غاليرزاد فاسايِن.
إنه والد دييغون وربُّ أسرة فاسايِن، ويُعدّ دون منازع سيّد البحار.
في شبابه، أخضع البحر بقبضته الواحدة، ولا يزال حتى اليوم قويًّا بما يكفي ليُسقط الحيتان بضربات من فنونه القتالية.
رغم أن الشيب غزا شعر رأسه ولحيته بفعل تقدّم السن، إلا أن عضلات جسده، التي تملؤه امتلاءً، لم تختفِ بعد.
وهكذا، كان قميص غاليرزاد، في ذلك اليوم أيضًا، يخوض معركة يائسة ليُبقي نفسه متماسكًا.
“إذا كان الحال هكذا، فَلِمَ لا تخلع القميص وترتاح؟”
قال دييغون ما إن وطئت قدماه مكتب زعيم الأسرة، بادئًا الحديث بنبرة استفزاز.
إلا أن غاليرزاد تجاهل كلامه الجريء تمامًا، إذ كان يعلم سلفًا سبب زيارة ابنه الأصغر.
واكتفى بأن قال ما في نفسه:
“كلا. ارفض. عُد أدراجك. لن أقبل إعتراضك.”
“لكنني لم أنطق بعد بحرف واحد.”
“الطفلة مُختارة من قِبَل آسلافك. وإن لم يعجبك الأمر، فاذهب واقتلع فكَّ الحوت بنفسك.”
قطّب دييغون حاجبيه من جواب والده غير المسؤول.
“كيف لي أن أرتكب خيانة عظمى كهذه؟”
أسرة فاسايِن، حكّام الأفق.
إنهم دوقية تحتل الجنوب من إمبراطورية باراتيوم.
وعند موت أحد أفراد أسرة فاسايِن، فإن روحه تعود إلى البحر لتتحول إلى كائنٍ مقدّس.
ومؤسس الأسرة، أول دوق فيها، هو الحوت الجدّ نفسه.
وبالتالي، فإن مجرّد التفكير في تحدّي إرادة الحوت الجدّ يُعدّ خيانةً جسيمة، لا يُمكن قبولها من أحد أفراد فاسايِن.
“ما تحاول فعله الآن هو الخيانة بعينها، أيها الأحمق. دلّلناك أكثر من اللازم، وها أنت تلوّح بقبضتك في وجه والدك!”
تمتم غاليرزاد وهو يضغط بلسانه، ثم نهض ببطء ووضع يديه خلف ظهره، ناظرًا إلى ما أسفل المكتب.
وهناك، كانت توجد طفلة صغيرة لا تكاد تُرى، أقرب إلى ما يشبه “إصبع البحر” من صغرها.
ورغم رؤيتها له، لم تبكِ ولم تُظهر خوفًا، بل نظرت إليه بثباتٍ وجرأة.
“غريبٌ حقًّا. مع أنني خفّفت هالتي عمداً، لا بُد أن تكون مرعبة لطفلة. وإن كانت مستيقظة بالنعمة، فلا شك أنها تتحمّل إلى حدٍّ ما…”
لكنّ قدمي الطفلة لم ترتعشا ولو قليلاً.
لقد كانت، بحق، لا تشعر بالخوف.
لا من هذا الموقف، ولا من الكبار من حولها.
ثم فجأة…
“مارشميلو مشويٌّ على النار…”
انبعثت همهمة صغيرة من مكان ما.
“أتعنينني أنا؟ هل شبهتني بذلك؟”
“هم!”
قفزت الطفلة مذعورة، وغطّت فمها بكلتا يديها.
لكن، وقبل أن تفعل، رأى غاليرزاد بعينيه الحادتين، القادرتين على رؤية ما وراء الأفق، كان لعابها يسيل على طرف شفتيها.
❈❈❈
“أوه، ما العمل الآن؟”
لم أعد أستطيع التدارك!.
أخذتُ أحدّق بعينيَّ في كلّ اتجاه، وقد سيطر عليّ الارتباك.
في الحقيقة، المسافة بين غرفة العمّ الوسيم وغرفة الجدّ الوسيم كانت طويلة جدًا.
والعمّ لم يمشِ ببطء لينتظرني.
