رغم أنها هي من اقترحت الهروب، لم تكن رويلا تتوقع أن يوافق ديون بسهولةٍ على فكرتها. فهي تعرف جيداً أن ديون ليس من النوع الذي يستمتع بالخروج عن المألوف.
وفوق ذلك، أين كانا الآن؟ في قاعة الحفل التي كانت رويلا بطلتها.
لذا، حتى لو رفض هيلديون، فهي كانت ستتفهم الأمر تماماً—
“موافق.”
“….ماذا؟ هل…..هل تتكلم بجدية؟”
تفاجأت رويلا من إجابته غير المتوقعة واتسعت عيناها.
“طبعاً أنا جاد.”
أجاب هيلديون بصوتٍ بدا عليه بعض التوتر، ثم أمسك بيدها.
“أنا أيضاً…..أريد قضاء وقتٍ أطول معك يا رويلا. وإن أمكن—”
وقد نظر إليها بعينين تلمعات، ثم قبّل ظاهر يدها بلطف.
‘طوال الليل.’
“هاه.”
شهقت رويلا، وارتفع صدرها فجأةً من شدة المفاجأة ثم عاد ليهبط ببطء.
بينما كانت تلهث وتحرك شفتيها دون أن تنطق بكلمة، وقعت عيناها على كأس الشامبانيا الذي لم يُكمل هيلديون شربه.
بسرعة، خطفت الكأس وسكبته في فمها دفعةً واحدة.
“رويلا؟”
“وأنا أيضاً!”
ما إن سمع ديون نداءها المتفاجئ حتى بدأت رويلا تهز رأسها بسرعة.
“أنا أيضاً أريد البقاء معكَ يا ديون. طوال الليل.”
عندما وصل الهمس الخافت إلى أذنه، احمرّ وجه ديون على الفور. والحرارة التي لم تهدأ بعد عادت تغلي بهدوء من أعماق صدره.
وفي اللحظة التالية—
“آآآه!”
“تمسكي جيداً.”
رفع ديون رويلا بين ذراعيه بخفة وهمس بصوت مغرٍ.
“سأهرب الآن بأقصى سرعتي.”
أضاء ضوء القمر الهادئ على الاثنين. ونظرت رويلا إلى وجه ديون المغطى بالظل وأخذت تتأمله بإعجاب.
‘…..جميل وملفت للنظر في آنٍ واحد؟’
يا إلهي، هذا الرجل الكامل…..هو رجلي.
لأول مرة منذ أن أنقذت العالم، شعرت بأن الأمر يستحق فعلاً كل ما مرّت به.
***
وهكذا، في صباح اليوم التالي—
دق-! دق-! دق-!
“ممم…..ما هذا…..مزعج..…”
ما أيقظَ رويلا كان الضجيجُ الصاخبُ القادمُ من الطابقِ السفلي.
‘لم أنم إلا متأخرةً الليلةَ الماضية وكنتُ متعبةٌ حدّ الموت……’
بينما كانت تفكر بذلك، رمشت رويلا بعينيها الكبيرتين والتفتت سريعًا إلى جانبها.
“واو…..”
إلى جانبها، كان ديون نائمًا بوجهه الملائكي.
يبدو أنه كان مرهقًا مؤخرًا لكثرة الأعمال، فلم تظهر عليه أي بوادر استيقاظ رغم الضجيج العالي. أو ربما كان ما حدث بالأمس مرهقًا جدًا……
“همم، هممم!”
وضعت رويلا يدها على وجنتيها المتوهجتين، ونهضت من السرير دون أن تُصدر صوتًا.
لا، بل حاولت أن تنهض.
“رويلا…..”
تمتم ديون باسمها كما لو كان يهذي في نومه، ولفّ ذراعيه القويتين حول خصرها.
“هل استيقظت، ديون؟”
ارتعشت أهدابه قليلًا، وفتح عيناه المرسومتان ببطء.
رويلا مسحت وجه ديون برفق وهو يومئ برأسه بخفة.
‘يشبه كلبًا ضخمًا مدللًا.’
