عندما عادت لاتيل من إجازتها القصيرة، وصلت رسالة عاجلة من هيسينت.
“توقيت مثالي، جلالتكِ.”
سارعت لاتيل إلى مكتبها دون توقف، وفتحت الرسالة التي قدمها رئيس الخدم.
حدقت فيها بلا تعبير، فسأل رئيس الخدم بقلق: “ما محتواها؟”
“رد.”
“؟”
“رد مرضٍ.”
كتب هيسينت أنه سيعمل معها، وطلب إرسال المهاجم الذي قبضت عليه ليستخدمه ضد الدوق داغا.
كان هذا ردًا مقنعًا.
في المكتب، وضعت لاتيل الرسالة في الدرج، وأمرت رئيس الخدم: “بما أننا سنرسل المجرم إلى كاريسين، جهز وفدًا مناسبًا…”
توقفت فجأة، عابسة، فناداها رئيس الخدم: “جلالتكِ؟”
كتفت ذراعيها، وغيرت كلامها: “جهز شخصًا مناسبًا، واستدعِ تيسير.”
***
بعد مراجعة بعض القضايا العاجلة، ذهبت لاتيل مباشرة إلى غرفة جيستا.
كان جيستا يسقي حديقة صغيرة ملحقة بغرفته، بدا وهو يحمل المرشة ويقف بين الزهور البنفسجية والبيضاء كلوحة دافئة، شعرت لاتيل بالندم على شكها فيه.
راقبته وهو ينحني ليشم رائحة الزهور، مبتسمًا كأشعة الشمس، ثم اقتربت: “جيستا.”
توقف عن السقاية، واستدار، عندما رآها، احمر وجهه حتى أذنيه، وأخفى المرشة خلفه: “جلالتكِ.”
اقتربت لاتيل، فتمتم مرتبكًا: “الجو لطيف… ولا عمل لدي… ولم تمطر منذ أيام…اسف”
“ليس عليك الاعتذار.”
ضحكت لاتيل، فمال جيستا رأسه : “حقًا؟” ثم ضحك بتردد، لكنه ظل مرتبكًا: “سمعت أنكِ عدتِ لكنكِ ذهبتِ للمكتب… لم أتوقع قدومكِ.”
شعرت لاتيل بألم في قلبها لرؤيته مرتبكًا، كيف شكت بهذا الشخص؟، مدّت يديها، واحتضنته.
“هناك تراب علي جلالتك…”
شعرت به كحيوان صغير، أرنب أو قطة، يرتجف في حضنها.
رجل طيب لدرجة أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه، لو تحدث عن أتراكسيل عندما زارته، لربما ظنت أنه يتذرع.
“جلالتكِ؟”
ناداها جيستا وهي لا تزال تحتضنه.
رأت خادمه منير يحمل نبتة، لكنه اختبأ عند رؤيتهما.
أطلقت لاتيل جيستا، وعدلت شعره المنكوش.
“إذا فعلت هكذا فجأة…”
تمتم جيستا بصوت يذوب كحلوى القطن، أمسكت يده، وقادته إلى الداخل، وجلسا على الأريكة، أمسكت يده بقوة، واعتذرت.
“عليّ الاعتذار.”
“اعتذار؟”
“رأيت رسالتك.”
“رسالة؟”
“التي كتبتها لنفسك.”
احمر وجه جيستا مجددًا: “كيف رأتها جلالتكِ…؟”
بدا وكأنه سيذوب من الحرج.
“كانت موجهة إليك لكن كتبوا ألا حاجة لتسليمها، فشككت.”
لم يستطع جيستا رفع وجهه، فأمسكت يده بقوة أكبر.
بعد فترة، رفع رأسه ببطء، عندما التقت عيناهما، امتلأ وجهه بالسعادة.
اقترب منها، مبتسمًا أكثر، وتمتم: “جلالتكِ.”
فتحت لاتيل ذراعيها له، قررت، مهما قيل، ألا تشك به مباشرة مجددًا.
***
لم يغضب كلاين، على غير عادته، عندما زارت لاتيل جيستا.
لم يكن ذلك لأنه أصبح متسامحًا أو يشفق على جيستا بسبب الشائعات.
كان يبحث عن الشاهد في حادثة سقوط فانيل من الدرج.
ذلك الشاهد اتهم فانيل بالكذب، مدعيًا أنه سقط بمفرده، مما جعله يبدو كاذبًا أحمق.
حتى لو لم يكن الشاهد هو من دفع فانيل، يجب معاقبته، والدافع الحقيقي أكثر.
