“ليا… بشأن مرض جلالة الإمبراطور، سمعت مؤخرًا من سموّه أنهم لا يستطيعون تحديد ما إذا كان مرضًا أم سُمًّا… أليس كذلك؟”
جلست ليا فوق فخذها بلطف، وقد أرهفت أذنيها بإصغاء تام، بينما راحت كارينتينا تمرّر أناملها برقة على شعرها الناعم.
『لقد سمعت القليل أيضًا. مهما أُفرغت عليه قوى الشفاء المقدس، ومهما حضر أمهر الأطباء بعلمهم الباهر، لا أحد منهم استطاع تحديد نوع المرض أو معالجته. قبل أن أفارق الحياة، سمعت أن قداسته البابا ليونيوس قد حاول بنفسه علاج جلالته، لكن ما حدث لم يكن سوى تحسن طفيف لا يُذكر.』
مرضٌ لا يجدي معه حتى تدخل البابا بنفسه… كارينتينا أغمضت عينيها مفكرة، ثم همست بصوت مثقل بالقلق:
“وقد سمعت أيضًا أن الإمبراطورة الراحلة، قيل إنها أُصيبت بمرض بسبب عشبة تُدعى (نيلفيرام)… عشبة يُقال إنها اختفت منذ زمن بعيد. بالطبع، لا دليل مادي على ذلك أيضًا.”
رغم قناعتها بأن الأمر كان جريمة قتل متعمدة دُبّرت بواسطة الإمبراطورة كريستينا وعائلة دوق هورتون، انتقت كلماتها بحذر بالغ.
『إذن، هذا ما دفعكِ لسؤالي عنها منذ أيام… نيلفيرام لم تعد تُستخدم اليوم، كما تعلمين.』
“صحيح، أعلم أنني أُبالغ في شكوكي… لكن ما أزعجني أن الآنسة ستيلا أصيبت بدوار شديد مباشرة بعد أن استخدمت دائرة النقل السحري.”
『تقصدين… (لكتيو)؟』
أومأت كارينتينا برأسها بينما عدّلت خصلات شعرها التي انسدلت على جبينها.
“لكتيو هو مرضٌ قديم لا يُذكر سوى في المخطوطات القديمة، تمامًا كالنيلفيرام التي حُظِرت لاستخدامها الخطير.”
“أليس من الممكن… أن يكون مرض جلالته أحد تلك الأمراض القديمة، أو حتى سُمًّا من العصور الغابرة؟”
『……!』
توقفت ليا عن الحركة فجأة، وقد تجمدت نظرتها للحظات.
『أكبر أرشيف معرفي في الإمبراطورية موجود داخل مكتبة القصر الإمبراطوري. هناك كمّ هائل من الكتب المحظورة لا يُستهان به.』
“حقًا؟”
『نعم، حتى وإن كانت المكتبة المقدسة تملك العديد من الوثائق، إلا أن مكتبة القصر الإمبراطوري أشبه بكنز يضم خلاصة معارف القارة بأكملها.』
“كنتُ أتحدث فقط من باب الاحتمال.”
تمتمت كارينتينا بهدوء وهي تزفر بعمق، تشعر وكأنها انجرفت خلف نظرية عبثية.
『لكن حتى وإن كان هذا مجرد احتمال، فإنه لا يخلو من المنطق.』
“حقًا؟ لستُ أتخيل أشياء إذاً؟”
قفزت ليا من حضنها بخفة وبدأت تتجول في الغرفة بعينين تلمعان.
『مرض الليدي ستيلا – لكتيو، ووفاة الإمبراطورة بسبب النيلفيرام، والآن هذا المرض الغامض الذي يعانيه جلالة الإمبراطور… ما تقولينه ليس مجرد شك، بل ترابط مريب للغاية.』
نظرت إليها ليا بنظرة جادة حادة.
『كارينتينا، أرجوكِ… ساعديني.』
“هم؟”
『الشخص الذي حاول إيذاء جلالة الإمبراطور لا بد وأنه مطّلع تمامًا على خصائص أجساد العائلة الإمبراطورية وتكوينهم الجسدي. ولذلك نحتاج إلى الكثير من الوثائق، وإلى سجلٍ دقيقٍ يصف أعراض المرض التي يمر بها جلالته. أرجوكِ، أرغبُ بشدة في معالجته.』
ساد الصمت بينما استغرقت كارينتينا في التفكير.
الوصول إلى مكتبة القصر الإمبراطوري سيكون ممكنًا إن طلبت المساعدة من ستيلا أو إغنيس، أما الوثائق الخارجية، فيمكنها الاعتماد على شيون في جلبها. المشكلة الوحيدة… كانت سجل مرض الإمبراطور نفسه.
