ابتلعت كارينتينا ريقها بصعوبة، فهذه معلومة لم ترد قط في الرواية الأصلية. كان وجه إيجنيس جامدًا، شديد البرودة، بينما استدار بنظره نحو النهر.
‘ليا.’
[نعم، آنسة كارينتينا؟]
‘هل تعرفين ما هو تسمم النيلفيرام؟’
[… النيلفيرام هو عشبة تُستخدم لتخفيف الصداع وكبح القيء. إن استُخدمت بحكمة فهي دواء، ولكن إن أُسيء استعمالها فهي سمّ. تحتوي على مركّب يمنع الجنين من التنفس، لذا إن تناولتها امرأة حامل، فلا بد من التعامل معها بحذر شديد.]
شهقت كارينتينا بصمت.
[حسب معرفتي، فقد استُخدمت تلك العشبة من قبل سيدات الطبقة النبيلة لقتل الخادمات أو العاه*رات الحوامل من علاقات غير شرعية. طعمها يشبه تمامًا دواء ‘ديركان’ المخصص لعلاج غثيان الحمل. في البداية لا تظهر أعراض تُذكر، فيطمئن الشخص… حتى يبلغ التسمم ذروته، فيقضي على الأم وطفلها معًا.]
تجمد وجه كارينتينا تمامًا.
في الرواية، قيل إن والدة إيجنيس توفيت بسبب ولادة مبكرة… لكنها ماتت مسمومة؟!
ولا يوجد سوى شخص واحد كان بإمكانه فعل شيء كهذا… كم هو مقزز.
“كانت هناك شكوك، لكن لم يكن لدي دليل قط.”
قالها إيجنيس بصوت خافت، وكأن نغمة قاتمة بدأت تزحف من كلماته.
“إذاً… هل سقوط الإمبراطور كان… من تدبير الإمبراطورة؟”
غطّت كارينتينا فمها فورًا، كأنها نطقت بأمر لا ينبغي له أن يُقال. وكأنها كشفت الآن القناع القبيح لعالم القصر.
“أجل. لكن السمّ المستخدم مع والدتي… مختلف. لا أحد، حتى أعظم الأطباء، ولا حتى القوى المقدّسة، استطاعوا علاجه. لا أحد يعلم أهو سمّ أم مرض.”
حدّق إيجنيس في الأفق بوجه غارق في الكآبة.
كارينتينا لم تستطع تخيّل حجم الوحدة والغضب الذي تحمّله طوال حياته. وأدركت أنه لا توجد كلمات قادرة على مداواة جراحه.
قالت بصوت هادئ وهي تنظر إلى وجهه الجانبي:
“سيصبح سموّك يومًا ما إمبراطورًا عظيمًا.”
بدأت لمعة خفيفة تظهر في عينيه الفارغتين.
ضحك إيجنيس بسخرية طفيفة، وكأنّه لا يصدّق كلامها تمامًا.
“يبدو أنني يجب أن أكون إمبراطورًا جيدًا، تمامًا كما تأملين، آنسة… مع أنني كنت أنوي القضاء على كل من لا يروق لي.”
نظرت إليه مباشرة. كانت كلماته حادة، لكنها كاذبة.
لا… هو لا يرغب في أن يكون كذلك حقًا.
في الرواية الأصلية، بعد موت الإمبراطور، تحوّل إيجنيس إلى طاغية قتل الجميع… ظلّ يتألم يومًا بعد يوم، حتى أصبح وحشًا.
ولذلك، تعلّق بشكل مهووس بسيريا، وسجنها داخل قصره حين حاولت الهرب.
كارينتينا لم ترغب أن يكون مصير لا إيجنيس ولا سيريا التعاسة. تمنّت فقط أن يحبا بعضهما بصدق، ويجدا طريقًا إلى السعادة.
“أنا أؤمن أن سموّك سيتجاوز كل هذا بنجاح.”
“…”
حرّك إيجنيس شفتيه، لكنه ابتلع كلماته وسكت.
نظرت كارينتينا نحو النهر المتدفق. شعرت بنظراته تتسلل نحوها، لكنها لم تجرؤ على الالتفات.
“كارين!”
