1
“انا، فيليكس دي ايدلهيم، وفي هذه اللحظة…”
…
وسط قاعة تنصيب الفرسان الإمبراطوريين العظيمة، رفع وريث الماركيز ايدلهيم سيف الترسيم الذي انتهى من استعماله ثم القى به دون اهتمام نحو إحدى الخدم المصدومين خلفه.
…
رغم الجو الرسمي والحضور المهيب للإمبراطور والنبلاء في هذه المراسم الجليلة، كان الجميع ودون استثناء يحدقون بأفواه مفتوحة بالشاب الذي لم يره أحد حاضرًا في مراسم تنصيب الفرسان من قبل.
حضور مراسم كهذه لم تكن إلا مضيعة للوقت بالنسبة له.
فلمَ قد يحتاج أقوى ساحر في هذا العالم إلى فارس إمبراطوري عادي ليحميه؟
فوووش—-
رفع أحد خدم ايدلهيم القريبين من سيدهم الشاب يديه التي تحمل شعار العائلة.
ووسط أنظار جميع الحاضرين، ارتفع الشعار في الهواء ثم استقر برفق في قبضة فيليكس.
تااك!—
اقترب الساحر الأعظم، فيليكس دي ايدلهيم، من الفارس الراكع أمامه بخطوات هادئة ثم استعمل سحره لتعليق شعار عائلته الذهبي في زي الفارس الرسمي.
…
وبعد انتهاء هذه الإجراءات التي كانت سريعة للبعض، ولكن طويلة جدًا للبعض الآخر…
…
“أعلن أن السير لوسيان فالترين، وتحت أنظار جلالة الإمبراطور، قد تم تنصيبه رسميًا كفارس سيكرس حياته لعائلة الماركيز ايدلهيم وإلى الأبد.”
“…!”
استفاق النبلاء من ذهولهم بعد سماعهم لتلك الكلمات وسارعوا لتدارك الموقف ومواصلة مراسم الحفل الذي تمت مقاطعته.
ولكن…
كان هناك شخص واحد فقط لم يستطع التحرك من مكانة أو أن يتحرر من آثار الصدمة.
…
وذلك الشخص لم يكن سوى الفارس الراكع، لوسيان فالترين، والذي أقسم بولائه قبل لحظات قليلة.
…
‘مستحيل!’
اهتزت عينا لوسيان بعدم تصديق.
لقد كان فارسًا إمبراطوريًا ذو رتبة متوسطة.
مجرد فارس عادي ذو مهارات لا تضاهي زملاءه الموهوبين من أصحاب الرتب العليا.
…لكنه اُختير من قبل ايدلهيم؟
ذلك المنزل الذي لا يدخله إلا اقوى وأمهر الفرسان والسحرة في العالم؟
‘لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا! لابد من وجود خطأ ما!’
…
لوسيان، الذي رمش بإنكار حتى آخر لحظة، قد ارتجف بارتباك عندما شعر بيد قائد فرسان ايدلهيم وهو يربت على كتفه بخفه.
“اهلًا بك بيننا، سير فالترين.”
“…”
شد لوسيان قبضته بارتباك ليجمع شتات نفسه أمام قائد الفرسان الذي رحب به بابتسامة مشرقة.
‘…لم يفت الأوان بعد، اليس كذلك؟’
…
كان لوسيان موقنًا بأن الأبن الأكبر للماركيز قد اخطأ باعتقاد أنه شخصٌ آخر.
لذا، كان عليه أن يقوم بتوضيح سوء الفهم قبل أن يتعقد الأمر أكثر.
“…عذرًا سيد بلاكورد، ولكني أعتقد بأن—”
“سيد؟ نادني بالقائد.”
“ك-كيف اجرؤ!”
كاد لوسيان أن يفقد وعيه من التوتر في تلك اللحظة.
قدوة الفرسان الإمبراطوريين ومثلهم الأعلى طلب منه أن يناديه بالقائد؟
مهما حاول إنكار الأمر باقناع نفسه انه في حلم أو يعاني من سحر يسبب الهلوسه، كانت الأدلة بداية من ثقل سيف الترسيم الذي استقر على كتفيه والشعار الذهبي الذي يعمي عينيه من شدة بريقه تستمر بدحض أفكاره بلا رحمة.
