“إطعام؟”
“يقال إنه إذا قتلت شخصًا كل عام وقدّمته كقربان، فإن المالك يظل حيًا.
أو بإمكانك تقديم فريسة للحشرة الذهبية.”
تلتهم الحشرة الذهبية الجميع، وإذا لم يبقَ من تأكله، يكون آخر من تبتلعه هو المالك.
“سمعت أن العائلات التي لا تعيش معًا لا تُؤكَل.”
“ولماذا؟”
“لا أعرف التفاصيل.
التقطت الحديث على مراحل.
لو كان زعيم القرية حيًا، لسألته.”
لم تكن كاميلا ولا والدته على دراية تامة بالحشرة الذهبية.
غير أن زعيم القرية حينها، وهو شيخ من قبيلة شارتين، كان يملك قدرًا ضئيلًا من المعرفة بشأنها.
“قال زعيم القرية إنه لم يسمع عنها سوى كأسطورة، وكانت تلك المرة الأولى التي يراها بعينه.
على أي حال، هناك طريقة ثانية: تمرير الحشرة الذهبية لشخص آخر.”
يبدو الأمر بسيطًا، لكنه لم يكن كذلك أبدًا.
“ذلك لأن الحشرة الذهبية تختار مالكها.
من يرغب في امتلاكها عليه أن يسرقها، أو يعثر عليها مصادفة.”
وأضافت كاميلا أن الطمع أو الرغبة قد يكونان ما يجذب الحشرة الذهبية.
“وطبعًا، ضع في حسبانك أن أغلب من يعثرون عليها يلقون حتفهم.”
وبما أن القليلين فقط يعرفون بوجودها، يكون مالكها غالبًا هو الضحية.
“بمعنى آخر، يمكنك أن تجعل شخصًا تريده أن يموت، هو من يعثر عليها.”
لمعت عينا إيرن الخضراوان، اللتان كانتا تصغيان بصمت، ببريق حاد.
“تلك الحشرة كانت في قصر راينلاند.
ما الذي حدث؟ لا تعتبر الأمر مجرد مصادفة.”
“نعم، ليست مصادفة.”
اهتز صوت كاميلا، الذي ظل ثابتًا حتى بعد رؤيتها لكيس الحشرات، خفيفًا.
كان هذا هو مستهل “القصة” التي أرادت كاميلا أن تحكيها لإيرن، “القصة” التي كان بحاجة حقيقية لسماعها.
“هل تعرف كيف ماتت والدتك؟”
“ألم تخبريني أنها توفيت بسبب المرض في ذلك الوقت؟”
“لا، في الحقيقة، لقد قُتلت.
أخفيت الأمر عنك لأنك كنت صغيرًا جدًا، وخشيت أن تنهار.
لكن الآن، حان الوقت لتعرف الحقيقة.”
قبل خمسة وعشرين عامًا، كانت والدة إيرن، سيسيل، تعمل خادمة في قصر كونت راينلاند.
ثم حملت من الكونت.
في ذلك الحين، كان الكونت متزوجًا بالفعل، وله ابن من الكونتيسة.
تم طرد سيسيل من القصر، وقطعت علاقتها بوالدتها، التي أمرتها بإجهاض الطفل.
لا كاميلا ولا إيرن يعرفان لماذا أصرّت سيسيل على إنجاب إيرن.
ثماني سنوات لم تكن كافية لتكوين ذكريات وفيرة مع والدته، لكن حتى ما يذكره، لم تكن سيسيل فيه سعيدة.
كان الفقر يلاحقهما دائمًا.
ولم يكن نادرًا أن يقضيا أيامًا دون طعام.
في مرحلة ما، بدأت أمه تشرب الكحول.
وحين تسكر، تلعن الكونت وتفرغ غضبها في وجه إيرن.
كانت تفقد السيطرة، تلوّح بيدها، ثم تبكي ندمًا على ضربها لطفلها الصغير، وتختفي بعدها.
ثم تعود لاحقًا وقد جمعت بعض المال، فيعمّ الهدوء قليلًا، إلى أن ينفد المال مجددًا.
لكن ذلك الهدوء لم يكن دائمًا.
