لقد تزوجت من إمبراطور النار ولكنه يعتقد انني بشرية ضعيفة. - 1
1
كان الرجل طويل القامة، بطول يفوقني بنحو مرة ونصف، ذا بنية قوية. عيناه كانتا تتوهجان بلون الدم القاني، تمامًا كما يفيض الدم الطازج عندما يُوخز طرف الإصبع بإبرة.
شعره الأسود اللامع كان أطول مما هو معتاد لدى الرجال، مربوطًا بإهمال في عقدة واحدة.
جسده العضلي، الذي بدا وكأنه قد تخلص من أي دهون زائدة، كان مغطى بقميص أبيض واسع الصدر وسترة سوداء طويلة الأكمام.
وكانت تلك السترة مطرزة بصورة طائر ناري أحمر.
“إذن، أنتِ الإنسانة القادمة من المملكة؟”
ناداني صوته العميق والقوي.
انحنيت قليلًا، ممسكة بطرف تنورتي، وأديت التحية المتبعة في وطني.
“تشرفت بلقائك. أدعى آنِّيريا يوفيرهيلم، يا سيدي جِزلهايد أوغنياس.”
كان العرش موضوعًا وسط قاعة مزخرفة ببذخ.
من السقف تدلت مصابيح مربعة عدة، متألقة رغم خلوها من الشموع.
خلف مقعد جِزلهايد، زينت الحائط نافذة دائرية ضخمة بنقوش معقدة، مرسومٌ عليها أيضًا طائر، وكأنه يحلق برشاقة فوق القمر.
الجدران والأعمدة كانت مزينة بكثافة، تغلب عليها ألوان الأسود والذهبي والأحمر.
الوقوف في مثل هذه الأجواء كان كافيًا ليشعرني ببعض الدوار.
“هل تأكلون… خنافس الكابوتوموشي؟”
“بالطبع لا!”
وهكذا كان لقائي الأول مع جِزلهايد.
◆◆◆◆
لم تكن لدي رغبة كبيرة في الزواج منذ الصغر.
في مملكة إلجيريا، حيث وُلدت، يُنظر إلى الرقة في الرجال كصفة محببة.
وكان هذا الأمر شائعًا بين النبلاء وأفراد العائلة المالكة على وجه الخصوص، حيث كانوا يهتمون بالعناية بالبشرة ومعالجة الشعر أكثر من اهتمامهم بركوب الخيل، أو مطاردة الأرانب البرية بالقوس، أو حتى صيد الخنازير والدببة.
بالطبع، الجمال ليس أمرًا سيئًا، لكن كلما رأيت صدور الرجال النحيلة وأذرعهم الرفيعة، كنت أتنهد بلا وعي.
كانت الفتيات النبيلات معجبات بولي العهد المتألق وكأنه تجسيد للجمال والبهاء، لكنني لم أكن من بينهن.
لو أتيح لي الاختيار، لفضلت زوجًا ذا بنية قوية، فارسًا بحق.
لكن في مملكة إلجيريا، نادرًا ما يوجد رجال بهذه الصفات، وفرصة أن أُزف إلى فارس وأنا الابنة الكبرى لعائلة يوفيرهيلم الدوقية كانت ضئيلة للغاية، لذا لم أشأ أن أتطلع إلى المستحيل.
الزواج النبيل غالبًا ما يكون زواجًا سياسيًا، لذا كنت أعتقد أن شريك حياتي سيُحدد عاجلًا أم آجلًا.
لكن لم يخطر ببالي قط أنني سأبلغ الثامنة عشرة دون أن يتم اختياري للزواج!
“ما الذي ينقصني بالضبط؟” قلت، متأملة، قبل أن ألتفت إلى أخي الأكبر،
“نسبي ليس موضع شك، أليس كذلك، أخي العزيز؟ ومظهري ليس بهذا السوء، أليس كذلك، أختي العزيزة؟”
قبل خمس سنوات، تزوج أخي أنجيل من الليدي إريكاثينا، ابنة عائلة ماركيز.
والآن، وأنا في سن الزواج منذ فترة، لا زلت أقيم كضيفة في قصر دوقية عائلتي، الذي أصبح عش الزوجية لأخي وزوجته.
أختي إريكاثينا حامل بطفلها الثاني، بينما طفلها الأول، ابن أخي إلجيريل، ملاك صغير لا يمكن مقاومته.
