2
كان الضوء يتسلّل من خلف الستائر السميكة، حين فتحت لونا عينيها بتثاقل.
شعرت بجسدها ثقيلاً كسفينة راسية منذ مئة عام، ركلت الغطاء بعشوائية، وأطلقت تنهيدة طويلة بينما تذكّرت كل الأحداث الغريبة التي عايشتها الليلة الماضية.
رمت نظرة خاطفة إلى الساعة القديمة المعلّقة على الحائط، فشهقت: “يا إلهي! لقد تأخّرت!”
نزلت مسرعة من سريرها وهي تتخبط بين ملابسها المرمية على الكرسي، ثم خرجت من غرفتها تركض نحو المطبخ، حيث كانت جدتها قد بدأت طقوسها اليومية في تحضير الإفطار.
“جدتي، أرجوك! أرجوك، دعيني آخذ اليوم عطلة، فقط هذا اليوم. لن أفعل شيئًا سيئًا، أعدك، فقط… فقط أريد أن أتنزّه قليلاً في القرية!”
رفعت الجدة حاجبها ببطء وهي تقطّع الخبز بسكين عتيقة.
“عطلة؟ وهل الحقول ستروى وحدها؟ والدجاج سيُطعم نفسه؟”
“أرجوك! سأعوض كل شيء غدًا، وسأحمل الحطب وأغسل الملابس وأزيل الأعشاب من الحديقة، فقط هذا اليوم، أحتاجه فعلًا.”
نظرت إليها الجدة بتفحّص، ثم تمتمت: “لا تعجبني نظرتك. فيها شيء خبيث. لكن… حسنًا. فقط لا تتأخّري، وأرجو ألا أسمع أنك سببتِ شجارًا جديدًا مع أهل القرية.”
قفزت لونا من مكانها كأنها فازت بجائزة . قبّلت خد جدتها بسرعة، وركضت خارجًا قبل أن تغيّر العجوز رأيها.
كانت الشمس تتوسّط السماء حين وصلت لونا إلى القرية.
ارتدت قبعة كبيرة ونظارات شمسية، مشَت بخفة في الطرقات الضيقة، تنظر إلى المارة .
“لا بد أن أحدًا هنا يملك هاتفًا… واي فاي… شيء! أي شيء!”
سألت صاحب الدكان، عامل المخبز، بائعة الزهور، وحتى العجوز الذي يبيع البيض. الجميع هزوا رؤوسهم بالنفي، بعضهم سخر منها، وآخرون أطلقوا عليها لقب “فتاة المدينة المجنونة”.
لكنها لم تيأس. وأخيرًا، بعد جولة طويلة كادت أن تذيب قدميها، وجدت شابًا يجلس على مقعد خشبي بجانب المقهى، يحدق في هاتفه.
ركضت نحوه . “أرجوك! أرجوك، هل يمكنني استعارة هاتفك؟ فقط لساعة واحدة، أدفع لك! أي مبلغ!”
نظر إليها مستغربًا، ثم ضيّق عينيه بفضول.
“ولماذا؟”
“لأمر شخصي. مستعجل. رجاءً، لن أفتح أي شيء غريب. فقط سأنظر.”
بعد مفاوضات طويلة وأداء درامي لا بأس به، وافق الشاب، مقابل أن تدفع له مقدّمًا. جلست لونا في زاوية المقهى، تنفست بعمق، وبدأت البحث.
كتبت اسم البطل، اسم البطلة، وصف المسلسل، حتى أسماء الحلقات التي تذكّرتها.
النتيجة؟ لا شيء. لا مقال. لا فيديو. لا معلومة.
“مستحيل! هذا مستحيل! ربما… ربما لأنه قديم جدًا؟”
فكرت قليلاً، ثم قررت أن تضع منشورًا على حسابها القديم في تطبيق التواصل الاجتماعي. كتبت:
“هل يعرف أحدكم مسلسلًا قديمًا يُدعى ( في كمين الحب ) فيه بطل يُدعى سايلس، رئيس مرتزقة، وبطلة تُدعى أنستازيا؟ مسلسل تاريخي بجودة عالية رغم كونه قديمًا؟ أرجوكم، أخبروني إن كنتم تعرفونه!”
لم تمر دقائق، حتى بدأت التعليقات تنهال:
“أوه، ها قد عادت لونا دراما! هل انتهت عقوبتك؟”
“هل تبحثين عن مسلسل لتدمري حياة طاقمه كما فعلت بآخرين؟”
“ما هذا؟ لا أحد سمع بهكذا مسلسل! اختراعاتك مستمرة!”
