“هذه المرة، لقد بالغتِ، جلالتك.”
عند كلام هيستين، ضحكت نيكيتا بهدوء.
“لكن الأمر كان ممتعًا، أليس كذلك؟”
“أنا لم أجد فيه أي متعة.”
“يا له من أمر مؤسف.”
“لكن، هل هناك سبب جعلكِ تصلين إلى هذا الحد؟”
هزّت نيكيتا كتفيها وأسندت ذقنها إلى الطاولة.
‘سبب، إذًا……’
“فقط، لأنني لم أكن حسّاسةً كفاية.”
“ماذا؟”
“كما تعلم، لقد عشت حياتي مستمتعةً بها بكل ما في الكلمة من معنى. استمتعت بها قدر استطاعتي، ثم عندما شعرت بالتعب شيئًا فشيئًا، قُدِّم لي عرض بأن أصبح الإمبراطورة. فقبلت العرض ببساطة. فقد كنت أفكر في الزواج على أي حال، وجلالة الإمبراطور كان صديق طفولتي. فقلت لنفسي، الزواج من صديق سيكون أكثر متعة من الزواج بشخص غريب، أليس كذلك؟”
‘لقد دخلتِ القصر الإمبراطوري بقلب أخف مما توقعت……’
لكن هيستين التزم الصمت وأصغى باهتمام.
“ثم وُلد هيلديون. وبصراحة، لم أشعر بشيء مميز. كانت حياتي أهم بالنسبة لي من طفلي.”
“…….”
“المربية هي من قامت بتربية الطفل، أما أنا فقد عشت حياتي مستمتعةً بها. لم أكن أكره هيلديون، لكنني لم أعتنِ به كثيرًا أيضًا. ولهذا لم أكن أعرف.”
في تلك اللحظة، بدا على وجه نيكيتا تعبير نادر من المرارة.
“لم أكن أعرف إلى أي درجة كان ذلك الطفل يتآكل من الداخل.”
العبء الذي كان يجب على طفل صغير أن يتحمله بصفته ولي العهد، و الضغط الساحق. و جرحه العميق من ردود فعل الآخرين الذين كانوا يشعرون بالخوف عند رؤيته.
وهكذا، بدأ تدريجيًا في تجنب الناس والابتعاد عنهم.
‘هيلديون……’
أدركت نيكيتا ذلك بعد فوات الأوان.
“أعتقد أن لي دورًا كبيرًا في الصعوبة التي يجدها هيلديون في التعامل مع الناس وابتعاده عنهم. لذلك، أردت فقط أن أساعده.”
“لكي يدرك مشاعره، أليس كذلك؟”
“نعم. من الواضح أنه مهتم بتلك الآنسة، لكن رؤيته يتردد وحده بهذا الشكل كان أمرًا مزعجًا للغاية. ألا تشعر بالأمر نفسه؟”
رفع هيستين نظارته قليلًا دون أي تعبير على وجهه.
“حسنًا، صحيح أن تصرفه يبعث على الضيق قليلًا.”
“أليس كذلك؟!”
“لكن هذا لا يعني أن على طرف ثالث التدخل في مشاعره كما يحلو له.”
“تشه. لقد ورثتَ برودتك من رئيسك. من يراكما معًا قد يظن أنكما شقيقان. هل من الممكن أنك ابني؟”
“أرجوكِ، لا تمزحي بهذه الطريقة. أخشى أن يظهر لي ذلك حتى في أحلامي.”
“هوهو، حسنًا، فهمت. لكن بما أن الماء قد انسكب بالفعل……”
قرعت نيكيتا الطاولة بهدوء ونظرت عبر النافذة.
“لنراقب الأمر فحسب. لِنرَ كيف ستتغير الأمور.”
***
و في اليوم التالي.
لم يغمض لهيلديون جفن طوال الليل.
‘لماذا رغبتُ في إفساد الموعد؟’
لم يستطع النوم بسبب امتلاء رأسه بهذا السؤال. و لم يجد خيارًا سوى النهوض من فراشه فجراً والجلوس على مكتبه.
ظن أنه إذا انشغل بالعمل، فقد تختفي تلك الأفكار.
ثم حلّ الصباح. و أنهى كل الأعمال المتراكمة على مكتبه، لكن أفكاره لم تهدأ بعد.
“هاه، تباً.”
قرر هيلديون هذه المرة تجربة طريقةٍ مختلفة.
عليه أن يحرك جسده. إذا انغمس في التدريب، فلا شك أن الأفكار العالقة في رأسه ستختفي هذه المرة.
