكن الوضع تغيّر يا سموّك. والآن نتحدث عن تجارة، لا تحالف سياسي.”
قال دارين بحزم.
“والأهم… تيفيا هي عائلة سموّ الدوقة. هذا خيار وجيه. وهي مملكة نشطة في التجارة. قد يساعدون في توزيع الملح أيضًا.”
أضاف كيتن بجدّية.
“وهي الأقرب بعد فرانتس. الأسر الأخرى ستخشى غضب أغمونت، أما تيفيا فلديها العذر: صلة القرابة بسموّ الدوقة.”
وافقه جايرد أيضًا.
فأومأ الجميع—باستثناء لوكاس—بفهم.
“اتخذ قرارك يا سموّك. فموسم الجليد يقترب. وقد نخوض عدّة معارك كبيرة.”
“تيفيا، إذن…”
هل هذا الحل الوحيد؟
على الأرجح، نعم.
فأغلب الإمارات تخشى سلالة تيوغان التي تنتمي إليها الإمبراطورة وولي العهد أغمونت.
يعرفون جميعًا مدى كراهية أغمونت لأخيه غير الشقيق.
تمامًا كما يكرهه بعض هؤلاء الجالسين الآن.
“تيسا، مع أول ضوء للفجر، ستذهب بنفسك برسالتي إلى قلعة تيريز.”
“حاضر يا سموّك.”
“وليكن الأمر سرًا تامًا. لا نعلم ما المكائد التي قد يدبّرها أغمونت.”
لا بد أن أغمونت قد علم بأمر منجم الملح، وربما توقّع أن لوكاس يخطّط لجلب مرتزقة.
ولهذا كان تيسا الأنسب للمهمة.
فهر يزور البرج الأبيض للتدرّب باستمرار، ولن يثير سفره أيّ شكوك.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"