جاء صوت “ماري” الصغير من خلف الباب، مما أكد لـ”ليونارد” أنها كانت تستمع جيدًا، فواصل حديثه ببطء.
“البكاء أو عدمه، الأمر لكِ وحدك.”
إذا كنتِ ترغبين في البكاء، فابكي وإذا لم ترغبي، فامتنعي عنه لكل شخص طريقته في تحمل الحزن، وحتى الشخص نفسه قد تتغير طريقته في أوقات مختلفة من يحزن يجب أن يكون له الحق في أن يختار بنفسه كيف يواجه حزنه لا بد أن يكون الأمر كذلك لقد أدرك “ليونارد” ذلك خلال الأيام القليلة الماضية وهو يراقب “ماري” أدركه الآن فقط.
“مدة الحزن أيضًا، متروكة لكِ.”
لم ترد “ماري” من خلف الباب، لكن “ليونارد” كان يعلم أنها تنصت إليه.
حزنكِ، فرحكِ، مشاعركِ، وكل ما يتكون منها، هي ملك لكِ وحدك.
حتى “مارسيل” كان ليأمل أن تحظي بحرية الشعور بها.
وربما حتى “آنيس”، رغم أنها لم تفكر في الأمر، كانت تتمنى الأمر نفسه.
لقد مددتُ يدي إليها، ظنًا مني أنني أمنحها الحرية، دون أن أدرك أنني كنت أسلبها إياها.
وليس من قبيل الصدفة أنني أدركتُ ذلك قبلها.
“لقد كان هناك وقت لم أكن أعلم فيه ذلك.”
أضاف هذه الكلمات بنبرة هادئة، تحمل مسحة من الحزن.
حقًا، لم يكن يعلم.
لقد كان دائمًا حرًا، لذلك لم يعرف كيف يعيد الحرية لمن حُرم منها، ولم يكن يدرك أن محاولته لمنحها الحرية قد تعني سلبها شيئًا آخر.
هل لهذا السبب خسرتُكِ؟
أخيرًا، بدأ يفهم، ولو قليلًا، معنى الرغبة في الحرية.
لكن هل أدرك ذلك متأخرًا لدرجة أنه لم يعد قادرًا على ملاحقة خطواتها؟
“الآن، بعدما أدركتُ ذلك… فكرتُ أنه يجب أن أخبركِ.”
الآن وقد فهمت، كم كنتُ جاهلًا آنذاك؟
كيف كنتُ أبدو في عينيكِ حينها؟
حتى وهو يتحدث، كان يخشى أن يكون حديثه هذا انتهاكًا آخر لحريتها.
لقد كان جاهلًا جدًا في هذا الأمر.
لم يكن يعلم تمامًا ما هي الحرية، أو ما الذي يجعلها ثمينة لدرجة أنها قلبت العالم رأسًا على عقب.
لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا:
يجب أن تكون هذه الحرية مكفولة لهذه الطفلة أكثر من أي شخص آخر.
ولهذا، لم يكن أمامه سوى الاعتراف.
خلف هذا الباب، لطفلة في العاشرة من عمرها.
دون أن يدرك أن “آنيس” كانت تستمع لاعترافه من خلف باب المنزل.
في تلك اللحظة، دوّى صوت المفتاح وهو يدور في القفل، ثم انفتح الباب.
حاولت “آنيس” فتحه بأكبر قدر من الهدوء، ولكن رغم حرصها، فوجئ “ليونارد” بشدة حتى أنه كاد يترنح وهو مستند إلى باب غرفة “ماري”.
“آن…يس.”
نسي “ليونارد” تمامًا أنه، طوال حديثه مع “ماري”، كان يخاطب “آنيس” بلقب “آنسة بيلمارتير”، وها هو الآن ينطق اسمها مباشرة.
رؤية ذلك التعبير على وجهها جعلت “ليونارد” متأكدًا تمامًا أنها قد سمعت كل كلمة قالها لـ”ماري” منذ البداية حتى النهاية.
ولهذا، قرر أن يستغل الفرصة ويتحدث معها بجدية.
نهض من مكانه وتقدم خطوة نحوها.
عندها، تراجعت “آنيس” خطوة إلى الوراء.
ندمت على فتح الباب.
كان يجب أن تقضي وقتًا أطول في الخارج ثم تعود متظاهرة بأنها لم تسمع شيئًا.
