ما إن نزلت من العربة، حتى هرعت ستيلّا نحوها راكضة، لترتمي في حضنها ككرة من الفرح.
❝ “ستيلّا…” ❞
تنفست كارينتينا الصعداء وهي تستنشق عبير الحليب الطفولي الذي يفوح من الصغيرة.
فور وصولها إلى الشمال، تعرضت لمحاولة اغتيال أخرى، إلا أن استعداد جوزيف وفرسان القصر الإمبراطوري، الذين أرسلهم شيون مسبقًا، جعل من المهمة شيئًا سرعان ما تم احتواؤه.
❝ “ها قد أصبحت منسي كليًّا.” ❞
علّق إيجنيس بحدة مصطنعة، مما جعل كارينتينا تكتم ضحكة صغيرة.
‘ترى، هل هو بخير حقًا بعد ما حصل؟’
همست بخفة في أذن ستيلّا:
❝ “آنستي الصغيرة، يجب أن تذهبي إليه الآن، يبدو أن صاحب السمو يشعر بالخذلان…” ❞
بعيون متسعة، ابتعدت ستيلّا عن حضنها وركضت باتجاه إيجنيس، الذي ما إن رآها حتى انفرجت ملامحه ورفعها في الهواء ليضمها إلى صدره بحنو.
أعادها إلى الأرض بلطف، وعيناه تتفقدان المكان حوله، بينما لمحت الصغيرة كارينتينا من بعيد وهي تتحدث إلى الدمى.
شعرت ستيلّا أن هناك جمودًا غريبًا بينهما، فأصبح وجهها شاحبًا.
❝ “ماذا هناك؟” ❞
❝ “لا شيء… لكن، أخي، هل تشاجرت مع كارين مجددًا؟” ❞
رمقته بنظرات جادة، فاستدارت عيناه لا شعوريًا نحو كارينتينا.
❝ “لا.” ❞
❝ “لكن علاقتكما تبدو أسوأ مما كانت عليه قبل رحلتك…” ❞
تمتمت الصغيرة بحزن، فابتسم إيجنيس وربّت على رأسها.
❝ “لا تقلقي. عليّ الذهاب مجددًا، لدي بعض المهام.” ❞
❝ “أه… الآن؟ لكنك وصلت للتو…” ❞
أخفضت رأسها بأسى، فانحنى إيجنيس على إحدى ركبتيه ليمسح شعرها من جديد.
❝ “سأحرص على العودة سريعًا لتناول العشاء معكما.” ❞
❝ “حقًا؟ حسنًا! سأتسلّى مع كارين حتى تعود.” ❞
ثم أضاف بنبرة هادئة:
❝ “لكن ربما تكون متعبة من الرحلة، لذا من الأفضل أن تدرسي في الصباح، ثم تسأليها لاحقًا بلطف.” ❞
❝ “آه، صحيح. حسنًا!” ❞
نظر إيجنيس نحو كارينتينا مجددًا. كانت تحتضن شيون وأرنبها القماشي… وهي لا تفارق تفكيره.
‘لا بد أنها خائفة… هل ستكون بخير؟’
مسح عنقه ببطء وهو يسلم ستيلّا لجمّا.
❝ “جوزيف.” ❞
❝ “نعم، سموّك؟” ❞
❝ “تحرّك بسرّية.” ❞
❝ “أمركم.” ❞
انحنى جوزيف خلفه، بينما كارينتينا تابعت بعيون قلقة ظهره يبتعد وسط هواء الشمال البارد.
❝ “فلنعد إلى الداخل الآن.” ❞
فقالت ستيلّا التي اقتربت منها دون أن تشعر. استعادت كارينتينا وعيها سريعًا.
❝ “نعم، هيا بنا.” ❞
سارت مع ستيلّا وشيون وريا بخطى هادئة. إحساس بالراحة لأنها عادت أخيرًا إلى ما يشبه الوطن، لكنه تداخل مع قلق متزايد على إيجنيس الذي يواجه القتلة وحده.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
بعد العودة من الغرب، انشغلت كارينتينا كليًا في الاستعدادات لمهرجان السنة الجديدة.
كانت مهمة إعادة إعمار الشمال خلال فترة قصيرة مرهقة للغاية، لكنها أنجزت المهمة بفضل معرفتها السابقة بمحتوى الرواية ومساعدة دماها.