أخذ سيفه وتوجه إلى ساحة التدريب الخاصة به. ثم أمضى اليوم بأكمله في التلويح بسيفه.
منذ أن أصيب باللعنة، لم يتحرك بهذا العنف منذ وقت طويل. حتى الوقوف بلا حراك كان مؤلمًا، لذا كان قد امتنع عن التدريب لفترة.
لا يزال يشعر بالألم مع كل حركة، لكنه كان أقل حدة من ذي قبل.
وكل هذا بفضل رويلا……
‘تبا، عليّ التركيز على السيف فقط.’
عضّ هيلديون على أسنانه وركز بكل طاقته.
و بعد فترة قصيرة.
‘يبدو أن هذا يجدي نفعًا؟’
بينما كان يترك جسده يتبع سيفه بلا وعي، شعر أن أفكاره بدأت تتلاشى قليلًا. وهكذا، مرت عدة ساعات.
كان منهكًا تمامًا، يلتقط أنفاسه المتقطعة وهو ممدد على الأرض.
سرعان ما وقع بصره على السماء الزرقاء.
بعدها مباشرة، خطرت في باله صورة رويلا بعينيها الزرقاوين.
و لم يستغرق الأمر سوى خمس ثوانٍ حتى تعمّ الفوضى في عقله الذي نظّمه بشق الأنفس.
“حقًا، هذا جنون.”
نعم، كان يشعر أنه على وشك الجنون.
لم يتوقف وجهها عن الظهور في ذهنه، وكان قلبه يخفق بقوة.
عبث هيلديون بشعره بخشونة ونهض من مكانه.
“هاه…..”
أطلق زفرةً عميقة، ثم رفع رأسه ببطء. و تألقت عيناه ذات اللون الأخضر الداكن.
‘يبدو أن الأمر لن ينجح. مهما حاولت العثور على إجابة، لا أجدها، ومهما حاولت عدم التفكير بها، لا أستطيع.’
إذاً، لم يتبقَّ سوى……المواجهة المباشرة.
‘أولًا، عليّ أن أرى ذلك الوجه.’
***
في وقت الظهيرة. جاء زائر غير متوقع إلى قصر الدوق بريتا.
“آنستي، أسرعي واخرجي!”
“لماذا؟ ما الأمر؟”
“ولـ…ولـ…ولـ……”
“ما هو؟ تحدثي بهدوء.”
“ولـ……ولي العهد قد جاء لزيارتكِ!”
“ماذا؟ سموه جاء لي؟”
‘هل كان هناك موعد بيننا؟’
لا، لم يكن هناك شيء من هذا القبيل.
‘آه، ربما……’
هل حدثت مشكلة ما بسبب اللعنة؟
إن كان الأمر عاجلًا لدرجة أنه لم يتمكن حتى من تحديد موعد، فهذا هو الاحتمال الأرجح.
“أولًا، اصطحبوه إلى غرفة الاستقبال. سأجهز نفسي وآتي فورًا.”
بعد أن استعددتُ على عجل، توجهت إلى غرفة الاستقبال حيث كان هيلديون ينتظر.
“سموك!”
“……آنسة رويلا.”
ما إن رآني هيلديون حتى نهض من مقعده على الفور.
أمرت الجميع بالمغادرة، ثم اقتربت منه على عجل وأمسكت بذراعيه.
“ر-رويلا؟”
“لحظةً واحدة.”
بدأت بسرعة بتفحصه من رأسه حتى قدميه.
‘لا يوجد غير خطأٍ ظاهر على الأقل……ويبدو أن لون وجهه ليس سيئًا.’
لم يكن هناك أي شيء غريب واضح للعين.
‘هاه، يمكنني الاطمئنان.’
لكن، لماذا أتى لرؤيتي؟
حدقت في وجهه مليئةً بالشك، فتهرب هيلديون من نظراتي بسرعة.
ثم تمتم مترددًا.
“أنا، آنسة رويلا. إذا كنت قد تفقدتِ كل شيء، فهل يمكن أن تتركيني الآن……؟”
عندها فقط أدركت أنني ما زلت ممسكةً بذراع هيلديون.
“آه، يا إلهي. آسفة. ظننت أنك قد تكون متألماً في مكانٍ ما.”
تراجعت عن يده مبتسمةً بخجل.
“لكن، ما الأمر فجأة؟ لقد جئت دون أي إخطار، فظننت أن حالتكَ قد ساءت.”
لم يأتِ الرد على الفور.
حرك هيلديون شفتيه عدة مرات قبل أن يمرر يده في شعره متنهداً.
