‘هل التقت به كايلا بهذه الطريقة أيضًا؟
لا أذكر.’
حين استرجعت ذاكرتي بتأنٍ، أدركت أن اللقاء الأول بين ريكاردو وكايلا في القصة الأصلية كان مختلفًا تمامًا.
فلم تكن كايلا أبدًا من ذلك النوع الذي يجوب الأرجاء وحده عند بزوغ الفجر.
لقد بدأ مسار القصة ينحرف بالفعل.
اتضحت لي الحقيقة مجددًا؛ اللحظة التي أصبحت فيها ستيلا كانت إيذانًا بانزياح الحبكة عن مسارها المعروف.
رؤيته أمامي في الواقع جعلتني أتيقن من أمر لا جدال فيه: ريكاردو الحقيقي كان يفوق في هيبته وروعة حضوره كل الصور التي رسمتها له في خيالي.
حتى الرسوم المرسومة على غلاف الرواية لم تستطع إنصاف عظمته.
الآن فقط فهمت السبب الذي جعل كايلا، تلك الفتاة التي ثارت غاضبة عند ذكر زواجها من “شيطان متعطش للدماء”، تقع أسيرة حبه من أول نظرة.
وأنا شاردة وسط أفكاري، باغتني صوته الجاف:
“من تكونين؟”
انتفضت من شرودي على الفور.
ومن نظراته، أدركت أنه لا يعرفني.
كانت عيناه الباردتان تنطقان بأنه لم يرَ فيّ إلا خادمة تائهة داخل القصر.
ما الذي ينبغي لي قوله؟ هل أعترف بأني جئت هنا لأتزوجه؟
تحركت شفتاي اليابستان بصعوبة، دون أن يصدر عنهما صوت.
“سألتك، من أنتِ؟ ولماذا تتجولين في هذا الوقت بهذا المظهر؟”
حمل صوته نفحة من الضيق، بينما أشاح بوجهه وأعاد سيفه إلى غمده.
بادرت بشد ردائي الذي انسدل عن كتفي فوق قميص النوم، وأجبت:
“تحياتي يا دوق.
أنا ستيلا إنريو.
ضللت طريقي أثناء نزهة.”
توقف عن غمد السيف وحدق فيّ:
“إنريو؟”
تكتف واقترب بخطوات وئيدة.
بدا وكأنه قد انتهى للتو من تدريب على السيف؛ كانت قطرات العرق تلمع على جبينه وعنقه، فيما التصق قميصه بجسده ليُظهر صدره القوي.
أما عيناه الزرقاوان الغامقتان فكانتا تشعان بهدوء غريب يشبه بحيرة شتوية ساكنة.
قال وهو يتفحصني بنظرة خالية من أي دفء:
“الآن وقد تذكرت، بلغني أن الشابة التي أرسلتها الإمبراطورة قد وصلت.
وبما أنك أتيتِ في وقت متأخر من الليل، لم أتمكن من الترحيب بك كما ينبغي.”
ثم ابتسم ابتسامة ساخرة:
“لم أظنك مجتهدة إلى حد استكشاف القصر في ليلتك الأولى.”
لم أنتظر منه ودًّا، لكن لم يكن من العدل أن أتركه يسيء فهمي.
“لا أدري ما تعنيه بكلامك.
كنت أبحث عمن يرشدني بعد أن تهت في طريقي.”
بدت في صوتي حدّة غير مقصودة، فرد بابتسامة ملتوية وسأل ببرود:
“وكيف عرفتِ أنني الدوق؟ بل كيف عرفتِ أني هنا أصلًا؟ هل تعمدتِ لقائي؟”
كان صوته يوحي وكأنه قد حكم عليّ سلفًا بأني جاسوسة بعثت بها الإمبراطورة.
قلت بثبات:
“نادراً ما يكون مقبولًا أن يخاطب أحد الغرباء بهذه اللهجة المتعالية.
وإن لم تكون من النبلاء الأرفع شأنًا هنا، فمثل هذا السلوك لا يليق بسمعة الدوقية.”
تبددت ابتسامته، وتجمدت نظراته، وساد بيننا صمت ثقيل.
للحظة، خشيت أن يشهر سيفه نحوي.
قال بتهكم:
“تتجولين وحدك في قصر غريب، دون خادمة… أأنت شجاعة أم متهورة؟ يبدو أن من تقبل بزواج من رجل لم تره قط لا تكون فتاة عادية.
لا بد أنك سمعت عني شتى الإشاعات، ومع ذلك أتيتِ.”
وأطلق ضحكة خافتة تخللتها مرارة.
وفي تلك اللحظة، سمعنا وقع خطوات.
خرج خادم من حجرته يتمطى، وما إن رآنا حتى أسرع نحونا مرتعبًا:
“يـ-يا دوق؟!”
