هذا الاسم الذي أشتاق إليه!
في اللحظة التالية انهارت لعبة الجينغا بصوتٍ مدوٍ تمامًا كما انهار قلب جيف.
تحول وجهه إلى اللون الرمادي من الصدمة، وقفز من مكانه دون أن يلتفت خلفه، وكأن جسده قد تجمّد.
ثم التفت إليّ بنظراتٍ قلقة كأنه يسألني “وماذا الآن؟”
“أشتاق إليه…”
تمتمتُ.
وما إن رأيت تعبيره المتجمد ذاك حتى انفجرتُ ضاحكة غير قادرة على كتم الضحك رغم محاولتي تغطية فمي بيدي.
وحينها فقط أدرك جيف أن ندائي كان مجرد كذبة.
استدار بهدوء ليتأكد بنفسه، ثم زمّ شفتيه بضيق وبدأ يتمتم..
“ما هذا بحق…”
يبدو أنه انزعج حقًا، من شدة انفعاله جلس على الأرض منهارًا، وكأن توتره لم يهدأ بعد.
التقط أنفاسه ثم صرخ علي كما لو كان يريد أن يقطع علاقته بي:
“أنتِ… هل ستستمرين في فعل هذا بي؟!”
“في ماذا بالضبط؟”
سألته ببرود.
كعادتي بقيت هادئة بينما بقي جيف على طبيعته المألوفة.
“هذا غش!”
يبدو غاضبًا جدًا.
لم أظن أنه سيأخذ الأمر بهذا الشكل…
لكن عينيه التي كانت تلمع سابقًا تحت وهج الغروب تحولت سريعًا نحو الصينية المليئة بأرغفة الخبز الشهية.
كما هو متوقع، الأطفال في كل زمان ومكان لا يقاومون الطعام.
رغم أنه يتصرف أحيانًا كراشد إلا أنه في مثل هذه اللحظات يبدو كطفلٍ صغير تمامًا.
“حسنًا لنتقاسم الخبز.”
فأنا في الأصل جلبته من أجل جيف.
وبمجرد ما نطقتُ بذلك أضاءت عيناه ببريق الطفولة.
“حقًا؟ يمكنني أكله؟”
“بالطبع يمكنك.”
لكن… هناك شرط. فاللعبة تظل لعبة.
“لكن، كما اتفقنا، أمنيتي لي، أليس كذلك؟”
“ما هذا…؟”
قال بوجهٍ صدمه خيبة الأمل، وقد تغيرت ملامحه مرة أخرى متقلبة بين الأحمر والأزرق.
لا يجوز لي الاستمرار بهذا الشكل… ذراعي ستفقد الإحساس من كثرة قرصي لفخذي كلما شعرت بالذنب.
ومع الألم رفعت رأسي في وقار كالبجعة وقلت ببساطة:
“لقد فزت، أليس كذلك؟”
نظر إليّ جيف بدهشة ثم صاح ساخطًا:
“لكنكِ غششتِ!”
جيف… كيف تبقى هكذا رغم أنك تتعرض لنفس الحيل كل يوم؟
لكن من الجيد أن تبدأ بالتساؤل، فهكذا يبدأ التطور.
رغم أنه ما زال مجرد هر صغير، إلا أنه سينضج يومًا ما.
وكعادتي، درّست هذا الصغير درسًا جديدًا على طريقتي:
“ومتى فعلت ذلك؟”
“الآن لتوكِ!”
“أي جزء تحديدًا؟”
“لقد كذبتِ!”
لكن مع ثباتي وثقتي، بدأت نبرته تخفت تدريجيًا.
ولم أفوت الفرصة بل أكملتُ ببعض الهراء المقنع كأنني أعظ أحد أتباعي:
“كذبتُ؟ أنا فقط اشتقتُ لأبي فناديت باسمه أين الغش في هذا؟”
اليوم، سيتعلم تابعنا الصغير شيئًا جديدًا.
“الغش يعني مخالفة القواعد، وهذا ما فعلتِه!”
لكن جيف لم يجد ما يرد به.
“هل هناك قاعدة في الجينغا تقول إنه لا يجوز الكلام؟”
“… لا.”
“إذًا هل غششت؟ أم لم أفعل؟”
“… لم تغشي.”
لكن رغم جوابه المستسلم، لم يخفِ استياءه، فقد احمرّت أذناه وصرخ:
“إذًا دعينا نلعب مجددًا!”
