Encore - 1
الفصل 01
لقد تدربتُ على البيانو لمدة 12 ساعة يوميًا، وفي كل مكان أعيش فيه كنتُ ألقى شكاوى.
أخبرني الوكيل عن مجمع في أطراف المدينة سيكون مثاليًا ليّ، الإيجار رخيص للغاية، وإدارة المجمع ممتازة، والأهم من ذلك، لا يوجد سكان أحياء، لذا لن تكون هناك مشكلة بسبب الضوضاء.
في البداية، ظننتُ أن عبارة ‘لا يوجد سكان أحياء’ كانت مجرد مُزحة، لكن عندما أنتقلتُ للعيش هناك، وجدتُ المكان هادئًا بشكلٍ مريب.
كان المرآب خاليًا من السيارات، والشوارع فارغة تمامًا من الأشخاص.
نظر إليّ حارس الأمن وكأنني كائن غريب من عالم آخر.
لم أدرك أن هناك شيئًا غير طبيعي إلا عندما رفضت خدمات توصيل الطعام الحضور إلى المكان.
سألتُ الحارس، “ألم تقل إن جميع الشقق قد بيعت؟ لماذا لم يسكن أحد هنا؟”
نفخ الحارس حلقة من الدخان وقال بلا مبالاة، “كلها مأهولة.”
“لا بدَّ أنك تمزح. لم أرَ حتى ظلًا لأحد هنا.”
ضحك الحارس قائلًا، “الأشباح لا تلقي بظلالها.”
شعرتُ بقشعريرة في جسدي.
“ماذا تعني؟”
قال الحارس، “لستُ أحاول اخافتكِ، لكن المالكين هنا اشتروا هذه الشقق فقط لتخزين الرماد. نحنُ الاثنان فقط من الأحياء هنا.”
شقة كولومباريوم؟
(شقة كولومباريوم في الصين هي نوع من الممتلكات التي يتم شراؤها في البلدات الصغيرة بالقرب من المدن الكبرى. تُستخدم لتخزين الجرار التي تحتوي على الرماد وتعمل كمكان لزيارة الأقارب وتقديم الاحترام خلال أيام الذكرى التقليدية.)
بعد لحظة من التفكير، تحول ذهولي الأولي إلى سعادة. رائع! لن يكون هناك جيران يشتكون، يُمكنني العزف على البيانو بقدر ما أشاء.
مجرد التفكير في أن جميع الرماد في المجمع يهدأ على أنغام موسيقاي جعلني أبتسمُ إبتسامة عريضة.
أعتقد الحارس أنني مجنونة ورفع حاجبيه، قائلًا، “حسنًا طالما أنكِ لستِ خائفة. إذا حدث أي شيء، اتصلي بغرفة المراقبة.”
* * *
ما الذي يُمكن أن يحدث؟ كانت أولويتي الآن هي التدرب على البيانو.
كان الاختبار لفرقة مسرح الأحلام بعد شهر، وكنتُ أرغب في أن أصبح عازفة البيانو هناك، حلم لطالما راودني منذُ الطفولة.
لقد بذلتُ جهدًا يفوق ما يتخيله معظم الأشخاص، لكن معلمي كان يقول دائمًا، ‘فو وين شيا، أنتِ تعزفين جيدًا، لكنكِ لا تزالين تفتقرين إلى شيء.’
ذلك ‘الشيء’ كان شيئًا غير ملموس، مستحيل رؤيته أو لمسه، وصعب الوصف.
قال معلمي، ‘استمعي إلى عزف شياو لانغ أكثر. شغفه يظهر في عمق عزفه، كأنما يصب روحه بأكملها في الموسيقى.’
بالطبع، استمعتُ مرات لا تحصى، لكن ذلك كان شياو لانغ، كيفَ ليّ أن أضاهي براعته؟
شياو لانغ كان القائد السابق لفرقة مسرح الأحلام، عبقري بدأ مسيرته الفنية مبكرًا، وكانت جولاته العالمية نفدت تذاكرها بالكامل، حقًا كان عملاقًا في هذا المجال ونموذجًا يحتذى به.
للأسف، العباقرة غالبًا ما يعيشون حياة قصيرة. عانى من مشاكل نفسية شديدة، وبعد تركه للمسرح بفترة قصيرة، قفز من سطح فندق، منهيًا حياته القصيرة والمبهرة.
كان يبلغ من العمر 26 عامًا فقط.
فقدت فرقة مسرح الأحلام نواتها، وكانت تبحث يائسة عن مواهب جديدة. مقطوعة الاختبار لم تكن سوى ‘سيمفونية الحلم’ الشهيرة لـ شياو لانغ.
دون القلق من شكاوى جيراني في شقة الكولومباريوم، رفعتُ الصوت واستمررتُ في الاستماع إلى موسيقى شياو لانغ مرارًا وتكرارًا، أعزف المقطوعة مرارًا حتى فقدتُ الإحساس بالوقت، ولم ألاحظ حلول الظلام إلا عندما خيم الليل.
في هذا المجمع الصامت، كان نوري وحده مضاء.
من نافذتي فقط صدحت ألحان الحياة البشرية.
