تعلّقتُ بإطار الباب ألهث بصعوبة، والأرضية كانت تغصّ بشظايا الزجاج المحطم.
“لا يوجد غبار.”
لم يكن هناك أثر للغبار.
الغبار الذي تراكم في المكان الذي مرّ فيه الحاكم القديمة… تبخّر تمامًا.
وضعتُ المرآة المحطّمة، والتي لم يتبقّ منها سوى لوحها الخلفي، وأبصرت خيوط الفجر الباهتة تتسلل من الأفق البعيد.
مسحت جبيني ورقبتي المتعرقتين بكُمّي، وتلمّست عنقي بحذر… لكنه كان سليمًا، بلا أذى.
“يا للعجب، لقد نجوت… إيرن!”
وبينما بدأ نبضي يعود لطبيعته، خطرت ببالي صورة إيرن.
أجبرتُ ركبتي المرتجفتين على الوقوف، وسرت نحو غرفته.
مددت يدي إلى الباب، لكنه كان مغلقًا.
“أوه… صحيح.”
كنتُ قد طلبت من السير هنري أن يقفله قبل بدء الطقوس.
طرقت الباب بلطف.
“سيدي هنري، انتهى كل شيء، افتح الباب من فضلك.”
…لا رد.
طرقت مجددًا وحاولت تحريك المقبض.
“أنا، جوديث.
قلت لك، كل شيء انتهى.”
“ابعدي! أيتها النجسة!”
“إنها أنا!
جوديث، لستُ شيطانًا!”
“لن أنخدع! دعي إيرن وشأنه!”
هل يُفترض أن أكون فخورة ببراعتي في التمثيل؟ أم أشعر بالإهانة الآن؟
طرقت الباب مرة أخرى، لكن في النهاية، جلست أمامه مستسلمة.
هاه… لا بأس.
سيفتحه عند شروق الشمس على الأرجح.
—
لم يُفتح الباب إلا بعدما أشرق الصباح تمامًا.
“هل… كنتِ حقًا السيدة؟”
“أجل، يا سير هنري، أنت دقيق للغاية.”
“هاها، لستُ سيئًا في التعامل مع الأمور.”
هل هذا مديح؟ أم سخرية مغلّفة؟
حككت رأسي بصمت وتوجهت إلى سرير إيرن.
تنفّسه كان منتظمًا.
“إيرن؟”
حاولت إيقاظه بلطف.
أطلق تأوّهًا خافتًا وفتح عينيه بصعوبة.
خلفه، كان السير هنري يُخفي مشاعره ويبحث بعينيه عن أي أثر للحاكم.
“هل أنت بخير؟ تشعر بتحسن؟”
أومأ ببطء، وتمتم بصوت مبحوح:
“…لماذا كنتِ تصرخين هكذا البارحة؟”
قاوم جفونه المتثاقلة، محاولًا البقاء مستيقظًا.
“ماذا… حدث؟”
كان هو من عاد من عتبة الموت، ومع ذلك يسأل عن ما جرى.
“صراخ؟ لم يُصدر أحد أي صوت.”
أجاب هنري بنظرة مستغربة وهو يناوله كأس ماء.
“هل سمعتَ طرق السيدة على الباب قبل قليل؟”
“لا… أقصد الليلة الماضية.”
“كانت ليلة هادئة تمامًا.”
ليلة هادئة؟
تذكرت المواجهة المرعبة التي خضتها تلك الليلة.
ربما كان صوته لا يُسمع إلا لي، لكن صوتي…
لا بد أنه دوّى في أنحاء القصر.
لقد صرخ بأعلى صوته في النهاية، طالبًا مني أن أرحل.
حتى مع الباب المغلق، كيف لم يسمع هنري صراخي؟ حتى لو لم يفهم الكلمات، كان سيسمع الضجيج على الأقل.
“طالما انتهى الأمر بسلام… فلا بأس.”
ارتشف إيرن بعض الماء، وغفا مجددًا.
“لكن، يا سير هنري، هل حقًا لم تسمع شيئًا البارحة؟”
“أبدًا، فقط صهيل بعض الخيول.”
هنري لم يسمع شيئًا…
لكن إيرن، وهو شبه فاقد للوعي، سمع.
هل كان هو الآخر يتعرض لهجوم من الحاكم القديم؟
“على أي حال، أنا سعيد لأن السيدة نجت.”
تنحنح هنري بتأثر، وكأنه تنفّس الصعداء أخيرًا.
“بصراحة، ظننتكما سترحلان معًا.”
ثم أضاف بنبرة ساخرة: “كنت أفكر… هل نقيم لكما جنازة مزدوجة؟”
أومأت برأسي وجلست على حافة السرير بجانب إيرن.
لم أعد أملك طاقة للوقوف.
“سيدتي، شاحبة تمامًا… هل أحضر لك شايًا دافئًا؟”
“شاي؟ سير هنري، لا يوجد شاي في المنزل.
ربما ماء ساخن؟”
نظرت إليه نظرة توبيخ واضحة: أنت تعرف الوضع.
تمتم بخجل:
“…ما زالت الأمور على حالها؟”
—
عندما فتح إيرن عينيه مجددًا، كانت الشمس قد تجاوزت كبد السماء.
اجتاحه عطش شديد، لكن الحمى والصداع اللذين لازماه لأيام… اختفيا تمامًا.
حاول النهوض من السرير، ثم توقف.
لماذا تنام بهذه الوضعية الغريبة؟
كانت جوديث نائمة فوق السرير، وجهها مدفون بين ذراعيها.
إنهاكتها الجهود صباحًا لدرجة أنها لم تستطع العودة لغرفتها، فنامت وهي مستندة إلى السرير.
