في اليوم التالي، وبعد أن أنهينا طعام الغداء، خرجنا برفقة كبير خدم الكونت.
“هنا، هذه هي المنطقة.”
منذ حادثة موت الصياد غير الشرعي، انتشر الحراس بكثافة حول الغابة الشمالية.
فقد كانت هناك خسائر بشرية، وفوق ذلك وُجدت آثارٌ لمخلوق مجهول، وكان من الطبيعي أن تُشدد الحراسة.
لكن القليل جدًا فقط كان يعلم أننا جئنا للتحقيق في الغابة الشمالية.
في الحقيقة، لم يتعدَّ الأمر الكونت وكبير خدمه، وحتى هذان الاثنان لم يكونا يعرفان حقيقتنا الكاملة. لهذا السبب تولّى كبير الخدم بنفسه مهمة إرشادنا حتى حدود الغابة.
“تعمّدنا ألّا نضع حراسةً في هذا المدخل تحديدًا. لذا، عندما تخرجون، عودوا من هنا أيضًا.”
“شكرًا لكَ. من هنا فصاعدًا سنتولى الأمر بأنفسنا.”
عند ردي، ارتسم القلق واضحًا على ملامحه.
“هل أنتم واثقون؟ ماذا لو ظهر ذلك الوحش..…؟”
“سنتمكن من التعامل معه. وإن احتجنا إلى مساعدة، سنخبركم. أما اليوم، فنود أن نستكشف المكان بمفردنا.”
“يمكنك أن تثق بنا.”
”مياو.”
أنا وديون…..وحتى القطة الصغيرة أجبنا بنفس الحزم، الأمر الذي جعل كبير الخدم يتردد لحظة، ثم يومئ برأسه.
“حسنًا. سنبقى قريبين، فاستدعونا إن احتجتم أي عون.”
“سنفعل.”
بهذه التحية المقتضبة، خطونا أنا وديون داخل الغابة.
لامست قطرات الندى أطراف أحذيتنا، فيما انهمرت أشعة الشمس الدافئة بين الأشجار الشاهقة. وفي تلك اللحظة تحديدًا…..
”مياانغ!”
قفزت جيلي فجأة من السلة التي كانت تتكور بداخلها وتخرخر بهدوء.
“جيلي؟”
تمددت وهي تتثاءب، و بدت في أبهى حالاتها منذ زمن.
وكأنها تؤكد ذلك بنفسها، انطلق رنينٌ خافت، وظهر أمامنا إشعارٌ متلألئ،
<لقد اقتربتم من “ختم لوكيرا”. لذا، تم إيقاف الحالة غير الطبيعية لـ”جيلي” مؤقتًا.>
ماذا؟ تم إيقاف الحالة غير الطبيعية مؤقتًا؟
هذا يعني أنّ…..
[أخيرًا! كنت سأختنق من الضيق طوال الفترة الماضية، مياوو.]
اتسعت عيناي بدهشة عند سماع ذلك الصوت الذي لم أسمعه منذ مدة طويلة.
يا إلهي…..من كان يظن أنني سأشتاق يومًا لهذا الصوت المزعج؟
وضعت كفّي بكل قوتي على فمي، أكتم شهقة الامتنان، وحدّقت في جيلي بعينين دامعتين تأثرًا—
[كفانا دراما. تلك السلة قاسيةٌ ومزعجة. ألم تجدوا سلةً أكثر راحةً ووسادةً أنعم؟ اليوم لن أغادر قبل أن تشتري لي شيئًا أفضل، مياو.]
…..تم إلغاء الامتنان.
نظرت إليها ببرود قاتل، ثم مددت يدي وبدأت أفرك رأسها بعنف. حتى تدلّت أذناها للخلف وارتجفت جفونها من شدة الفرك.
[ما الذي تفعلينه ياااو—!]
“أدلّل القطة الحقيرة.”
[هذا ليس تدليلًا! هذا تعذيب ياااو!]
تجاهلت احتجاجها، ورفعت كتفيّ بلا مبالاة، ثم ربّت على مؤخرتها أيضًا بقوة.
***
[هنا مياااو. هنا أشعر بطاقةٍ قوية.]
تقدمت جيلي تتمايل بمؤخرتها الصغيرة، ثم توقفت فجأةً عند بقعة معينة.
“هنا؟”
[أجل. هذه الشجرة تبعث تلك الطاقة.]
قالت ذلك وهي تدلك جسدها على جذع شجرة ضخمة. بينما اقتربت منها، وضعت يدي على جذعها، وأغمضت عيني.
“صحيح…..أشعر بها أيضًا.”
كانت هناك طاقةٌ مقدسة تتسرب برفق من داخل الشجرة.
“إذًا، هنا حيث يُختَزَن جزءٌ منكِ، أليس كذلك؟”
[تمامًا مياااو.]