ذاك النوع من الكلاب الذي يتدلل لصاحبه فور أن يفتح عينيه صباحًا.
وما إن لامسته يدها حتى ارتسمت ابتسامةٌ مريحة على شفتيه.
“هل نِمتِ جيدًا، رويلا؟”
“نعم، نِمتُ جيدًا. وأنتَ يا ديون؟”
“نعم، أنا أيضًا نِمتُ جيدًا، لكن…..لحظة.”
بينما كان ديون يجيب بسعادة، تجمّد وجهه فجأة، ثم نهض بسرعة. و أمسك وجنة رويلا بقلق وسألها،
“هل أنتِ…..بخير؟ هل تؤلمكِ أيّ منطقة؟”
“آه، هذا..…”
دارت عينا رويلا بتوتر، ثم أومأت برأسها بجمود.
“نعم، أنا بخير. لا يوجد شيء…..يؤلمني كثيرًا.”
“هذا مُطمئن.”
“أجل، هذا…..مطمئن، صحيح.”
ساد الصمت لوهلة بعد تلك الكلمات. ذلك لأن ذكريات الليلة الماضية عادت بوضوح في أذهانهما.
لقد مرّت عدة أشهر منذ أن أصبحا خطيبين. وكانا قد أصبحا حبيبين قبل ذلك بمدةٍ أطول.
لكن بسبب انشغالهما الدائم، نادرًا ما أتيحت لهما فرصة البقاء معًا طوال الليل. إلا إذا قاما بخروجٍ عن المألوف كما حدث الليلة الماضية.
وبينما كانا يتبادلان النظرات الخاطفة بخجل، بدأت موجةٌ من التوتر الخفيف والمربك تسري بينهما.
دَق- دَق- دَق- دَق-!
وصَلت إلى مسامعهما أصوات خطواتٍ قوية تصعد الدرج بحذاء صلب.
“أعرف أن ابنتي هنا! رويلا! رويلاااااا!”
دوّى صراخٌ غاضب ممزوج بالقلق في المكان.
شهقت رويلا وشدّت كتفيها بينما كانت تحدق بالباب وعيناها تدوران.
“آه…..أبي؟”
في تلك اللحظة، فكّرت رويلا.
‘واو. نحن في ورطة.’
***
بعد أن ارتدى الاثنان ملابسهما بسرعة، جلسا جنبًا إلى جنب أمام دوق بريتا في غرفة الاستقبال، بعد أن أثار ضجةً داخل قصر ولي العهد.
و رأسيهما انخفض تلقائيًا بتواضع.
“إذاً.”
تحدث الدوق بريتا وقد شبك ذراعيه بإحكام ولمعت عيناه بحدة.
“حقًا…..كنتما معًا الليلة الماضية..…؟”
أُضيفت صيغة الاحترام على مضض، وبدا ذلك واضحًا ومحرجًا.
حقًا…..لولا أنه ولي العهد..…!
“أنتَ هناك! ألا تجلسان قريبان جدًا؟!”
“آه، أبي، هذا القرب لا يُعتبر كثيرًا..…”
“رويلا بريتا.”
“نعم. الآن بعد أن نظرت، يبدو أننا قريبان فعلًا.”
اللحظة التي ينادي فيها الوالدان أبناءهما بأسمائهم كاملة وبوضوح، هي اللحظة التي تدل على وقوع أزمةٍ حقيقية.
رويلا، التي التقطت الموقف بسرعة، ابتعدت بخفةٍ عن هيلديون.
“هكذا يكفي، أليس كذلك؟”
“همم، هذا أفضل من قبل.”
أومأ الدوق برأسه برضا، ثم فتح عينيه من جديد وحدّق فيهما بشدة.
“رويلا، أنتِ.”
“نعم، أبي.”
“هل تدركين كم من الفوضى حصلت بسبب اختفائكِ المفاجئ الليلة الماضية؟”
“…..فوضى؟”
“نعم، لقد كانت فوضى عارمة!”
يا ترى، كم كانت شديدةً تلك الفوضى؟
وبينما توتر الاثنان، بدأ الدوق بالكلام وهو ينفخ بغضب.
