『 ✧ الفصل الحادي والأربعون: نار القلب… وريح الغيرة ✧ 』
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
بمجرد أن التقت عينا كارنتينا بعيني إيجنيس، تملّكها شعور غريب لا يُوصف.
قلبها كان يخفق كطبلٍ في معركة، وكأن صدرها لن يكون كافيًا لاحتواء هذا الارتجاف.
والأدهى… أنّ الأمر لم يكن محصورًا بها وحدها، إذ بدا أن إيجنيس أيضًا يشعر بالأمر ذاته.
رغم وجهه الذي انقبض بتوترٍ شديد، إلا أنّ عينيه لم تستطيعا أن تزيغا عنها للحظة.
صوت العصافير الصادح، هدير الأمواج، وأشعة الشمس الدافئة…
كلها صمتت فجأة، كما لو أنّ الزمان قد توقّف، ولم يبقَ في هذا الفراغ الشفاف سوى هما فقط.
“هووف!”
كان صوت نباح نورمان العالي كصفارة إنذار تعيد العالقين في حلم إلى أرض الواقع.
رمشت كارنثينا بعينيها مرارًا، وكأنها تستفيق من نشوة لا تعرف كيف بدأت.
“أ- أشكرك على إنقاذي، سـ- سأنزل أولاً…”
قالتها وهي تبتعد سريعًا عنه، تسحب يدها من قبضته، وتسرع نحو نورمان التي كانت بانتظارها.
رغم أصوات ليا وشيون المنادية لها، لم تستطع الردّ، وكل ما استطاعت فعله هو أن تغطي وجهها المحموم وتركض بعيدًا.
✦
بقي إيجنيس وحده، ينظر إلى يديه كما لو أنه يراها لأول مرة.
كان قلبه ينبض بعنف، كحصان جامح لا يقف.
جسده بأكمله اهتزّ مع كل نبضة.
وجه كارنتينا ظلّ يراوده دون انقطاع، منذ ليلة البارحة.
“تبا…”
تفلتت من بين شفتيه شتيمة وهو يمرّر أصابعه في شعره المبلّل.
رائحة صابونها العطرة… لا تزال عالقة في أنامله.
لماذا؟ لماذا تلاحقه بهذا الشكل وكأنها لُعنة؟
“ما الذي تفعله بي…؟”
همس بصوتٍ منخفض، وكأنه يتوسل للإجابات.
تذكّر نظرتها وهي تقول له:
‘آه، إن كنت قد شعرت بالإزعاج فاعذرني… كنت قلقة أن تُصاب بالبرد بسبب شعري المبلّل…’
هل… هل كانت قلقة عليه؟
“أنا كائن متعالٍ، كيف يمكن أن أُصاب بالبرد أصلاً؟”
غمغم بنبرة متذمرة، لكنه رغم ذلك، لم يستطع أن يدفع يدها بعيدًا حين لمسته.
لقد كانت لحظة غريبة، كأن إحساسًا جديدًا وُلِد في روحه.
حين رأى كارنتينا على وشك السقوط في البحر، لم يتردد. لم يفكر.
تحرك تلقائيًا، كأن جسده يعرف وجهته قبل عقله.
حتى وإن لم تكن في خطر حقيقي، حتى وإن كان البحر ضحلًا…
إلا أنّ مجرد فكرة أن تتأذى كانت كافية ليفقد صوابه.
ظنّ، لوهلة، أن الأمر خدعة أنثوية مبتذلة كما هو شائع في المجتمع الراقي…
لكنه ما لبث أن أدرك أن تصرفاتها كانت بريئة للغاية… وبعيدة عن التكلّف.
وهكذا، بينما يتلاشى عطرها من الهواء، بقي إيجنيس يحدّق في الفراغ حيث كانت، محاولًا لملمة روحه المبعثرة.
✦
“من المؤسف أنكم سترحلون بهذه السرعة.”
قالها البارون رودن بأسف، بينما كارنتينا تبتسم بلُطف.
“نعم، لكن إن سنحت الفرصة، سأعود مع أخي في المرة القادمة.”
اتسعت أعين البارون وزوجته بدهشة.
“مع السيد الشاب؟ تقصدين الدوق الصغير؟”
“نعم. المناظر هنا مذهلة، وأخي يحب الأماكن الهادئة والطبيعية أكثر من الصخب.”
تذكّرت كارنتينا رسائل داميان، وارتسمت على وجهها نظرة شوق.
“سيكون مرحبًا به دائمًا.”
قالتها السيدة شارون بابتسامة دافئة.
كارنتينا انحنت لتمسح على رؤوس نورمان وألون.
“ابقيا بصحة جيدة حتى أعود، وسأجلب معِي حلوى لذيذة.”
ومع ذيولهم المتمايلة فرحًا، لم تستطع إلا أن تضحك من قلبها.