غضبه البريء كان آسرًا حدّ الإغراء… كيف لي أن أقاوم الرغبة في التمادي؟
وهكذا، واصلت لعب دور الشيطانة المختبئة خلف وجه الطفلة البريئة:
“ولماذا أفعل؟”
“…..!”
“ألم أخبرك أني فقط اشتقت لأبي وناديته؟ ألا تشتاق إليه أحيانًا فجأة؟”
رفعت كتفيّ وفتحت كفيّ ببساطة، بينما كان جيف يطأطئ رأسه.
ما هذا؟ كنت أتوقع منه أن يغضب أكثر، لكنه بدا محبطًا فجأة.
ألهذا الحد يكره أن يمنحني أمنيتي؟ كم هو عنيد.
راقبتُ ملامحه وشعرت بأنني قد بالغت حقًا.
فأنا لن أطلب منه شيئًا كبيرًا… ولم أكن أنوي أذيته… كان مجرد لعب.
“حسنًا، حسنًا! لا أريد أمنية، هل ترضى الآن؟”
لكن حين رفع جيف رأسه، كانت عيناه مملوءتين بالحزن.
“هل أنتما مقربان؟ أنتِ ووالدك؟”
“بالطبع، نحن مقربون جدًا.”
وإن أردتُ أن أعدّد أكثر الأمور التي اختلفت في حياتي الجديدة، فوجود والدَيّ سيكون أعظمها.
أدركتُ معنى الأسرة لأول مرة، وامتلكتُ من يدعمني بلا شرط.
أناسٌ يمنحونك دفئًا كل يوم، كأنك ملفوف في بطانية ناعمة…
كيف لي ألا أحبهم؟
كانت هذه الحياة مثالية، أشبه بصورة لا أريد لأحد أن يعبث بها أو يمزقها.
لكن عيني جيف الحزينة جعلتني أدرك أنني نسيت شيئًا مهمًا.
وقبل أن أغيّر الموضوع، بادر هو بالكلام:
“يا لكِ من محظوظة…”
شعرتُ وكأن قلبي توقف لوهلة.
“أنا أيضًا أشتاق إلى أبي.”
“…….”
“لكنني لا أعرف كيف يبدو وجهه.”
“……..”
“لم أره قط في حياتي.”
كل جملةٍ قالها كانت كضربة مباشرة في صدري.
وبقيتُ صامتة أنظر إلى الأرض وكأنني مذنبة.
“قالوا إنه توفي قبل حتى أن أولد.”
كنت قد توقعت ذلك من نظرة عينيه الحزينة، لكن أن أسمعه بلسانه شيء مختلف تمامًا عن مجرد التكهّن.
“وما المشكلة في غياب الأب؟ لديك والدتك أليس كذلك؟”
…هذا ليس ما كان ينبغي قوله. ليس هذا على الإطلاق!
ما إن خرجت الكلمات من فمي حتى أدركت مدى تفاهتها.
يا لي من حمقاء… هل ظننت أن هذا عزاء؟
تمنيت لو أضرب رأسي بالحائط في تلك اللحظة.
لكن جيف تابع الحديث وكأن شيئًا لم يكن.
“صحيح. ما دمت أملك أمي فلا بأس إن لم يكن لدي أب.”
قالها مدّعيًا الاكتفاء لكن وجهه كان ما يزال غارقًا في السواد.
وعند رؤيته بهذا الحال، تذكّرت فجأة اليوم الذي التقيته فيه لأول مرة.
في ذلك اليوم، بدت أمه على شفا الانهيار، كأنها تتشبث بالحياة بخيط بالكاد يُرى
“كيف حال والدتك؟”
على ما يبدو، ظن جيف أنني أسأله عن طبيعة أمه كشخص.
“ممم… أمي كانت تعمل كمساعدة لأبي، ثم وقعا في الحب…”
توقّف للحظة كمن يستجمع أنفاسه، ثم تابع:
“لكن بسبب اختلاف الطبقات بينهما، لم يتمكّنا من الزواج. فجدي طرد أمي من الإقليم.”
لم يكن هذا مستغربًا في إمبراطورية تُقدّس نظام الطبقات.
فلا أحد من العائلات النبيلة يرضى بأن يتزوج ولده من شخص منزوع اللقب أو أدنى شأنًا.
رواية جيف جاءت بصوت خالٍ من المشاعر، وكأن الأمر لا يعنيه… ولكن تلك النبرة الباردة كانت أكثر ما يوجع القلب.
