“ماذا تقصد بذلك؟”

نظرت إيلويز إلى الرجلين الواقفين أمامها بحيرة، ثم تعرّفت عليهما.

“السيد كينز؟ السيد ويلسون؟”

كانا بقالَي كامبورن. لكن لماذا يبدوان وكأنهما على وشك الإمساك ببعضهما من الياقة؟

عندما لاحظا وجود إيلويز، ارتسم الذنب على ملامحهما للحظة، لكنهما سرعان ما عادا إلى تبادل النظرات الحادة والصراخ.

“الآنسة إيلويز هنا! الآن سيرى الرقيب ثورنتون أكاذيبك الوقحة على حقيقتها!”

“هاه! انظر من يتكلم! ما زلتَ بلا خجل حتى بوجود الآنسة إيلويز. ألا تملك ذرة ضمير؟”

تفاقم التوتر بينهما من جديد. وناسيةً أمر رسالتها مؤقتًا، حدّقت إيلويز بهما بدهشة.

“لماذا تتشاجران هنا؟ ما الذي يحدث بالضبط؟”

في الحقيقة، لم يكونا يومًا على وفاق.

فمحلاهما متقابلان تمامًا، وكان لديهما من الأسباب لرفع الصوت أكثر مما لديهما لتبادل تحية صباح ودّية.

ومع ذلك، كان كلا المتجرين موروثين عبر أجيال في كامبورن، وكان الرجلان يحرصان على سمعتهما.

لم يسبق لهما أن أظهرا هذا القدر من العداء الصريح، لا سيما في مكان مثل بليسـبري.

وبينما كانت إيلويز تنتظر تفسيرًا، اقترب رايان منها وتحدث.

“هناك مشكلة في طلب مأدبة الصيف.”

“الطلب؟”

“نعم. لقد قدّمنا طلبًا كبيرًا للحوم البقر والضأن والدجاج، إضافة إلى المكونات والتوابل اللازمة، لكن…”

وفقًا لشرح الرقيب ثورنتون، فقد راجع قائمة الطلبات التي تركها السيد سوربرتن وإيلويز من العام الماضي، وطلب كمية أكبر قليلًا من بقالي كامبورن.

المشكلة أن ورقتي الطلب انتهتا، لسبب ما، في المتجر نفسه.

كان لكل بقال ميزته الخاصة.

متجر السيد كينز كان يحصل على لحوم طازجة ومتنوعة بفضل قريب له يعمل في الجزارة.

أما متجر السيد ويلسون، فكان له صديق في ميناء نيوهام، ما أتاح له تشكيلة واسعة من التوابل المستوردة.

ولهذا السبب، كان السيد سوربرتن وإيلويز دائمًا يقسمان الطلبات بين المتجرين.

لكن لسبب غير مفهوم، أُرسل الطلب بالكامل هذه المرة إلى متجر السيد كينز.

“كنتَ تعلم أن ورقة الطلب وصلت إلى متجرنا، ومع ذلك تظاهرت بالجهل وحاولت الاستحواذ على الطلب كله!”

“هراء! ظننت ببساطة أن الطلبين مخصصان لمتجرنا! نحن نتعامل مع بليسـبري منذ سنوات! من الطبيعي أن أعتقد أن الثقة الطويلة أدت إلى طلب أكبر.”

“كلام فارغ! إذًا لماذا كان الجزء الذي يحمل أسماء المتاجر ممزقًا؟ أنت من مزقته عمدًا لتتظاهر بالبراءة، أليس كذلك؟”

“كان ممزقًا أصلًا عندما استلمته! توقف عن تصويري ككاذب!”

وبينما بدا أن الرجلين على وشك الاشتباك، تدخل رايان ووقف بينهما.

كان كلاهما تاجرَين قويي البنية، لكن عندما دفعهما رايان بعيدًا، تراجعا إلى الخلف كدمى من ورق.

فوجئا بالقوة غير المتوقعة للرقيب، فتراجعا مذعورين.