لم يكن هناك عربات في الساحة، فاستعارت كارنتينا عربة البارون.
وما إن وصلت حتى وجدت إيجنيس واقفًا أمامها، بثوبه الأسود، يمدّ يده لها.
نظرت إليه بعينين مليئتين بالحيرة.
“لمَ لا تركبين؟”
قالها ببرود، لتجد نفسها، من غير تفكير، تركب العربة.
“همم؟”
هناك وسادة ناعمة وُضِعت في مقعدها، لم تكن موجودة في العربة المستأجرة سابقًا.
كم هو ذكي هذا البارون!
طَرَقَت السيدة شارون النافذة فجأة، فأعادتها كارنتينا لتفتحه.
“كنت سأنسى هذه!”
ناولتْها صندوقًا صغيرًا.
“جيلي الفواكه، لقد أحببتِه كثيرًا البارحة.”
“شكراً جزيلاً… أنتم في غاية اللُطف.”
غمرها دفء لا يوصف، وابتسمت بامتنان وهي تُودّع الجميع.
‘أتمنى أن تسلك هذه الرواية طريق السعادة، لا العذاب.’
همست في قلبها، وهي تحتضن الصندوق كما لو أنه كنز.
✦
بينما كانت العربة تسير، التفتت كارنتينا نحو إيجنيس.
“هل تحبّ ستيلّا هذا النوع من الجيلي؟”
“على الأرجح.”
وفجأة، مدّ يده بشيء نحوها.
نظرت، فإذا به صدَفة ورديّة على شكل نجمة.
“ظننتك نسيتها.”
“كنت سأعطيها لستيلّا، لأنها تشبه خدّيها عندما تحمرّ خجلًا.”
ضحكت كارنتينا برقة، بينما بقي هو صامتًا.
لكن خلف شعره الأسود، ظهر جزء من أذنه… وكان محمّرًا.
✦
وصلوا إلى محيط دائرة الانتقال السحري.
في طريقهم، مرّوا بالسوق حيث عجّت الساحة بالأطعمة البحرية والفواكه.
أطفال يركضون، وتجار يصيحون… الحياة نابضة من أول النهار.
فجأة، أمسك إيجنيس بيدها بشدّة وجذبها إليه.
نظرت إليه مصدومة، بعينين متسائلتين.
“شش…”
همس بصوت منخفض، ملامحه التي كانت هادئة طوال الرحلة انقلبت فجأة إلى التوتر واليقظة.
“ماذا هناك؟”
همست كارنتينا.
“شخص ما يتعقّبنا.”
جفلتْ، ووضعت يدها على فمها بخوف.
“ربما أرسلته الإمبراطورة.”
“بالفعل… هناك نية قتل واضحة. هذا ليس تعقّبًا عادياً.”
أخذا ينسحبان إلى زقاق ضيّق لتفادي المدنيين.
لكن فجأة، انطلقت سهام من بعيد.
سحب إيجنيس سيفه وقسّم السهم لنصفين في طرفة عين.
وقطع الطريق أمامهم خمسة مقنعين.
‘ثلاثة أمام، واثنان فوق… جنود مدرّبون.’
اهتزّ جسد كارنتينا برعب، فضمّها إيجنيس إلى صدره.
كان يشعر بعطرها نفسه… وهذا وحده كان كافيًا ليشعر بالجنون.
‘ما هذا الكائن الرقيق الذي تهاجمه السكاكين؟’
“أغمضي عينيكِ، سأهتم بالأمر. لن يستغرق وقتًا.”
أومأت كارنتينا، تحاول أن تتمالك نفسها.
رفع إيجنيس جدارًا من اللهب حولها، يعزلها عن كل خطر.
“كما توقعت… ولي العهد.”
ألسنة اللهب ارتفعت، تحجب الرؤية، وبدأت المعركة.
الأسلحة تتصادم، صرخات تتعالى، والهواء يشتعل.
كارنتينا أمسكت بأذنيها، ترتجف، تحاول ألّا تنهار.
‘سيكون بخير… يجب أن يكون بخير.’
مرّ الوقت ببطء قاتل، حتى هدأت الضوضاء.
ثم… اختفى جدار اللهب، وظهر إيجنيس أمامها.
تفوح منه رائحة الدم…
“هل أنتِ بخير؟”
“أنا بخير! ولكن أنتَ… وجهك ينزف!”
أسرعت تمسح دمه، لكنه لم يكن دمه، بل دماء أولئك القتلى.
تركها تمسح وجهه دون اعتراض، صامتًا كأن شيئًا لم يكن.
“هل اكتشفت الإمبراطورة شيئًا؟”
“ربما… يجب أن نعود للقصر فورًا.”
هزّت رأسها سريعًا، والخوف على ستيلّا يجعل خطواتها تتسارع، تمسك بكفّه، والشرارة بينهما لم تنطفئ بعد…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 41"