“اختفيتِ فجأةً من دون أن تخبري أحدًا، ولم يرَكِ أي شخصٍ حين خرجتِ!”
…..ولسببٍ وجيه. فهي قد قفزت من الشرفة وهربت مباشرة.
“بحثنا عنكِ في غرفتكِ فلم تكوني هناك، ولم تتواجدي في أي مكانٍ داخل المنزل! اعتقدتُ أنكِ قد تكونين قد اختُطِفتِ، فأرسلتُ الجنود للبحث عنكِ!”
“أرسلتَ الجنود؟”
“طبعًا! ابنتي اختفت، فكيف لا أرسل أحدًا؟!”
“صحيح، هذا ما حدث، ولكن..…”
“صادف أن أحد الموظفين الذين كانوا يعملون تحت إشرافكِ يدير نقابةً الآن، فكلّفته بالأمر.”
لا بد أنه فابيان.
“إذًا، فابيان هو من أخبركَ بمكاني؟”
“هممم، نعم. ذلك الشاب بارعٌ جدًا. كما هو متوقّع من ابنتي التي تشبهني وتمتلك عينًا حادة في تقييم الناس..…”
لكن عند هذه النقطة، توقف الدوق فجأة عن الكلام عندما التقى نظره بولي العهد الذي كان يحدّق فيه بهدوء.
“لا، في الحقيقة…..أظن أن عينكِ لا تصيب دائمًا. نعم، يبدو أن هناك أوقاتًا تخيبُ فيها.”
تمتمات الدوق الساخطة جعلت رويلا تضحك بخفة وتهز رأسها.
“أنا آسفة يا أبي. كان خطئي هذه المرة. في المستقبل، سأخبركَ دائمًا قبل أن أختفي.”
“وأنا كذلك. في المرات القادمة، سأُعلِمكَ مسبقًا قبل أن آخذ رويلا.”
“نعم، نعم. في المرات القادمة، أخبراني أولًا..…”
همم؟
أومأ الدوق برأسه وهو يستمع إليهما، لكنه رمش فجأة.
لحظة…..أليس هناك خطأً ما في هذا؟
***
“سموك، تعال لزيارة عائلتنا اليوم.”
“أبي، أنتَ تعلم كم ولي العهد مشغول…..”
“وأنا أيضًا مشغول! مشغولٌ جدًا حتى الموت، ومع ذلك جئت إلى هنا بنفسي لأبحث عنكِ!”
أمام هذا الرد الذي لا يمكن دحضه، أغلقت رويلا فمها مثل صدفةٍ بحرية.
أما هيلديون فاستجاب لدعوته بهدوء.
“سأزوركم هذا المساء.”
“حسنًا. إذًا، سأحضّر نبيذًا فاخرًا.”
وكان هذا تصريحًا مباشرًا بدعوة لمواجهةٍ جدية على مائدة العشاء.
‘أبي حقًا..…’
وضعت رويلا يدها على جبينها وأرسلت نظرةً إلى هيلديون تحمل إشارة.
‘إذا لم تكن ترغب في المجيء، يمكنكَ الرفض.’
لكن بدلًا من الرفض، أومأ هيلديون برأسه وبدأ يتفق مع الدوق على التفاصيل.
ربما كان هذا أمرًا لا بد من مواجهته عاجلًا أم آجلًا. فقد مر وقتٌ طويل منذ أن تمت خطوبتهما، وكان لا بد من البدء في التحدث بجديةٍ عن الزواج.
وربما…..كانت هذه فرصة.
فرصةٌ ليُظهر جديته للدوق بريتا، الذي لا يزال لا يراه أهلًا لابنته (في الواقع، أي رجلٍ يظهر كخطيب لرويلا سيكون مرفوضًا بالنسبة له).
في مساء ذلك اليوم، كان هيلديون قد أعدّ نفسه بكل ما يستطيع، وتوجه إلى قصر الدوق بريتا.
_____________________
ببكي ضحك ابو رويلا بيعذب هيلديون ولا وش؟😭
المهم واضح الفصل الجاي ماغير ضحك
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 175"