“في الواقع… أعترف بأنني أخفقت، فلم أُحرز تقدّمًا يُذكَر.”
“……”
كما توقّع، يبدو أن العثور عليها ليس بالأمر الهيّن.
أطلق إيجنيس تنهيدة طويلة، عبَرَت صدره كأنها نارٌ مكتومة.
“حتى لو كان فارسًا مدرَّبًا من الطراز الأول، فإن العثور على كائن متجاوز ليس أمرًا سهلًا. لقد استعنتُ بكتيبة السير بتلر وبشبكة المعلومات التي أملكها، لكن بلا جدوى. يبدو أن من نبحث عنها تستخدم نوعًا خاصًا من السحر.”
“إلى هذه الدرجة…”
أجابت سيريا، بنبرةٍ متحفظة، وقد علت وجهها علامات الارتباك.
كانت قد تعوّدت على تنفيذ أوامر سيدها دون فشل، ولم يسبق أن تذوّقت مرارة العجز، فارتسم البريق الحادّ في عينيها من فرط التصميم.
“لقد حاولتُ تتبُّع بصمة مانا سموك، ولكن لم أجد لها أثرًا، كما لو أنها… تبخّرت من الوجود.”
“……”
“قد تكون كاهنة في المعبد. فمن تملك قوى شفاء روحانية قادرة على معالجة سمٍّ بهذا المستوى، لا يمكن أن تكون مجهولة لدى المعبد.”
“المعبد…؟ معبد، إذن.”
تمتم إيجنيس بصوتٍ خفيض.
كان الممرّ الطويل قد لفّه نسيم بارد، فملأ الأجواء بوحشة صامتة.
توقّف للحظة ينظر إلى حيث اختفت كارينتينا في ظلمة الممرّ، ثم استدار عن المكان.
“وسّعي نطاق البحث ليشمل المعبد، وواصلي التحرّي.”
“أمرك، سموك.”
انحنت سيريا انحناءة عميقة.
‘يجب أن أجد تلك المرأة بأيّ ثمن. إن حصلتُ عليها، قد أتمكّن من شفاء والدي الإمبراطور. بل، ستكون سلاحًا عظيمًا أُسقِط به دوقية هورتون.’
تسلّل وهج جليدي إلى عينيه الحمراوين، وتردّد صدى خطواته الثقيلة عبر الرواق كطبول قادمة من العرش.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
بعد عودة داميان إلى القصر…
عاشت كارينتينا أيّامًا حُلوة كأنها نُزِعت من كُتب الأحلام.
فما إن جلس داميان مجددًا على كرسيّ نائب الدوق، حتى تسارعت وتيرة معالجة شؤون الشمال، فقلّت مسؤوليات كارينتينا، ووجدت وقتًا فائضًا للاستمتاع بالحياة.
أفضل ما في الأمر؟ أنّها صارت تقضي ساعاتٍ طوالًا بصحبة ستيلا—تتناول الشاي، وتقرأ، وتضحك. وحدها وجبات العشاء كانت استثناءً، حيث كانت تُشارك داميان المائدة.
‘حياة من وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب؟ إنها الأفضل بلا منازع.’
لكن، عندما تعود إلى العاصمة وتستعيد قواها السحرية، لن يكون هنالك مجالٌ لهذا الترف. لذا، بدأت كارينتينا تستعد لتلك المرحلة المقبلة بخطّة محكمة.
فأكثر ما كانت ترتكز عليه أعمال دوقية هورتون كان تجارة الأزياء والمجوهرات الراقية، التي تُملي على المجتمع الراقي ما يلبس ويقتني. وخلف هذه الثروة… يقف برج الكيمياء، عملاق هذا العالم الذي لا يقوم بدونه.
فإن كان المعبد موكّلًا بشفاء النفوس واستقامة الإيمان، فبرج الكيمياء هو من يشقّ طرق السحر والعلم في الحياة اليومية. وسيد ذلك البرج، ليس سوى شقيق الدوق، وعمّ الإمبراطورة كريستينا.
‘سأستولي عليهم جميعًا.’