وبينما كنا نتحدث، كان ديون يتفحص المكان بعناية، يدور حول الشجرة بخطوات هادئة.
ثم فجأة، توقف عند الجهة المقابلة التي لم نكن نراها من موقعنا.
“انظروا هنا، تعالوا لتروا هذا.”
“هاه؟ ما الأمر؟”
“هناك شيءٌ مريب مغروس في هذه الشجرة.”
…..شيءٌ مغروس؟
اقتربت من المكان الذي يقف فيه ديون، وبالفعل رأيت ما يقصده.
كان هناك أنبوبٌ صغير مغروز في جذع الشجرة، تمامًا كما قال. لكن الغريب أن المنظر بدا لي مألوفًا بطريقةٍ غريبة.
لحظة ….. أليس هذا يشبه …..
إنه تمامًا مثل طريقة جمع عصارة شجرة القيقب!
كانت آثار الضربات الصغيرة بفأس يدوي متناثرةً على الجذع، ومن بين الشقوق غُرست أنابيب شفافة تتدلى منها عصارةٌ لزجة تتقطر ببطء.
“يبدو أنهم يجمعون السائل في هذا القارورة الزجاجية.”
رفع ديون القارورة الموصولة بالأنبوب، فرأينا العصارة الشفافة، نصفها ممتلئ تقريبًا، تهتز وتتألق بلزوجتها.
“جيلي، هل تحتوي هذه العصارة أيضًا على طاقة مقدسة..…؟ أو بالأحرى، هل تحمل قوة لوكيرا؟”
[هممم.]
أصدرت جيلي خريرًا قصيرًا في حلقها، ثم تقدمت لتشم القارورة عن قرب.
وبينما كانت تستنشق، اتسعت عيناها فجأة بدهشة.
[أشعر بها ميااو! إنها ضعيفة، لكنها بالتأكيد جزءٌ من قوتي!]
“…..إذًا، هذا صحيحٌ بالفعل.”
هل يجب أن أصف هذا بالعبقرية أم بالجنون؟
جمع قوة لوكيرا بنفس طريقة جمع عصارة الأشجار…..فكرةٌ غريبة، لكنها تعمل.
“إذن، يبدو أن ذلك الأسقف يستغل هذا السائل لخداع الناس.”
“أجل، فمجرد الحصول على سائل نادر ومقدس، يقال أنه مشبع بقوة لوكيرا، كافٍ لإثارة طمع أي شخص.”
لو كنت مكانهم، لشعرت أنا أيضًا بالإغراء.
[لكن هناك شيءٌ غير طبيعي ميااو…..]
“غير طبيعي؟ ماذا تقصدين؟”
[إنه…..]
شم، شم –
أخذت جيلي تشم الهواء مرةً أخرى، ثم فجأة استدارت بسرعة. و بدأت تتحرك بخطوات حذرة حول الشجرة الضخمة، قبل أن تتوقف عند بقعة معينة وشرعت بخدش الأرض بعنف.
“ما الأمر؟ ما الذي وجدتِه؟”
[أشعر هنا بطاقة سيئة، مييياوووو.]
“طاقة سيئة؟”
تبادلنا أنا وديون نظرات حذرة، ثم وجهنا أنظارنا إلى النقطة التي أشارت إليها بأنفها.
“هذا..…”
“متعفّن.”
“أجل، إنه متعفّن.”
عند قاعدة الجذع، في مكان مخفي يصعب ملاحظته، ظهرت آثار ضربة فأس قوية تركت ندبةً غائرة وسوداء.
وحولها، كان الخشب قد اسودّ تمامًا، كأن الشجرة قد أصيبت بعدوى فاسدة.
“يبدو أن شيئًا ما يخرج من هنا أيضًا..…”
لكن بخلاف العصارة الصافية التي تدفقت من الأعلى، تساقطت من هذه البقعة عصارةٌ داكنة لزجة تنبعث منها رائحةٌ مشؤومة، وكأن الشر نفسه يتسرب منها.
“هل تتذكر ما اعترف به أولئكَ الرجال؟”
“أتذكر.”
كنت أقصد أتباع الطائفة الذين استجوبناهم على متن السفينة.
ناثان وكولتن. تحت وطأة “مطرقة العدالة” التي أجبرتهم على قول الحقيقة، كشفا كل ما يعرفانه.
وكان من بين اعترافاتهم ما يلي،
“هـ…..هناك ماءٌ مقدس…..يصنع الوحوش.”
“ماذا؟ ماءٌ مقدس يصنع الوحوش؟”
“يـ…..يوجد نوعان من الماء المقدس الذي يُمنح لأتباع الطائفة. الأول ماءٌ مقدس يحوي قوة لوكيرا. أما الثاني فهو—”
“ماء مقدس مُصنَّع خصيصًا لصنع الوحوش. أعتقد أن هذا هو بالضبط ما نراه هنا. لكن…..هناك أمرٌ يثير الريبة.”