كان “ليونارد” يتجه نحوها كما لو كان قد اتخذ قرارًا حاسمًا، ولم يكن لديها مهرب.
فقد أغلقت باب المنزل بالفعل.
تقدم خطوة أخرى وانحنى قليلًا نحوها، ثم تحدث إليها بصوت عميق وجاد، وكأن ارتباكه قبل لحظات لم يكن سوى وهم.
“هناك شيء مهم يجب أن أخبركِ به، آنسة بيلمارتير.”
ثم ألقى نظرة خاطفة نحو باب “ماري” المغلق.
كان ذلك يعني أنه يريد التحدث في مكان لا يمكن لـ”ماري” أن تسمع فيه.
شعرت “آنيس” باضطراب متزايد.
إذا تحدثا بهدوء في غرفة النوم الكبيرة وأغلقا الباب، فلن تتمكن “ماري” من سماعهما.
ولكن… هل عليهما فعل ذلك حقًا؟
لماذا لا يمكن أن تبقى الأمور كما هي؟
منذ التقيا مجددًا، كل محادثة بينهما كانت تدور حول المواضيع الهامشية، متجاهلين دائمًا ما هو الأهم.
إذا كان حديث اليوم مجرد تكرار لذلك، فإن “آنيس” لم تكن ترغب فيه.
لماذا الآن؟
لماذا، في هذه اللحظة الحرجة والمضطربة، يحاول أن يسحبها أكثر نحو الهاوية؟
“ماذا… تعني، سيد سيرديو؟”
“هناك أمور أريد أن أسألكِ عنها، وأمور أخرى يجب أن أجيبكِ عليها.”
شعرت بالخوف من عبارة “أمور أريد أن أسألكِ عنها”.
لكن عبارة “أمور يجب أن أجيبكِ عليها” جذبت انتباهها رغم ذلك.
رفعت رأسها ونظرت إليه، عاضّةً على شفتيها.
كان وجهه جادًا تمامًا، بلا أي أثر للابتسام أو اللطف، ثم قال بثبات:
“لن يكون حديثًا بلا قيمة أعدكِ بذلك.”
⚜ ⚜ ⚜
“سيلين شاتليه…!”
ضربت “كاثرين دي فاسبور” الطاولة بقوة وهي تردد ذلك الاسم الذي يثير في نفسها الغضب الشديد، والخرائط مبعثرة أمامها.
كان متوقعًا أن تشارك قوات ويستيريا في المعركة.
قدمت قوات كلاديف شروطها، حيث اشترطت أن تترك ضابطًا واحدًا مع كتيبته في الحصن ليكون حلقة الوصل، مقابل توليها السيطرة الكاملة على الجبهة الشرقية قبلت كاترين هذا الشرط وكما كان متوقعًا، اتجهت قوات ويستيريا إلى الجبهة الشرقية، حيث كانت قوات كلاديف تكتسح القوات الحكومية بلا رحمة ما لم يكن في الحسبان هو أن لا يزال لدى ويستيريا ساحر قادر على إلقاء تعاويذ هجومية واسعة النطاق، ولكن بما أنهم حصلوا بالفعل على وعود واضحة بالسيطرة الكاملة على تلك الجبهة، فقد قررت كاترين أن تركز اهتمامها على جبهات أخرى في الوقت الحالي.
المشكلة كانت في الجبهة الغربية، التي أصبحت بالكامل تحت مسؤولية مقاومة فاسبور.
في اليوم الذي تكبدت فيه قوات كلاديف الهزيمة في شرق باردش أمام قوات ويستيريا غير المتوقعة، كانت مقاومة فاسبور تعاني هزيمة ساحقة في الغرب على يد القوات الحكومية بقيادة سيلين شاتليه شخصيًا.
على عكس كاترين دي فاسبور، التي بقيت في الحصن لقيادة المقاومة الغربية بدلًا من التوجه إلى أرض المعركة، كانت سيلين شاتليه، وهي القائدة العليا للقوات الحكومية في فاسبور، تجرؤ على التقدم إلى الخطوط الأمامية بنفسها بين الحين والآخر ولسوء حظ المقاومة، كان ذلك اليوم أحد تلك الأيام.
تعرضت المقاومة لخسارتين كبيرتين في وقت واحد، مما أدى إلى انهيار معنوياتها بشدة.
