“أمّاه، أرجوكِ.”
ارتخت حاجبا روتي بحزنٍ شديد.
لَمْ تكن هذه الطّفلةُ مِمَّن تُصِرّ على شيءٍ عادةً.
لذلك تعمّقت أفكارُ سيلين أكثر.
‘كنتُ أتمنّى لو أنّها طلبتْ دُمْيةً… لا أن تُشعل بهذا الطّلب ثِقلاً ينهارُ على صدري كصخرةٍ فوق قلبٍ مُتعب.’
وبعد لحظةٍ طويلةٍ من الصّمت، نهضتْ سيلين ببطء.
وفي النّهاية فُتِحَ فمُها.
“على الأقل…… لِنأخذه معنا.
قد نستطيعُ إنقاذه، فلا يمكننا أن نتركه وحيدًا هكذا.”
“واو!”
“سيّدتي سيلين!”
تقاطع الفرحُ والحُزن على وجهي روتي وهايدر.
تلاقتْ نظراتُ هايدر المندهشة مع نظرات سيلين.
“يا لورد إلدين، هل يمكنكَ نقل هذا الرّجل إلى العربة؟
لا أظنُّ أنني أستطيعُ حمله.”
“سيّدتي سيلين، هذا لا يجوز.
لعلّكِ يجب أن تعيدي التّفكير في هذا الأمر…….”
“هذا ليس طلبًا، إنّما أمرٌ أُصدِرُه بوصفي صاحبة الأرض التي تُقيم عليها.
ألستَ هنا في تشيرينغين لمساعدتي، يا لورد إلدين؟”
“…….”
“على الأقل، شكليًّا هكذا.”
قالت سيلين بنظرةٍ حاسمة.
وحين واجه هايدر عينيها الزّمرّدِيّتَين، أيقن أنّه لا يستطيعُ رفضَ كلامها.
وفي النّهاية نُقِل الرّجلُ على يد هايدر ككيس بطاطا وأُجلِسَ داخل العربة.
جلستْ سيلين بابنتها بعيدًا عن الرّجل قدر الإمكان.
“روتي، يجب أن تكوني حذرة.”
“نَعمْ.”
وما إنْ تحرّكت العربة قليلًا، حتّى بدأ الرّجل الممدّد على أرضها يرتجف.
لقد نزف كثيرًا، ولعلّ حرارتَهُ انخفضت.
“آه…….”
تأمّلتْ سيلين الرّجل المتأوّه بألم، ثمّ وضعتْ رداءَها فوقه.
وحين رأتْها روتي، نزعتْ وشاحَها ولفّتْه على عنقه.
لكنّ يديها الصّغيرتَين كانتا غيرَ مُحكمتَين، فغدا الوشاحُ يطوّق وجهَ الرّجل كأنّه مومياء.
غير أنّها فتحتْ عند الأنف منفذًا كي يستطيع التّنفّس.
ومهما بدا المشهدُ مُضحكًا، فقد خفّ ارتجافُ جسده قليلًا.
ربّتت سيلين على رأس ابنتها مُشيدةً بها، غير أنّ نظراتها نحو الرّجل الممدّد كانت ممتلئةً بالقلق.
‘لَعَلّه ليس شخصًا خطيرًا؟’
لقد أحضرتْه معها لِأنّها لم تستطع تركَ إنسانٍ يموت، لكنّ القلق ظلّ حاضرًا.
فما الأهمّ عندها إلّا حماية ابنتها.
“أمّاه، لا تقلقي.”
وكأنّها قرأتْ ملامح والدتها، أمسكتْ روتي يدَها بقوّة.
“هذا العمّ ليس رجلًا سيّئًا.”
كان في كلام الطّفلة يقينٌ غامض، كأنّها تعلم شيئًا.
تظاهرت سيلين بالاطمئنان.
“……نَعَم. سيكون شخصًا صالحًا.”
لقد كانت روتي بارعةً منذ صغرها في تمييز النّاس، تُفرّق بالفطرة بين الطّيّب والشرّير.
فكّرت سيلين:
‘أتمنّى أن يكون حَدسُ روتي مصيبًا هذه المرّة أيضًا.’
ومع تنفّسٍ مثقَل بالهمّ، تابعت العربة طريقها إلى قصر السّيادة وهي تحمل رجلًا على شفا الموت.
—
لَمْ يَذُقْ متعةَ الحياة مذْ كبُر قليلًا.
فقد عاش في حياةٍ يملك فيها كلَّ شيءٍ ولا يملك شيئًا، غَنيًّا لكنْ جائعًا، فارغًا لكنْ مُستعجلًا.
‘إنْ لم يكن العيشُ سعادةً، فلَن يكون الموتُ حُزنًا كبيرًا.’
كثيرًا ما خَطَر له هذا التّفكير بلا مبالاة.
عندها خطرت له محادثةٌ جرتْ منذ فترة.
“لاسكا، تحرّكْ لأجل تيّان.
هذه ليستْ وصيّة أخيك، بل رجاءُ الملك.”
كان أخوه، كليوس، يصدر أوامرَه بجسدٍ بالكاد ينهض من فراش المرض.
تحت عينيه سوادٌ قاتم، ووجنتاه غائرتان، وجهٌ يشهد بوضوح على العِلّة.