دوّى صوتٌ لطيف من بعيد، فاستدارت بسرعة. قفزت ستيلا إلى أحضانها، فضحكت كارينتينا وهي تعانقها بحنان.
سقط معطف إيجنيس من فوقها، لكنها لم تُعره اهتمامًا وهي تنغمس في دفء ستيلا وابتسامتها.
وصل شيون وهو يلتقط المعطف بلطف، ثم قدّمه إلى إيجنيس بانحناءة مهذبة. وعاد ليخلع معطفه ويغطي به كتفي كارينتينا.
“…”
ظل إيجنيس يحدق في المعطف بين يديه بصمت، دون أن يُبعد عينيه عن كارينتينا.
✦ ∘∘∘
غمر الظلام نهر ستيم بالكامل.
كان المكان الذي وقفت فيه كارينتينا معزولًا قليلًا عن العامة، حيث وقف فرسان القصر بحذر، متنكرين، يراقبون المكان.
تأرجحت على سطح الماء بلورات من الأحجار السحرية، تبعث ضوءًا باهتًا وهي تنجرف مع التيار.
أمسكت كارينتينا يد ستيلا الصغيرة واقتربت بها من ضفة النهر.
“إنه رائع… لم أر شيئًا كهذا من قبل.”
“تمسّكي بيدي جيدًا، فالمكان خطِر بعض الشيء.”
“حاضر!”
ابتسمت ستيلا بوجه مشرق، فحاولت كارينتينا أن تردّ بابتسامة… لكن الأمر لم يكن سهلًا اليوم.
ما زال حديثها مع إيجنيس يشغل ذهنها… كل كلمة قالها، كل نظرة في عينيه، كانت تدور في رأسها بلا توقف.
نظرت من بعيد حيث كان إيجنيس يقف ساكنًا، وكأنّ أفكاره أُغرقت في النهر.
“هل حان وقت إطلاق الأحجار في الماء؟”
“…”
سحبتها ستيلا بلطف وهي تميل برأسها.
“كارين؟”
“آه! آسفة… شردت قليلًا.”
ردّت كارينتينا بابتسامة خفيفة تخفي ما في قلبها.
في الشمال، هناك تقليد خاص يُقام مع بداية العام، بجانب تقاسم الحلوى، يقوم الناس بتجميع الأحجار السحرية التي شارفت طاقتها على النفاد، ويطلقونها في النهر، كدعاء للسلام والطمأنينة في العام الجديد.
رغم أن هذه الأحجار تحمل طاقة قوية، إلا أنها بعد أن تُستنفد، تعود لتصبح مجرد حجارة عادية. وكان إطلاقها في الماء بمثابة إعادتها للحاكم.
وكان هذا الحدث هو ما أعدّته كارينتينا خصيصًا لستيلا.
‘سمعت أن هذا التقليد توقف لفترة بسبب عمي موريس…’
تلاشى بريق عينيها قليلًا، لكنها سرعان ما أعادت تركيزها.
الناس الآن يبتسمون وهم يودّعون الأحجار بنور خافت… وكأنهم جميعًا يكتبون بداية جديدة.
نظرت كارينتينا إليهم، وازداد يقينها أن الخير سيغلب كل ظلمة.
ناولَت ستيلا سلة مصنوعة من لحاء البتولا.
“هل نبدأ؟”
أومأت ستيلا وهي تحدق في الأحجار الساطعة داخل السلة.
“نعم!”
واحد… اثنان… ثلاثة…
أطلقتا الأحجار معًا، فانسابت على سطح الماء بهدوء كأنها نجوم تسافر إلى المجهول.
أغمضت ستيلا عينيها بإحكام وضمّت يديها، تُصلّي في صمت.
‘تُرى، ماذا تتمنّى؟’
ضحكت كارينتينا وهي تراقبها بشغف.
نظرت حولها، فرأت جِمّا وجوزيف أيضًا يشاركان في الحدث، كل منهما يُطلق أمنياته مع الأحجار.
أما إيجنيس، فظل واقفًا هناك، يتكئ على شجرة، يراقب الأضواء المتلألئة تنجرف بهدوء… دون أن يشارك.
