ضيّق أدينمير المسافة بين حاجبيه من دون أن يدرك. لم يكن الأمر يبدو حقيقياً، ربما لأنه لم يتخيّل يومًا سماع مثل هذا الكلام.
‘ هل هي جادة؟ ‘ تساءل بسخرية داخلية.
غطّت إيلودي وجنتيها بكلتا يديها، متجنبة نظرات أدينمير المتفحّصة. همست بخجل: “أشعر بالإحراج الشديد لقول هذا.”
فجأة، لفت انتباهه احمرار وجنتيها الشديد. كانتا محمرّتين بشكل لافت، وتساءل كيف لم ينتبه لذلك من قبل.
“لا يصحّ أن ينشغل قلبي بشخص آخر وأنا مرتبط بخِطبة.”
تابعت إيلودي.
لم يكن حديثها يبدو كذبة. فإيلودي بيرديا التي يعرفها كانت فتاة لا تعرف الكذب. كانت تفضّل الغضب والانفجار على الخداع.
ويُقال إن لا أحد يتغيّر فجأة، لذلك لا بدّ أن ما تقوله هو الحقيقة…
لكن لسبب ما، وفي مزاجٍ سيء، سأل أدينمير بنبرة عابرة:
“ومن هو هذا الشخص الذي تُعجبين به؟”
“هل أخبرك بذلك يا سموّك؟”
قالت إيلودي وهي تفتح عينيها الجميلتين بدهشة، وكأنها لا تصدّق أنه سأل، فشعر أدينمير وكأن أحدًا طعنه في صدره.
“… لا.”
لا يوجد سبب لتخبره من تُعجب به.
حتى وإن كان هو خطيبها.
“على أي حال، لهذا السبب لا يمكنني الاستمرار في هذه الخطبة معك بعد الآن.”
حاولت إيلودي رفع فنجان الشاي، ثم أعادته مكانه على الفور.
وعندما رأى أطراف أصابعها ترتجف بجنون، أدرك أدينمير أنها كانت متوترة للغاية.
فمن المستحيل أن يكون الفنجان ثقيلًا.
“متى ستسلّم أوراق فسخ الخطبة؟” سألت بنبرة ثابتة.
نظر أدينمير إلى شفتيها، تلك التي لا تكفّ عن تكرار حديث الفسخ.
‘ فسخ الخطبة… خطبة مكسورة. ‘
لا شيء يستحيل فعله.
إيلودي بيرديا لم تكن مناسبة لتكون إمبراطورة، وكان من واجبه، كإمبراطورٍ مستقبلي، التفكير في بدائل.
بل ربما كان هذا أفضل.
فهي من طلبت الفسخ أولًا، ولا سبب يمنعه من القبول.
وبما أن إيلودي من بادرت بذلك، فلن يتمكن دوق بيرديا من لومه، وبهذا تُحافظ العلاقة السياسية بين العائلتين.
لكن –––
‘ لماذا لا أريد فعل ذلك؟ ‘ عبس أدينمير مجددًا وهو يتأمل السؤال.
‘ لا أريد الاستماع لرغبة خطيبتي. كل ما تردده كالببغاء هو “فسخ الخطبة”.’
كان هذا الإصرار الغريب والمفاجئ على الانفصال مثيرًا للشك.
حدّق في خطيبته، التي بدت أكثر توترًا من المعتاد.
وكما توقّع… الأمر مريب.
أن تدّعي فجأة أنها واقعة في حب شخصٍ آخر، ثم تتحدث مباشرة عن الفسخ؟
لا… إيلودي بيرديا الجشعة لم تكن لتتنازل عن مكانة الإمبراطورة بهذه السهولة.
راقبها أدينمير بعناية، ولاحظ شيئًا لم يلحظه من قبل.
كانت تتصبب عرقًا باردًا، وكأن شيئًا ما يطعنها داخليًا.
وقد سمع الشائعات بأنها كانت تزور دوق بيرديا كل يوم، تتوسل إليه ليوافق على خطبتها منه، وكان يعلم جيدًا بمشاعرها تجاهه حين وافق على الخطبة.
فلا يُعقل أن تتخلى عن كل ذلك فجأة.
لا بدّ أنها لا تزال معجبة به… هكذا أقنع أدينمير نفسه.
‘لا يمكن أن تتنازل عن مكانة الإمبراطورة المستقبلية بهذه البساطة.’
