لِنُعِد الزواج مجدّدًا - 1
الفصل 1 : المقدمة
حلمتُ بهدوءٍ في الظلام.
كنتُ غارقةً في ملمسٍ ناعمٍ يُحيطُ بجسدي بالكامل، مُغمضةً عيني. كان دافئًا، وكأنهُ يحتويني تمامًا.
المشهدُ أمامي لَمْ يكُن واضحًا، لكنهُ منحني شعورًا مُريحًا، يُشبه ذَلك الشعور عندما كنتُ في رحمِ أمي، مِما جعلني لا أرغبُ في فتح عيني.
أريدُ أنْ أنسى كُل شيءٍ هَكذا.
أريدُ العودة…
لو عدتُ، يا ترى، هل كنتُ سأختار شيئًا آخر؟ لو نسيتُ كُل شيء، هل كنتُ سأكون مُختلفةً عمّا أنا عليهِ الآن؟
تمتمتُ بكلماتٍ لا أفهمُها حتى أنا، بينما غصتُ أعمق في ذَلك الدفء المريح.
كنتُ أعلم أنهُ مُجرد حُلمٍ، لكن الأصوات والملمس والمشاعر كانت مُمتعةً للغاية لدرجة أنني رغبتُ فقط في الاستمرار في الاستلقاء هَكذا.
السلام.
إحساسٌ دافئ، ليس حارًّا ولا باردًا، بل دافئٌ تمامًا بالمقدار المُناسب.
السعادة.
شعورٌ طافٍ وغيرُ واقعي إلى حد أنني لَمْ أشأ فتحَ عيني.
لكن هُناك مَن استمر في إزعاج هَذا الشعور المريح.
“…..!”
اختفى السكون الهادئ للحُلم، وبدأتُ أسمعُ ضجيجًا يصطدمُ بأذني. أصواتُ الأقمشة التي تُلامس بعضها أثناء حركة الأشخاص حولي، وأحدُهم يُلامس جسدي باستمرار، ونداءٌ مُتكرر بأسمي.
قطبتُ جبيني.
مُزعج.
أريدُ أنْ أرتاح، لا تعكروا راحتي.
إنهُ أول نومٍ هانئ لي منذُ زمنٍ طويل. دعوني وشأني.
لأنني، بهَذهِ الطريقة، أستطيعُ أنْ أتحرر مِن الشعور بالسير على حبل مشدود بين القلق والخطر. لقد تعبتُ مِن التظاهر بالابتسام بينما أراقبُ شخصًا عزيزًا يتألم.
لكن، على عكس رغبتي، لَمْ يختفِ الضجيج. بل ازداد، وأصبح أكثرَ إلحاحًا، كما لو أنهُ مُصممٌ على جعلي أفتحُ عيني بالقوة.
وفي اللحظة ذاتها، اختفى الهدوء الذي كنتُ غارقةً فيه، وبدأ ألمٌ حادّ يخترقُ رأسي كما لو أنْ شفرةً تُغرس فيهِ. شعرتُ بالغثيان. كدتُ أتقيأ. فجأةً، اجتاحتني آلام لَمْ أكُن أدركها مِن قبل.
مؤلم.
إنهُ مؤلمٌ جدًا.
لَمْ أستطع تحمُل الألم الحاد الذي يُشبه الطعن، فأطلقتُ أنينًا ضعيفًا. ومع عودتي إلى وعيي، تسلل الألم إلى جسدي.
تم سحبي بالقوةٍ مِن ذَلك الحُلم الجميل نحو الواقع، وفتحتُ عيني.
شعرتُ وكأنني كنتُ نائمةً لفترةٍ طويلةٍ جدًا.
عقلي لا يزال ضبابيًا، والناس الذين يتحركون أمامي بدوا وكأنهُم جزءٌ مِن حُلم، وليسوا حقيقيين.
كان هُناك الكثير مِن الأشخاص حولي. المُربية التي رافقتني منذُ طفولتي. الخدم الذين يتحركون بنشاط.
ورجلٌ غريبٌ يُمسك بيدي…
لَمْ أتمكن مِن معرفة مَن هو ذَلك الرجُل.
لَمْ يكُن هُناك أحدٌ مِن عائلتي يُمسك بيدي بهَذهِ الطريقة. لديّ أبٌ وأخ، لكنهُما ليسا مِن النوع الذي يُمسك بيدي بمودةٍ عندما أمرض. على العكس، كانا سيوبخانني مُتهمينني بالمُبالغة، أو سيتجاهلانني إنْ كنتُ محظوظة.
أشعرُ بالدوار…
رمشتُ عدة مراتٍ حتى أصبحت الرؤية أمامي واضحة.
