“بما أن الاستعدادات قد اكتملت، ما رأيكِ أن نتوجه الآن إلى قاعة الطعام؟ السادة ينتظرون حتى طال عنقهم من الترقّب. بجمالك هذا، لستُ أشكّ لحظة أن سموه سيغرق في سحر حضوركِ يا آنستي.”
قالتها السيدة شيرون، فشهقت كارينتينا بخفة واتسعت عيناها بذهول.
“لا… لا شيء كهذا بيني وبين شموه! إنه فقط لطيف معي لأن أخي صديقه المقرّب، لا أكثر.”
تداركت الموقف بإشاحة يديها مرارًا محاولة النفي، غير أن السيدة شيرون أخفت ابتسامة ماكرة خلف نبرتها المتفهمة.
“حسنًا، فهمت. هيا بنا إذاً.”
دفعتها برقة من ظهرها، ولم يُتح لها وقت للاعتراض حتى وجدت نفسها أمام قاعة الطعام.
وما إن فُتِحت الأبواب حتى نهض البارون رودون من مكانه، وقد اتسعت عيناه دهشة.
“يا للجمال الذي حلّ على داري! كأن ملاكًا هبط فأنار المكان. تفضّلي بالجلوس، يا آنسة.”
احمرّت وجنتا كارينتينا خجلًا من مديحه المبالغ فيه، ولسوء حظها، كان مقعدها بجوار إيجنيس تمامًا.
نظر إليها بلمحة خاطفة قبل أن ينهض دون أن يُظهر انفعالًا، ثم سحب لها الكرسي بخفة. لم يكن هذا المشهد مألوفًا إلا عند لقائهما الأول.
جلست كارينتينا متوترة، تحاول إخفاء انزعاجها بصمت.
“فلنبدأ العشاء إذًا.”
ما إن وقعت عيناها على الجبل المتراكم من المحار فوق الطاولة حتى اتسعتا بدهشة. تلك الأصداف الممتلئة ذات البريق المائي واللون العاجي بدت طازجة جدًا حتى من النظرة الأولى.
“إنها محار شتوي طازج من غرب البلاد. في مثل هذا الموسم تكون لحمتها مكتنزة ومليئة بالنكهة، مفيدة للصحة كذلك.”
قالت السيدة شيرون باعتزاز وهي تضع لها كمية وفيرة من المحار الطازج.
وكانت الطاولة لا تخلو من مأكولات أخرى: حساء المحار بالطماطم، محار مقلي، أصداف، جمبري، كركند… تشكيلة بحرية تزدان بها المائدة.
تنشّقت كارينتينا رائحة البحر المالحة، وابتلعت ريقها لا إراديًا. وما إن أزاحت ليمونة ورشّت عصيرها على قطعة محار وهمّت بتذوقها…
حتى امتدت يدٌ من جانبها فجأة ورفعت الطبق عاليًا في الهواء.
رفعت كارينتينا عينيها المذهولتين إلى الطبق المرتفع، لترى بدلًا منه طبقًا من الحساء الساخن يتصاعد منه البخار، وُضع أمامها بهدوء.
إيجنيس استبدل طبقه بطبقها، بنظرة هادئة لا توضح ما بداخله. رمقته كارينتينا بنظرة تبحث عن تفسير.
“بما أنكِ سقطتِ مؤخرًا، من الأفضل أن تتجنبي المحار النيء.”
“…أوه…”
هل كان… يقلق لأجلي؟ لم تستوعب ما حدث، واكتفت بالرمش مرارًا.
إيجنيس تجاهل نظرتها وبدأ بتناول طعامه ببرود.
‘لا، لابد أنه لا يعني شيئًا.’
تأهبت لتناول الحساء بملعقتها، لكنها توقفت فجأة.
كان هناك نوعان من الحساء: أحدهما بالكريمة والآخر بالطماطم، وكلاهما يحتويان على محار.
وهي، منذ طفولتها، لم تكن تتحمل الحليب ومشتقاته… إلا في الحلويات.
‘هل يُعقل أنه يعلم أني لا آكل ما يحتوي على الحليب؟’
مستحيل… لكن رغم ذلك، إحساس غريب بدأ يزحف داخلها، يلامس قلبها بخفة.
وفجأة…
【كارينتينا! هل كل شيء بخير؟】
دوّى صوت ليا في رأسها بلهجة مذعورة.
‘أه؟ لا شيء، كنت على وشك البدء في العشاء فقط. ما الأمر؟’
【نبض قلبكِ كان سريعًا جدًا، ظننتُ أن شيئًا خطيرًا قد حدث!】
كادت كارينتينا أن تقفز من مكانها.
‘لا… لا شيء، ربما فقط تأثّرت برائحة الطعام.’