أما أختي الكبرى، وأخي أنجيل، فهما…
(البطلة تنادي زوجه اخوها باختها لانها اصبحت جزء من العائلة بالفعل.)
لقد قدموا لي الرعاية دائمًا، وأخبروني أن بإمكاني البقاء في قصر دوقية يوفيرهيلم إلى الأبد، لكنني لا أعتقد أن هذا سيكون صائبًا.
“نعم، أعتقد أن آنِّيريا جميلة. فهي تشبهني.”
“هذا صحيح، آنِّيريا آنسة جميلة. إنها تشبه السيد أنجيل تمامًا.”
عندما تحدثت عن مخاوفي أثناء تناول الغداء مع الجميع، قال أخي وزوجته ذلك بابتسامة مشرقة.
لكن فكرة أن يكون مقياس الجمال هو أخي تبدو غريبة.
صحيح أن أخي أنجيل جميل بلا شك، فشعره الفضي اللامع يعكس ألوان الطيف عند تعرضه للضوء، وعيناه البنفسجيتان تضفيان عليه هالة غامضة، أما بشرته البيضاء الناعمة فتكاد تكون بلا عيوب.
قامته طويلة وجسده نحيل بشكل أنيق، حتى أنه بمجرد جلوسه متشابك الساقين يبدو وكأنه لوحة فنية.
قبل زواجه، كان يُقال إن النساء يغمى عليهن لمجرد أن يوجه إليهن نظرة، وبالفعل، حدث ذلك أكثر من مرة.
أما أختي إريكاثينا، فهي امرأة بسيطة وجذابة بطريقتها الخاصة.
رغم أنه كان من الممكن أن تشعر بالإزعاج من وجودي كأخت زوجها التي تعيش معها، إلا أنها كانت دائمًا تعتني بي وكأنها أختي الحقيقية.
“آنِّيريا، تزوجيني!”
قال ابن أخي إلجيريل، الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره، وهو يبتسم لي ببراءة.
كلماته جعلت قلبي ينبض بسرعة، لكنه لا يزال طفلًا، ولا يمكنني قبول عرض زواج منه، فهو ابن أخي في النهاية.
لكن مجرد فكرة أن طفلًا في الرابعة من عمره قلق بشأن عدم زواجي تبدو محبطة.
“شكرًا لك، إلجيريل. أشعر بالامتنان لمشاعرك، لكن آنِّيريا تشعر بالقلق. بلوغي الثامنة عشرة دون زواج أمر نادر الحدوث.”
في مملكة إلجيريا، تتراوح السن المثالية للزواج بين السادسة عشرة والسابعة عشرة، ومن المعتاد أن تتم الخطبة بحلول الخامسة عشرة.
جميع معارفي وصديقاتي تقريبًا تزوجن بالفعل.
“آنِّيريا، سأكون أنا من يتزوجك. بالمناسبة، أمي، هل يمكنني ترك السمك؟”
“لا، إلجيريل. يجب أن تأكل كل طعامك، فنحن نستهلك حياة مخلوق آخر.”
كلماته حول ترك السمك أصابتني في الصميم.
وكأنني ذلك الطعام المتبقي، السمكة المتروكة.
في بداية هذا العام، كنت لا أزال أعتقد أنني سأتزوج عاجلًا أم آجلًا.
لكن بعد أن احتفلت بعيد ميلادي في يونيو، بدأت أشعر بجدية الموقف.
“كنت أظن أنك لا ترغبين في الزواج، آنِّيريا.”
“ليس الأمر كذلك، كنت فقط أعتقد أن خطيبي سيتم اختياره عاجلًا أم آجلًا. فالزواج السياسي هو العرف السائد، أليس كذلك؟”
“استخدام آنِّيريا، التي أعتبرها كابنتي، كأداة في زواج سياسي… هذا غير مقبول.”
قال أخي أنجيل بحزن.
صحيح أنني فقدت والديّ في سن مبكرة بسبب المرض، وكان أخي هو من تولى تربيتي.
لطالما شعرت بحبه واهتمامه، لكنني لم أدرك أنه ينظر إليّ بهذه الطريقة.
“لأنني كنت أظن أنك لا ترغبين في الزواج، كنت أرفض جميع عروض الخطبة التي وصلتنا…”
“يمكنكِ البقاء هنا إلى الأبد، آنِّيريا. ثم إن إلجيريل قال إنه سيتزوجكِ.”