قرر ذلك بثقةٍ مغرورة في أعماقه.
“أميرتي.”
“ن-نعم، يا صاحب السمو…”
كان صوت إيلودي خافتًا ومشوّشًا، كأن الكلمات تزحف من بين شفتيها.
وعند التفكير بالأمر، لم تكن حتى قادرة على رفع رأسها بشكل صحيح.
أطلق أدينمير السؤال الذي ظل يعتمل في صدره طوال الوقت.
“ما الذي تفعلينه بحق؟”
“…ماذا؟”
“إن كنتِ تحاولين جذب انتباهي بهذه الطريقة، فمن الأفضل أن تتوقفي.”
“…حسنًا؟”
نظر أدينمير إلى إيلودي التي حدّقت فيه بوجه شاحب، كان قد احمرّ من قبل، ثم نهض من مقعده.
“لا يوجد ما يمنعك من فسخ الخطوبة إن رغبتِ، لكن هذا ليس أمرًا يُقرّر على عجل… من الأفضل مناقشته لاحقًا.”
قال كلماته ببرود، محدقًا بها من علٍ وهي لا تزال جالسة.
“…”
“من الأفضل مناقشة الأمر في حفلة عيد ميلاد الإمبراطور—بل، والدك المحتمل بالمصاهرة—كما اتفقنا سابقًا في الرسالة.”
“…”
ولمّا لم تجبه، وضعت إيلودي يدها على رأسها وانكمشت على نفسها وهي جالسة.
‘أتُراكِ تحاولين لفت الانتباه بالتظاهر بالمرض؟ هذا سخيف.’
لم يكن ينوي الوقوع في هذا الفخ. أدينمير، الذي لم يرغب بأن يُستدرج، توجّه نحو الباب.
لكن حينها…
–دوي.
استدار أدينمير نحو الصوت الغريب خلفه، ورأى إيلودي منهارة على الأرض، بلا حراك.
“أميرة؟”
ناداها بشك.
‘ هل تتظاهرين بالإغماء الآن؟ ‘
بعزيمة على معرفة مدى تماديها، شبك ذراعيه وظل يحدّق فيها وهي ملقاة على الأرض.
لم يمر وقت طويل حتى شعر أن هناك شيئًا غريبًا.
“…أميرة.”
“…”
“أميرة؟”
لا جواب.
بخطوات واسعة، أسرع أدينمير نحوها وتفقّد حالتها. كان جسدها ساخنًا كاللهب، أنفاسها غير مستقرة، وخرزات من العرق البارد تنساب من جبينها.
لم يكن تظاهرًا. لقد فقدت الوعي حقًا.
“أميرة!”
هز جسدها محاولًا إيقاظها، لكنها لم تستجب. ضيق عينيه وهو ينظر إلى خطيبته المغمى عليها.
“…اللعنة.”
نشأ بين الفرسان منذ صغره، ونادرًا ما خالط النساء.
وخطيبته إيلودي لم تكن استثناءً.
في أفضل الأحوال، كان كل تواصلهما لا يتعدى رقصة عابرة في الحفلات.
قلقه عليها لم يدم طويلًا، إذ حملها بين ذراعيه وغادر غرفة الاستقبال مسرعًا.
“مرحبًا!؟”
كان يسير في الردهة باحثًا عن أحد، لكن لم يظهر أيّ من العاملين في ملحق إقامة إيلودي.
كأن المكان كقصرٍ مهجور!
كان الأمر غريبًا.
بغض النظر عن أنها ابنة غير شرعية، كيف لا يكون هناك موظفون دائمون في المبنى الذي تقيم فيه؟.
نادراً ما كان يزور آل بيرديا، وحتى حين يفعل، يتعمّد تجاهل التفاصيل، لكن الوضع الآن كان مختلفًا.
ومع ذلك، لم يكن بوسعه تركها، فأدخلها إلى أقرب غرفة ضيوف وأرقدها على السرير.
“تفعلين كل شيءٍ ممكن، أليس كذلك؟” تمتم أدينمير.
كان قد جاء ليفهم ما تفكر فيه إيلودي وليناقش معها حفل يوم ميلاد الإمبراطور، لكن ما حدث فاق كل توقّعاته.
وبينما هو يتنهد، لمح خادمة تمرّ عبر الباب المفتوح.
تذكّر أنها كانت الخادمة الخاصة التي تلازم إيلودي دومًا. اسمها مارثا.