“يا إلهي، آنسة ساي! لقد فتحتِ عينيكِ!”
قالت المُربية، التي رعتني منذُ طفولتي، ودموعها تترقرق مِن عينيها.
إلى جانب الصُداع الشديد، شعرتُ بحرارةٍ تسري في جسدي، وكان جسدي مُبللًا بالكامل بالعرق.
ساي ألانترا الثانية.
كان اسمي مأخوذًا مِن اسم جدتي الكبرى، التي كانت تُعرف بكونها امرأةً قوية. كنتُ الابنة الصغرى لعائلة ألانترا النبيلة. لَمْ يكُن لقبي على النمط الإمبراطوري، لأن أحد أجدادي كان قد جاء مِن بلدٍ آخر وحصل على لقب النبلاء هُنا.
يبدو أنني مُصابةٌ بالحمى.
لَمْ أكُن أمرضُ كثيرًا، لكن حينما كنتُ أمرض، كنتُ أعاني بشدةٍ لعدة أيام.
تنفستُ بصعوبةٍ وأنا أفكر.
لكن الغريب أنني لَمْ أستطع تذكُر متى بدأتُ أشعر بالمرض. لَمْ أكًن أذكر إصابتي بالحمى، أو السعال، أو التعرض للمطر.
الشيء الوحيد الذي أتذكرهُ هو أنني كنتُ مدعوةً لحفل شاي بعد أيامٍ، بناءً على أوامر والدي.
وفجأةً، شعرتُ بألمٍ شديدٍ في رأسي، كما لو أنه يتمزق، فَحاولتُ أنْ ألمسهُ بيدي، لكنني أدركتُ متأخرةً أنْ يدي كانت مُمسكةً بشدةٍ مِن قبل شخصٍ ما.
كان ذَلك الرجل، الذي كان جالسًا على الجانب الآخر مِن المربية الباكية، لا يزال يُمسك بيدي.
استدرتُ ببطء، وبإرهاق، ونظرتُ إلى الرجُل الذي كان يُمسك بيدي.
أكتافٌ عريضة. بنيةٌ قوية. طولٌ يمنحهُ حضورًا مُهيبًا.
شعرٌ أسود وعيونٌ حمراء. عينان حادتان وأنفٌ مُستقيم بارز. شفتاه خاليتان مِن أيِّ ابتسامة. وجهٌ تبرزُ فيهِ ملامحٌ رجوليةٌ قوية.
الدوق بنجامين ريڤرستا، المُلقب بـ ذو الدم البارد، الرجُل الذي يُقال إنْ حتى الأطفال الباكين يتوقفون عن البكاء خوفًا عند رؤيتهِ.
الرجُل الذي كان يبدو ضبابيًا قبل قليل كان هو.
لَمْ يكُن هُناك أيُّ رابط بين ساي وبنجامين. لَمْ تتجاوز لقاءاتُهما مُجرد رؤيتهِ مِن بعيد بضعَ مراتٍ في الحفلات.
وكما يوحي لقبُه، كانت مُعظم الشابات، رغم وسامتهِ، ترتعدُ خوفًا منهُ ولَمْ يجرؤنَ على الاقتراب منه.
لهَذا، كان بنجامين مُحاطًا دائمًا بالرجال، لكن في الخفاء، لَمْ تكُن اعترافاتُ النساء ومحاولات جذب انتباههِ تتوقف.
على عكس ساي، التي كانت تحضرُ التجمعات الاجتماعية بشكلٍ مُتكرر بأمرٍ مِن والدها، لَمْ يكُن بنجامين يظهرُ كثيرًا في تلكَ التجمعات.
لذَلك، لَمْ يكُن هُناك أيُّ وقتٍ لبناء أيِّ علاقةٍ بينهما.
إذن، لماذا يُمسك بيدي بهَذهِ القوة؟ لماذا هو هُنا في غرفة نومي؟
لَمْ تستطع فهمَ الوضع، فَعبُست بانزعاجٍ، إلا أنْ بنجامين ناداها بصوتٍ خافت.
“ساي.”
كان صوتُه مُنخفضًا، كأنهُ ينبعثُ مِن أعماق صدرهِ، لَمْ يكُن دافئًا، لكنهُ كان يحمل مشاعر مُتأججةً.
كانت نبرتهُ مشحونةً بعاطفةٍ غامضة لدرجة أنْ ساي، التي كانت تزمُ شفتيها بانزعاج، نسيت للحظةٍ عبوسها وحدقت بهِ بدهشة.