“أي أمر تقصدين؟”
“هذه الشجرة نفسها تحتوي على ختمٍ لقوة لوكيرا.”
رفعت رأسي وحدّقت في الجذع الضخم الممتد نحو السماء.
كانت الشجرة، رغم ما اعتراها من جروح في كل اتجاه، تبعث شعورًا غريبًا يجمع بين الرهبة والقداسة.
ب جذعها الممتد إلى عنان السماء، و أوراقها الكثيفة التي تحجب الضوء، والظل الهائل الذي تلقيه على الأرض من حولها—كل ذلك منحها هيبةً تكاد تخرس الأنفاس.
“لكن…..لماذا تُفرز عصارةً قادرة على صنع الوحوش؟”
يمكنني أن أفهم وجود العصارة المشبعة بقوة لوكيرا المقدسة، لكن كيف ظهرت عصارةٌ أخرى تحمل قدرةً مقيتة على صنع الوحوش؟
هل كان هذا نوعًا من “الخطأ” الناتج عن اختلال التوازن؟
بينما كنت أُفكّر بهذه الأفكار، جاءني صوت جيلي بجانبي، بنبرة حملت شيئًا من الحزن.
[ربما…..هذا بسبب تأثير أهوبيف، ميااو.]
“أهوبيف؟”
[في الأصل، صُمّم هذا الختم لاحتواء أهوبيف.]
“لكن أهوبيف قد أُبيد.”
[صحيح، أُبيد. لكن ما ترونه الآن ليس إلا “بقاياه”. بفعل السنين الطويلة التي قُدِّر للقوتين أن تتشابكا فيها، تلوث جزءٌ من قوتي بطاقته.]
“…..ميااو.”
أتبعت كلماتها تنهيدةً واهنة، وكأنها اعترافٌ مثقل بالخسارة.
ساد الصمت للحظة، ثم نهضتُ من مكاني ونفضت الغبار عن ملابسي.
“يبدو أننا رأينا ما يكفي لليوم. فلنعد الآن.”
“أجل، لنعُد. سنستمع أولًا إلى ما توصّل إليه هاميل وفابيان، ثم نبدأ التحرك الجاد غدًا.”
“ممتاز.”
كانا هاميل وفابيان قد أُرسلا للتحقيق في مواقع أخرى ذات صلة بالقضية. و على الأرجح، سيكونان قد أنهيا مهمتهما الآن أو أوشكا على ذلك.
“يجب أن ننهي كل شيء خلال هذا الأسبوع ونعود بسرعة.”
“أتفق معكِ تمامًا.”
ومع التفكير في أن رحلة العودة وحدها ستستغرق أسبوعًا آخر، بات واضحًا أننا ملزمون بإغلاق هذا الملف قبل نهاية الأسبوع.
“جيلي، هيا بنا نرجع.”
ما إن أنهيت كلامي حتى توقفت جيلي عن فرك ظهرها بالشجرة، وتثاءبت بتكاسل وهي تقترب منا.
[قبل أن نغادر، هناك أمر يجب أن أتعامل معه هنا، ميااو.]
“اليوم؟”
[اليوم.]
كان جوابها حاسمًا لدرجة جعلتني أرفع حاجبيّ باستغراب.
ما الذي يستدعي أن يُحسم فورًا؟
“حسنًا…..لكن ما الذي—”
توقفت عن الكلام فجأة. فمن بعيد، اجتاح المكان موجةٌ من طاقة مظلمة كثيفة، شعرت بها تتسلل تحت جلدي كإبر جليدية.
ويبدو أنني لم أكن الوحيدة التي أحست بها؛ إذ أن ديون قد وضع يده على مقبض سيفه دون تردد.
“لا تقل لي…..هذا.…؟”
هل هو وحشٌ آخر؟
في تلك اللحظة، دوّى صوت تنبيه مألوف.
دينغ !
<مهمةٌ خفية جديدة: القضاء على “؟؟”
• تفاصيل المهمة:
ظهر “؟؟” في الغابة! تعاونوا معًا للتخلص منه.
• مكافأة النجاح: فتح الكلمة المفتاحية “؟؟” / رخصتان لتعديل الحالة غير الطبيعية بحرية.
• عقوبة الفشل: هروب “؟؟” من الغابة / خسائر بشرية جسيمة.>
__________________
خسائر بشرية؟ محد فاضيلك ياخي😭
وجيلي تدري وساكته ماعلمتهم معليه يا مياو
لايكون بيقولون “تحول” مره ثانيه😭😭😭😭😭
يالمؤلفك ماودس تشبكين هاميل وفابيان؟ كل شوي طالعين سوا
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 198"