وعندما كاد أن يغرق في تكذيب واقعه مره أخرى، قاطع فيليكس حديثهم بنفاذ صبر.
“روهان، لا تضيع الوقت. سيتضح كل شيء للسير فالترين في القصر.”
“كما تأمر.”
انحنى قائد الفرسان قليلًا عندما سمع كلمات سيده ثم أومأ بتفهم.
وبعد أن انهى ما جاء لأجله، القى فيليكس بنظره بعيدًا عن الحضور المرتبكين وهمّ بالخروج من القاعة.
“هيا، سير فالترين. سيدنا في انتظارنا.”
“أجل… أ-أعني!—”
“لا داعي أن تكون متوترًا هكذا.”
ربت قائد الفرسان على كتفه بطمأنة مرة اخرى ثم مشى الإثنان خلف وريث الماركيز ايدلهيم تاركين الحفل الذي بالكاد بدأ وسط فوضى عارمة.
ولوسيان، الذي لم يعلم من أين أتت له القوة للمشي دون تعثر في حالته تلك، لم يستطع تصديق ما حدث له تمامًا إلا بعد أن نزل من العربة التي لم يتذكر حتى كيف صعد إليها.
…
‘لا… هل هذا حقيقي؟’
…
أصبح عقله فارغًا أمام مشهد القصر المحصن بالحراسة المشددة والطبقات التي لا تعد ولا تحصى من حواجز الحماية السحرية.
–
—-
——-
—-
–
حفيف—
داخل المكتب الغارق بالأوراق والأدوات السحرية، كان فيليكس ذو الشعر الأبيض الفضي منهمكًا في مراجعة التقارير العاجلة التي تراكمت في وقت قصير بعد خروجه.
لم ترتفع عيناه التي كانتا بلون الياقوت الوردي عن الأوراق في يديه إلا بعد أن أحضر مساعدة أكواب الشاي ثم غادر مغلقًا الباب خلفه بانحناءة مهذبة.
تااك—
عندها، ترك فيليكس التقارير متجهًا الى منطقة الضيافة أمام مكتبة وجلس على الأريكة.
كان قائد فرسان عائلته والفارس الجديد الذي أحضره واقفين بصمت في إنتظار أوامره.
“اجلسا.”
“أمرك.”
“ولكن…”
“هل علي أن أعيد كلامي؟”
“كلا، سيدي!”
على عكس روهان الذي بدأ باحتساء شايه بالفعل، جلس لوسيان متأخرًا على الأريكة المقابلة وبتوتر لم يستطع اخفاءه.
“روهان، قُلتَ أن الماركيز والماركيزة لم يعودا إلى القصر بعد؟”
“نعم سيدي.”
“ماذا عن ارسيليا؟”
“سمعت أن الآنسة لم تخطط للخروج اليوم.”
“جيد.”
…
اخفض فيليكس كوبه بعد رشفة سريعة ثم قال.
“السير فالترين سيكون مرؤوسك المباشر. وباستثناء التدريبات والمهام اليومية فلن يتم تكليفه بشيء آخر لأنه سيكون فارسًا مرافقًا لارسيليا.”
“كما تأمر.”
“تأكد من جدولها وأحجز معها موعدًا هذا المساء إن أمكن، سنقدم السير فالترين وقتها.”
“سأفعل.”
صريير!—
“…!”
لم يكن لوسيان الذي تفاجأ بما سمعه للتو قادرًا على البقاء صامتًا، فوقف مقاطعًا لحديثهم ثم ركع أمام فيليكس.
ارتطام!—
كان يعلم انه تصرف غير مهذب وخصوصًا من فارس مثله.
لكن القلق من أنه قد تم اختياره عن طريق الخطأ قد جعله يركز على توضيح سوء الفهم قبل فوات الآوان.
