ضغطت لاتيل على صدغيها وحاولت بجهد أن تستعيد المحادثة التي سمعتها بأكبر قدر ممكن من الدقة.
لحسن الحظ، كانت القصة صادمة للغاية، فلم تتذكر فقط الحوار بدقة، بل حتى الشعور بالظلم الذي شعرت به حينها عاد إليها بوضوح.
“لماذا سمح لي أخي بأن أصبح ولية العهد؟، لا، بل هو من دفعني لأصبح ولية العهد من الأساس!، هل خطط لهذا منذ ذلك الحين؟”
“قبل أن تصبحي ولية العهد، لم يكن متأكدًا من أنكِ المرشحة.”
“الآن يقول إنه ليس متأكدًا من أنني لورد، فما الذي يعنيه بعدم تأكده من كوني مرشحة؟!”
“لم يعرف رايان بوضوح علامات اللورد إلا بعد أن أصبح تلميذ الحكيم الأعظم وذهب إلى المعبد، ثم بدأ يعتقد أنكِ على الأرجح لورد.”
حتى في ذلك الوقت، شعرت أن هذا الجزء غريب، قيل إنه “لم يكن متأكدًا من أنها مرشحة للورد” في ذلك الحين، والآن “ليس متأكدًا من أنها لورد”.
يبدوان متشابهين، لكن في الحالة الأولى، تنازل رايان عن العرش ليجعل لاتيل إمبراطورة، وفي الحالة الثانية، سلب منها كل شيء، بحجة أنه لصالح البلاد.
“يبدو أنه أنت!.”
“أنا من اعترضت رسائلي إليكِ؟”
“لا، ليس هذا!”
توقفت لاتيل فجأة، غارقة في أفكارها، وتمتمت بصوت مرتجف، فنظر إليها هيسينت بقلق.
استدارت لاتيل بسرعة وحدقت في عينيه الرماديتين.
“كنتَ أنت.”
“ما الذي تقصدينه؟”
“الشخص الذي أخطأ أخي في التعرف عليه بدلاً مني!”
عبس هيسينت.
“رايان خلط بيني وبينكِ؟ هل… نحن متشابهان لهذه الدرجة؟”
“كنا دائمًا معًا! طوال الوقت!”
لم يفهم هيسينت السياق الكامل، فلم يدرك بعد ما تقصده لاتيل.
لكنه لاحظ أنها تتألم وهي تتذكر شيئًا، وأن رايان متورط في الأمر.
“ها، سأجن حقًا، منذ متى خطط لهذا؟”
أمسكت لاتيل قبضتها بقوة وعضت شفتيها، ارتجفت كتفاها وأغلقت عينيها بإحكام، ما هو بالضبط “علامة اللورد” التي اكتشفها رايان…؟
‘ثم غضب لأن هيسينت خانني؟ وواساني لأنني تألمت بسبب هيسينت؟ بعد أن كان هو من قطع الرابط بيني وبين هيسينت بنفسه؟’
“لاتيل؟”
“إنه أخي.”
“ما الذي تقصدينه؟”
“من اعترض رسائلك من جانبنا، إنه أخي.”
لم تكن متأكدة تمامًا بعد، لكن لا يوجد أحد غير رايان يمكنه فعل ذلك، في الوقت الذي كان يعترض فيه رسائل هيسينت، كان رايان ولي العهد، بينما كانت لاتيل مجرد أميرة عادية رغم مكانتها العالية.
كان لدى رايان السلطة الكافية لاعتراض الرسائل وإخفائها، وكان لديه سبب للإخفاء أيضًا.
“سواء كنتُ أنا اللورد أو كنتَ أنت اللورد، كان أخي يريد منع زواجنا.”
إذا كان هيسينت اللورد، فمن أجل أخته، وإذا كانت لاتيل، فمن أجل إبقائها تحت مراقبته في نطاقه.
مسحت لاتيل الدموع التي تجمعت في عينيها بكفها، ثم نظرت إلى هيسينت وارتجفت، كان تعبير وجهه شيئًا لم تره من قبل.