ونظرًا لقِصر ساقي، فقد اضطررت إلى الإسراع في المشي ككتكوت صغير، حتى شعرت بالجوع سريعًا.
منذ ما قبل فتح الباب وأنا أفكر في المارشميلو، وحين رأيت الجد، إذا به يُشبهه!
لذا، بينما كان الجدّ والعمّ يتحدثان، كانت أفكاري تسبح في عالمٍ من المارشميلو المحمّص.
“هذه هي، إذًا.”
“لا بأس. بما أنني شبهتها بـ”إصبع البحر”، فليكن الأمر متعادلاً بيننا.”
ذلك طعامٌ لذيذ.
طالما شبّهني بشيء لذيذ، فهذا لا يزعجني.
أومأت برأسي برضا.
“حين قلتُ إنك أشبه بـلخد البحر ، كرهتِ ذلك.”
“ذاك ليس لذيذاً.”
صحيح. أحبّ الأشياء اللذيذة.
جائعة…
في الحقيقة، اختطفوني قبل الغداء مباشرة.
ولم يُقدَّم لي شيءٌ حتى الآن.
وكما هو متوقع، بدأت أفقد تركيزي.
جائعة.. جدًا…
كُدتُ أن أُدخل إصبعي في فمي، لكنني تراجعت في اللحظة الأخيرة.
فمعلمتي في فصل “الجزر” أخبرتني أن من يريد أن يصبح في سن الخامسة، لا يجب أن يمصّ إصبعه.
ولأنني عندما أجوع أعضّ إبهامي دون شعور، فقد كنت أحاول التخلّص من هذه العادة.
لأني أنا… رئيسة الفصل!
لكن… لكنني جائعة…
استمر الحديث بين الجدّ والعمّ.
وشعرت أن بصري بدأ يتلاشى تدريجياً، فرفعت يدي عالياً.
لأني أعرف أنه يجب أن أرفع يدي إن أردتُ التحدث.
“ما بكِ، أيتها الصغيرة؟”
لحسن الحظ، منحني العمّ الوسيم إذن الكلام.
فأجبتُ بأدبٍ شديد ولغة جميلة، كي يفهمني الكبار جيداً.
“أنا… أنا ما لاأريد أن أكون إبنة ذاك العم. أريد أن آكل!.”
أرسلوني إلى المطبخ، من فضلكم!.
لكنني لم أُرسل إلى المطبخ.
بل وجدت نفسي في مكان أفضل بكثير، غرفة مليئة بالطعام.
“عيوني تدور وتلفّ…”
“أوه، كم هو لطيف! جربي أيضاً فطيرة التفاح بالكَرَاميل هذه.”
“آااه، شكرًا جزيلاً!”
كان هناك العديد من الخالات يرتدين زيّ خادمات جميل للغاية.
وكنّ يحضرن لي كل شيء: خبز، فطائر، كوكيز، ماكرون… كل ما لذّ وطاب!
“مممم، لذيذ جدًا!”
اتّسخ فمي بمربّى التفاح والكريمة.
مسحته بعناية بينما كنت أمدّ يدي إلى قطعة ماكرون أخرى.
في الحقيقة، أنا آكل كثيرًا مقارنةً بحجمي الصغير.
أُعدّ رسمياً مفجوعة روضة البراعم الحكومية!
“يا إلهي، صغيرتي! ماذا تفعلين هنا؟”
“أنا جائعة…”
أول ذكرى لي كانت في يومٍ يتساقط فيه الثلج بغزارة.
كنت أتنقّل بلا وجهة، جائعة، حين توقفت أمام مكان تنبعث منه رائحة طعام شهيّة.
وكانت هناك بوابة حديدية تمنع الدخول، فجلست القرفصاء أمامها وبدأت بمصّ إصبعي.
كنت أظن أن شمّ الرائحة مع مصّ الإصبع يُشعرني بالشبع قليلاً.
لم أعد قادرة على البكاء، ولا حتى على السير.
وكانت معلمتي في فصل “الجزر” هي أول من رآني هناك، شاحبة، وحيدة.
“تشو، هل تحبين فصل الجزر أم فصل التنظيف؟”
“فصل الجزر!”
ولهذا السبب انضممت إلى فصل الجزر.
