كنتُ متأكدة أن الأمر سينجح، لكنني توترتُ عند أول اختبار.
على عكسي، كانت تصرّفات الدوقة حاسمة لا تعرف التردد. سكبت المبيد الحشري في صندوق زجاجي دون أن ترفّ لها عين، وبدأت حركة الحشرة تتباطأ شيئًا فشيئًا.
بدا وكأن حياتها على وشك الزوال، كما لو أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة. بعدها صبّت الدوقة الترياق الذي أعددتُه فوقها.
ثانية واحدة، ثانيتان، ثلاث…
مرّ الوقت، لكن الحشرة لم تتحرك.
‘أهذا معقول؟’
وبينما كنت على وشك أن أرفع بصري لأواجه نظرات الدوقة المحرجة – تحركت الحشرة التي تمددت كالميتة وبدأت تتجوّل داخل الصندوق الزجاجي.
بل بدت أكثر نشاطًا من ذي قبل.
“واو! لقد نجت، يا دوقة!”
“………….”
“آسفة. أنا آسفة.”
شعرتُ أنني بالغت في الحماس، فتراجعت خطوة إلى الوراء وقد ارتسمت ملامح الدهشة على وجهي.
‘ هل انزعجتِ لأني تصرّفت بقرب زائد منك؟ ‘
عليّ أن أكون حذرة… المشكلة أنني ما إن أسترخي قليلًا حتى أتحمّس وأنسى الحذر.
رفعت بصري بحذر، فرأيت وجه الدوقة يحدّق بي منذ لحظة. ملامحها كانت جامدة للوهلة الأولى.
“إيلودي.”
“نعم.”
“كيف صنعتِ هذا الترياق؟”
في تلك اللحظة، تأكدتُ من شيء واحد.
‘ لقد ابتلعت الطُعم. ‘
نجح مخططي. لقد كانت فعالية الترياق واضحة لدرجة أن الحشرة التي كانت على وشك الموت استعادت نشاطها بسرعة.
لكن الأهم الآن هو هذه اللحظة بالتحديد. عليّ أن أستغل هذه القدرة كورقة تفاوض أمام الدوقة.
انحنيتُ قليلًا وقلتُ بنبرةٍ مترددة مليئة بالأسى:
“أودّ حقًا إخبارك… لكن المخاطرة كبيرة للغاية. أنتِ تفهمين، أليس كذلك؟”
نظرات الدوقة التي رفعت عينيها إليّ كانت حادة… بل مخيفة.
ما من شك أن دوقة واحدة من العائلات الأربع الكبرى في الإمبراطورية، وأشهر امرأة في المجتمع، قد أدركت تمامًا ما أقصده.
ففتحت شفتيها وقالت:
“يا لكِ من وقحة ومشاغبة، يا إيلودي.”
“أعتذر إن أزعجكِ كلامي.”
“لم يكن مزعجًا… بل مدهشًا.”
رمقتها بعينيها الزرقاوين كما لو كانت تراقبني بعناية. ولم يسعني أمام تلك النظرات إلا أن أشعر بالتوتر يتصاعد في داخلي.
“فتاة كانت ترتجف بخوف وقلق حين تقف أمامي… متى تغيرت فجأة بهذا الشكل؟”
تمتمت الدوقة، وكأنها تحدّث نفسها أكثر من كونها تخاطبني.
–بلع
جفّ حلقي، فبلعت ريقي بصعوبة.
“وتجرؤين على الحديث عن صفقة معي.”
كلماتها كانت قاسية، لكن نبرتها ظلت لطيفة كعادتها.
وبعد لحظة صمت، قررت الدوقة وقالت:
“حسنًا، فلنعقد صفقة. ما الذي تريدينه؟”
“……!”
نجحتُ أخيرًا في الجلوس إلى طاولة التفاوض مع دوقة ثيميس بيرديا.
أجبتها بهدوء، دون أن أُظهر مدى حماسي:
“أريد أن يُباع هذا الترياق باسمكِ.”
“……..؟”
“وأن أحصل على نسبة من الأرباح.”
“ولماذا لا تبيعينه باسمكِ؟”
“لأنه إن قيل إن إيلودي بيرديا هي من صنعت الترياق… فلن يُصدّق أحد ذلك.”