كثيرون سخروا منها، آخرون اتهموها بالتمثيل مجددًا، والبعض قال ببساطة: ” لا يوجد مسلس بهاذا الاسم “
أغلقت الهاتف بقوة، أعادته للشاب بدون أن تنظر إليه، ورجعت إلى بيت جدتها بخطوات ثقيلة تغلي بداخلها كل مشاعر الغضب والإحباط.
في مساء ذلك اليوم، وبينما كانت لونا تدفع بملعقتها بتكاسل في طبق الحساء الساخن، قطعت جدتها الصمت وسألتها بنبرة فضولية هادئة:
“هل أعجبكِ المسلسل؟”
رفعت لونا عينيها بتثاقل، ثم تنهدت وهي تسند وجهها إلى راحة يدها:
“لم يعجبني، البطلة غبية. اختارت البطل الأول ورفضت البطل الثاني، مع أنه كان الألطف، والأصدق، ووقف معها عندما تخلى عنها البطل “
رفعت الجدة حاجبًا باستغراب واضح:
“أي بطل ثاني؟ لا أذكر أن هناك بطلًا ثانيًا. المسلسل فيه سام، الشاب النبيل الذي يقع في حب لوسي، الفتاة اليتيمة.”
ارتبكت لونا قليلاً، ثم قالت بإصرار وهي تضع الملعقة جانبًا:
“أي سام ولوسي؟ أنا شاهدت قصة سايلس، رئيس المرتزقة والدوق، وأنستازيا، البنت الجميلة التي عاشت في العاصمة الإمبراطورية. والبطل الثاني اسمه أليكس، عيونه ذهبية، وكان دائما يساعدها، حتى لما تركها سايلس.”
رمشت الجدة ببطء، نظرت إلى حفيدتها نظرة متأملة، ثم هزّت رأسها وقالت بتردد:
“غريب… لكن ربما أنا نسيت. مضى وقت طويل منذ شاهدته آخر مرة. الذاكرة تخون أحيانًا.”
هزّت لونا كتفيها:
“عادي، المسلسل قديم جدًا. فطبيعي انك ستنسينه ، لكني متأكدة من الأسماء والأحداث.”
هكذا انتهى الحديث، وواصلت لونا عشاءها بصمت، في حين بدت الجدة شاردة، كأنها تحاول استرجاع ذكرى ضبابية لم تعد تثق بوجودها تمامًا.
بعد العشاء، جلست لونا في غرفتها. فتحت صندوق الشرائط، وأخرجتها واحدة تلو الأخرى.
“هذا سخيف! لا أحد يعرفه؟ لا أحد! ولا حتى أثر! هل كنت أتوهم؟ هل هذا المسلسل… غير حقيقي؟”
لم تكن تعرف إن كانت خائبة أم غاضبة أم حزينة. لكنها أمسكت أول شريط، وصرخت:
“هذا من أجل سايلس المتملك!”
وكسرت الشريط على ركبتها. ثم الثاني. والثالث.
“وهذا من أجل أليكس المسكين! وهذا… لأن أنستازيا غبية!”
واصلت التكسير بشراسة حتى لم يبقَ سوى شريط واحد.
نظرت إليه، كان آخر حلقة وليزال داخل مشغل الشرائط.
اقتربت من التلفاز. ركعت بجانبه. مدت يدها نحو الشريط.
كانت الغرفة غارقة في صمت ثقيل لا يقطعه سوى صوت أنفاس لونا ، نظرت إليه بشراسة وهي تمسك بالشريط الأخير بين يديها، أصابعها تتشبث بالحافة البلاستيكية وكأنها تحمل آخر قطرة من خيبة أملها.
رفعت ذراعها ببطء، عيناها تضجّان بالغضب والخذلان، ثم فجأة…….
ترززززز…
صوت تشويش كهربائي مفاجئ دوّى في المكان.
ارتعشت لونا وسقط الشريط من يدها. الشاشة السوداء اشتعلت فجأة بضوء أبيض مشع، تبعه ظهور صورة متذبذبة مألوفة.
“مستحيل…” همست لونا وهي تحدق مدهوشة.
المسلسل اشتغل وحده. دون أن تلمس جهاز التشغيل أو الشريط.
وبدأ يعرض آخر لقطة من الحلقة الأخيرة التي شاهدتها الليلة الماضية. أنستازيا ترتدي فستان الزفاف الأبيض، يداها ترتجفان، تنظر نحو سايلس المبتسم بثقة.