كاثرين دي فاسبور لم تستطع إخفاء استيائها.
إن عدنا إلى البداية، فمجرد أن تجد نفسها تواجه سيلين شاتليه على قدم المساواة في ساحة القيادة كان أمرًا يثير استغرابها وسخطها.
كانت سيلين شاتليه زميلتها في الأكاديمية العسكرية، ولكنها كانت تلميذتها الأصغر بسنتين.
في أكاديمية ليانغ العسكرية، كانت نسبة الطلاب النبلاء مرتفعة جدًا، أما طلاب الطبقة البرجوازية أو الطلاب العاديون الذين دخلوا بمنح دراسية فكانوا أقلية واضحة وكان من المعتاد أن يعاملهم الطلاب النبلاء كخدم داخل الأكاديمية، أو حتى كلُعب يُلهون بها ويضايقونها.
عندما كانت كاثرين دي فاسبور في سنتها الثالثة بالأكاديمية، دخلت سيلين شاتليه الأكاديمية كطالبة جديدة بعد أن حصلت على المركز الأول في امتحان القبول.
كانت ابنة صانع أحذية فقير، لكنها تلقت منحة دراسية من مؤسسة برنار التعليمية لتغطية الرسوم الباهظة للأكاديمية.
ولكن لسوء حظها، كانت الطالبة الوحيدة من طبقتها الاجتماعية في ذلك العام، ليس فقط بين دفعتها، بل في الأكاديمية بأكملها.
بعبارة أخرى، كانت الفريسة المثالية لمجموعة من الطلاب النبلاء المتعطشين لمثل هذه “اللعبة”، خاصةً وأنه لن يكون هناك أي عواقب تردعهم.
أعلنت كاثرين دي فاسبور، التي كانت في ذلك الوقت الأولى على الأكاديمية وتحكمت في تسلسل الهرمية داخلها، أنها ستجعل من سيلين شاتليه لعبتها الخاصة.
كان هذا يعني أنه لو أن سيلين تصرفت بحكمة وحرصت على إرضاء كاثرين لكانت قد حظيت على الأقل بحماية جزئية من بقية الطلاب.
ولكن، للأسف، لم يحدث ذلك أبدًا.
بدأت العلاقة العدائية بين كاثرين دي فاسبور وسيلين شاتليه من أمر بسيط ذات يوم: غسل الزي العسكري.
“إنه متسخ، اغسليه جيدًا وأعيديه نظيفًا.”
رمته كاثرين على الطاولة، ولكن بدلاً من التقاطه وتنفيذ الأمر، نظرت إليه سيلين لبرهة، ثم التقطته وألقته مباشرة من النافذة.
ثم، وبوجه خالٍ من أي ندم، قالت بكل برود:
“كانت الطاولة متسخة، فحرصتُ على تنظيفها.”
بطبيعة الحال، اشتعلت كاثرين غضبًا، وكان غضبها في ذلك الوقت يُعادل غضب الأكاديمية بأكملها.
في غضون أقل من شهر، أصبحت سيلين شاتليه معزولة تمامًا وتعرضت لموجة من المضايقات المستمرة.
كل ذلك كان نتيجة تحركات كاثرين في الخفاء.
لو أن تلك “ابنة صانع الأحذية” التي تجرأت على تحدي النبلاء قد أمضت بقية سنواتها الدراسية في يأس بائس، أو لو أنها ركعت أمام كاثرين وقدمت اعتذارًا مذلًا، لكانت كاثرين قد شعرت بالرضا ومحت اسمها من ذاكرتها باعتبارها مجرد شخص غير ذي أهمية.
لكن، القصة لم تسر بتلك الطريقة.
لم تبدُ سيلين شاتليه متأثرة بعزلتها.
لم تكن تتلقى المضايقات بهدوء، لكنها لم تكن تواجه النبلاء علنًا لتجنب أن تصبح ضحية دائمة.
وكأن إلقاء زي كاثرين من النافذة لم يكن سوى إعلان عابر عن طباعها الحقيقية قبل أن تبدأ في تنفيذ خططها الأكثر ذكاءً.
منذ ذلك الحين، لم تكتفِ سيلين بتجنب المضايقات، بل استخدمت أساليب بارعة لقلب الطاولة على المتنمرين، مما جعلهم هم من ينالون العقاب مرتين عما حاولوا فعله بها.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"