بصراحة، اسم “فصل التنظيف” لم يعجبني، بدا وكأننا سنقوم بتنظيف شيء خطير.
وفضّلت أن أكون خادمة في المطبخ، أجمع الفُتات، على أن أكنس الأرض!
ولهذا السبب كنت سعيدة جدًا الآن.
“آه.”
استيقظت من أفكاري فجأة.
لقد أكلت خمس قطع ماكرون حتى الآن!
“كيف اختفَوا بهذه السرعة!”
لابد أنه سحر.
“لا يجب أن آكلها كلها وحدي، هذا تصرّف أناني.”
وبينما كنت أُراجع نفسي، وضعت قطعة الماكرون جانبًا بهدوء.
“همم، صغيرتي، لن تأكلي المزيد؟”
“لا. أريد أن آخذ منها لأصدقائي.”
كم بقي منها؟…
“واحدة، اثنتان، ثلاث… خمس… ثمانية. آه، لاتكفي…”
ما العمل؟
ارتسمت على وجهي ملامح الحزن على الفور.
كانت الماكرونات ألذّ شيء تذوقته، وأردت بشدة أن أُعطي منها لأصدقائي…
فكّرت كثيرًا، ثم قفزت من فوق الأريكة.
واتجهت نحو الخالات اللواتي كنّ يراقبنني وهنّ يرتجفن من الظّرافة.
طبعًا خطواتي كانت قصيرة مقارنة بالكبار، لكنها كانت واثقة ومليئة بالحماسة.
“همم.”
ترددت قليلًا في مناداتهن، لكنني تذكّرت أن المعلمة قالت إنه يمكن مناداة الكبار بلقب “معلمة”.
“يا معلّمة!”
“نعم، ياآنسة لطيفة!!”
“هل… أستطيع أن آخذ واحده آخرى؟”
“هه؟ ولماذا واحدة فقط؟”
الخالة ذات الشعر البني بدأت ترتجف.
رفعت لها أصابعي العشرة وأجبت بثقة:
“نحن في فصل الجزر تسعة أطفال، وتشو أكلت واحدة!”
“آه، يعني أصدقاؤك تسعة، وتبقى ثمانية قطع فقط؟”
“نعم!”
“لاكن…لماذا ترفعين عشرة أصابع؟”
— صدمة!
يا إلاهي، انكشفت!
حركت أصابعي بخجل، ثم ابتسمت ببراءة.
“لأن… تشو تريد حلوى أخرى.”
“كياا!! لا أستطيع التحمّل!!”
هاه؟!
الخالة ذات الشعر البني رفعتني فجأة واحتضنتني بشدة.
رغم أنه كان عناقًا قويًا شوية، لكن لأنها كانت ستعطيني مزيدًا من الماكرون، لم انزعج.
وبما أنني شبعت وبدأ النعاس يداعبني، مددت ذراعيّ الصغيرتين واحتضنتها، واضعة خدي على كتفها.
“شكرًا جزيلًا.”
لم انسى شكرها.
“أشتقت لمعلمتي… هيهي.”
هل يمكنني العودة للبيت الآن؟ في تلك اللحظة…
كنت أغفو وأنا أهتز، حين دَوّى صوت— بوووم!
فتحت عيناي على مصراعيهما، لأجد الباب قد تحطم!
وبعد لحظات، ظهر ذلك العم الوسيم وهو يقطّب جبينه.
“هيا بنا، أيتها الـ… لا، أيتها السلطعونة الصغيرة. سأربيك بنفسي.”
هذا….الاً أعود للبيت؟؟
أملت برأسي متسائلة، ثم طلبت من الخالة أن تُنزلني إلى الأرض.
ومن خلف الباب المحطم، رأيت الجد جالسًا على كرسيه، يدير لنا ظهره.
“وداعًا، وشكرًا على الطعام!”
وانحنيت بانحناءة عميقة، حتى لامس رأسي الأرض.
فلم أنسَ من قدّم لي تلك المأكولات اللذيذة.
“ما الذي تنتظرينه؟”
قال العم الوسيم وهو متكئ على الحائط، يرمقني برفع حاجب.
حاولت تقليده، لكن ملامحي تشوّهت، فاستسلمت.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐••
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"
كااااه كياااتة😭💞💞💞