‘عندما يعود إيجنيس… سأحاول إقناعه بهدوء.’
حسمت أمرها، وقررت أن تبدأ أولاً بجمع المعلومات عن السموم القديمة، ومن ثم بادرت باستدعاء شيون على الفور.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
بعد مرور أسبوع واحد، عاد فرسان حملة التطهير إلى قلعة الشمال بعد أن أتموا مهمتهم بنجاح ساحق.
ها هو الباب الجنوبي، الذي لم يُفتح قط دون إذنٍ مباشر من وريثة العائلة الدوقية – كارينتينا – ينفتح الآن.
دُمدم! دُمدم!
تردد صدى خطى الأحصنة المدرّعة عبر أرجاء الأرض الصخرية، وارتجّت القلعة فوق صلابتها.
ظهر الفرسان تباعًا، يتقدمهم ولي العهد إيجنيس، وإلى جانبه نائبه داميان، يرافقهم قادة الفرق، يسيرون بخطوات صارمة وهيبة لا تُضاهى. وحين ترجل إغنيس عن جواده، انتصبت ظهور الجنود في صفوف متراصة.
“أحسنتم، يمكنكم أن تستريحوا اليوم.”
بُوم!!
دوت إجابتهم الحماسية عبر أسوار القلعة العظيمة. ثم، بإشارة من جوزيف، بدأ الفرسان بالتوجه إلى الجناح المخصص لهم في الطرف الغربي من القلعة.
وما إن غادر الفرسان، حتى غمر الصمت المكان، وكأن الوقت توقف فجأة.
لكن ذلك السكون… لم يدم طويلًا.
“كارينتينا!”
خرج داميان من صهوة جواده، وعيناه تجولان في المكان، يبحثان بجنون عن أملٍ واهن.
هل حقًا خرجت من غرفتها؟ مستحيل… مستحيل!
“أخي…!”
شهق داميان حين سمع صوتها يأتيه من الخلف.
ارتعشت جفونه، ثم استدار ببطء.
“هاه…!”
هناك… أمامه تمامًا، تقف امرأة ذات شعر فضي كالضوء، وعينين زرقاوين كسماءٍ بعد عاصفة. إنها هي… كارينتينا.
مرت سنوات وسنوات، وقد كبرت صغيرته، لكن رغم الزمن… بقيت ملامحها كما هي. كيف نمت هكذا؟ كيف تحوّلت من تلك الطفلة التي كانت تركض خلفه في أروقة القصر إلى تلك السيدة الجميلة؟!
وكارينتينا أيضًا، ما إن وقعت عيناها على داميان، حتى شعرت بشيءٍ عميق يرتجّ في صدرها. كان الأمر أقوى من جسدها الذي بالكاد يحملها.
فجأة…
قطرة.
دمعة… سالت بهدوء على خدها.
“آه؟”
ارتبكت، لم تفهم لماذا تبكي. كانت تظن أنها ستبتسم فقط. فهو مجرد فرد من عائلة هذا الجسد… لا أكثر.
لكن الدموع انفجرت كالسيل، وغمرتها مشاعر لم تعرف لها اسماً.
اقترب منها داميان خطوة، وهمس بصوتٍ ملؤه الحنان:
“لماذا تبكين…؟”
شعرهما الفضيّ، عيناها الزرقاوان، تشابه لا يُخطئه أحد. لقد كانت أخته الوحيدة، وروحه الغائبة لسنين طويلة.
“كارين… أختي الصغيرة.”
خلع قفازاته الحديدية، وابتسم لها بوداعة. ثم رفع يده، ومسح دموعها بأنامل مرتجفة من الشوق.
“هل كنتِ بخير؟”
سؤاله العادي حمل في طيّاته حنينًا عمره ستة عشر عامًا… وكأنهما التقيا بالأمس فقط.
فما كان من كارينتينا إلا أن ألقت بنفسها بين ذراعيه، وراحت تبكي كطفلة صغيرة.
“أخي… أخي العزيز!”
ضحك داميان بلطف، متذكّرًا الصغيرة التي كانت تتمسّك بثوبه في صباها:
“أيتها المشاكسة الصغيرة… افتقدتكِ كثيرًا.”
احتضنها بقوة، كأن الزمن قد توقف في تلك اللحظة. كانت لحظة لقاء لا تُنسى.
بعيدًا عنهم، وقف بعض الخدم يراقبون المشهد بعيونٍ مغرورقة، والدموع تسيل من مآقيهم بصمت. وبينما تتساقط أشعة الشمس كأجنحة ذهبية، بدت تلك اللحظة كأنها هدية من السماء.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 47"