ارتسمت ابتسامة مشوبة بالخبث على وجهها.
رغم أن الرواية تسير وفق الأحداث الأصلية، إلا أن الشقوق الصغيرة التي أحدثتها بدأت تغيّر مجراها تدريجيًا. وبحلول الوقت الذي يلاحظ فيه أعداؤها الخطر، سيكون الأوان قد فات.
لكن، عليها أولًا أن تتخلّص من أقاربها الدنيئين.
أفضل حلّ؟ أن يستعيد الإمبراطور عافيته، ويمنح داميان رسميًا لقب الدوق.
حينها، لن يجرؤ آل هورتون على لمس حجر مانا واحد، لا بأطراف أصابعهم ولا حتى بأحلامهم.
‘أتساءل، ما نوع التعبير الذي سيرتسم على وجوههم حينها؟’
ضحكت كارينتينا بخفة، ثم أعادت الريشة إلى موضعها.
ستِيلا، التي كانت تدقّ الأرض بكعبها على الأريكة من الفرح، أنارت المكان بابتسامتها.
“أتعلمين؟ أنا سعيدة لأنني أراكِ كل يوم، كارين.”
يا لها من كلمات حلوة.
ذابت ملامح كارينتينا، كأنها قطعة مارشميلو في كأس شوكولا ساخن. أما جيما، فكانت تراقب ستيلا بعينين مشوبتين بالعاطفة.
“حين نعود إلى العاصمة، أرجو أن تزورينا كثيرًا في القصر. سموّها ستفتقدكِ كثيرًا.”
عقدت ستيلا ذراعيها، وبدت مكتئبة.
“لكنني أحبّ هذا المكان… ألا يمكنني البقاء هنا معكِ، كارين؟”
أخفت كارينتينا مشاعر الأسى وهي تربّت على شعرها بحنو.
“سأزوركِ في القصر كثيرًا، أعدك. بل في الواقع، أعتقد أنّ لديّ الكثير من الأسباب التي تدفعني لزيارته قريبًا.”
“حقًا؟ ستأتين لرؤيتي؟”
“نعم، سأفعل.”
أضاءت عينا ستيلا كأنّ زهرة تفتحت في الربيع، ثم التفتت إلى جيما:
“جيما، أين أخي الآن؟”
“أظنّه يناقش خطّة العودة إلى العاصمة مع السيدة سيريا.”
زمّت ستيلا شفتيها بانزعاج.
منذ عودة فرقة الفرسان، بالكاد رأت وجه إيجنيس.
في الحقيقة، منذ أن بدأت تتناول العشاء يوميًّا مع ديميون، تلاشى أيّ تقاطع بينها وبين أخيها.
فكارينتينا كانت تقضي يومها مع ستيلا، بينما تتناول ستيلا العشاء مع إيجنيس. وهكذا، لم يبقَ مجالٌ يجمعهما.
‘لا يمكن أن أترك الأمور تسير هكذا. عليّ أن أتصرّف!’
قبضت ستيلا قبضتيها الصغيرتين بحماس.
“جيما، سنشرب الشاي في غرفة أخي.”
اتسعت عينا جيما وكارينتينا في آنٍ واحد.
“سموكِ، إنّ صاحب السمو مشغولٌ الآن بأمرٍ طارئ…”
“أعلم، لكنه أخي. لا بدّ من أن يجد وقتًا لتناول الشاي مع شقيقته، أليس كذلك؟ العمل الزائد يجعل الدماغ يتجمّد، وهذه الكتب تقول إنّ الاستراحة مهمة للإنتاجية.”
وأشارت إلى كتاب الصور الذي كانت تقرأه.
ضحكت جيما، وهي تنظر باعتزاز إلى جديّة ستيلا.
“حسنًا، طالما أن الوقت وقت استراحة… سأبلّغ الخدم لإعداد الشاي في غرفة سموّه.”
“أرجوكِ!”
بينما كانت جيما تشدّ جرس الاستدعاء لإعطاء الأوامر…
قفزت ستيلا من مكانها، وهرولت نحو كارينتينا، ممسكةً بيدها.