لا يزال إيرن يتذكّر وجه والدته المرتجف وهي تخنقه أثناء نومه، ثم تصفعه فجأة.
لماذا توقفت؟ لم يقاومها حينها.
ولا يزال إلى الآن يجهل السبب.
ولو علم أن الأمر سيستغرق كل هذا الوقت ليفهم، لكان سألها قبل أن تموت.
بعد ذلك الحادث بأيام قليلة، أرسل كونت راينلاند رسولًا ليبلغهم بأنه سيأخذ إيرن.
لم تعترض سيسيل.
ولم يعترض إيرن.
لم يلتفت إلى والدته، التي أمسكت بكيس ثقيل من المال عوضًا عن يده.
لم يكرهها، ولم يحمل حقدًا عليها.
ظنّ حينها أن هذا كان أفضل وداع ممكن.
“إيرن، بعد ذهابك إلى قصر الكونت، عادت أختي إلى المنزل.
كنت أسمع بكاءها أحيانًا في الليل، لكنها بدت بخير.”
تخلّت سيسيل عن الكحول، وعادت إلى العمل. تتذكر كاميلا تلك الأوقات الهادئة القصيرة، حين ضحكن وتحدثن معًا كعائلة.
“ثم، فجأة، أراد كونت راينلاند قتلك.”
ظنّت كاميلا أن سيسيل فقدت صوابها.
لماذا يرغب الكونت في قتل ابنه؟ لو كان كذلك، لما أخذه من الأساس.
“مهما حاولت إقناعها، لم تكن تستمع.
وانتهى بها المطاف بالذهاب إلى القصر.
لا بد أنها أثارت فوضى، وطالبت الكونتيسة بأن تعيدك إليها.
ولا شك أن الكونتيسة كرهت رؤية أختي.”
أمرت الكونتيسة بضرب سيسيل، وسُكبت عليها مياه باردة، وأُلقي بها في زقاق مهجور.
“كان يومًا قارس البرودة.
وبلا أي مساعدة، ماتت أختي.
في ذلك الشارع المتجمد.”
عندما عثرت كاميلا عليها، كانت قد فارقت الحياة.
“لا تزال تلك الصورة محفورة في ذهني.”
سيسيل، تحتضر وحدها، منكمشة، وجسدها مليء بالجروح.
“بصراحة، لقد كرهت الكونتيسة.
لم يكن هناك أي داعٍ لقتلها.”
لكن، الحقيقة أن الكونتيسة كانت تملك مبرراتها. حين أعادت الطفل غير الشرعي الذي كانت قد تخلّت عنه، لا بد أنها فعلت ذلك لغاية في نفسها.
في ذلك الحين، كانت الأوضاع على الحدود متوترة، وهناك شائعات بحرب قادمة خلال عشر سنوات.
وفي تلك الحالة، كان لا بد لأحد من عائلة الكونت أن يقود الجنود إلى الحرب.
اختارت الكونتيسة التضحية بالابن غير الشرعي بدلًا من إرسال ابنها سيدريك.
في الواقع، أولت إيرن عناية تامة.
ألبسته مثل إخوته، أطعمته نفس طعامهم، بل ووفرت له معلمًا خاصًا.
وبهذا، بدأت تغرس داخله شعورًا بالدَين.
لقد نلتَ نعمة القبول، لذا عليك أن تردّ الجميل. افعل شيئًا من أجل أولئك الذين رحّبوا بك كأخ، رغم أن أمك كانت مختلفة.
ثم، أخبرته أن سيسيل باعت ابنها وتعيش مع رجل آخر مستخدمةً المال الذي تتلقّاه كنفقة.
لكن لا بد أن الكونتيسة شعرت بالانزعاج الشديد عندما ظهرت سيسيل فجأة، محاولةً تدمير كل شيء.
“بعد أن ماتت أختي بهذه الطريقة، لم تذق والدتي طعم النوم الهانئ يومًا واحدًا.
ثم ظهرت أنت.
تبدو كأنك على حافة الموت.”
وأنت تحمل تلك الحشرة الغريبة.
“في اليوم الذي جئت فيه، غفوت وأنا أعتني بك، وعندما استيقظت، كانت أمي قد اختفت.