عيناهُ الحمراوان، اللتان قيل إنهما تلطختا بلون الدم، لَمْ تعكسا القسوة التي ترددت عنها الشائعات، بل كانت تشعُ بجمالٍ يُضاهي الياقوت، وتملؤها كآبةٌ صامتة. كان ينظرُ إليّها بشوقٍ ممزوجٍ بالحزن، بنظرةٍ قد تُثير المشاعر لمِن يراها.
لكنها لَمْ تستطع فهم السبب الذي جعلهُ ينظرُ إليّها بمثلِ هَذهِ النظرة البائسة. وكأنهُ قرأ التساؤل في وجهِها، تحدث بنجامين ليشرح الوضع.
“لقد سقطتِ مِن شرفة الطابق الثاني واصطدم رأسُكِ بشدةٍ. قال الطبيب بإنه مِن حُسن الحظ أنه لَمْ يكُن هُناك سوى نزيفٌ خارجيٍ طفيف، ولَمْ يحدُث أيُّ تورم في الدماغ. لكن علينا مراقبةُ حالتكِ لاحتمال وجود أيِّ إصابةٍ دماغية.”
شرفة الطابق الثاني؟
لكن قصر آل ألانترا لَمْ يكُن يحتوي على شرفاتٍ في الطابق الثاني، بل في الطابق الثالث فقط.
كيف سقطتُ مِن شرفةٍ غيرِ موجودةٍ أصلاً؟
مع هَذا التساؤل، بدأت أخيرًا تُلاحظ تفاصيل الغرفة مِن حولها. لَمْ تكُن هَذهِ غرفةُ نومها التي كانت مزينةً بتصاميمٍ بسيطة بألوان الكريم والأخضر الفاتح. الغرفة التي كانت مُستلقيةً فيها الآن كانت واسعةً، مليئة بنقوش فخمة وأجواءٍ مهيبة.
ما الذي يحدُث؟ كانت آخر ذكرياتها بأنها منحت ميري إجازةً، ثم ذهبت إلى المكتبة لقراءة كتاب. لَمْ يكُن هُناك شرفةٌ في المكتبة، ولَمْ يكُن هُناك دوقٌ مخيفٌ أيضًا.
إذن، لماذا أنا هُنا؟ ولماذا ينظرُ إليَّ هَذا الدوق وكأنهُ قد ارتكب خطأً فادحًا؟
تملكتها الحيرة، فسألت بتردد:
“هل… هل كنتَ أنتَ مَن دفعني؟”
لَمْ يكُن لديهِ أيُّ سببٍ أو دافعٍ لإسقاطها مِن الشرفة، لكن الأمور غيرِ المتوقعة يُمكن أنْ تحدُث دائمًا.
لَمْ تستطع إيجاد تفسيرٍ آخر لحضورهِ هُنا، ولقبضتهِ القوية على يدها، ولملامحهِ التي تعكسُ شعورًا بالذنب. لَمْ يكُن بينهما أيُّ علاقةٍ تُبرر هَذا الاهتمام المُفاجئ.
حدق بها بنجامين بدهشةٍ للحظة، ثم أطلق تنهيدةً قصيرة، وكأنهُ يسمعُ حديث شخصٍ أصيب في رأسهِ ويتفوهُ بكلامٍ غيرِ منطقي. على العكس منه، قفزت المُربية في فزع وسارعت بالشرح.
“لا، جلالته، لقد كان خارج القصر طوال اليوم بسبب العمل. وحين سمع بالحادث، عاد مُسرعًت!”
لَمْ تستطع ساي استيعاب كلمات المُربية. في الواقع، لَمْ تستطع حتى استيعاب وجود المربية نفسها هُنا. فَنظرت إليّها بحيرة وسألتها.
“لماذا أنتِ هُنا؟”
“لقد استدعيتِني بنفسكِ إلى هَذا المكان”
استدعيتُها؟ إلى هُنا؟ أنا؟ بأيِّ سلطة؟
كان رأسُها ينبضُ بألمٍ، ولَمْ يكُن بإمكانها فهمُ أيِّ شيء. فتابعت طرح الأسئلة المُتلاحقة.
“ولماذا هرع الدوق إلى هُنا لمُجرد أنني أصبتُ؟ أم أنهُ يشعرُ بالمسؤولية تجاه أيِّ شخصٍ يُصاب داخل قصرهِ؟”
رغم أنني لا أعرفُ حتى لماذا أنا هُنا أساسًا… كان هَذا هو التفسير المنطقي الوحيد الذي تمكنتُ مِن الوصول إليّه.
لكن الإجابة جاءت هَذهِ المرة مِن بنجامين نفسه.
“لأننا زوجان، ساي. أنتِ زوجتي. ومِن الطبيعي أنْ يُسرع الزوج إلى زوجتهِ عندما تتعرضُ للأذى.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة