ذلك الجدار الذي اعتاد أن يبنيه حوله ليمنع اقتراب أيّ كان…
تلك النظرات الحادة كالسيوف…
وذلك الوجه الخالي من التعابير… لم يعد كما كان. إيجنيس تغيّر.
وكأنه ضاق ذرعًا بالانتظار، فتح إيجنيس فمه وقال:
“أريد سماع طلب المكافأة الآن.”
لم يخطر ببال كارنتينا أيّ أمنية مباشرة ما إن سمعت أن داميان سيعود، لكنها أخذت الأمر بجدية وانغمست في التفكير.
كانت تتمنى، في أعماقها، أن تعترف له بكل شيء: بأنها من أنقذته من الموت، وأنها هي من صنعت شيون بأمرٍ من الإمبراطورة وعمه. لكنها كانت تدرك… سواء فعلت ذلك بإرادتها أو لا، فإن إيذاء فرد من العائلة الإمبراطورية يُعدّ خيانة عظمى.
‘ليس الآن…’
صحيح أنّ إيجنيس قد تغيّر، لكنه لم يكن رجلاً سهل المراس. حتى وإن بدا لطيفًا معها في هذه اللحظة، لا أحد يعلم متى قد يتغير قلبه. كان عليها أولاً أن تعرف بوضوح لماذا يبحث عن المرأة ذات الشعر الأسود.
إن لم يكن ينوي قتلها حقًا، فقد يكون حينها الوقت مناسبًا لقول الحقيقة.
وبعد تريّث، نطقت كارنتينا ببطء:
“لا يخطر ببالي شيء حاليًا… هل يمكنني أن أحتفظ بالطلب كأمنية مؤجلة؟”
“أمنية مؤجلة…؟”
“نعم. ربما يأتي يومٌ أحتاج فيه إلى مساعدة سموك بشدّة.”
أومأ إيجنيس برأسه دون أن يقول شيئًا، ثم نهض من مكانه.
“حسنًا.”
شعرت كارنتينا بالارتياح. في الوقت نفسه، ثقل الدين الذي كان يجثم على قلبها بدا وكأنه خفّ قليلاً.
واستطاعت أن تتذوّق ما تبقى من الفطيرة بطمأنينة. ذلك الكريما الحلوة بطعم اللوز ذابت في فمها بنعومة شديدة، وكانت لذيذة للغاية.
“شكرًا.”
ما إن سمعت صوته من فوق رأسها حتى رفعت كارنتينا رأسها بسرعة.
شاهدت ظهره وهو يخطو نحو باب قاعة الطعام، وخرج دون أن يلتفت. تمتمت كارنتينا بصوتٍ خافت:
‘هل… قال لي شكرًا؟’
شعرت بسخونة مفاجئة تصعد إلى وجهها، وبدأت تعبث بلا وعي بمقبض الشوكة.
الطَعم الحلو الذي ظلّ عالقًا على لسانها غمر فمها كله.
∞
كما تمنت ستيلا، وصلت العربة إلى شارع آبلوود وهي تسير ببطء.
كانت عيناها متسعتين بفعل الدهشة، فكل شيء بدا لها جديدًا وغريبًا.
“وااه! هناك الكثير من الناس!”
لم يسبق لستيلا أن حضرت حدثًا رسميًا للإمبراطورية بسبب مرض الإمبراطور.
وكانت الإمبراطورة تكره الأخوين كالشوكة في حلقها، ولم يكن يُسمح لها بالخروج من جناح الأميرات قبل أن تُظهر قدراتها كمتجاوزة. فكانت حياتها محصورة داخل القصر.
صحيح أنها رأت الكثير من النبلاء داخل القصر، لكن رؤية أبناء الإمبراطورية من هذا القرب، وسط الشارع، كانت الأولى من نوعها.
“لم أظن أنني سأحضر المهرجان مع أخي.”
قالتها ستيلا وهي تبتسم ببراءة.
شعرها الذهبي الذي يشبه العسل وعيناها التي تلمع كالياقوت… كانا قد تغيّرا إلى الأسود.
كانت ترتدي قبعة فروية دافئة، ومعطفًا بكاب ناعمٍ عليه جيبٌ كبير، يطلّ منه وجه دميتها “ليا” بلطف. كانت تلك مفاجأة من جيمّا لتتمكن ستيلا من التنزه مع دميتها.
‘جمال لا يمكن إخفاؤه.’