نظرت إليها كارينتينا بدهشة.
“ستيلا؟”
“تعالي معي، لنقابل أخي معًا.”
“أنا أيضًا؟”
تسعت عيناها كأنها أرنبة مذعورة.
“عندما نعود إلى القصر الإمبراطوري، سيصبح أخي أكثر انشغالًا مما هو عليه الآن… عندها سأعود للوحدة مجددًا. تعال معنا، أرجوك؟”
كانت نظرات ستيلا البريئة والمترجّية كالسهم تخترق قلب كارنتينا، فوجدت نفسها تستسلم مرة أخرى. يبدو أن الوقت الذي تمضيه ستيلا برفقة إغنيس، مهما كثر، يظل دومًا غير كافٍ لها.
وبينما الوقت المتبقي يوشك على النفاد، أرادت كارنتينا أن تحقق لها أكبر قدر من الأمنيات، فأومأت برأسها ببطء.
“حسنًا، موافقة.”
وتحت وقع نظرات ستيلا الممتنة التي تكاد تدمع فرحًا، توجّهت برفقتها نحو غرفة إغنيس.
∞
لم يكن إيجنيس، كحال ستيلا، يظهر مشاعره بوضوح، لكن الانزعاج بلغ ذروته داخله.
لم يكن بوسعه التعامل باستخفاف مع مسألة العودة إلى العاصمة، كما أن التحقيق حول المرأة ذات الشعر الأسود لم يشهد أي تقدّم يُذكر.
لكن ما أزعجه أكثر من أي شيء آخر، هو أنّه لم يرَ وجه كارنتينا بشكلٍ حقيقي منذ عدّة أيام.
راودته شكوك بأنه ربما أُصيب بمرضٍ ما، فتوجّه مرارًا إلى طبيب الفيلق لإجراء الفحوصات، لكن صحته كانت على خير ما يُرام.
“سموك، هذه هي الأوراق التي تحدثت عنها بالأمس.”
وبينما كانت سيـريا تعلّق خلفه علامات الاستياء والتذمّر، أعاد إيجنيس تركيزه على الوثائق أمامه.
عندها…
طرق، طرق.
دقٌّ خفيف على الباب، فتقدّمت سيـريا لفتحه.
“أخي!”
انطلقت ستيلا بضحكتها المضيئة نحو إيجنيس كنسمةٍ عطرة.
وما إن لمحها حتى ترك الأوراق على الفور واحتضنها بذراعيه.
“ستيلا؟”
زفر إيجنيس تنهيدة صغيرة وهو يعقد حاجبيه.
ورغم رقّته الشديدة تجاه شقيقته، إلا أنّ هنالك قاعدة صارمة لا يُسمح بتجاوزها.
وأهمّ تلك القواعد ألا يُقاطع أحدٌ وقته أثناء العمل. ففي القصر الإمبراطوري، كان هناك من يستغل أيّ فرصة لتشويه صورة ستيلا والافتراء عليها.
صحيح أنّها ما تزال صغيرة، ولكن كان لا بد من توبيخها على هذا التصرّف.
“سموك، لا بدّ أنك مشغول للغاية، أليس كذلك؟”
لكن فجأة، وبمجرّد أن وقعت عيناه على كارنتينا الواقفة عند الباب، تبخّر كلّ غضبه كأنّه لم يكن، كأنّ ذوبان الثلج لامس قلبه دفعةً واحدة. نسي الألم الذي يعصر قلبه، ونسي كيف كانت أنفاسه تختنق بداخله.
ليست تلك الفتاة الباكية التي رآها من قبل، بل كارنتينا التي اشتاق إليها كثيرًا، مبتسمة بهدوء، متألقة بنورها المعتاد.
“آنسة… ماذا… أعني، ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟”
تباً. من شدّة ارتباكه، خرج صوته قاسيًا على غير العادة.
ابتلع ريقه بتوتّر وهو يترقّب جوابها.
“فكّرت أنّه سيكون من الجميل أن نتقاسم لحظة شاي معًا… فعندما نعود إلى القصر، سيكون لقاؤنا أصعب.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 48"