راحت تعدّ الأسباب بأصابعها واحدًا تلو الآخر، ثم سرعان ما غشّى الحزن وجهها الصغير.
“لو ذهبتُ إلى القصر الإمبراطوري… فلن أتمكن من رؤية كارين كثيرًا، أليس كذلك؟”
“أنتِ السيدة الأرفع مقامًا في هذه الإمبراطورية، وإن رغبتِ برؤية كارين، فما عليكِ سوى دعوتها إلى القصر.”
“هممم…”
رغم أنها أجابت، إلا أن صوتها كان خافتًا لا يحمل أي حماس. فربّت إيجنيس على رأسها برفق، مواسيًا إياها بحنان.
طَرق طفيف
دوّى صوت طرقٍ خافت على الباب، وظهرت خلفه ملامح كارينتينا.
“كارين!”
ركضت ستيلا نحوها بسعادة غامرة، وارتمت في أحضانها بكل لهفة.
كم تُسعدها رؤيتها؟
ابتسم إيجنيس بدفء وهو يتأمل الاثنتين كزهرتين متفتحتين في ربيع القلب.
“هل أتيتِ لأخذي؟”
“في الحقيقة… جئت لأن لدي أمرًا أود إبلاغ سموه به أيضًا.”
“لأخي؟”
“نعم.”
دارت عينا ستيلا الصغيرة بفضول، ونهضت فجأة من مكانها.
“إذًا… هل عليّ الذهاب إلى غرفتي قليلًا؟”
“أوه، لا داعي لذلك. أردت فقط إيصال رسالة بسيطة. في الواقع، كان من المفترض أن يأتي أخي، لكنني ألححت لأكون أنا من يحضر.”
“ما الأمر؟”
وضع إيجنيس نظارته جانبًا، وجلس على الأريكة المقابلة وقد بدا عليه الإرهاق، فراح يضغط على موضع صدغيه بتعب.
‘أقلق عليه… ماذا لو أنهار من كثرة العمل؟’
لا بد أن استعداداته للعودة إلى العاصمة مرهقة للغاية. لذلك بدأت كارينتينا حديثها بلطف وتروٍّ.
“هل تسير التحضيرات للعودة على ما يُرام؟ يبدو أنك مشغول للغاية.”
“أنا في المراحل الأخيرة… ما هو الأمر إذًا؟”
ردّ إيجنيس بصوت منخفض.
“سمعتُ أن الفِرَق العسكرية ستنطلق أولًا بعد إتمام التحضيرات.”
رغم أن دائرة الانتقال السحري كانت من أعظم الأدوات السحرية، إلا أنها لم تكن بعد قادرة على نقل أعداد كبيرة دفعة واحدة.
لذا فإن الفرسان سيتوجهون مسبقًا إلى إقليم يملكه إيجنيس بالقرب من العاصمة، لبدء الاستعدادات لمراسم العودة. وقد تم تمهيد الطريق بين الشمال وذلك الإقليم، مما يسمح لهم بالوصول بسرعة دون الحاجة للتوقف في أراضٍ أخرى.
“سموك، أنا، والسيدة ستيلا، سننتقل عبر دائرة السحر.”
“صحيح.”
“بالضبط!”
ردّت ستيلا بحماس، مومئة برأسها بعفوية.
“أمّا أنا وأخي… فبكل أسف، سنمرّ بمكان آخر في طريقنا، وسيتزامن ذلك مع موعد انطلاق الفرسان.”
“مكان آخر؟ كارين، إلى أين تذهبين؟”
سألتها ستيلا بعينين متسعتين، مليئتين بالدهشة.
“لقد تلقينا دعوة من المعبد الأعلى.”
قدّمت كارينتينا رسالة مزينة بحواف فضية على ورق أبيض ناصع، ووضعتها أمام إيجنيس.
ما إن لمح الختم، حتى أدرك فورًا أنها من البابا نفسه. تناول الرسالة وراح يقرأها بتأنٍ، بينما عُقدت حاجباه بتوتر.
“البابا ليوناس…”
“مؤخرًا، حدثت بعض المشكلات في المعبد الشمالي… وبينما كنا نبحث عن طبيب يعالج مرض السيدة ستيلا، صادفنا بعض الفضائح الكنسية.”
حرصت كارينتينا على شرح ما حدث بتفصيل، دون الإشارة إلى الأحداث الحساسة التي كانت لها يدٌ فيها.
“ولهذا، قررنا أنا وأخي أن نذهب. وسنحرص على إنهاء زيارتنا بأسرع وقت لنلتحق بسموك في الإقليم. مشاركة أخي في عودة الفرسان لن تتأثر كثيرًا.”
“…”
قبض إيجنيس على الرسالة بإحكام، وقد راوده شعور ملحّ برغبة في تمزيقها وحرقها عن بكرة أبيها، دون أن يترك منها رمادًا حتى.
لكن لم يكن لديه حُجّة تمنعه من السماح لهما بالمشاركة في فعاليات المعبد.