(شيون وليا كان لهما الفضل الأكبر.)
أما السكان الذين أرغمهم عمّها موريس على العمل في مناجم الأحجار السحرية، فقد عادوا إلى عائلاتهم.
تخيلت ملامح الشمال الجديد وارتسمت على وجهها ابتسامة رضا. تمنت لو أن تلك العائلات تستطيع العيش بسعادة، ولو قليلًا، حتى حلول ربيع دافئ بعد هذا الشتاء القارس.
❝ “شيون، كيف حال السكان؟” ❞
❝ “بخلاف البعض الذين تعرّضوا للضرب الشديد أو يعانون من سوء تغذية، الجميع بخير. فرحوا جدًا بلقاء أسرهم. دفعنا الأجور بسخاء، وجرحاهم يعالجون في المعابد والمراكز الطبية.” ❞
أومأت كارينتينا برضا.
❝ “ممتاز، وماذا عن البارون رودن؟” ❞
أجاب شيون بنبرة منتعشة:
❝ “تمّ كل شيء كما طلبتِ. في البداية، سنستورد الطعام بسعر مقارب للكلفة. حتى حلول الربيع، لن يجوع أحد. وهناك من يشبهني اشترى كمية ضخمة من الأحجار، حتى أنه بدأ بتصميم مخازن ضخمة لتخزينها.” ❞
لوّحت له كارينتينا بيديها، فاقترب شيون متعجبًا.
❝ “شكرًا.” ❞
مررت يدها على شعره السماوي بلطف، فارتفعت كتفاه فرحًا. كان أشبه بجرو صغير يهزّ ذيله الخفي، مما جعلها تضحك خفية. لقد أنجز مهامه ببراعة.
❝ “سأخرج الآن، ارتاحي قليلًا. هل أعدّ لك شايًا بالحليب؟” ❞
❝ “لا، شكرًا لك.” ❞
انحنى لها بهدوء ثم غادر. وما إن أغلق الباب حتى عمّ الهدوء.
نهضت ببطء، رتّبت أوراقها، واتجهت إلى أريكة مريحة قرب النافذة.
من هناك، شاهدت برج القصر وقد غطته طبقات كثيفة من الثلج، والسماء رمادية ملبّدة، كأنها توشك أن تبكي.
وأثناء نظراتها الساهمة… ظهر طيفٌ تعرفه — إيجنيس.
كان يسير بصحبة جوزيف نحو السجن.
❝ “قالوا إنهم قبضوا على جميع فرسان دوقية هورتون…” ❞
تذكّرت يوم الهجوم في الغرب…
(أن تعيش لتقتل غيرك كي تنجو… أي حياة هذه؟)
❝ “أنا بخير.” ❞
لم تفارق ملامحه عينيها، وقد كان يتحدّث وكأن شيئًا لم يكن.
❝ “آه… لا أستطيع التوقف عن التفكير به.” ❞
هل لأنها يشبه ستيلّا؟ أم لأنه ألطف مما توقعت؟
بعد عودتها، أرسلت كارينتينا رسالة شكر إلى السيدة شارون، أرفقتها بأحجار سحرية تكفي للعربات. لم تذكر سوى امتنانها على الوسادة في العربة، لكن ردّ السيدة شارون كشف الحقيقة:
【الوسادة؟ كانت فكرة صاحب السمو. يبدو أنه كان قلقًا عليكِ… أوه، ألم تكوني تعلمين؟】
شعرت كارينتينا بأن الجدران التي شيدتها داخليًا بدأت تتصدع…
(ماذا لو علم بحقيقة شيون؟ أنه خُلق كجزء من مؤامرة تمرد…)
تنهدت، وقد أخبرتها جمّا أن إغنيس لا يزال يبحث بجنون عن تلك المرأة ذات الشعر الأسود.
(إلى متى يمكنني خداعه؟ ماذا لو انكشف أمري؟…)
ماذا لو اختفى شيون وليا للأبد؟… ماذا لو نظر إليها بذلك البرود القاتل؟
(لماذا؟ لماذا يلاحقني بهذا الإصرار؟)
ليته فقط… ينسانا.
ارتمت على الأريكة، وجعلت كتفيها ينخفضان بتعب.