من سيصدق هذا؟ أن الابنة غير الشرعية لعائلة بيرديا، المعروفة بأنها مشاكسة، صنعت ترياقًا فجأة بين ليلة وضحاها؟
بل على العكس، سيبدأ الناس بالتشكيك في فعالية الترياق ذاته.
“أنا فقط أُحسن قراءة الواقع.”
“حقًا؟”
سمعت نبرة خفيفة من الابتسامة في صوت الدوقة.
“ثم إنني لا أريد أن أُلفت الانتباه.”
قلتُ ذلك بحزم.
“هممم.”
“لذا، أريدكِ أن تُبقي الأمر كله سرًا.”
أي أن تُخفى حقيقة أن إيلودي بيرديا هي من طوّرت ترياقًا للسم الذي صنعته الدوقة.
نظرت إليّ نظرة عابرة بلا اهتمام، ثم فتحت مروحتها وهزّت رأسها.
“حسنًا، لن أخسر شيئًا.”
وهكذا، تمّت الموافقة على الشروط التي أردتها.
والآن… حان الوقت لأكشف عن طريقة صنع الترياق، كما طلبت الدوقة.
وقد أعددتُ عذرًا معقولًا لهذا الغرض.
“أخبِريني كيف صنعتِ الترياق.”
“في الواقع… قوتي الوراثية ظهرت قبل عدة أيام.”
“قوة؟”
للحظة، بدت الدوقة مصدومة لأول مرة، رغم أنها لم تُظهر أي انفعال حتى عند رؤية فعالية الترياق.
عادةً ما تزهر القوة المُقدسة في عمر الخامسة. صحيح أن هناك حالات تتأخر فيها القوّة في الظهور، لكنها نادرة جدًا.
وقد كنتُ من تلك الحالات النادرة التي لم تزهر فيها القوّة لسنوات، ثم… حدثت المعجزة فجأة. هذا هو السيناريو الذي اختلقته.
“نعم، أظن أنها قدرة على ‘تحطيم’ السمّ.”
كذب.
في الحقيقة، كانت قدرتي هي “تنقية” السمّ، لا تحطيمه.
‘ الأنف تُعلّق فيه حلقة أنف، والأذن تُعلّق فيها حلقًا. المعنى واحد، فقط المسمّى يتغير.’
في القصة الأصلية، تحاول إيلودي تسميم شقيقتها إستيل، لكنها تتناول السمّ بنفسها عن طريق الخطأ.
وبما أن إيلودي كانت تملك قدرة التنقية التي توارثتها من عائلة سيفيريس، فإنها لم تمت بالسمّ، وبهذا انكشف أنها لا تنتمي فعليًا لعائلة بيرديا.
لحسن الحظ… أو لسوئه، فقد استطعتُ إدراك قدرتي بسهولة لأن حادثة التسميم الأصلية ذُكرت بتفاصيلها في الرواية.
ولكي أُفعّل قدرتي لتنقية السمّ، كان هناك شروط معينة:
أولاً، أن أتعرف على تركيبة السمّ بنفسي.
ثانيًا، إذا فُعّلت قدرة التنقية في ماءٍ عادي، فإنه يتحول مع الوقت إلى ترياق.
لكن كمية الترياق الناتجة كانت ضئيلة، لأن الأمر يعتمد على مدى تحكّمي بالقوّة.
وفي حال ضاق الوقت، يمكن استخدام الدم في جسدي لتكوين الترياق. يبدو أن هذه القدرة لا تظهر للعالم الخارجي إلا بعد أن تنقّي دمي أولًا.
‘قدرة مفيدة، لكنها ليست بالضرورة “قوّة” عظيمة.’
فلا أستطيع استخدام قدرتي إلا إذا تناولتُ السمّ. ورغم أنني لا أموت تقنيًا… إلا أن الألم كان كافيًا لأتمنى الموت.
“من الجيد أن القوّة ظهرت أخيرًا، لكن لمَ تقولين إن هناك مخاطرة كبيرة؟”
“لا أريد أن يساء فهمي.”
رغم قولي هذا، بدت الدوقة وكأنها فهمت تمامًا ما أعنيه.
فأنا مجرد ابنة غير شرعية، ولن أهدد مكانة ابنها يومًا.
كما قلت من قبل، أنا أجيد فهم واقعي.
“لذا، لا داعي للقلق.”
“………”
لكن الدوقة ظلت صامتة لفترة طويلة، دون أن ترد.