تضاربت في داخله الرغبة في أن يمنعهما، مع كلمات داميان التي لا تزال ترنّ في رأسه.
فالدعوة من المعبد الأعلى، بل من البابا شخصيًّا، تُعدّ شرفًا عظيمًا لأي نبيل في الإمبراطورية.
وإذا انتشرت الأنباء لاحقًا عن أن كارينتينا نالت علاقة مباشرة مع البابا ليوناس، فلن تجرؤ حتى الإمبراطورة على المساس بها.
ورغم إدراكه التام لكل ذلك، فإن لسانه لم يطاوعه ببساطة على الموافقة.
استعاد إيجنيس في ذهنه صورة البابا ليوناس، عندما زار القصر الإمبراطوري قبل أعوام.
رجلٌ رشيق، طويل القامة، قيل عنه إنه المختار من قبل الحاكم، يمتلك كاريزما طاغية وقوة لا يُستهان بها.
عضّ إيجنيس على باطن فمه من الداخل.
ما الذي يجعلني أتردّد بهذا الشكل؟ إنها مجرد زيارة للبابا لا أكثر…
انعقد فكّه بقوة حتى انكمش فمه من الضيق.
أما ستيلا، فكانت تنظر إليه ثم إلى كارينتينا، بعينين بريئتين، تتساءل في صمت عن ما يحدث بينهما…
كانت ستيلا تنقل ناظريها بين إيجنيس وكارينتينا بقلق ظاهر.
‘لو أن قداسته البابا وقع في حب كارين، فستكون كارثة! أخي ملكٌ لكارين فقط!’
قبضت على قبضتها الصغيرة بقوة، ثم هتفت بصوتٍ عالٍ:
“أخي! إذن، ألا يمكننا أن نذهب معكما أيضًا؟”
رمشت كارينتينا بدهشة، وقد بدا الذهول على وجهها، بينما سطع بريق الحماسة في عيني ستيلا.
“هاه؟”
“لنذهب نحن أيضًا إلى المعبد الأعلى! أريد أن أراه بنفسي!”
قالت كارينتينا بلطف ووجهها مشوبٌ بالقلق:
“سيدتي ستيلا، مع أنني تلقيت الدعوة، إلا أننا لن نقيم في مكان فاخر. قد تكون ظروف النوم أو الطعام غير مريحة لسموك.”
لكن ستيلا لم تتراجع، بل قالت بثباتٍ طفولي:
“إن كنتُ سأكون مع كارين، فلا مانع لديّ أن أنام على الأرض.”
“ستيلا…”
ربّتت كارينتينا على رأسها بحنان، ثم سحبت يدها بخجل.
لقد تعاملت معها بعفوية مفرطة أمام إيجنيس وسيريا… عليّ أن أكون أكثر حذرًا بعد العودة إلى العاصمة، لكن أمام لطافة ستيلا، أنسى نفسي مرارًا.
وفي تلك اللحظة تحديدًا، رفعت سيريا نظارتها قليلًا، وقالت:
“سيدتي، الذهاب إلى المعبد الأعلى… لا يشترط أن يكون بصحبة الدوق الصغير، أليس كذلك؟”
“صحيح، يمكنني الذهاب بمفردي، لكن أخي أصرّ أن يرافقني.”
وهنا، ارتسمت على شفتي سيريا ابتسامة ذات مغزى وهي تُقدم اقتراحًا جريئًا:
“إذن… ما رأيكِ لو رافقكِ صاحب السمو ولي العهد بدلًا من الدوق الصغير؟”
شهقت كارينتينا بدهشة، بينما أشرق وجه ستيلا فرحًا:
“حقًا؟!”
تابعت سيريا بصوتٍ هادئ:
“سموه يبحث عن شخصٍ ما، وقد بلغني من خلال تقارير خاصة أن نائب رئيس كهنة فيانو قد تلقّى رشوة من الكونت بابلو موريس.”
هل تقصد المرأة ذات الشعر الأسود؟ ولكن لماذا في المعبد…؟
“يعني… كلنا ذاهبون معًا؟ حتى أنا؟ سأذهب إلى المعبد؟”
“نعم.”
قفزت ستيلا فرحًا، وهي تصفق بحماس. وما إن رأت كارينتينا ذلك المشهد البهيج حتى انفلتت منها ضحكة ناعمة.
كم تُسعدها الفكرة…
كانت تشعر بشيءٍ من الأسى لعدم مرافقة داميان، لكن… لا بأس، فهناك فرصٌ أخرى قادمة، وهو يملك قلبًا كبيرًا سيتفهم الأمر بلا شك.
حينها، بدأت كارينتينا ترسم في ذهنها سيناريو الإيقاع بعَمّها موريس داخل المعبد، ولمع في عينيها بريق الحزم والدهاء.
∞
وصل خطاب من المعبد الأعلى يُرحب بقدوم إيجنيس رسميًّا. وهكذا، وبعد أن استكملت فرقة الفرسان الملكية استعداداتها، غادروا الشمال بقيادة داميان، مصطحبين شيون وليا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 53"