“نعم! عندما أبلغ الخامسة عشرة، سنتزوج يا آنِّيريا!”
“أنا ممتنة لك كثيرًا، لكن هذا مستحيل. لا يمكنني أن أسمح لصبي لطيف مثلك، إلجيريل، بأن يتزوج شخصًا مثلي وكأنني سمكة متروكة.”
“لا… لستِ سمكة متروكة أبدًا، آنِّيريا. أنتِ جميلة للغاية. عندما تقفان معًا، أنتِ وأخوكِ، تبدوان وكأنكما لوحة فنية. أنا سعيدة لأنني أعيش محاطة بهذه الجماليات يوميًا. لذا، لا تجبري نفسكِ على الزواج، يمكنكِ البقاء معنا دائمًا.”
قالت إريكاثينا ذلك بابتسامة هادئة ونبرة دافئة.
الجميع هنا يعاملني بلطف بالغ.
إذا بقيتُ هنا للأبد، سأفسد تمامًا.
سرعان ما سأصل إلى عمر يصعب فيه العثور على شريك مناسب.
وإن بقيتُ على هذه الحال، فقد يأتي يوم يكرهني فيه إلجيريل، الذي يحبني كثيرًا الآن.
“أخي، أختي، إلجيريل… شكرًا لكم. أنا سعيدة حقًا بدعمكم، لكن إن أمكن، أريد أن أتزوج.”
“حقًا؟ لم أكن أعلم ذلك. إن كان هذا ما ترغبين به، فسأحقق لكِ أمنيتكِ قدر الإمكان. هل لديكِ مواصفات محددة لشريك حياتكِ؟”
سألني أخي، وهو يبدو مترددًا قليلًا.
“أفضّل شخصًا طويل القامة، قوي البنية وعضليًّا، يستطيع أن يحملني بيد واحدة ويضعني على كتفه بينما يسير.”
أجبتُ بسرعة، دون تردد.
ظل أخي يفكر قليلًا، ثم قال: “هذا أشبه بأسطورة العمالقة. حسنًا، سأناقش الأمر مع جلالة الملك.”
وبعد فترة قصيرة، استُدعيتُ إلى القصر الملكي.
لم يكن اللقاء في قاعة العرش، بل في إحدى قاعات الضيافة الملكية حيث كنتُ برفقة أخي.
كان في انتظارنا هناك جلالة الملك الجديد، جود إلجيريا، الذي كان بمثابة صديق الطفولة بالنسبة لي.
“آنِّيريا، كنتُ أظن أنكِ لا ترغبين في الزواج.”
كان جلالة الملك جود يتمتع بجاذبية فريدة، وكأن هالة من الورود الذهبية تحيط به دائمًا.
قال لي نفس ما قاله أخي تمامًا.
“لكن هذا جاء في الوقت المناسب، فلديّ شريك مثالي لكِ.”
“شريك مثالي؟”
“نعم. إمبراطور إمبراطورية أوغنياس، ‘إمبراطور اللهب’ جِيزلهايد، طلب اختيار عروس له من مملكتنا. لكن جميع الفتيات الشابات يخفنَ منه ويرفضن الزواج به.”
إمبراطور اللهب، جِيزلهايد.
اسمه معروف لدى الجميع في هذه المملكة.
مملكة إلجيريا وإمبراطورية أوغنياس حليفتان رسميًا، لكن بالنظر إلى أن إمبراطورية أوغنياس أكبر وأقوى، فإن وضعنا أقرب إلى التبعية.
شعب الإمبراطورية يتكون من “التنانين”، وهم كائنات ذات أجساد ضخمة تفوقنا حجمًا، ويمكنهم التحول إلى تنانين والطيران في السماء.
ويُقال إن جِيزِلهايد لُقّب بـ “إمبراطور اللهب” لأنه قادر على نفث النيران مثل التنانين الأسطورية.
إنه يُعامل كوحش مخيف في مملكتنا، لدرجة أن الأمهات يهددن أطفالهن به حتى يكفّوا عن البكاء.
“آنِّيريا، هل ستقبلين أن تصبحي زوجته؟”
رغم مظهره الهادئ، كان لصوت جود قوة لا يمكن رفضها.
صحيح أنني قلت إنني أفضّل رجلاً قوي البنية…
لكنني لم أتخيل أبدًا أن الأمور ستؤول إلى هذا الحد!
المترجمة:«Яєяє✨»