I'll disappear at the end - 1
كانت لوناريا تحتضر.
وحدها على الأرضية الخشبية الرثة و الباردة.
‘لا بأس، ماذا سأفعل إذا عشت لمدةٍ أطول؟! لقد كان مقدرًا لي بأن أصبح هكذا منذ ولادتي’.
شهقت كما لو أن تنفسها سينقطع قريبًا.
ومع ذلك، عندما كانت فتاة، كانت تعتقد بأنها تعيش حياةً كريمة.
في بعض الأحيان، كانت تسيء الفهم بأن ضوء الشمس الساطعة كان يُشع عليها فقط.
الحياة تتلوى ببطء.
اخترقتها بمهارة لدرجة عدم تمكنها من ملاحظتها، و أغرقت لوناريا في اليأس.
بلدة ريفية صغيرة، وفي قصر البارون.
خرج طفل حديث الولادة للتو إلى العالم وكان يجهش بالبكاء.
كان أسم الطفل لوناريا.
لم تستطع لوناريا التوقف عن البكاء وظلت تبكي لمدة طويلة، كأنها توهنت بمصيرها الغريب الذي ينتظرها.
و عبست حواجب البالغين بعمق و قلق.
وقبل أن تصبح لوناريا كبيرة بما يكفي للتعرف على ما يحيط بها، غادرت والدتها الغرفة النظيفة الآن.
و عوضًا عنها، تولت زوجة أبيها و أختها الغير شقيقة المسؤولية بشكل طبيعي كما لو كانوا أخواتٍ لها.
نشأت لوناريا بالتفرقة و مقارنتها بأختها الجميلة والمذهلة لوبيليا، لكن جميع من في القرية كانوا يعتزون بها بسبب جمالها الفريد عن الباقيات.
“لو، لونا، أحبك، أعتقد بأنكِ تبادليني نفس المشاعر……”.
وفي إحدى الليالي، جاء أبن عائلةٍ عريقة في المنطقة إلى منزلهم سرًا و أعترف بحبه بخجل.
قبِلت لوناريا اعترافه بوجه محمر.
تمايلت الزنابق الزرقاء المزدهرة بشكل كامل والتي كانت تحيط بهم لتهنئة الزوجين المزعومين على خِطبتهما.
لكن في نفس الوقت، كانت أحوال الأسرة الميسورة تتدهور.
ولقد كان ذلك بسبب فشل أعمال والدها.
لم يستطع أبيها و زوجته التخلي عن الحياة الفخمة التي كانا يتمتعان بها حتى ذلك الحين ووقعا في الترفيه والقمار أكثر.
وكانت الديون تزداد كل يوم أكثر فأكثر.
حتى لقب البارون أصبح مرهونًا، ولم يبقى شيء سوى القصر.
تخلت لوناريا، التي كانت جشعةً للعلم عن دراستها للحصول على وظيفة.
و بسبب الفساد المتراكم على والديها، شعر سكان القرية بالأسف عليها، لكن لم يقبلها أحد.
وعلى مضض، شقت طريقها نحو ضواحي المدينة.
كان هذا هو الخيار المتبقي لـ لوناريا، التي كان عليها كسب رزقها لرعاية عائلتها.
وكانت هناك سيدة عجوز أغلقت الباب على نفسها ولم تتفاعل مع أي شخص.
كان معروفًا سرًا حقيقة أنها جائت من مدينة ضخمة بمفردها مع معاون الرعاية الخاص بها للتعافى هنا.
كانت هناك شائعات بكونها إحدى النبلاء رفيعي المستوى، لكن لم يعرف أحدٌ الحقيقة.
“ألا تحتاجين إلى خادمة؟!”.
سألت لوناريا السيدة العجوز بعدما تمكنت من طرق باب قصرها بجرأة.
كانت تلك الكلمات توحي باليأس بطريقة غير متوقعة.
قامت السيدة العجوز بتقويم ظهرها و رفعت كلاً من حاجبيها في الوقت ذاته، و قبلتها بسهولة عكس المتوقع.
هكذا، بدأت حياة الخدم لفتاةٍ كانت آنسة شابة ذات يوم.
و بالمال الذي جنته، قامت بتسديد الديون بالرغم من صغر سنها، و دعمت دراسة أخيها الأصغر بدفع نفقاته مع نفقات معيشة أسرتها.
لقد كانت أيامًا لم تكن فيها عشر أجساد كافية للتخفيف عن أرهاقها.
وفي حياتها اليومية المزدحمة، قل تواصلها مع خطيبها وتلاشت المشاعر تدريجيًا.
حاولت توفير بعض الوقت له في أوقات فراغها، لكن خطيبها أصبح لايبالي بـ لوناريا أكثر فأكثر.
ثم ظهر رجل.
‘فرانس…….’.
مجرد التفكير به يجعل قلبي ينبض بجنون.