كانت ثاني موظفة يراها منذ دخوله الملحق. الأولى كانت تلك التي قدمت الشاي، ولم يرَ لها أثرًا بعد ذلك.
“تعالي إلى هنا.”
“نعم، يا صاحب السمو؟”
“سيدتكِ قد فقدت وعيها.”
نظرت الخادمة إلى داخل الغرفة، ثم أومأت وكأنها معتادة على هذا المشهد.
“آه، لقد أغمي عليها مجددًا.”
اتسعت عينا أدينمير بعدم تصديق.
“ماذا؟”
“سأذهب لأحضِر الطبيب.”
رأى الخادمة تنسحب بهدوء وهي تنحني له بأدب، فازداد شعوره بالغرابة.
‘ آه، أغمي عليكِ مجددًا يا إيلودي…’
هكذا كان رد فعلها على سقوط سيدتها.
شعر أن عقله بدأ يتفلت من بين يديه.
من خطيبته التي تريد فسخ الخطوبة دون أن تبوح بما في صدرها، إلى هذا الوضع الغريب في الملحق… لم يعد يفهم شيئًا على الإطلاق.
وفي النهاية، لم يكن أمامه سوى الانتظار حتى يصل الطبيب، فجرّ كرسيًا وجلس إلى جوارها.
رغم أنها ما زالت مريضة، لم يكن يبدو عليها أنها تحتضر.
وفي تلك اللحظة، اجتاحه شعور بالخجل.
لقد أخطأ.
ظنّ أن ارتجاف يديها وعرقها كان بسبب التوتر… لكنها كانت مريضة.
‘ ما الذي قلته لتوّي… أمام شخصٍ مريض؟ ‘
“هاه…”
تنهد أدينمير وهو يشعر بصداع خفيف ينبض في رأسه، لكن شيئًا ما لفت انتباهه.
“هذا….”
لم يكن قد لاحظه من قبل بسبب أكمامها الطويلة، لكنها كانت تضع ضمادًا على ذراعها.
كان الضماد ملفوفًا بشكل رخو، وقد ارتخى قليلاً، ليُكشف عن جرح طويل وحاد.
لم يكن من الممكن أن يُخطئه. هو الذي يتدرب يوميًا على السيف ويذهب إلى ساحة المعركة، لا يمكن أن يجهل هذا النوع من الجروح.
طعنة.
من الواضح أنها ضربة سيف. لم تكن عميقة جدًا، لكن هذا لم يكن المهم.
“ما الذي… بحق…؟”
مُلحق خالٍ من الموظفين المقيمين.
خادمة تنصرف بهدوء وكأن الأمر معتاد، رغم أن سيدتها قد سقطت فاقدةً للوعي.
وجرح في الذراع.
انتقل نظر أدينمير إلى وجه إيلودي.
في تلك اللحظة، بدا له وجه خطيبته، التي لطالما اعتبرها مملة، وكأنه يراها لأول مرة.
[الصورة التوضيحية بالقناة ]
❈❈❈
استيقظتُ وأنا أُقطب حاجبيّ بسبب صداع خفيف.
“آه… رأسي.”
لم يكن في جسدي أي طاقة بسبب أثر السمّ المتبقي، لكن حالتي كانت أفضل بكثير من ذي قبل، ربما لأني نمت قليلًا.
وضعت يدي اليسرى على جبيني، وشعرت بانزعاج، فرفعتها فورًا.
ضماد.
أثناء تحضيري الترياق، تذكرت أني لست مضطرة للانتظار إذا استخدمت دمي بدل الماء. حاولت وخز إصبعي، لكنني جرحت ذراعي بخطّاف الخيوط عن طريق الخطأ.
ربما لهذا السبب، إلى جانب ضعف جسد إيلودي، ما زلت أعاني من أثر السم حتى بعد مرور أيام.
الضماد الذي لُفّ على الجرح سابقًا كان سيئًا، لأنني وضعته بنفسي. أما الآن، فالضماد ملفوف بمهارة… بيد خبير.
“الطبيب العجوز… قال إنه لن يعالج طفلًا غير شرعي، ولم يكن يأتي كثيرًا.”
رغم أنهم لم يُظهروه صراحة، كان هناك من يكرهني في القصر بصفتي ابنة غير شرعية، ومن ضمنهم طبيب آل بيرديا.