أشار إليه ريكاردو ببرود:
“تقول هذه الشابة إنها ضلت طريقها.”
“نعم، سيدي!”
انحنى الخادم أمامي بكل احترام، وقال:
“تفضلي معي، سيدتي.”
“شكرًا.”
تبعت الخادم بخطوات بطيئة.
وقبل أن أبتعد، التفتُّ فرأيته لا يزال واقفًا يحدق بي بنظرة باردة كأنما كنت دخيلة، لا عروسه المنتظرة.
كنت أعلم أنه لن يرحب بي، لكن قسوة نظرته أثقلت خطاي.
“هل عليّ الفرار الآن؟”
كم كان مثيرًا للسخرية…
عزيمتي بأن أكون السباقة في الهجران بدأت تذبل قبل حتى أن أخطو أول خطوة.
ربما كانت فرضيتي من البداية خاطئة. فلا يمكنك نبذ ما لم تملكه قط.
وحين رأيت ريكاردو جين كيشيش عن قرب، بدا لي الأمر مستحيلًا.
“سأسعى لكسب ثقته.
ما دمت لن أموت في النهاية، فكل شيء سيكون على ما يرام.”
كم كنت هشة أمام مجرد رؤيته.
“وهكذا أغير القصة الأصلية؟”
كدت أضحك من خيبة أملي بنفسي.
لكن فات أوان الخطط البديلة.
لقد التقيت بالإمبراطورة، وها أنا على وشك الزواج… سأصبح عروسًا منبوذة من زوجها.
لو كان الهروب خيارًا، لكان الفرار من قصر البارون أولى.
تنهدت ووضعت يدي على رأسي، فرآني الخادم قلقًا فسأل:
“هل أنتِ بخير يا سيدتي؟ هل هنالك ما يؤلمكِ؟”
“كلا، أنا بخير تماما.”
تابعت السير وكأن شيئًا لم يحدث.
ما كان يطمئنني هو أنني أعرف القصة الأصلية. رفعت رأسي مجددًا بثبات.
“صحيح… أملك أقوى سلاح في هذا العالم: المعرفة.
لا مجال للخوف.”
كنت أكرر ذلك كتعويذة حتى شعرت بشيء من الطمأنينة.
في تلك الأثناء، خلع ريكاردو قميصه المبتل دفعة واحدة.
برزت كتفاه العريضتان وصدره القوي وخصره النحيل، وجسده كأنه منحوت بإتقان بيد خالق عظيم.
أما ساقاه الطويلتان فقد بدتا وكأنهما ستشقان بنطاله.
كان بحق تجسيدًا للمحارب الذي تهبه الآلهة.
أخذ منشفة من خادم ومسح بها عرق وجهه وعنقه.
كان قد عاد منتصرًا من الحرب، وحل بالقصر ليلًا دون راحة، إذ عليه المثول أمام الإمبراطور عند الفجر.
كانت فكرة أن الإمبراطورة أرسلت له عروسًا تؤجج غضبه، ومعرفته أن يدها امتدت إلى أعماق قصره زادت نيرانه اضطرامًا.
ظل يقظًا حتى طلع الصبح، ولم يهدأ حتى أنهك جسده بالسيف.
وعندما عاد ليستعد للقاء الإمبراطور، التقى تلك المرأة في الحديقة.
“تحياتي يا دوق.
أنا ستيلا إنريو.
ضللت طريقي أثناء نزهة.”
كانت من أقارب الإمبراطورة البعيدين، لكنه لم يسمع بعائلتها من قبل.
كل ما علمه أنها من إحدى أطراف الإمبراطورية.
ظنها متلاعبة أو ألعوبة مثل الإمبراطورة، لكنها لم تكن كذلك.
لم تكن متباهية ولا غبية.
تلك العينان البنفسجيتان البريئتان التقتا بنظره بثبات، رغم أنها لم تصل إلى كتفه.
وكم أدهشته جرأتها في الرد عليه.
ضحك ساخرًا من نفسه لمجرد أنه فكر بها للحظة. زواجه منها كان شكليًا لا أكثر.
استرجع كلمات الإمبراطورة الوصية على فراش موتها:
“ريكاردو… هذه أمنيتي الأخيرة.
أقسم أمامي وأمام الجميع أنك ستبقى دومًا مخلصًا ومطيعًا لأمك، مهما كان.”
بتلك الوصية، أدخلت حفيدها المستعبد إلى بيت الملك.
وقد أوفى بما أرادت، فصار ابن الإمبراطور المعترف به، وجاهد لا كابن، بل كجندي للإمبراطورية، ولم يطمع يومًا بلقب ولي العهد.
لكنها نسيت أمرًا…
الإمبراطورة لم تترك له أبدًا أي مساحة ليبقى مجرد ابن مطيع.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"