مع وجود تلك الهالة الصيفية التي تنبعث من ظهره، و تقدمه نحوي خطوةً بخطوة.
التعبير الفضولي والمرعب الذي ظهر عندما قابل لوناريا للمرة الأولى.
تجذب ملابسه المُهيبة و هالته النعيمة الإنتباه من كل الارجاء بشكل طبيعي.
شخص لم يبدو بأنه قد ذاق مرارة الفشل في حياته.
كان فرانس أبن أخ السيدة العجوز.
وأشاد القرويون بفرانس أمامه، لكنهم ضلو يشيدون بكونه رجلاً متغطرس من الخلف.
وأعتاد خطيبها أن يغضب عندما تتواصل لوناريا مع فرانس بصريًا.
لكن لوناريا استمتعت بالحديث مع فرانس بالرغم من ذلك.
في أي مكانٍ في العالم قد يمكنها مقابلة شخص مثله؟!.
ليس لديها ما تخفيه عنه في قلبها، لذلك يمكنها أن تكون واثقة دائمًا أمامه.
لقد كان شخصًا رائعًا.
***
وبدون أي تحذير، انكسب الجحيم على رأسي أخيرًا.
“أنا حاملٌ بطفل أخي”.
أختها لوبيليا كانت حاملاً بطفل خطيبها.
كانت لوناريا في حالة ذهول، مثل شخصٍ تعرض للصفع دون سابق إنذار.
ألقى الخطيب باللوم على لوناريا، و بكت الأخت الصغرى بمرارة.
“هل تدركين مقدار وحدتي، هذا كله خطأك، ماذا كان سيحدث لو انتبهتِ لي حتى ولو كان للتو؟!”.
“أخت، بما أنكِ الأخت الكبرى، يمكنك التنازل عنه، أنا أحبه كثيرًا”.
تم فسخ خطوبة واحدة وتم عقد واحدة أيضًا، دون الأخذ برأي لوناريا في الحسبان.
استمرت المصاعب الغير مفهومة.
هرب والدها في الليل وترك ديونًا ضخمة.
وعندما جاء المُقرِضون، هربت زوجة أبيها وأختها واختبأَ في منزل خطيبها.
كان على لوناريا تحمل كل هذه الأعباء الغير منصفة.
على الرغم من تخلي عائلتها عنها، إلا أنها لم تستطع التخلي عنهم.
خنقت المحن لوناريا في تتابع لا هوادة فيه.
رحلت السيدة العجوز التي كانت تعمل عندها إلى النعيم دون أن تتمكن من التغلب على مرضها الذي صارعته لوقتٍ طويل.
لم يعد لدى لوناريا القوى لذرف الدموع بعد الآن.
صرخت صرخةً وفمها مغلقٌ بإحكام.
***
“ما رأيك بالزواج مني؟!”.
حدقت لوناريا بفرانس بتعبيرٍ متفاجئ.
لقد قدم عرضً لا يصدق، لكن تعابير وجهه مازالت كما هي.
زواجٌ تعاقدي مجردٌ من العاطفة أو عطورة الرومانسية حيث كان قائمًا على إرادة السيدة العجوز التي خدمتها.
أرادت أن تقبل.
لكنها لم تستطع.
لن يسمح لها والدها و زوجة أبيها وأختها وخطيبها السابق بفعل ذلك.
و أكثر من أي شيءٍ أخر، لم ترغب في إشراكه معها في حياتها التعيسة.
شعرت أنها ستنقل همومها إليه مثل المرض المعدي.
رفضت لوناريا أخيرًا.
“إذا كان هذا ما تعنيه الآنسة لوناريا”.
قَبِل فرانس إجابة لوناريا بوضوح و غادر القرية على الفور.
وسرعان ما تقدم شخص لخطبة لوناريا مجددًا.
عندما عرض الكونت السابق الاقتراح بمقابل سداد الدين، قامت زوجة الأب ببيع لوناريا بسرعة.
لقد كان زواجًا رهيبًا.
كان الكونت العجوز يُهين لوناريا كل يوم و يضربها بيده بتهور.
و سخر أطفاله منها و تجاهلوها.
مع مرور الوقت، تلاشت ذكرى الأيام التي قضتها في قصر السيدة العجوز.
‘لكنني لم أتوقع لم الشمل هذا’.
قابلت لوناريا فرانس في مأدبة عائلة نبيلة
لقد توقعت هويته كنبيل منذ البداية بسبب أخلاقه.
ومع ذلك، لم تكن تعلم بأنه كان الأرشيدوق الشهير والنبيل في إمبراطورية ألروتميريا.
كان فرانسيس على وشك قول شيء ما.
لكن لوناريا هرعت خارج قاعة المأدبة دون أن تعرف السبب.
تبعها الكونت السابق الذي كان غاضبًا من فعلتها المفاجئة.
أمسك بها في الردهة ورفع قبضته.