الأكاذيب… لا تلد سوى أكاذيب أكبر، وحالة قلبها باتت كفوضى لا تهدأ.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
وأخيرًا، بزغ صباح العام الجديد، إيذانًا ببداية عام إمبراطوري جديد.
في الشمال، يصادف هذا اليوم أشدّ أيام السنة برودة. وقد تحوّلت أمطار الليلة الماضية إلى ثلوج، فانخفضت درجات الحرارة فجأة.
كارينتينا كادت تفقد عقلها من شدّة الصقيع. لم تستطع أن تخطو خارج القصر خطوة واحدة.
(الحمد لله على وجود الأحجار السحرية… لولاها لما نجونا.)
تحصنت تحت الأغطية كدودة متجمدة، تفكر في أن حياة النبلاء في الشمال ليست بهذه البساطة.
❝ “كارين! استيقظي! لقد أشرقت الشمس!” ❞
صوت صغير يشبه زقزقة فرخ صغير كان يهزها بشدة. فتحت عينيها بتثاقل، لترى وجه ستيلّا متوردًا ومنفعلاً أمامها.
❝ “انهضي بسرعة!” ❞
نظرت كارينتينا إلى الصغيرة وهي توقظها بيدين ناعمتين، فابتسمت. وأومأت لليا التي رفعت أذنيها البيضاء بفرح.
(بالنسبة لأطفال الإمبراطورية، هذا اليوم كعيد الميلاد.)
كانت ستيلّا تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، وقد قررت كارينتينا أن تمنحها ذكريات لا تُنسى.
❝ “هل نمتِ جيدًا، سيدتي الصغيرة؟” ❞
❝ “نعم! وأنتِ؟” ❞
❝ “نمت بفضل الحاكم… ثم بفضلكِ.” ❞
مرّت يدها على خصلات شعر ستيلّا الذهبية بحنان، ثم قالت:
❝ “حسنًا، فلنبدأ استعداداتنا!” ❞
❝ “أجل!” ❞
أشعة عينيها الحمراء كانت تشعّ كالياقوت. فضحكت كارينتينا، وقد شعرت أنها تشبه صغير الرنّة “رودولف”.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
كانت الخدم يهرولون في أنحاء القصر، وابتسامات دافئة تعلو وجوههم.
أمسكت كارينتينا بيد ستيلّا ونزلتا إلى قاعة الطعام، وهناك استقبلهم إغنيس بابتسامة خفيفة.
(آه… وسيم للغاية… يكاد يسطع نورًا…)
تأملته كارينتينا بذهول وهو يرتدي أبهى حلله.
❝ “صباح الخير، ستيلّا… وصباح الخير، ليدي.” ❞
ما إن التقت عيناهما حتى أشاحت كارينتينا بنظرها خجلًا.
❝ “ص-صباح الخير…” ❞
❝ “وجهكِ محمر. هل أصبتِ بنزلة برد؟” ❞
فوجئت، ورفعت يدها لتغطي خدها:
❝ “لا… إنه مجرد جفاف من البرد.” ❞
رفع حاجبه باستغراب، لكنها أسرعت إلى مقعدها. وحين حرّك شيون الكرسي لأجلها، ابتسمت له بعذوبة:
❝ “شكرًا لك، شيون.” ❞
بدت ملامح إغنيس وكأنها توترت، لكنه جلس بهدوء إلى جانب ستيلّا.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
بفضل المؤن القادمة من الغرب، كان الإفطار أكثر فخامة من المعتاد.
ثم حلّ الموعد الذي انتظرته ستيلّا بفارغ الصبر.
❝ “هيا نأكل الجاليت!” ❞
قالتها بابتسامة وردية وعيون لامعة، متأهبة للركض.
عادةً، كانت جيما أو إيجنيس سيطالبانها بالهدوء، لكن اليوم… لم ينبس أحد بكلمة عن الاتيكيت.
وبينما كان الخدم يرفعون الصحون بسرعة، تساءلت الصغيرة بقلق:
❝ “إذا وجدتُ حبة الفاصوليا الحمراء… هل سأصبح الملكة؟” ❞
نظرت إليهم مستجدية التأكيد، تتنقل بنظرها بين إيجنيس وكارينتينا.
ضحك الجميع في القاعة بصمت وهم يراقبونها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"