وأنت جئت لتعطي أختي تلك الحشرة وذلك الكيس من الذهب.”
خرجت كاميلا تبحث عن والدتها، لكنها لم تجدها. أول من رأته من أقاربها كان جثة، وأمها مفقودة.
وبينما كانت على وشك الانهيار، ظهر عامل من الكازينو يحمل والدتها المصابة.
“وعندما سألتها عمّا كانت تفعله، قالت إنها أعطت الحشرة لأخيك غير الشقيق.”
كانت تعمل كمنظفة في الكازينو دون أجر، تترقب سيدريك، الأخ غير الشقيق لإيرن وابن الكونت الأكبر، أن يظهر.
ثم، بعد أن خسر كل أمواله، لمح كيس النقود.
ولأنها لم تكن سوى عجوز فقيرة المظهر تحمل ثروة، ظنّ سيدريك أن السرقة من حقه.
“سرق المال، وأخذ الحشرات التي كانت بداخله.”
كان بإمكانه الاكتفاء بالمال، لكنه أصرّ على ركوب حصان، ومطاردتها، ثم دهسها عمدًا.
لم يكن مصيرها غامضًا.
صدمتها حوافر الحصان، ولم تحصل على أي علاج ملائم.
“…هل ماتت حينها؟”
“نعم.”
ضحك إيرن ضحكة من هول القصة التي بدت أشبه بكابوس.
كلا من والدته وجدّته قُتلتا على يد عائلة راينلاند.
لكن، بما أن الحشرة انتقلت إليهم، فقد ماتوا هم أيضًا.
فهل كان هذا نوعًا من الانتقام الناجح؟
“انتظر لحظة.”
نهضت كاميلا، وبدأت تفتش في الخزانة القديمة وأدراجها.
“أين كانت؟ آه، ها هي.”
أخرجت ورقة صفراء باهتة.
“كان زعيم القرية قد كتب فيها كل ما يعرفه عن الحشرات.
احتفظت بها تحسّبًا، وها نحن نحتاجها.”
ترددت كاميلا للحظة، ثم قالت:
“لقد استثمرت المال الذي أقرضتني إياه مؤخرًا بشكل جيد.
وسأرده لك يومًا ما، أعدك.”
“فلنعتبره ثمنًا لهذه القصة.”
طوى إيرن الورقة بيده، ونهض واقفًا.
لم تكن هناك تحية مثلما حدث حين جاء.
أومأت جوديث برأسها فحسب، وتبعته بصمت.
لقد كُشف سر القصر الملعون.
وتم العثور على طريقة للتخلص من الحشرة الذهبية.
رفع إيرن جوديث إلى ظهر الحصان، مفكرًا بأنه صار الآن قادرًا على التركيز على سبب تحوله إلى جثة لا تتحلل.
نظرت جوديث إلى كاميلا من الخلف، ثم أمسكت بخصر إيرن.
—
على ظهر الحصان، في طريق العودة إلى القصر.
“أشعر بعدم ارتياح.”
قطّب إيرن جبينه من همسة جوديث خلفه.
كان يتوقع أن تأتي هذه اللحظة منذ أن بدآ الاستماع إلى تلك القصص الغامضة، لكنها لم تكن لحظة مريحة.
“الشفقة تُثير اشمئزازي، فاحتفظي بها لنفسك.”
“لا أحب الشفقة التي تقتصر على الكلمات.
لكن هذا شيء قريب منها.
إن أردتِ أن تتعاطفي، فليكن بالمال.”
“إذًا، هل ستعطيني بعض المال؟”
لم تأتِ إجابة من جوديث.
نعم، لقد فهم.
هي لا تريد أن تصرف المال بدافع الشفقة، هذا كل ما في الأمر.
هو يكره الشفقة، لكن ما هذا الإحساس الغريب بالضياع؟
“إن كان هناك عزاء لا يكلف مالًا، فيمكنني منحه لك.”
“لا حاجة لي به.”
“لقد أصبحت فظًا جدًا.”
أين ذهب ذاك الذي كان يعاملني بالمثل؟
اشتعل الغضب في صدر إيرن.
“ليس لأني لست حزينًا… أنا فقط،
لست حزينًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 26"