ذكريات الأمس وملابس كارلين المفتوحة جعلتا لاتيل في حالة ارتباك، هدأت نفسها بصعوبة وأعادت نظرها إليه، لكن عندما رأت قميصه أكثر انفتاحًا، ارتطمت بالشوكة المرتبة على الطاولة من الصدمة، أمسك كارلين الشوكة بسرعة وأعادها إلى مكانها.  

“عليكِ الحذر.”  

‘أنت من يجب أن يحذر من أزرارك!’

كادت لاتيل أن تحتج، لكن تعبيره الجاف جعلها تسكت، بدا وكأن قميصه كان مفتوحًا منذ البداية، فتساءلت إن كانت أخطأت الرؤية.  

وضع كارلين الشوكة أمامها، فسعلت لاتيل مرتين وأمسكت الملعقة.  

“لنأكل، أنا جائعة.”  

لكن مع بدء الطعام، واجهت أزمة ثانية: ‘كيف أبدأ الحديث؟’

كانت دعته لسؤاله عن “الطريقة التي تحدث عنها سابقًا للاستمتاع دون القلق من الحمل”. هل يمكنها قول ذلك بطبيعية؟، كانت تعرف أن صوتها سيترجف حتماً. 

‘أتحدث أمام مئات المسؤولين بسهولة، فلمَ يصعب الحديث عن شيء كهذا مع زوجي؟’

لمست جبهتها، مدركة أن أفكارها تنحرف

.  

“سيدتي؟”  

“اليقطين، لذيذ.”  

ردت على كارلين المستغرب بكذبة عن يقطين غير موجود علي الطاولة اصلا، وشربت ثلاثة أكواب ماء متتالية.  

“كارلين، سابقًا، أنت—”  

“لدي هدية.”  

تحدثا معًا، فتراجع كارلين: “تحدثي أولاً.”  

“لا، تكلم أنت.”  

كان سؤالها فضوليًا أكثر منه ضروريًا، ففضلت أن يبدأ هو. 

“حسنًا، سأتحدث أولاً.”  

قبل لاتيل عرضه بارتياح. ‘ماذا يفعل؟’

أخرج كارلين سوارًا يبدو كأنه منسوج من النجوم.  

“واو…”  

أطلقت لاتيل تنهيدة إعجاب.  

“جميل جدًا.”  

كان لديها الكثير من الأساور، لكن هذا كان استثنائيًا، متلألئًا بنور خافت.  

“أخيرًا أعطيتكِ إياه.”  

“أخيرًا؟، هل أعددته منذ زمن؟”  

“منذ وقت طويل.”  

‘متى؟’ تساءلت لاتيل، لكنه لم يوضح، بل فتح السوار ومد يده، عندما مدت يدها، وضعه بحذر على معصمها، مبتسمًا بحزن.  

‘هل لهذا السوار قصة؟’ 

افترضت لاتيل أن له قصة حزينة، مما جعلها محرجة.

‘كيف أسأله الآن بينما يبدو حزينًا؟’

“ماذا أردتِ قوله، سيدتي؟”  

تذكر كارلين توقفها السابق، لكنها ترددت.  

“سيدتي؟”  

‘هل أؤجل السؤال؟’

“أردت أن أسأل عن شيء توقفت عن قوله سابقًا.”  

قررت أن تسأل، خوفًا من تفويت الفرصة.  

“شيء توقفت عن قوله؟”  

أظلم وجه كارلين، كأنه يتخيل شيئًا خطيرًا.  

“ليس سؤالًا من هذا النوع.”  

نظر إليها مستغربًا، لكن وجهها احمر قبل أن تتحدث، خفضت عينيها، وقطعت الملفوف، ثم قالت: “قلتَ سابقًا عن طريقة للاستمتاع دون القلق من الحمل.”  

حاولت التحدث بطبيعية، لكنها شعرت أن تقطيع الملفوف بدا غريبًا، فأمسكت كأس الماء: “أريد معرفتها.”  

عندما مر الماء الفاتر بحلقها، شعرت بالعطش. نظرت إلى كارلين، قلقة من صمته اللحظي. حدقت في عينيه الخضراوين، تراقب لمعانهما مع كل رمش.  

“لمَ تسألين؟”  

تحدث أخيرًا: “هل هذا بسبب قضائك الليلة عند رانامون؟”  

أربكها سؤاله المباشر، لم يكن فقط بسبب رانامون، لكنها كانت الدافع، شاهدت كارلين يقطع الخبز ببطء ويشرب الماء بأناقة. 

‘هل أكون صادقة أم أنكر؟’

بينما تتبعت حركاته، التقت عيناهما، فقالت: “عدم السؤال عن الماضي أدب بين العشاق، أليس كذلك؟”  

نظر كارلين إليها مصدومًا، شعرت لاتيل بالرضا عن ردّها الذكي، وابتسمت، لم تتوقف، بل مررت إصبعها على أزرار قميصه المفتوحة، وفكت زرًا آخر ببطء: “من فك الأزرار الخمسة العلوية؟”  

كانت تنوي مضايقته، لكنه نظر إلى إصبعها دون خجل.