في الحقيقة، الإهمال لم يكن شيئًا جديدًا عليّ.
“لكن… أين أنا؟ في غرفة من هذه؟”
عندما بدأت أستعيد وعيي، شعرت أن هذه الغرفة غريبة تمامًا عني.
يبدو أنها غرفة ضيوف في الملحق… لكن لماذا أنا هنا؟.
ثم تذكرت فجأة أنني كنت أتحدث مع الأمير الأول في غرفة الاستقبال. على الأرجح، فقدت وعيي أثناء الحديث معه.
في هذه اللحظة دخلت مارثا.
“آنستي! لقد استيقظتِ! جلبت لك بعض الماء الفاتر. خذي دواءك أيضًا.”
على ما يبدو، لم تُفاجأ مارثا كثيرًا من سقوطِي، فقد اعتدتُ على فقدان الوعي كثيرًا في الأيام الماضية بسبب تأثير السم.
رغم أنه لم يكن تفسيرًا مثاليًا، إلا أنهم كانوا يظنون أنه بسبب بدء ظهور قوّتي.
“نعم… لكن، مارثا، ماذا عن الأمير الأول؟”
“غادر فور وصول الطبيب.”
كما توقعت، فقدت وعيي أمام الأمير الأول.
‘ ما العمل الآن؟. ‘
طالما أنك على قيد الحياة، قد تسقط أحيانًا أمام الآخرين. لا بأس.
ابتلعت الدواء الذي أعطتني إياه مارثا بلا مبالاة.
على أي حال، لن يكون له أي تأثير بسبب قوّتي. سواء كان دواءً أو سمًا، سيتنقّى تلقائيًا عند دخوله جسدي. لكن إن لم آخذه، ستقلق مارثا.
ما يشغلني الآن أكثر… هو كيف انتهى الحديث عن الفسخ؟
“قال سموّه أن أعطيك هذه الورقة عندما تستيقظين.”
قالت مارثا وهي تُسلمّني ورقة صغيرة.
قرأت الرسالة باهتمام.
[سأكون في قصر بيرديا قبل موعد الحفلة بنصف ساعة. أراكِ هناك.]
“…ماذا؟”
خرج صوت غريب مني دون وعي.
هذا غير منطقي على الإطلاق.
“أليس من الأفضل أن ننفصل؟” تمتمتُ بسخرية.
“لا أعلم، هل يُعجب الأمير بآنستنا؟”
قهقهت وأنا أقطع الورقة إلى نصفين.
“هذا غير منطقي يا مارثا.”
منذ البداية، كان الأمير يكره هذه الخطوبة، لكنه أبقاها حفاظًا على مصالحه السياسية.
لذا، حين أخبرته أن في قلبي شخصًا آخر، كنتُ واثقة أنه سيتشبّث بالفرصة ويطلب فسخ الخطوبة. وبهذا، يُلقي باللوم عليّ ويُبقي على علاقته السياسية بالدوق.
الأمير الأول، الذي يصرّ على التدخل في مسألة استقلالي، مزعج جدًا… لكنني قررت تأجيل هذا القلق.
‘ لا بأس… لا يزال أمامنا وقت طويل. ‘
تبقّى ثلاث سنوات حتى يتم تبني أختي، وما عليّ سوى تدبير أموري بحكمة.
خطتي للاستقلال تتقدم تدريجيًا. حتى ذلك الحين، يجب أن أوفّر المال… بكل الطرق الممكنة!.
… هذا ما كنتُ أعتقده.
وبعد عدة أيام، وأثناء سيري في أحد أروقة القصر، فوجئت باصطدام صغير.
“أحيّي الآنسة. إلى أين تتوجهين؟”
دخل وجه مألوف في نطاق رؤيتي. كنت أراه كثيرًا، لكن هذه أول مرة أراه فيها بعد أن استعدت ذكرياتي من حياتي السابقة.
بمجرد أن وقعت عيني عليه، تذكرت جملة من الكتاب تلقائيًا:
[من كان يظن؟ تيكتور أيرولد، مساعد دوق بيرديا، الخادم المخلص ككلب، سيكون هو من يغرس السيف في ظهر الدوق.]
تيكتور أيرولد.
خائن المستقبل.
وبعد ثلاث سنوات، سيكون هو من يبدّل السمّ أثناء محاولة تسميم إستيل… ويكون السبب في اكتشاف أنني لست من دم آل بيرديا.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 5"