اقتربت كارينتينا بخطى هادئة ومدّت له سلةً أخرى.
“سموّك… لما لا تأتي وتلقي أمنية أيضًا؟”
نظر إلى السلة دون اهتمام، وهزّ رأسه.
“ما دامت ستيلا قد قامت بها، فلا حاجة لي بذلك.”
لكن كارينتينا تشبثت بأطراف ثوبه بلطف. نظر إيجنيس باستغراب إلى يدها.
“لأن القادم مليء بالأشياء الجميلة. أرجوك، ألقي بها كل الذكريات السيئة… سموّك ستجلس على العرش عن جدارة، بطرقٍ عادلة.”
“… ماذا؟”
تردد في الرد، وكأن شيئًا ثقيلًا يتحرّك في صدره. لكن قبل أن ينبس، سحبته كارينتينا بخفة.
“هيّا.”
تبعها دون مقاومة، لكن عيناه بقيتا معلّقتين بيدها الممسكة بثوبه.
فجأة، سحب إيجنيس الحجر من السلة وأطلق فيه قدرًا ضخمًا من قوته السحرية.
توهّج الحجر الأحمر كأنه شمسٌ تضيء الظلام… جماله أبهر العيون.
“رائع!”
صرخت ستيلا بفرح وصفّقت بيديها. بهدوء، وضع إيجنيس الحجر في الماء، وأطلق السلة مع التيار.
وقفت ستيلا في المنتصف، تمسك يد كلٍ من كارينتينا وإيجنيس.
تألّق النهر أمامهم كأنما استحال إلى دربٍ من النجوم. تمازجت الألوان لتخلق مشهدًا خياليًا… كأنما المجرة نزلت لتحضنهم.
‘حين نذهب إلى العاصمة، حيث تعيش الإمبراطورة كريستينا… قد لا نحظى أبدًا بلحظة سلام كهذه.’
لكنها لم تكن خائفة.
كانت تؤمن، بكل جوارحها، أن الخير الذي في قلبها… سينتصر.
كل تلك الأمنيات المضيئة، تلاقت… لتضيء طريقهم نحو المستقبل.
✦ ∘∘∘
“آتشش!”
إحمرار خدي ستيلا وأنفها من البرد جعل الجميع يقلق. أسرعوا للعودة إلى القصر. بعد حمام دافئ، تناولوا عشاءهم في الغرفة على عجل.
كلاك، انفتح مقبض الباب، ودخل إيجنيس إلى غرفة ستيلا.
اتسعت عينا كارينتينا بدهشة.
هل جاء ليطمئن إن كانت قد أصيبت بالزكام؟
قالت جيما بهدوء:
“سموّ الأمير سيظل بقرب السيدة ستيلا حتى تغفو.”
ثم انحنت وغادرت.
‘آه…’
تنهدت كارينتينا بصوت خافت.
كم كانت مخطئة حين ظنت أنه بارد القلب. متى تغيّرت نظرتها له هكذا؟
‘إنه… حقًا عطوف.’
أغلقت الكتاب بين يديها، ونظرت إلى الساعة على الطاولة. تجاوزت التاسعة مساءً.
“حان وقت نوم السيدة ستيلا، أليس كذلك؟”
“آه… بهذه السرعة؟”
حرّكت ستيلا أصابعها بخفة، وكأنها تتحسر على انتهاء اليوم.
“تحدثا براحتكما، سموّ الأمير. سأترككما الآن.”
سحبت الغطاء حتى عنق ستيلا، وابتسمت وهي تستعد للمغادرة… لكن ستيلا أمسكت يدها فجأة.
“كارين… أريد أن أقول شيئًا.”
“نعم؟”
خبأت ستيلا وجهها تحت الغطاء، ونظرت إليهما بخجل.
“بما أنني الملكة اليوم… ما زال بإمكاني أن أطلب ما أريد، أليس كذلك؟”
جلست كارينتينا مجددًا على طرف السرير.
“هل تبقّى شيء ترغبين به؟”
“أمم…”
نظرت ستيلا إلى إيجنيس بخجل وقالت بصوت ناعم:
“هل يمكن… أن تناما معي الليلة، أنتِ وأخي؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 45"