حتى هنري، الذي قضى الليل قلقًا، شعر بالراحة حين استعاد إيرن وعيه وغفا مجددًا على الكرسي.
أنا متأكد أنني سمعت صوتها البارحة.
حتى مع أذنين شبه مغلقتين بفعل الحمى، استطاع تمييز اسمها “يوجين”، قبل أن يُغشى عليه.
سأسألها لاحقًا عندما تستيقظ.
لم يرغب بإيقاظها.
لم يعرف تمامًا ما حدث، لكنه أدرك أن جوديث… فعلت شيئًا أنقذه.
لماذا؟ لم تربح شيئًا من إنقاذي.
أليست هي من تتحرك بمنطق الربح والخسارة؟
حتى قبل أن يفقد وعيه، كانت تمسح جسده بمنشفة مبللة، وتواصل أبحاثها على البخور أو شيء من هذا القبيل.
هل أنقذتني لتُعيدني إلى الحلبة؟
آه، هل يعني هذا أنني يجب أن أعود للقتال؟
ابتسم بخفة، وأزاح خصلات الشعر عن عينيه.
ربما لم تكن تنوي منعي من العودة… وربما، كانت ستُسرّ بذلك، حتى علنًا.
بابتسامة غامضة، غادر السرير من الجهة المقابلة لمكان نوم جوديث.
أن أُسقط بسبب حفنة غبار تافهة؟ ما هذا المصير؟
ارتخى كتفاه، وعاهد نفسه أنه إن صادف جثة ذلك الحاكم مجددًا، فسيحوله إلى غبار… ويعيده للعدم.
كان جسده بخير.
يشعر بالجوع… وهذه علامة جيدة.
“نومًا هانئًا.”
توجه نحو جوديث، التي كانت لا تزال تغطّ في نومٍ عميق.
حتى عندما أزاح خصلة شعر عن وجهها، لم تتحرك.
ربما لو قلت “حان وقت إعداد البخور”…
ستفتح عينيها؟
همس في أذنها بكلمة: “عطر”.
رفرفت رموش جوديث بخفّة.
لو قلتِها من البداية، لاستيقظتِ، أليس كذلك؟
أنتِ… كما أنتِ.
كتم ضحكته، وحملها برفق.
كانت خفيفة بشكل مقلق، كما لو أنها لم تأكل شيئًا أثناء اعتنائها به.
“همم…”
“نامي أكثر قليلاً.”
عندما وضعها على السرير، تقلّبت قليلاً، وكأنها تبحث عن وضع أكثر راحة.
مدّ يده ووضعها فوق عينيها، فتنهدت بهدوء.
غطّى عنقها بالبطانية، ثم خرج ليغتسل.
لم يعد يشعر بالحمى، لكن ذاكرة ارتفاع حرارته دفعته للرغبة في سكب الماء البارد على جسده.
وبينما كان يفكر بفتح النافذة لإدخال الهواء، صادف صديقًا غير متوقّع.
ذلك الصديق بدا سعيدًا حقًا برؤيته متعافيًا.
إيرن أيضًا شعر بالسعادة… لكن، لا ينبغي لذلك “الصديق” أن يكون هنا.
“…ما الذي تفعله داخل القصر؟”
حصان؟ في الحديقة؟ ربما.
لكن يتجوّل في الممرات الداخلية؟ هذا غير منطقي.
ربت إيرن على أنفه بلطف، رغم غرابة الموقف.
“هل كل شيء يصبح غريبًا داخل هذا القصر؟ أم أن ما تُعدّه جوديث… يُغيّرك قليلًا؟”
كان يتساءل بصدق.
—
“أنت من نقلني إلى هنا؟”
عندما استيقظت، وجدت نفسي على سرير إيرن.
كنت أظنني نمت مستندة إلى الحائط، لكن يبدو أنني… صعدت إلى السرير أثناء نومي.
“أجل، ربما كنتِ تنامين بطريقة مزعجة.”
أومأ إيرن، معتقدًا أن جوديث ستشكره على كرمه كمريض تخلى عن سريره.
“كنت مرهقة جدًا… كنت أحاول إنقاذ حياة شخص ما.”
بدت نظراتها فخورة، وهي تراه يمشي كأنه لم يكن على شفير الموت.
كان من المفترض أن تُبدي بعض الارتياح، لكنها اكتفت بالفخر.
“نعم، إيرن.
عبّر عن امتنانك كما تشاء.
أنا أنقذت حياتك.”
أومأت جوديث بثقة، وكأنها تطلب الشكر دون أن تنطق به.
إيرن كان ممتنًا… بصدق.
لكن الغريب أنه لم يستطع قولها.
كانت الكلمة على طرف لسانه، لكن شفتيه لم تتحركا.
رفع إصبعه، وضغط على طرف أنفها.
“أنفك مرتفع جدًا.”
“وكيف أُخفيه؟”
“إذا ارتفع كثيرًا، سينخفض لاحقًا.”
ضربته على ذراعه، فضحك، ثم ضغط على أنفها مجددًا.
جوديث لم تتحرك، فقط فتحت عينيها تحدق فيه.
“بذلتُ كل جهدي لإنقاذك، ومع ذلك… لا تعرف حتى كيف تقول شكرًا.”
“لدي الكثير من الأسئلة.”
تجاهل كلماتها، وواصل العبث بأنفها.
“أولًا، لماذا ذاك الفتى هنا؟”
أشار إلى الحصان الواقف عند الباب، يحدق نحوهما بثبات.
كان وجه جوديث يقول: أجل، دخل الحصان القصر.
لكن… لماذا كل هذه الضجة؟
“ذلك الفتى أكثر من مؤهل لدخول القصر.
إنه روح… روح حارسة.”
التعليقات لهذا الفصل " 39"