‘هل هذا بسبب عمره الذي تجاوز الـ500 سنة؟’

كان كارلين هادئًا. ‘500 سنة تجعله وقحًا’

سأل بهدوء: “هل الرجل الذي قضيتِ الليلة عنده بلأمس هو أيضًا من ماضيكِ؟”  

“ليس من الوقت الحالي”  

‘سيعود كالساعة.’

“بعد ساعات، قد تقولين هذا لزوج آخر، وسأصبح أنا من الماضي.”  

“هل يزعجك ذلك؟”  

بدلاً من الرد، مد كارلين ساقه، ووضع قدمه على ساق كرسي لاتيل، وسحبه، فاقتربت منه في لحظة حتى شعرت بأنفاسه، توقفت عن التنفس، كان كارلين يبتسم: “أن يصبح من الماضي بعد ليلة؟ هكذا يظهر طيش الأمير الصغير.”  

‘يسمي رانامون بالأمير الصغير!’

‘هل يستطيع مصاصو الدماء سحر الناس بعيونهم؟’

شعرت لاتيل، وهي تحدق في عينيه، بنفس الصدمة التي شعرت بها عندما صب رانامون الخمر على رقبته. 

رفع كارلين يدها ببطء وقبل معصمها، تحديدًا فوق العرق الأزرق.  

شعرت لاتيل بقشعريرة متضاربة. ‘هل هذه مزحة خطيرة على طريقة مصاصي الدماء؟، يجب أن أكون حذرة مع مصاص دماء عمره 500 سنة’

لكنها شعرت بالحرارة في عينيه، مرتبكة، رغم معرفتها بطبيعته، لم تخف تمامًا، ربما بسبب مرافقته لها في رحلة كاريسين الخطرة، أو رؤيتها لماضيه في حلم دوميس.  

‘دوميس’

فكرت فيها، فشعرت بالضيق، كان لديه حبيبة ميتة، وكانت دوميس، التي شجعتها في الحلم.  

‘اللعنة! كان يجب أن أستيقظ بعد رؤية انتقام دوميس من زوج أمها والمحتالة والتاجر!’

“بم تفكرين، سيدتي؟”  

“بك.”  

“بخير؟”  

“ربما.”  

“اختفى الحماس من عينيكِ، ليس بخير.”  

“فكرت في المرأة التي أحببتها.”  

ابتسم كارلين كالنمر الماكر: “ألم تقولي إن عدم السؤال عن الماضي أدب العشاق؟”  

“إن كنتَ لا تزال تحبها، فليس ماضيًا.”  

“إذن، أنتِ لا تحبين رانامون.”  

“لا تخسر ولو بكلمة!”  

قرصت خده بمزاح، ثم جذبته أكثر فضولًا، حتى ظهر ناباه، اقتربت لتراه، فضحك كارلين رغم وضعه المحرج: “هل هذا يثير فضولكِ؟”  

“لا أريد ثقبًا في لساني أثناء التقبيل.”  

“…”  

ابتسمت لاتيل وهي تخفض يدها، فعبث كارلين بأصابعها وقال: “رأيت ردود فعل كثيرة لمعرفة أنني مصاص دماء، لكنكِ أول من فحص أنيابي.”  

‘هل هذا جيد أم سيء؟’

شعرت لاتيل بنعومة يده الباردة، مترددة في حثه على الإجابة، ثم تذكرت أن لديها سؤالًا آخر مهمًا، كانت تخشى أن يهرب إن ضغطت عليه، خاصة بعد قضية الإمبراطورة المزيفة وتأخير أسئلتها.  

“كارلين، لدي سؤال آخر، هل يمكنني السؤال؟”  

“لم أجب عن الأول بعد، سيدتي.”  

“علمّني ذلك ليلاً، كيف أتعلمه هنا؟”  

فوجئ كارلين، لكنه ابتسم بلطف: “اسألي ما شئتِ.”  

ترددت لاتيل، تلعب بيده، حتى لاحظ كارلين الساعة، فأدركت اقتراب وقت العمل، أفلتت يده، أمسكت الشوكة، وقالت بسرعة: “صراحة، كذبت في اوراقك الرسمية بشأن عمرك، أليس كذلك؟”  

اهتزت عينا كارلين لأول مرة، هرست لاتيل البطاطس بالشوكة، تترقب تعبيره: “كم عمرك الحقيقي؟”  

بدا عليه الصدق، فسأل بحذر: “هل تكرهين الأكبر سنًا؟”  

“الأكبر لا بأس به، لكن الأجداد…”  

انفجر كارلين ضاحكًا، فغطت لاتيل فمه بحرج وسألت:”هل أنت حقًا في عمر جدي؟”