لكن لم تسرِ الأمور وفق رغبات الكونت في ذلك اليوم.
كان ذلك بسبب فرانس، الذي اتبعها، فقد قام بتوجيه لكمته في وجه الكونت.
أصبح الوضع مضطربًا وتجمع الناس وهربت لوناريا مرةً أخرى.
وبعد فترة وجيزة، أقتحم الجنود قصر الكونت.
كان السبب هو سرقة الضرائب.
ربما كان فرانس قد خمن فعلاً من ذلك الوقت.
وفي ارتباك، ضل أبناء الكونت السابق يصرخون و يقاتلون وقد سقط الكونت على يد أحدهم.
وعندما استعادت رشدها، وجدت لوناريا السيف الملطخ بالدماء في يدها.
وقد هرب جميع أطفال الكونت.
“مات الكونت! اقبضوا على تلك المرأة!”.
بدأ الفصل الثاني من حياة لوناريا بمطاردتها من قِبل القاتل.
فقامت بتغيير اسمها والانتقال إلى مكانٍ آخر.
كانت حياةً خانقة، ولم تكن قادرة على تقبل حالها بتنقلها في الامبراطورية.
سواء مات الإمبراطور في الامبراطورية أو تم نفي ولي العهد، ما علاقة هذه الأشياء بـ لوناريا؟.
المظهر الذي أُشِيد به بسبب غرابته الخاصة في الطفولة قد تلاشى منذ فترة طويلة بسبب المصاعب.
أصبحت بشرتها جافة وخشنة مثل لحاء الشجر، وفقدت عينيها حيويتها.
عندما تنظر في المرآة، لم تستطع تذكر مظهرها وكيف كانت تبدو.
بدا الأمر كما لو أن هذا هو مظهرها منذ البداية.
بعد مرور وقتٍ طويل وتوقف الجاني عن مطاردتها، صنعت لوناريا منزلًا مؤقتًا في قرية صغيرة.
عملت كخادمة في المطبخ، و تتجول من مكانٍ للآخر لمتابعة عملها.
وذات مرة، أثناء الطهي، تقيأت الدم لأول مرة.
قال لها الطبيب الطيب الذي مر بالقصر:
“تقبلي وضع قلبك، أعتقد بأن من الصعب عليك الصمود لفترة طويلة”.
شخص الطبيب المعالج لوناريا بأنها مريضة حتمًا، و طالما لم يكن هناك ألم، فهذا يعني أنها ستموت عاجلاً أم آجلاً.
كان مثل الحكم الواضح بالإعدام.
طلبت المساعدة من ساحرٍ مشهور تمكنت من مقابلته بصعوبة. لكنه هز رأسه أيضًا.
كان علي أن أتقبل وضعي دون أن أعرف ما هو حتى.
كانت هذه هي المرة الأولى التي استشعرت فيها مقدار الألم الذي قد يتسببه شخصٌ واحد.
كانت الأعراض موجودة منذ فترةٍ طويلة، لكن بشكل طفيف وقتها، حينما كانت حياتها مليئة بالمشاغل ولم يكن لديها وقت للانتباه على نفسها.
في النهاية، هذا كل شيء.
لم يكن لدي خيار سوى تقبل الأمر الواقع و أموت.
عوضًا عن ذلك، حتى لو لم تسر الأمور على ما يرام، إذا كنت سأعيش هكذا لبقية حياتي…… .
***
واليوم منذ فترةٍ قصيرة.
رأيت وجهًا أعتقدت بأنني لن أراه مرةً أخرى.
أمر صاحب العمل المطبخ بالخروج بكافة الأطباق لأن الزائر كان ضيفًا خاصًا جدًا.
جلبت لوناريا كعكة الليمون إلى المائدة وهي طبقها المفضل.
وبعد طبقٍ تلو الآخر، استدعاها صاحب العمل لسببٍ ما.
كان فرانسيس هناك.
لم يتغير شيء واحد فيه.
حتى بعد عشر سنوات، مازال وسيمًا و رائعًا.
ومع ذلك، كانت عيناه متصلبة، و خيمت أجواء هادئة و ناضجة من فمه.
“قال الأرشيدوق بإنه يريد مقابلة الشيف الذي صنع الكعكة”.
شرح صاحب العمل الوضع.
وسرعان ما هدأ قلبي الذي كان ينبض بشدة.
‘لن يتعرف علي، لقد تغيرت كثيرًا’.
كنت أعتقد بأن اتساع عينيّ فرانس الذي كنت اواجهه وهمًا.
لكن.
“آنسة لوناريا”.
كان الصوت الذي خرج عاطفيًا.
إسمٌ لم أسمعه منذ وقت طويل.
إسمٌ منسي.
لقد مر وقتٌ طويل، لكنِ لم أفكر ابدًا بأنه سيتذكر لوناريا التي كان يراها عندما كان يعيش في الريف لبضعة أشهرٍ فقط.