تجمدت شفتاه بصلابة، وكانت جفناه ترتجفان، تلك العيون الرمادية التي كانت تصبح دافئة كغيوم المساء كلما نظر إليها، أصبحت الآن مليئة بالعاصفة وتبدو هشة.
كررت لاتيل فتح فمها وإغلاقه، لم تعرف ماذا تقول له.
لو بقي هيسينت على تواصل مع لاتيل، كيف كان سيصبح حالهما؟
كان هذا شيئًا لا تستطيع لاتيل معرفته، كانت هناك العديد من الاحتمالات.
ربما كانت لاتيل قد طلبت من والدها إرسال جيش لدعم هيسينت، أو ربما اعتذر هيسينت لها وقال إنه بحاجة إلى قوة دوق داغا وودّعها.
وداعًا لائقًا أكثر، وداعًا مع قلوب أكثر استعدادًا.
في كلتا الحالتين، كان سيكون أفضل من سماع خبر زواج هيسينت بعد سنوات.
“حقًا… ابن كلب.”
* * *
بعد الأخبار السيئة، جاءت أخبار جيدة على الفور، عندما عادت إلى غرفة الضيوف، وجدت قاتلاً من الغابة السوداء مرسلًا من تيسير ينتظرها حاملاً رسالة.
– “السيد ثلجة والسيد عضلات يعرفان الحقيقة الآن، (في الحقيقة، سيد عضلان لم يكن يعرف، لكنني أخبرته، أعطني نقاطًا إضافية من فضلك) سنجعل المزيفة تفقد اهتمامها بحقل اللسمكة المفلطحة، إذا كان هناك أي تعليمات إضافية، أخبريني. أشتاق إليكِ يا سمكتي المفلطحة.”
بينما كانت لاتيل تحدق في الرسالة بذهول، أوضح القاتل بسرعة.
“خوفًا من أن تضيع الرسالة، استبدل أسماء الأشخاص برموز.”
“إذن السيد ثلجة هو رانامون، والسيد عضلات هو جايسين؟، والحقل هو العرش؟ لكن لماذا أنا السمكة المفلطحة؟”
عندما فتحت لاتيل عينيها بنظرة حادة، بدا القاتل مرتبكًا ونظر إلى كارلين بحذر.
يبدو أنه تعرض لضربة قوية عندما حاول مهاجمة كارلين سابقًا.
“أنا… السمكة المفلطحة.”
عندما حدقت به لاتيل، تقلص القاتل وأضاف بسرعة.
“طلب القائد أن تكتبي الرد أيضًا برموز.”
“حسنًا.”
ردت لاتيل بقوة، وأحضرت ورقة صغيرة وكتبت ردًا سريعًا.
– “لدي شخصان هنا سيساعدانني أيضًا، أرسل لي إشارة، وسأأخذهما إلى هناك، لذا اصنع لي موقفًا أستطيع فيه مواجهة المزيفة، يا تاجر المخدرات.”
* * *
بعد ذلك، بدأت لاتيل تنتظر أخبارًا من تيسير تفيد بأنه أكمل الاستعدادات، وكانت تضع علامة “X” على التقويم يومًا بعد يوم.
كونها هنا يعني أنها ستسمع قصصًا عن هيسينت باستمرار، والآن كان سماع قصص هيسينت أصعب عليها.
في السابق، كان بإمكانها أن تلومه فقط، أما الآن، بعد أن عرفت أن خطة أخيها كانت متورطة في الأمر، أصبح قلبها أكثر تعقيدًا.
في خضم ذلك، كانت آيني لا تزال تزور كارلين بشكل دوري وتسأله إن كان حقًا لا يعرفها.
كل هذا التعقيد جعل لاتيل تشتاق للعودة إلى القصر بسرعة، العودة و… أغلقت لاتيل عينيها بقوة.
بالأمس، سمعت أن أقرب حارس شخصي للإمبراطورة لاتراسيل تم اكتشاف تواطؤه مع الساحرة السوداء وطُرد ربما كان سونوت.
كانت تعلم أنه شخص قادر على حماية حياته، لكن إذا لم تستعد مكانتها بسرعة، سيكون هو أيضًا في خطر.