“…أنا آسفة.”
“ولمَ تعتذرين؟”
“فقط…”
“قلت لكِ هذا لأنني شعرت أنه يجب أن تعرفيه، فلا داعي للأسف.”
ثم ابتسم وكأن شيئًا لم يحدث.
“أنتِ من قال إن لا أسرار بيننا، أليس كذلك؟”
قصة كأنها خرجت من دراما حزينة، ومع ذلك نطق بها طفل في العاشرة من عمره بكل هدوء.
أشحت بوجهي بعيدًا.
كيف للدراما أن تبدو أقل قسوة من الواقع؟
وسقطت دمعة بصمت.
رغم تعاستي في حياتي السابقة، لم يكن هذا العالم أرحم، وإنما اختلفت أوجه البؤس فحسب.
يبدو أن والد جيف كان من طبقة نبيلة.
لكن لماذا تخلّى عن والدته؟
صحيح أن الناس يقولون “تخلّى عنها”، لكن في الواقع، من يترك امرأةً تحمل بطفله، لا يكون قد تخلّى فحسب، بل ارتكب خيانةً وجبنًا لا يُغتفر.
وما النتيجة؟ يمضي أمثالهم في حياتهم ويتزوجون من نساء أخريات ويعيشون بهناء… نهاية سعيدة لهم وحدهم.
استحضرت قصص الروايات الإمبراطورية، فاشتعل الغضب في صدري دون أن أشعر.
إن صحّ ظني، فوالد جيف لا يختلف بشيء عن أوغاد الروايات… بل قد يكون أسوأهم.
ومجرد تذكّري لأولئك الأوغاد في القصص كان كافيًا ليُعيد إليّ رباطة جأشي ويمسح دموعي.
لكن جيف…
“لماذا تشتاق إلى والدك؟”
ذلك الرجل الذي تخلى عنك وعن والدتك… أيعقل أن تشتاق إلى شخص مثله؟
ترددت الكلمات على طرف لساني، لكنني حبستها في حلقي احترامًا لحقيقة أنه رغم كل شيء… ما يزال والده.
لكن عندها…
“يقولون إنه مات بعد أن ذَبُل شوقًا لأمي.”
في تلك اللحظة، أحسست بقطرات باردة تنساب على عنقي.
كدت أرتكب خطأً آخر فادحًا في حق جيف.
في هذه القصة… لا يمكن أن أُدين أحدًا دون أن أفهم الصورة كاملة.
فهذا العالم لا يخفي طبقاته ولا يموّه قوانينه… بل يُظهِرها بكل وضوح وبلا مواربة.
نعم، في الروايات قد ترى فتاة بسيطة تتزوج نبيلاً وينتهي الأمر بسعادة… لكن أليس ذلك لأن القصة خيالية؟
أما في الواقع، فمجرد صداقة بين نبيل وعامية تكاد تكون أمرًا مستحيلًا.
ماذا عن والديّ؟ هل سيكونان استثناءً؟
كنت آمل ذلك… وأردت أن أصدق.
لكن… لا أحد يعلم كيف يتصرف الوالدان حين يتعلّق الأمر بأبنائهما.
تلاطمت الأفكار المعقّدة داخلي كالأمواج، لكنني قررت تأجيلها.
فليس هذا الوقت مناسبًا… كما أنني لن أُقدّم جيف إلى والديّ الآن.
نظرة جيف نحو غروب الشمس بلون البحر الأحمر كانت قاتمة بعكس ما اعتدت منه.
وأخيرًا فهمت كل شيء.
فهمت لماذا يستخدم السحر.
ولماذا نظر إليّ بارتياب في أول لقاء.
ولماذا عينيه الآن مليئتان بالوحدة.
لكنه لم يعد وحيدًا.
الآن، أنا إلى جانبه وسأبقى كذلك.
لذا لا مشكلة بعد الآن.
وفي تلك اللحظة…
“هل يمكنني استخدام بطاقة الأمنية الآن؟”
“ألم تقولي إنك لن تأخذيها؟”
“هل ستتصرف هكذا بجدية؟”
“حسنًا حسنًا… ما هي أمنيتك؟”
ابتسم جيف قليلًا وهو يوجّه نظره إليّ.
“كُن ملهمي.”
“……!”
____________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟!
اكتبو في البحث تبع التيلي :
@snowestellee
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 11"