كنتُ منهمكة في عزفي عندما دوى فجأةً صوت صارخ، “هذا مزعج! المقطع الرابع خاطئ، خاطئ، خاطئ!”
فوجئتُ، والتفتتُ غريزيًا.
لم يكن هناك أحد، الباب كان مغلقًا بإحكام.
لكن نافذة الشرفة كانت مفتوحة.
هل يُمكن أن يكون لهذا المجمع زوار بالفعل؟ جمعتُ شجاعتي وخرجتُ إلى الشرفة، لأجد الظلام يحيط بي من كل جانب، مع بضع مصابيح في المجمع تضيء بتكاسل.
“من هناك؟”
صرختُ بصوت عالٍ.
حلّق طائر عبر المكان، كاسرًا الصمت، ثم عاد الهدوء من جديد.
هل كنتُ متوهمة بسبب انغماسي في العزف؟
أغلقتُ نافذة الشرفة بإحكام وعدتُ إلى مقعدي أمام البيانو، وبدأتُ أتفحص المقطع الرابع في النوتة الموسيقية. لم يكن قد عُزف خطًأ.
نعم، لا بدَّ أن ذلك كان من نسج خيالي.
هززتُ رأسي، استعدتُ رباطة جأشي، وأكملتُ العزف.
لم أكن قد عزفتُ سوى بضع مقاطع عندما قاطعني صراخ غاضب مجددًا، “حتى لو عزفتِه مئة مرة، سيظل خطًأ! توقفي عن العزف!”
هذه المرة، سمعتُ بوضوح، كان صوت رجل، قريبًا جدًا.
كما لو كان بجواري تمامًا.
كانت جميع الأبواب والنوافذ مغلقة، ولم يكن هناك أحد في الغرفة.
سرت قشعريرة في عمودي الفقري بينما حاولتُ الحفاظ على صوتي ثابتًا وسألتُ، “من أنتَ؟”
جاء الصوت بنبرة متذمرة، “من أكون ليسَ من شأنكِ. سماعكِ تعزفين هذا اللحن السيء كل يوم يجعلني أفقد عقلي.”
لم أستطع تجاهل ذلك.
ربما لم أكن مشهورة، لكنني تخرجتُ من معهد موسيقي مرموق، وفزتُ حتى بجائزة الخريجة المتميزة. من يجرؤ على القول بأنني أعزف بشكلٍ سيء؟
“لا تتحدث بما لا تفهمه.”
قلتُ بحدة إلى الغرفة الفارغة.
“المقطع الرابع لم يكن خاطئًا. هل تعرف حتى شيئًا عن الموسيقى؟”
ساد الصمت.
همهمتُ بسخرية، معتقدة أنهُ يدعي المعرفة. تنفستُ بعمق وعدتُ إلى البيانو، عازمة على الاستمرار في العزف.
لكن بمجرد أن وضعتُ قدمي على الدواسة، تحدث الصوت مجددًا، “إذا لم تعزفيه بشكلٍ خاطئ، إذن النوتة الموسيقية نفسها خاطئة.”
تسارعت نبضات قلبي.
بمستواي، قراءة النوتة الموسيقية مهارة أساسية، لذلك لم يكن من المعقول أن أكون قد أخطأتُ. لكن عليّ الاعتراف، كانت هناك مقاطع معينة لم أتمكن من محاكاة لمسة شياو لانغ المميزة فيها، بما في ذلك المقطع الرابع.
“هذه نوتة موسيقية من فرقة مسرح الأحلام…….”
قبل أن أكمل، صدر صوت من البيانو، وبدأت مفاتيح البيانو تتحرك من تلقاء نفسها.
لم ألمس المفاتيح، كانت كلتا يديّ لا تزالان في الهواء.
صدرت بضع نغمات تجريبية.
شاهدتُ، وعيوني متسعة، بينما كانت المفاتيح تتحرك كأنما تقودها يدان غير مرئيتين تختبران الأمر بحذر.
سرعان ما أكتسبت تلك الأيدي الخفية ثقتها، وملأت اللحن الجميل الأجواء الليلية.
كان هذا هو سيمفونية الحلم.
لم أتمكن من رؤيته، لكن أذني كانت تراه. في تلك اللحظة، بدأ البيانو مشحونًا بطاقة هائلة، جاهزًا لإطلاق براعته عبر هذه الأيدي غير المرئية.
كان ذلك أفضل أداء حي سمعته في حياتي، مثيرًا للدهشة لدرجة جعلتني عاجزة عن الكلام.
عندما أنتهت المقطوعة، بقي صدى النغمات عالقًا في الهواء.
بعد لحظة طويلة، انبعث تنهد هادئ، مليء بالندم.
أخيرًا، وجدتُ صوتي وسألتُ، “هل كنتَ أنتَ من يعزف؟”
كان صوتي رقيقًا وهادئًا، خائفة أن تزعج نبرة أقوى هذه الزائر الغامض وتدمر هذه اللحظة المثالية.
لدهشتي، أندفع الصوت المتنهد فجأةً بحدة، “من غيري؟! شبح؟!”
عاد الصمت ليخيم على الجو مع أستقرار الكلمات في الأجواء.
يُتبع….