“هل يعرف رئيس الخدم الحقيقة؟، هل يعرف ويساعد رايان، أم…؟”
في تلك اللحظة، سمع صوت طرق على الباب، فقامت لاتيل بسرعة.
“هل هو كارلين؟”
كان قد غادر لفترة قصيرة لأمر ما، هل عاد؟.
ركضت لاتيل إلى الباب وسألت “من هناك؟” لكن عندما فتحت الباب بحماس، لم يكن الزائر سوى خادم يعمل غالبًا كرسول لخادمة الإمبراطورة لويس.
قبل ثلاثة أيام، دعتها لويس لاختيار فستان، وأرسلت هذا الشخص في ذلك الوقت أيضًا، لذا تذكرت وجهه.
“ما الأمر؟”
عندما سألت لاتيل، مدّ الرسول صندوقًا كبيرًا إليها.
“هذا الفستان الذي قالت السيدة لويس إنها ستعيره للآنسة ساديل، تم تعديله ليناسب مقاسات الآنسة ساديل، لذا ارتديه جيدًا وأعيديه براحة بعد انتهاء الحفل.”
في الحقيقة، على الرغم من سؤالها عن السبب، كانت لاتيل تعلم أن الرسول جاء ليوصل الفستان، لم يكن هناك خيار آخر، الصندوق الذي حمله كان كبيرًا بما يكفي ليصل إلى خصر لاتيل.
بعد أن رحل الرسول بتحية خفيفة، حملت لاتيل الصندوق إلى الغرفة، فتحت الغطاء، وفحصت الفستان بعناية.
“ربما وضعوا دبوسًا مخفيًا بداخله.”
لم يكن من الممكن أن يكونوا قد أعاروها الفستان بنية حسنة، لكن بعد ساعتين من التفتيش الدقيق، لم تجد أي دبوس في الفستان.
لم يكن هناك أي تمزق أو قطع، والتصميم كان نفس التصميم البسيط الذي اختارته لاتيل.
“هل يعقل انها اعارتني الفستان حقًا كاعتذار؟”
على الرغم من شعورها بالارتياب، قامت لاتيل بفرد الفستان بعناية على السرير حتى لا يتجعد.
بعد يومين، سيكون الاحتفال بالمهرجان، كانت تأمل أن يصلها تيسير قبل الحفل، لكن…
“يبدو أنه سيأتي بعد الحفل.”
* * *
كما توقعت، بعد يومين، بدأ الاحتفال قبل أن يصل مرسول تيسير.
‘أنا في هذا الوضع وعليّ حضور حفل بلد آخر’
لم تكن لاتيل ترغب حقًا في حضور الحفل هنا بهذا الشكل، لكن قصة المرأة التي تقيم في غرفة الضيوف كضيفة لهيسينث قد انتشرت بالفعل في كل مكان.
كان من الأفضل أن تظهر مرة واحدة لتهدئة الفضول.
سألها كارلين وهو يرتدي قناعًا أبيض يغطي ثلثي وجهه.
“هل أخبرتِ الإمبراطور هيسينت؟”
“نعم، قلت له ألا يقترب مني خلال الحفل.”
نظرت لاتيل في المرآة وهي ترفع حاشية الفستان التي كانت عند ركبتيها إلى الداخل.
“إذا أظهر هيسينت عدم اهتمامه بي طوال الحفل، ستنخفض الشائعات الغريبة كثيرًا.”
“سأبقى بجانب مالكتي طوال الوقت، لذا ستنخفض الشائعات أكثر.”
“إذا لم تأتِ الإمبراطورة آيني إلى جانبك.”
“…”
“إذا اقتربت الإمبراطورة آيني ونظرت إليك بعينيها الحزينتين مرة أخرى، ستنتشر شائعات مختلفة هذه المرة.”
بما أن الإمبراطورة آيني كانت تزوره مرة يوميًا تقريبًا، لم تكن الشائعات حول “ساديل” وهيسينت فقط هي التي تنتشر مؤخرًا، بل بدأت شائعات عن كارلين وآيني تنتشر أيضًا.
بسبب نفوذ دوق داغا الكبير، لم تنتشر الشائعات علنًا، لكن…
من وجهة نظر لاتيل، بدا أن كارلين أصبح يغيب أكثر مؤخرًا بحجة أعمال أخرى، ربما لتجنب آيني.