“كفى.”

خرج صوت الرقيب ثورنتون منخفضًا وحازمًا.

على مضض، تراجع الرجلان وسوّيا ملابسهما المبعثرة.

حتى هما كانا يدركان أن إثارة فضيحة أكبر أمام قيّم بليسـبري أمر غير حكيم.

وكان كافيًا أن يراهما يفرّقهما بذراع واحدة ليشعرا بالرهبة.

أطلقت إيلويز زفرة وضغطت أصابعها على جبينها.

كانت قد خمّنت بالفعل ما الذي حدث.

يبدو أن السيد كينز قد طمع وأخذ ورقة طلب السيد ويلسون مع طلبه.

“إذًا، أليس الحل بسيطًا بإعادة تقديم الطلب؟”

“حسنًا… كلاهما يصرّ الآن على أنكما، أنتِ والسيد سوربرتن، كنتما تنويان هذا العام تقديم طلبات أكبر حصريًا لمتجره.”

“ماذا؟”

رمشت إيلويز بعدم تصديق، بينما اقترب الرجلان منها وكأنهما يتوسلان.

“آنسة إيلويز، تتذكرين ما قلتِه العام الماضي، أليس كذلك؟ كنتِ دائمًا تمدحين جودة بضاعتنا. بل قلتِ إنكِ قد تفكرين بطلب كمية أكبر منا في العام التالي.”

“وأنتِ قلتِ شيئًا مشابهًا في متجري! عندما أخبرتكِ أنني أؤمّن موردين جدد، قلتِ إنكِ ستضطرين لطلب بعض اللحوم منا أيضًا، أليس كذلك؟”

آه.

بدأ رأسها يؤلمها. كان ذلك مجرد تعليق عابر حينها، لكنهما الآن يستخدمانه كأساس لنزاع حول من يستحق الطلب الأكبر.

ابتسم رايان ابتسامة خفيفة وهز كتفيه، ثم التفت إلى إيلويز.

“حسنًا، آنسة إيلويز، يبدو أنكِ مضطرة لحل هذا بنفسك الآن.”

عندها فقط فهمت لماذا استدعاها على عجل.

هذا الفوضى لن تُحل دون تدخلها.

“حسنًا، فهمت الوضع. لا فائدة من الجدال حول كيف ضاعت ورقة الطلب أو تمزقت — الحقيقة باتت مستحيلة المعرفة الآن، وبصراحة هذا لا يعنيني. لكن…”

التفتت إيلويز إلى بالمر، الذي كان يقف بجوارهم بقلق.

“السيد بالمر، هل يمكنك إحضار ورقة وقلم؟”

—

بعد ساعة واحدة.

“حسنًا إذًا، سأترك الأمر لكما وفق نموذج الطلب الجديد.”

قالت إيلويز ذلك بابتسامة مشرقة وهي تودّع السيد كينز والسيد ويلسون، اللذين كانا يمسكان بنموذج الطلب.

ورغم أن ملامحهما لم تكن راضية تمامًا، إلا أنهما قبلا الأمر بعد مراجعة الطلب. انحنيا قليلًا لإيلويز ورايان، ثم عادا إلى عربتيهما.

وبعد تبادل نظرة حادة، انطلقا فورًا، تتسابق عربتاهما وكأن كلاً منهما يرفض أن يتأخر عن الآخر. وسرعان ما اختفيا باتجاه كامبورن.

وحين استدارت إيلويز بعد أن راقبت العربتين تختفيان—

تصفيق، تصفيق، تصفيق.

كان رايان يقف خلفها ويصفق.

“مثير للإعجاب. لم أتوقع أن تعالجي الأمر بهذه السلاسة.”

كان إعجابه صادقًا. فقد تذكّر المشهد الذي جرى قبل قليل.

كانت إيلويز قد تسلّمت الورقة والقلم من السيد بالمر، ثم أشارت للرجلين المتذمرين أن يقتربا.