كارنتينا ابتسمت بسرور وهي تنظر إلى الأخوين الجميلين وهما يسيران يدًا بيد.
رغم أن إيجنيس غطّى نصف وجهه بالقبعة، فإن كل فتاة تمرّ به كانت تلتفت نحوه.
“ستيلا، ما رأيكِ أن نذهب إلى هناك؟”
“نعم!”
أشارت كارنتينا إلى بعض الأكشاك التي أقيمت تحت الخيام، وردّت ستيلا بعينين تلمعان.
‘رغم أنّ الترميم بدأ منذ فترة قصيرة، إلا أن الجو عاد كما كان.’
شعرت كارنتينا أن أجواء آبلوود بدأت تعود لما في ذاكرتها.
كانت الأحجار السحرية الصغيرة المُعلّقة تضيء كالأنوار المستديرة، وتبعث دفئًا في كل زاوية تمر بها الناس.
كانت الموسيقى المرحة تعزف في الأرجاء، والرجال والنساء يرقصون بانسجام. والضحكات تعلو وجوه الجميع.
“تنبعث رائحة شهية.”
كل زاوية من الشارع كانت تفوح بروائح لذيذة تُحفز الشهية. من أسياخ الشواء المغموسة بالصلصة، إلى غزل البنات الملون، وحتى الألعاب التي يمكن الفوز بها بجوائز لطيفة.
آبلوود الذي كان خاليًا من الحياة… بدأ ينبض مجددًا.
‘كل هذا العدد من الناس…’
رغم برودة الطقس الشديدة التي حوّلت أنوف الجميع إلى اللون الأحمر، كان الضحك والبهجة يتردد من كل اتجاه.
شعرت كارنتينا بفيض من المشاعر وهي تشاهد الناس يضحكون بسعادة، وأدركت أنها تملك القدرة على صنع التغيير.
حين توقفت ستيلا لتقرأ شيئًا مكتوبًا على خيمة، لوّحت بيدها الصغيرة وقالت:
“لنذهب إلى هناك!”
كان عرضًا مسرحيًا يستند إلى أساطير تأسيس الإمبراطورية وشمالها.
“حسنًا.”
ابتسمت كارنتينا وذهبت معها.
∞
انقضى بعض الوقت بعد العرض المسرحي.
حدّقت كارنتينا في الشمس التي بدأت تغيب، وقالت في نفسها:
‘حان الوقت لأُري ستيلا الحدث الرئيسي.’
وبينما كانت تغادر الزحام متجهة إلى نهر ستيوم، شعرت بالصفاء فجأة.
‘استقبال العام الجديد مع الغروب بهذا الشكل… فيه شيء من الرومانسية.’
رغم البرد القارس، إلا أن أمواج النهر الهادئة والشمس البرتقالية جعلت المنظر يخطف الأنفاس.
“كارين، أريد أن آكل غزل البنات من هناك…”
“لنذهب سويًا.”
لكن ستيلا لوّحت بيديها بسرعة.
“لا، لا، أنا أذهب مع شيون. جيمّا وجوزيف معي، لذا ابقِ مع أخي هنا. أنت وافقتِ أن تسمعي كلام الملكة اليوم!”
ثم تظاهرت ستيلا بترك يد كارنتينا، وسرعان ما أمسكت يد شيون وسحبته معها. بدا شيون منزعجًا وهو يتمتم في نفسه.
نظرت كارنتينا إلى خيمة غزل البنات القريبة وأومأت برأسها.
“كوني حذرة.”
“سأجلب لكِ واحدة أيضًا، كارين!”
غادرت ستيلا وهي تمسك بشيون، بينما التفتت كارنتينا نحو إيجنيس الذي كان يقف بجوار شجرة يحدّق في النهر.
يبدو أنه يفضّل هذا المكان الهادئ على ازدحام آبلوود.
“آتششو.”
هبت ريح باردة ففاجأها عطاس صغير. بدا أن الأحجار الدافئة لم تصل إلى هذا المكان، فشعرت بالبرد. فاحتارت وشرعت تشهق وتفرك أنفها.
حين وقعت عيناه عليها، شعرت بالحرج وتكلمت عبثًا لتكسر الصمت.
“ريح النهر باردة، أليس كذلك؟ هل أنت بخير يا سمو الأمير؟”
ثم ارتجفت مرة أخرى حين هبّت نسمة أخرى. كان برد الشمال لا يُرحم، كما يشاع عنه.
‘كوب من الشاي الساخن كان ليكون رائعًا الآن.’