“قبل خمسِ سنواتٍ، خُدِعتُ بكلام الأمير هندريك والماركيز كونراد، وهاجمتُ تروبيز في خطأٍ أحمق. بذلك القرار خسرتُ حتّى زوجتي ماري.”
لقد أقنع هندريك وكونراد ملك تيّان أنّه يكفي احتلال تشيرينغين مؤقّتًا لجذب أنظار الإمبراطوريّة، ثمّ يُظهرون الصّلح بعد استيلائهم على السّلطة.
لكنّهم ما لبثوا أنْ خانوا تيّان، وألقَوا عليها كلّ لوم الإمبراطوريّين، وضغطوا عليها كأنّها الدّولة التي تسعى للحرب.
“ابني كايل ما يزال صغيرًا.
ولا أثقُ على تسليمه إلّا إليكَ.”
أراد لاسكا أن يسأل: ‘وكيف تثق بي؟’ لكنّه لَمْ يفعل.
اكتفى بقبول الأمر بصمت.
“……لقد دُنتُ بحياتي لجلالة الملك، فكيف أخونُ الدّين؟”
لو أنّها وصيّةُ أخيه فحسب، لرفضها لاسكا.
لكنّها وصيّةُ الملك. لم يكن عليه واجبٌ بعد أن تنازل الملك عن سلطته، لكنَّ دينًا قديمًا ظلَّ يثقل كاحليه.
لذلك قبِل أمرَ الملك.
فمجرّد مرافقة بعثة تيّان لم يكن في نظره أمرًا صعبًا.
‘مَن كان يظنّ أنّ هناك مَن سيتجرّأ على مهاجمة مبعوث الملك!’
صرخ لاسكا في نفسه وهو يتصدّى بسيفه لضربات المهاجمين.
“إنّها غارة!”
لم يكن متوقَّعًا قط.
أيُّ سببٍ يدفع أحدًا لمهاجمة بعثةٍ جاءت إلى الإمبراطوريّة لبحث الرّسوم؟ أم أنّ أخي تنبّأ بذلك واستدعاني؟
تساؤلاتٌ متلاحقة ملأت رأسه، لكنّ ما وجب عليه هو التّركيز على المعركة.
‘اهدأ. نحن خمسة، وهم…….’
لا يقلّون عن عشرين.
وبينما يصدّ هجومًا آخر، رفع لاسكا مبعوث البعثة الملقى أمام العربة.
“آه، يا صاحب السّمو الأمير…….”
تلعثم المبعوث عارفًا به.
تجاهله لاسكا، وأخذ حصان أحد الفرسان وقدّم لجامه للمبعوث.
“اهربْ أوّلًا.
حين تدخل الإمبراطوريّة ستكون أكثر أمانًا.”
تسلّق المبعوث بارتباك، وهو يلتفتُ نحو لاسكا، بينما كان الأخير يصُدّ سيوف القتلة المتهاجمين.
“لكنْ يا صاحب السّمو، أنت……!”
“أنا مجرّدُ مرتزقٍ مكلَّفٍ بالحراسة، يا كونت.
وإنْ متُّ هنا فلا تبحث عنّي.”
كان صوته صارمًا قاطعًا كحدِّ السّيف. لا أثر للتّردّد في وجهه.
أضاء القمر ملامحه الوسيمة تحت الغطاء، ثمّ أخفاها الظّلام مجدّدًا.
“هذا لا يمكن، يا صاحب السّمو!”
لكنّ لاسكا لم يلتفت.
ضرب مؤخرة الحصان، فانطلق صهيلًا حاملاً المبعوث بعيدًا.
“أمسكوه!”
اندفع القتلة لملاحقة الفارّ، لكنّهم توقّفوا أمام لاسكا الذي سدّ الطّريق.
‘مَن يكون هذا؟’
تأمّله قائدُ العصابة بقلق.
رجلٌ ضخم الجسد، رشيق الحركة، وتحت قميصه يظهر جسدٌ بُنيَ كلّه عضلات.
من تحت غطاء الرّأس بدا فكه أنيقًا ووسيمًا، لكنّ هالته القويّة كادت تخنقهم.
“……أعتذر، ولكن.”
ارتسم قوسٌ بطيء على شفتيه الحسنتين.
كان وجهًا جميلًا لكنّه ألقى في قلوبهم رعبًا.
“خصمكم أنا.
هل نبدأ بالتّعارف، أم بالسّيوف؟”
صوته مفعمٌ بالثّقة، كأنّه ليس في موقفٍ شديد الضّعف عدديًّا.
ارتجّ الهواء بوقع صوته العميق العذب. فهاجم القتلة غاضبين.
“مُتْ!”
وتحوّل المكان في لحظة إلى ساحةِ قتالٍ دامية.
حتى لاسكا الذي خبر حروب المرتزقة سنواتٍ طويلة، وجد الأمر صعبًا وهو يواجه عددًا من القتلة المهرة في ظلامٍ دامس.
ومع أنّه نجح في تأمين انسحاب بقيّة البعثة، إلّا أنّه أُصيب في النّهاية.
جرّ جسده الجريح بصعوبة إلى أقرب قرية، ثمّ انفجر ضاحكًا بمرارة.
‘هل سأموت هكذا؟’
لَمْ يكن في نفسه حنين، لذا لَمْ يخَف.
لكن حين واجه الموت فجأة، وجد نفسه يتشبّث بالحياة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"