بما أن الإمبراطورة تأتي لزيارته، لا يستطيع رفض لقائها، لذا يختبئ في مكان آخر.
“ابقَ ملتصقًا بي تمامًا، سيكون ذلك كافيًا.”
“نعم. لنبقَ ملتصقين معًا.”
* * *
بعد أن اتفقت مع كارلين على البقاء معًا طوال الحفل لعدم إعطاء الآخرين فرصة لسوء الفهم،
دخلت لاتيل قاعة الحفل عمدًا في وقت كان فيه الناس يتدفقون بكثرة.
لكن على الرغم من ذلك، عندما دخلت لاتيل وكارلين القاعة وأعلن الخادم عنهما بأنهما “ضيوفا جلالة الإمبراطور هيسينت”، تجمعت أنظار الناس عليهما على الفور.
نظرات مليئة بالفضول المؤذي، تفحصتها عيون متطفلة من رأسها إلى أخمص قدميها، لكن لاتيل تظاهرت بعدم الاكتراث، أمسكت بذراع كارلين، وسارت إلى جانب القاعة.
لحسن الحظ، كما اتفقا، لم يقترب هيسينت منها، وآيني أيضًا، ربما بسبب اهتمامها بأنظار الناس، لم تقترب اليوم.
بعد حوالي 30 دقيقة، بدأت لاتيل تخفف من حذرها وتتحدث مع كارلين عن أمور مختلفة.
“بما أنني جئت إلى هنا، يجب أن أتناول الطعام اللذيذ على الأقل حتى أشبع.”
لكن في اللحظة التي بدأت تشعر فيها بالارتياح،
“ماذا؟”
شخص مر بجانبها وداس بقوة على حاشية فستانها. لم يكن مجرد دَوس عابر، بل كان متعمدًا وبقوة.
“ما هذا؟”
تراجعت لاتيل إلى الجانب على الفور، لكن لم يكن ذلك مجديًا، بمجرد أن داس عليه بقوة مرة واحدة، انقطع حاشية الفستان بصوت “تراك” في لحظة.
تحول الفستان الذي كان يغطي كاحليها إلى فستان قصير يكشف فوق ركبتيها، وعم الصمت المكان للحظة.
نظرت لاتيل غريزيًا نحو مكان تجمع خادمات آيني، كانت لويس، التي كانت تنظر إليها بالفعل، تبتسم بلطف وترفع يدها لتحييها بوقاحة.
“واو… هذا؟”
هل أعطتني الفستان فجأة لهذا السبب؟
كان ذلك ممكنًا تمامًا، كان تيسير يعمل بجد على تطوير مثل هذه الملابس، بالطبع، كان ينوي ارتداءها بنفسه.
“يبدو أنها استخدمت هذا الأسلوب لإغواء جلالة الإمبراطور هيسينت.”
“يا لها من خفة، تكشف ساقيها دون مقدمات.”
“انظروا جيدًا جميعًا!، هذه الساقان اللتين أسرتا جلالته!”
بدأ النبلاء المندهشون في البداية يضحكون ويلقون بتعليقات ساخرة، فأمسكت لاتيل قبضتها بقوة.
شعرت للحظة أن الغضب المتأجج جعل رؤيتها تتلاشى بالبياض، كانت غاضبة لدرجة شعرت أن شيئًا ما يغادر رأسها، ظنت لاتيل أنه العقل.
لكن قبل أن تستسلم لاتيل تمامًا لغضبها.
“كااااااااا!”
“وحش!”
مع صرخة مدوية، اقتحم رجل وامرأة من النبلاء المذعورين القاعة عبر النافذة المحطمة.
تحولت أنظار الناس على الفور إلى هناك، فنظرت لاتيل أيضًا إلى تلك الجهة، ونست غضبها وفتحت عينيها واسعتين.
امرأة ترتدي فستانًا أبيض ملطخًا بالدماء في أماكن متفرقة. لكن من الواضح أنها جثة، كانت تحمل فأسًا كبيرًا وتدخل عبر النافذة.
التعليقات لهذا الفصل "89"