❈❈❈
‘ ياااااه! أخيرًا، حصلت على مال!. ‘
كان لا بد من أن تختبر الدوقة الترياق بشكل مفصل، وقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى أُعيدت الموافقة عليه.
وبما أن كمية الترياق التي يمكنني إنتاجها محدودة، لم أستطع كسب الكثير مباشرة. ومع ذلك، كنت سعيدة جدًا لأنني امتلكت أخيرًا وسيلة للثراء الشخصي.
لم أتمالك نفسي من الضحك، رغم أن التعب جعلني أرغب في النوم على الأرض فورًا.
‘ سأجني المال وأعيش وحدي!.’
كانت خطواتي أشبه بخطوات زومبي، لكن على وجهي ابتسامة انتصار، أحمل العقد الثمين متجهة إلى غرفتي.
“آنسة!”
ظهرت مارثا وهي تركض من الطرف الآخر.
“ماذا هناك؟”
“لدينا زائر.”
اختفت الدماء من وجهي على الفور.
“زائر؟ أنا لا أملك أصدقاء.”
من يزور فتاة منبوذة اجتماعيًا مثلي؟ ومع ذلك، هناك من جاء؟.
لقد كان هذا حرفيًا أسوأ حادثة رعب لهذا العام.
مارثا وافقتني الرأي بوجه جاد.
“صحيح، ليس لديكِ أصدقاء.”
“…مارثا.”
“على كل حال، علينا أن نسرع. لقد انتظر طويلاً.”
“من هو؟”
“صاحب السمو.”
آه.
فتحت فمي وتوقفت في مكاني. كنت مشغولة بجني المال لدرجة أنني نسيت أمره.
‘صحيح… موضوع فسخ الخطبة لم يُحسم بعد.’
شعرت بإرهاق كبير، وكأن كل توتري انزاح دفعة واحدة. لكن لا يمكنني أن أترك الأمير الأول يعود دون أن أُقابله بعد أن تكبّد عناء المجيء.
آه… لا خيار لدي.
أومأت أخيرًا وقلت:
“لا بأس… سأتصرّف.”
جمعت ما تبقى لي من طاقة، وتوجهت إلى غرفة الاستقبال.
حان وقت إنهاء هذه الخطبة… إلى الأبد.
❈❈❈
خطيبته، إيلودي بيرديا، قد جُنّت.
بالتأكيد.
“لديكِ شيء تريدين قوله، أليس كذلك؟”
قالها أدينمير بكل ثقة، مقتنعًا بأنها لا ترغب حقًا في إنهاء الخطوبة.
“أنا جادة بشأن الفسخ.”
قالت إيلودي بحزم.
حدّق بها أدينمير بذهول. “وهذا ما أقوله أنا!”
“سموك، أعلم أن هذه الخطوبة لم تكن مرغوبة من طرفك. وأعتذر إن أزعجتك بإصراري في الماضي.”
اعتذار؟ حزن؟
لم يصدق ما يسمعه. إيلودي بيرديا تعتذر؟ هذا غير طبيعي.
تصلبت ملامح أدينمير الوسيم.
“أميرة، هل هناك شيء خاطئ؟”
فكّر جديًا في ما إذا كان عليه أن يوصي بعلاج نفسي لها.
لكن إيلودي، التي لم تكن تدرك تسارع أفكاره، كانت مهتمة فقط بفسخ الخطوبة.
“لا شيء يحدث. صحيح أن والدي يعارض الفكرة، لكنني آمل أن تقبل سموك الفسخ إن أتيت بنفسي وطلبته.”
“…………..”
“أنت لا تستمع إليّ أبدًا.”
“………….”
“سموك؟”
نظر إليها أدينمير مباشرة، وهي تناديه بنظرة بريئة.
‘أنا غير متأكد.’
إيلودي كانت من النوع الذي ينال ما يريده دائمًا. ومن ضمن ما أرادته دومًا، كان المقعد المحجوز بجوار الأمير.
‘وكانت معجبة بي. ‘
ذكّر نفسه.
تغيّرها المفاجئ لا يمكن تصديقه. لا بد أنها رأت حلمًا ما.
“لمَ قررتِ فسخ خطوبتنا؟” سأل أخيرًا.
ترددت إيلودي لوهلة، ثم أجابت بابتسامة، وقد انحنت عيناها بلطف:
“في الواقع… أنا معجبة بشخص آخر.”
“………ماذا؟”
[ الصور التوضيحية بقناة التلي ]
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 4"