“حسنًا، لنرتّب الأمور. في العام الماضي، كانت طلبات السيد كينز كذا وكذا وكذا…”

وبدقة سريعة، راحت تسرد أنواع اللحوم والمؤن المختلفة.

“ينبغي أن يكون هذا صحيحًا. هل أخطأتُ يومًا في مثل هذه الأمور؟ أليس كذلك؟”

“…يبدو صحيحًا. لكن، ألم تكوني تفكرين بزيادة الطلب…؟”

“لكن يا سيد كينز، ألم تحدث أخطاء كثيرة في تسليماتك لمأدبة العام الماضي؟ بدءًا من قطع لحم الضأن. ما طلبناه فعليًا كان…”

وما تزال مبتسمة، شرعت إيلويز تعدّد كل خطأ ارتكبه كينز في العام السابق.

حاول كينز تقديم أعذار، لكنها لم تُجدِ نفعًا.

أما ويلسون، فلم يكن أفضل حالًا. هو الآخر ارتكب عدة أخطاء، صغيرة وكبيرة.

ورغم أنه ألقى اللوم على انهيار جسر في القرية المجاورة أو خطأ من مورد في نيوهام، إلا أن المسؤولية في النهاية كانت تقع عليه.

“لذلك، قررتُ إعادة النظر هذا العام. هل لدى أيٍّ منكما اعتراض؟”

أمام إيلويز وهي تسرد أخطاءهما واحدًا تلو الآخر متحديةً إياهما، لم يجرؤ أيٌّ منهما على رفع صوته.

وفي النهاية، خرج كلاهما بنموذج طلب مطابق تمامًا للعام الماضي.

العزاء الوحيد كان أن القيّم الجديد هذا العام كان كريمًا، فزادت كمية الطلب بنسبة عشرة بالمئة مقارنة بالسنة الماضية.

وقبل توقيع نموذج الطلب النهائي، ذكرت إيلويز بشكل عابر أنها، بناءً على جودة الإمدادات هذا العام، قد تفكر جديًا في توحيد الطلبات مع مورد واحد فقط في العام القادم.

“هذا كفيل بتحفيزهما أكثر.”

وكدليل على ذلك، كان التاجران اللذان كانا على وشك الاشتباك قبل قليل قد انطلقا نحو كامبورن بلا أي تأخير.

لا شك أنهما سيبذلان قصارى جهدهما لتجنب أي خطأ هذا العام.

“على أي حال، عملٌ متقن.”

“لا شيء يُذكر. لكن الأهم…”

الآن وقد انتهى الأمر، تذكّر رايان سبب استدعائه العاجل لها.

“آه، بما أنكِ هنا يا آنسة إيلويز، لديّ بعض الأسئلة الأخرى — بخصوص المأدبة بالطبع. تفضلي من هنا.”

وبينما كانت إيلويز تفكر في كيفية فتح موضوع الرسالة، قادها رايان إلى داخل القصر. لم يكن أمامها سوى كتم زفرتها واتباعه.

—

لم يكن رايان قد استدعاها بلا سبب.

عندما وصلا إلى غرفة الدراسة، كان المكتب مغطى بمختلف السجلات والوثائق. ومن النظرة الأولى، بدا أنها جميعًا تتعلق بالمأدبة.

وبما أنه من الطبيعي أن تساعده في الأمور التي لا خبرة له بها، وقفت إيلويز إلى جانب المكتب تشرح التفاصيل التي يسأل عنها.

وبعد فترة، وجدت نفسها تسحب كرسيًا وتجلس. ومع استمرار النقاش، اقتربا من بعضهما تدريجيًا.

“انتظري لحظة. قائمة جرد أدوات الفضة للعام الماضي…”

“آه، إنها هنا…”

وحين مدّ كلٌّ منهما يده في الوقت نفسه نحو وثيقة في زاوية المكتب، تلامست أيديهما.

كانت إيلويز قد سبقت إليه، لذا عندما مدّ رايان يده بعد لحظة، انتهى به الأمر وهو يغطّي يدها.