ثم، دون إنذار، بدأت الصورة تتقهقر إلى الوراء، مشاهد تمرّ بسرعة جنونية، كأن الزمن ينزف عكسيًا. رجوع إلى الوراء، من زفاف، إلى لقاءات، إلى رقصات، إلى معارك، إلى أول لحظة التقت فيها أنستازيا بسايلس.
وعندما وصلت الشاشة إلى أول مشهد من أول حلقة…
وميض أبيض انفجر من الشاشة.
قوة غير مرئية اجتاحت الغرفة، جذبت لونا للأمام بقوة خارقة، وكأن جاذبية خارقة للطبيعة قد سُلطت عليها وحدها.
حاولت أن تصرخ، أن تتشبث بأي شيء، لكن كل شيء اختفى في لمح البصر.
☆☆☆
فتحت عينيها.
الضوء الناعم لغرفة لم ترَ مثلها من قبل يغمر المكان. جدران من الخشب المزيّن بنقوش ذهبية، وسرير ضخم يحيط به ستائر حريرية شفافة. رائحة خفيفة من اللافندر والورود القديمة تنبعث من الهواء، تعطي إحساسًا غير واقعي.
جلست لونا ببطء على السرير المخملي، عينيها تفتشان المكان بدهشة. كانت ترتدي ثوب نوم حريري بلون العاج، ناعم الملمس وذو تفاصيل راقية.
“هل… هل أنا في حلم؟”
رفعت يدها تقرص ذراعها بقوة.
“آه!” تأوهت. لا، ليس حلمًا.
“يا إلهي… هل أنا… تجسدت داخل رواية ما؟!”
“هو لطلما تمنيت ان اتجسد داخل رواياتي مثل تلك الروايات الخاصة بالتجسيد التي قراتها “
“لاكن اي رواية تجسدت فيها? همم لانظر في المراة ربما ساعرفها من مواصفاتها “
نهضت بخطى متعثرة، تمشي بخفة على السجادة المخملية السميكة، تتوجه نحو المرآة الكبيرة. وقفت أمامها تتأمل وجهها.
الوجه ذاته، ملامحها لم تتغير. عيناها السوداوان، بشرَتها الشاحبة، أنفها الصغير، فمها المعتاد. الشيء الوحيد المختلف كان شعرها الاسود؛ صار أطول بكثير، يتدلى على ظهرها كستارة ليلية حالكة.
“ما هذه السخافة؟ لو كنت فعلاً في رواية، كان من المفترض أن يتغير شكلي… أن أصبح فتاة بشعر وردي أو عيون بنفسجية أو أي شيء روائي غريب…”
حركت أصابعها في شعرها الطويل.
حاولت جاهدة أن تتذكر آخر رواية من تصنيف العصور الوسطى قرأتها، ولكن ذاكرتها كانت خاوية. لم تقرأ رواية بهذا النوع منذ زمن بعيد.
“فليكن، سأخرج، ربما الاسم سيساعدني. أكيد أحدهم سيناديني باسمي الكامل، وسأتذكر!”
دفعت الباب الثقيل الذي انفتح بهدوء.
خرجت إلى ممر طويل، مظلم بعض الشيء، تضيئه شعلات نار تتراقص على الجدران. الأجواء بدت مزيجًا من الفخامة والعصور القديمة.
وقفت أمامها فتاة ترتدي زي خادمة بسيط، تحني رأسها باحترام وتقول:
“سيدتي، يجب أن نجهّز ملابسك الصباحية.”
رفعت لونا حاجبًاوقالت.
“قبل ذلك، نلعب لعبة بسيطة، موافقة؟”
نظرت إليها الخادمة باستغراب، ولكنها لم تعترض.
ابتسمت لونا وقالت: “عليكِ أن تقولي لي اسمي الكامل قبل أن أعدّ إلى خمسة. جاهزة؟ واحد… اثنان…”
ارتبكت الخادمة وقالت بسرعة: “السيدة لونا رين.”
توقفت لونا عن العد، وعيناها تتسعان.
“…ماذا؟! لونا رين؟!”
نفس اسمها… اسمها الحقيقي الذي تحمله في العالم الحقيقي.
“ما الذي يحدث بحق الجحيم؟!”
——————————-
اعطوني ارائكم في الفصل يلا احب اقرأ تعليقاتكم الحلوة بتشجعني 🦋🎀
وايش تتوقعون يصير 💞
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"