“في الحقيقة……”
في الحقيقة؟
“أردت……أردت تناول الكعكة، لذا جئت إلى هنا.”
“ماذا؟ الكعكة؟”
كدت لا أصدق أذني.
إذا كان يريد تناول الكعكة، فلماذا أتى إلى هنا؟ بإمكانه تناولها في غرفته.
وكأنه قرأ أفكاري، أضاف مبرراً بصوت خافت،
“تناولها وحدي……ما زال محرجاً بعض الشيء. لكن أيضاً، لم يخطر ببالي أحد لأدعوه لمشاركتها معي.”
“لكن هناك جلالة الإمبراطورة أو السيد هيستين.”
تجمدت تعابير وجه هيلديون على الفور.
“ذلك مستبعد قليلاً.”
‘آه، صحيح.’
لو كان الأمر يتعلق بهذين الشخصين، فمن المؤكد أنهما سيمازحان هيلديون طوال الوقت وهو يأكل الكعكة.
‘يبدو كسبب غريب بعض الشيء……لكن لا بأس.’
لا بد أنه كان يرغب بشدة في تناول الكعكة.
“إذاً، لنتناولها معاً. لكن بالمقابل، هل يمكن أن ينضم شخص آخر إلينا؟”
“شخص آخر؟ من تقصدين؟”
ابتسمتُ بهدوء،
“أخي الصغير. لقد وعدته بأن نتناول وجبةً خفيفة معاً بدءاً من اليوم.”
بالأمس، عندما عدت إلى المنزل، ذهبتُ إلى غرفة راون تماماً كما كنت قد خططت.
ثم أخبرته برغبتي،
“مرةً واحدة يومياً، عليك أن تتناول وجبةً خفيفة معي.”
أتذكر جيداً كيف تجعد وجه راون منزعجاً، وكم ضحكت على ردة فعله.
عند سماع كلامي، بدا هيلديون وكأنه أدرك شيئاً متأخراً.
“يا إلهي، لقد كنتُ أعطّل خططكما.”
“تعطّل؟ كل ما علينا فعله هو إضافة طبقٍ آخر.”
“لكن……لن نتمكن من تناولها معاً.”
“لماذا؟”
سألته بعينين متسعتين، فأجاب بابتسامة باهتة،
“لأن الأطفال……يخافون مني.”
ها نحن ذا مجدداً مع حديثه عن كونه مخيفاً.
‘إنه وسيم جداً فقط، فلماذا يخاف الناس من هيلديون؟’
لم أستطع فهم ذلك حقاً.
إلى أي درجة تمت المبالغة في وصفه بالمخيف ليبدو محبطاً هكذا؟
“إذاً، فلتقابله أولاً.”
“ماذا؟”
“لتقابله، وإذا قال راون إنه لا يريد ذلك، فحينها يمكننا تناولها منفصلين. ما رأيك؟”
تردد هيلديون للحظة، ثم أومأ برأسه أخيراً.
“حسناً، انتظر هنا قليلاً.”
قررت أولاً أن أخرج من الغرفة لأشرح الوضع لراون.
دَق-.
بعد أن أُغلق الباب. بقي هيلديون وحيداً في الغرفة، و تنهد بعمق وأراح رأسه على ظهر الأريكة.
‘ما الذي فعلتهُ الآن؟’
حتى هو نفسه شعر بالدهشة.
جاء فجأة، وقال ماذا؟
‘أتيتُ لنتناول الكعكة معاً؟’
لكن أكثر شيء غريب في الأمر هو……
“لا أشعر بالندم.”
لم يشعر بأي ندم على اندفاعه المفاجئ للزيارة والاعتذار بتلك الأسباب السخيفة.
لقد كان سعيداً لأن وجهها كان أمامه. و كان سعيداً لأنها كانت تهتم به. وكان سعيداً لأنه سيتمكن من تناول الكعكة معها.
و……رويلا.
مان هناك سؤال يشغله طوال الليل، وكان يبدو مستحيلاً أن يجد له جواباً، لكن الآن كانت الإجابة واضحةً وسهلة للغاية.
ربما، منذ اللحظة التي رأيتها فيها لأول مرة……
‘لقد أحببت رويلا.’
___________________________
وناسه ماتوقعت يدرك مساعره بدري كذا🤏🏻✨✨✨✨✨✨
طول اليوم وهي براسه لو ما استوعب كان بيدخل في قائمة ابطال الماغص 😭
المهم اكيد راون بيوافق وليدي عاقل
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 82"