…
“أرجو أن تسامحني على وقاحتي بالتأخر في قول ذلك يا سيدي، ولكني مجرد فارس عادي من الرتبة المتوسطة. انا لا استحق شرف حمل شعار ايدلهيم ولست أملك حتى ادنى المؤهلات اللازمة لأكون فارسًا مرافقًا للآنسة. كما أنني—”
“أعلم ذلك.”
“…عذرًا؟”
“قلت أنني على علم كامل بذلك.”
“…؟”
تااك—
متجاهلًا تعبير لوسيان الذي كان يشك بجدية في سلامة اذنيه، ترك فيليكس كوبه على الطاولة وقال.
“لوسيان فالترين، خمسة وعشرون عامًا، الأبن الثاني للكونت فالترين. حصلت على المركز الحادي والعشرين في ترتيب دفعتك بعد التخرج من أكاديمية الفرسان الأمبراطورية، تطوعت للمشاركة في الحرب لكنك عدت دون إكمال شهر واحد بسبب أخيك الأكبر الذي جرك بالقوة من أرض المعركة… هل علي أن اذكر المزيد؟”
“كيف…”
“سير فالترين، كل هذا لا يهمني.”
تكتف فيليكس واضعًا ساقه فوق الأخرى ثم اكمل ببرود.
“لم أحضرك إلى هنا عن طريق الخطأ ولم أجعلك من فرسان عائلتي لأنني أريد قوتك كفارس، بل لأنك الأنسب لتكون مرافقًا لارسيليا فقط.”
“…”
رمش لوسيان للحظات بينما يحاول فهم ما قاله فيليكس للتو.
رغم ذلك، ما زال لا يستطيع استيعاب السبب.
….
لماذا يتم تكليفه بمرافقه الآنسة الوحيده في ايدلهيم وهو مجرد فارس مستجد ومتوسط الرتبة؟
شدد!—
“اذا سمحت لي بالسؤال… ماذا علي فعله بالضبط؟”
…
قرأ فيليكس أفكار الفارس التي كانت واضحه على وجهه ثم ابتسم بسخريه.
“لا شيء، فقط ابق بجانبها وتصرف كما كنت تفعل دائمًا.”
“؟…”
“اسقِ زهره برية لا أحد يهتم بها أو ساعد شخصًا متعثرًا على الطريق، أفعل ما يحلو لك وما تفكر بانه الفعل الصحيح بعيدًا عما اذا كان هذا يتطابق مع عملك كفارس مرافق ام لا.”
“لكن… لماذا انا؟ هناك الكثير من الفرسان الأكثر كفاءة لحماية الآنسة.”
“ارسيليا تتجنب الخروج كلما كلفت فارسًا ذو رتبة عالية بمرافقتها. وأيضا… لرد الجميل.”
“رد الجميل؟”
“على انقاذكَ لحياة شخص ما.”
عبس لوسيان بعدم فهم بينما رفع فيليكس نظره قليلًا وكأنه يحاول تذكر شيء ما.
“همم… بل من الأصح القول انها حياة عدد كبير من الناس. جميع سكان القارة، ربما؟”
“المعذره…؟”
“لن تتذكر على اي حال.”
تااك—
بعد أن إنتهى من كلامه، وقف فيليكس ثم أتجه إلى مكتبه لأكمال اعماله.
“روهان.”
“نعم سيدي.”
“اره الطريق وأشرح الباقي. ولا تنسى الحصول على رد ارسيليا.”
“أمرك.”
…
رغم صعوبه فهمه لما سمعه ورغبته في طرح المزيد من الأسئلة، وقف لوسيان رفقة قائده استجابة لأمر سيدهم ثم خرجوا بعد القاء التحية.
صريير—-
اغلاق!—
…
وبينما هما في منتصف الممر، نظر روهان إلى لوسيان الذي بدا اكثر ارتباكًا من السابق ثم ابتسم بهدوء.
“ما قاله السيد قبل قليل حقيقي.”
“…؟”
“اذًا، هل نذهب لسكن الفرسان أولا؟”
…
متجاهلًا نظرات لوسيان الذي لن يفهم ابدأ ما يعنيه، سار قائد الفرسان بخطوات خفيفه لتنفيذ أوامر سيده.
التعليقات لهذا الفصل " 1"