بعد وقت، سمع طرقًا قويًا على الباب، ودخل أكسيان: “سمو الأمير، أحضرت الشاهد.”
أومأ كلاين، فجرّ أكسيان الشاهد من غرفة المعيشة، ورماه على الأرض.
ركع الشاهد، فنظر إليه كلاين: “أنت من جعل فانيل يبدو أحمقًا؟”
ارتجف الشاهد، متسائلاً: “ماذا؟” كان مرتبكًا بعد أن جُرّ فجأة.
“أنت من اتهم خادمي بالكذب وجعله أحمقًا؟”
كشف كلاين عن أسنانه، فسارع الشاهد بالدفاع: “لا، لا، سمو الأمير! أخبرت جلالتها بما رأيت!”
“جعلت خادمي كاذبًا أحمقًا، وتقول رأيت؟”
جذب كلاين أذن الشاهد، فحاول النهوض وسقط: “هل رأت عيناك وسمعت أذناك خادمي كاذبًا أحمقًا؟”
“ليس كذلك…”
“تحدث بوضوح، وإلا سأقتلع هذه الأذن.”
ضحك كلاين ببرود، فارتجف الشاهد.
جمال كلاين، مكانته، وثروته جعلته محبوبًا في بلاده، لكنه لم يكن رحيمًا هدأ غضبه قليلاً في تاريوم لإرضاء لاتيل، لكنه لم يكن طيبًا.
خاف الشاهد من تهديده، وأسرع يروي ما رأى: “بدت الأمور غريبة، السقوط قد يكون طبيعيًا، لكن المسافة التي انزلقها طويلة، والأرض ليست زلقة.”
“إذن كذبت!”
هاج كلاين، لكن أكسيان أوقفه: “سموك، اهدأ، دعنا نسمع الباقي، القتل سيمنعه من الحديث.”
أشار كلاين بغضب، فارتجف الشاهد أكثر.
أضاف أكسيان: “تحدث بصدق، هكذا ستنجو.”
أفرغ الشاهد كل ما رأى: “صحيح أنه سقط بمفرده، ولم يكن هناك أحد، لكن المسافة طويلة، وبدون أحد، افترضت أنه سقط بشدة.”
“هذا كلام؟”
“صحيح! ولم يكن هناك أحد تحت…”
“ألم يكن رئيس الوزراء رودس موجودًا؟”
“كان، لكنه بعيد.”
حاول كلاين الهجوم عليه، لكن أكسيان منعه، وأخرج فانيل الشاهد.
صرخ فانيل: “اخرج!” لكنه كان غاضبًا بسبب اتهام الشاهد له.
حدق كلاين بحدة: “رودس…”
قاطعه أكسيان: “لا يمكن، استجواب رئيس الوزراء سيفسد العلاقات بين البلدين.”
وافق فانيل: “صحيح، سموك، انتظر الفرصة لسؤاله.”
تذمر كلاين، لكنه جلس على كرسي: “الجاني، مهما كان، محمي من رئيس الوزراء رودس.”
تخيل جيستا يرتجف كخروف محلوق، ثم ظهرت علامة إكس على وجهه، وحل محله منير: “بالتأكيد منير.”
***
“جلالتكِ، الأمير كلاين استدعى خادمًا من القصر الرئيسي ووبخه بشدة.”
بعد مواساة جيستا، عادت لاتيل بقلب دافئ، لكن رئيس الخدم قدم هذا التقرير.
جلست لاتيل، تفكر في دفء جيستا، ثم عبست: “خادم؟ لماذا؟ خدام القصر لا يذهبون إلى هناك.”
“خادم جاء معه من بلاده، في الوليمة، ادعى أنه دُفع، لكن شاهدًا قال إنه سقط بمفرده، فكُشف كذبه.”
“آه، تلك القضية.”
“وبخ الشاهد بشدة.”
“يبدو أن كلاين يحقق بنفسه.”
“لكنه أجنبي لا يحق له…”
“أجنبي، لكنه زوجي.”
أسكتت لاتيل رئيس الخدم، لكنه بدا منزعجًا.
تفاقم انزعاجه عندما جاء رسول من كلاين: “جلالتكِ، الأمير كلاين يقول إنه جلب خمرا من كاريسين، ويريد مشاركتكِ شرابه الليلة.”
“ليس صديق آيني، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“لا شيء، قل له يأتي الي غرفتي حوالي السابعة.”
وافقت لاتيل، وفتحت زجاجة حبر بينما تقراء تقرير، فكر رئيس الخدم، بعبوس، في زيارة أتراكسيل.
التعليقات لهذا الفصل " 127"