اشتمّت أنفها مرة أخرى، وأطلقت تنهيدة وهي تحدّق في النهر الذي ابتلع الشمس.
وفي تلك اللحظة… شيء دافئ وُضع على كتفها.
“هــه؟”
كان معطف إيجنيس. غمرها دفء مفاجئ.
“يا سمو الأمير؟”
كارنتينا لم تكن معتادة على هذه الرقة المفاجئة منه. ومع جهل إيجنيس بما يجول داخلها، تمتم:
“بدوتِ وكأنكِ تشعرين بالبرد.”
“……”
رغم أن عقلها كان مشوّشًا، إلا أن قلبها كان يدقّ بقوة. تشبثت كارنتينا بالمعطف الفاخر ذي العطر الأنيق وقالت بسرعة:
“ولكنك ستشعر بالبرد! وإن مرضتَ…”
“أنا لا أُصاب بأمراض تافهة كهذه.”
آه… صحيح، إنه متعالٍ.
نظرت كارنتينا إليه بقلق. ملابسه كانت خفيفة حقًا، هل هو بخير؟ ربما قرأ نظراتها، فتنهّد وقال:
“لا مفر. تعالي هنا.”
ثم أمسك يدها بلطف. وفجأة، شعرَت بتدفّق السحر من حولهما.
كارنتينا التي كانت تملك سحرًا بدورها، استطاعت أن تشعر به فورًا.
حين بدأت شرارات شفّافة من الطاقة تدور من حولهم، عمّ الدفء جسدها المتجمّد.
“شكرًا جزيلاً.”
“لا شيء.”
قالها إيجنيس بصوت خافت وهو يلتفت إليها. راحت كارنتينا تحدّق به.
‘خدّاه محمران… هل يشعر بالبرد حقًا؟ هل هو بخير؟’
رغم أنها شكرته، إلا أن ردّه كان جافًا. يا له من إنسان غريب الأطوار.
‘لا بد أن طريقه مع سيريا سيكون طويلًا.’
ثم التفتت إلى النهر كما كان يفعل، واستشعرت جمال المشهد أكثر بفضل الدفء. ثم تكلّم إيجنيس بهدوء:
“حين يعود داميان، ما الذي تنوين فعله؟ هل ستبقين هنا؟”
فوجئت كارنتينا بأنه من بدأ بالسؤال، وبقيت تنظر إليه، ثم أجابت بعد تفكير:
“سأذهب إلى العاصمة.”
قالتها بنبرة جادة.
“هل لأجل داميان؟”
“أخبرتك سابقًا أن سحري الذي سُلب، بحوزة عمّي.”
أومأ إيجنيس برأسه ببطء.
“الطاقة التي تبقّت في جسدي تكاد تنفد. يجب أن أستعيد سحري.”
اهتزّت نظرات إيجنيس بعنف. عضّ على شفتيه وكأن الأمر معقّد عليه.
“أريد أن أعيش. يجب أن أعيش. لذا… سأستعيد سحري، وأنتقم من الإمبراطورة وعمي.”
اشتدّ قبضها على المعطف. وبينهما، سُمِع صوت النهر المتدفق فقط.
وبعد صمت قصير، قال إيجنيس بهدوء:
“أنتِ تشبهين والدتي كثيرًا.”
“هاه؟”
اتسعت عينا كارنتينا دهشة، وكادت تُسقط المعطف.
كانت تعلم أن والدته كانت من أجمل نساء الإمبراطورية. لكن… في ماذا تشبهها؟!
صحيح أن كارنتينا جميلة… لكن مقارنة بإيجنيس وستيلا؟ كانت تتردد.
“أقصد… في رغبتكِ في الحياة.”
“آه…”
شعرت بالحرج، فسعلت بصوت خفيف.
“جلالة الإمبراطورة الراحلة… كيف كانت؟ هل كانت مثل ستيلا… محبوبة؟ أم مثلك.. هادئة وأنيقة؟”
سألته وقد بدت على وجهها ملامح الفضول. ابتسم إيجنيس بهدوء.
تغيّر تعبيره المتحجر، وكأنه استعاد ذكرى من الطفولة.
“كانت تشبه ستيلا. فضولية، لكنها حنونة. لم تكن تترك وجهها بلا ابتسامة.”
يبدو أن ذكرياته معها كانت ثمينة جدًا.
“لكن بعد ولادة ستيلا… تدهورت صحتها بسرعة. رغم أنها كانت قوية جدًا…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"