【لكن النبض لا يزال مرتفعًا… آسفة لإزعاجكِ.】
أطرقت رأسها في خجل وقد احمرّت وجنتاها.
“هل الطعام لا يروقكِ؟”
سألها البارون بقلق، فرفعت رأسها سريعًا.
“بل على العكس! إنه… لذيذ جدًا.”
ولم تكن تجامل. الطعام كان مذهلًا، طازجًا ونابضًا بالنكهات.
‘يا هذا! هل تعرف ما تأكله؟ ولمَ الآن بالتحديد، أمامي؟ لا نية لاستخدام “طاقته” على كل حال!’
تذكرت فجأة أن هذه الرواية كانت… مصنّفة +19. وملأت وجهها الحمرة.
‘كان وصف الكُتّاب لطاقة إيجنيس الحيوية… كالعاصفة… مستحيل… لا أريد أن أتذكر!’
【كارينتينا، قلبك ينبض كالمجنون مجددًا!】
هتف صوت ليا مرة أخرى. لم تُجِب. اكتفت بوضع قطعة من الأنقليس في فمها، تحاول تهدئة نفسها.
‘إنه مجرد طعام… مجرد طعام.’
رغم نيران خجلها، كان طعمه… لا يُقاوم.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
بعد نهاية ذلك العشاء الذي كان كالكابوس، توجهت كارينتينا إلى الصالون برفقة السيدة شيرون.
الرجال، كالعادة، ظلّوا لتبادل الأحاديث على كأس نبيذ.
“لقد أنشأنا حمّامًا فخمًا بالمياه الساخنة من الينابيع. أترغبين في الاسترخاء هناك الليلة؟”
“بكل سرور!”
يا للروعة! حمام ساخن وسط ليلة ماطرة! بدا لها وكأنه حلم.
حتى يحين موعد الحمام، جلست تكمل تطريزها. النار تتراقص في المدفأة، والجو ساكن ودافئ.
إيجنيس لم يظهر… يبدو أنه منشغل مع البارون رودون.
تنفّست الصعداء.
الجميع من حولها، من شيرون إلى شيون، أطلقوا تعليقات جعلت قلبها يخفق على غير عادته. ربما بسبب ذلك… تخيّلت أشياء غريبة عن إيجنيس.
‘لن أستطيع النظر إليه حتى الغد.’
عادت إلى التركيز على التطريز. كلما حرّكت إبرتها، هدأ اضطراب قلبها.
“آنستي، الحمام أصبح جاهزًا.”
رافقتها الخادمة إلى الطابق الأول، إلى حيث يقع الحمّام الواسع الذي تغمره مياه البحر الدافئة.
“يا إلهي، إنه رائع!”
تمدّدت في المياه الساخنة، والراحة تسري في عروقها. وصوت المطر يداعب النوافذ…
‘أريد أن أعيش هنا.’
تخيلت امتلاكها لمنزل صغير كهذا، من مالها الخاص. ليس قصرًا، بل مكانًا دافئًا، ينبض بالحياة مثل هذه الفيلا.
بعد تدليك مريح من الخادمات، عادت للصالون بشعور مفعم بالرضا.
كانت الساعة قد تأخرت. حان وقت النوم.
“تصبحين على خير، آنستي.”
“وأنتِ كذلك، سيدتي.”
رفضت مرافقتها، وصعدت وحدها إلى الطابق الثالث.
كان المطر لا يزال يهطل بغزارة.
“لو استمر حتى الغد فسيصبح الأمر مزعجًا.”
تنهدت، ورسمت على زجاج الشرفة الباردة شكل قمر ونجمة…
“ألم تنامي بعد؟”
شهقت حين جاءها الصوت من خلفها. استدارت… وإذ بإيجنيس يقف هناك.
كان يرتدي ملابس بسيطة، ويبدو أنه خرج تواً من الحمّام.
“كنت سأخلد الآن للنوم… وأنت؟”
“لم أشعر بالنعاس، فذهبت لأستعير بعض الكتب من رودون.”
“…أوه.”
نظرت إلى الكتب في يده، ثم همّ بالرحيل… غير أنها أمسكت بطرف كمّه فجأة.
تفاجأ ونظر إليها باستغراب.
“آسفة! أردت فقط… فقط أن أخبرك أنني سألت شيون عن ستيلا. قال إنها بخير، وقد نامت للتو. فكّرت أنك قد تكون قلقًا…”
قالتها بصوت متردد، كأنها روبوت معطّل.
“أفهم.”
“قال إن ليا نامت معها، وجوزيف وشيون يتناوبان على حراستها… فلا داعي للقلق كثيرًا.”
أومأ برأسه ببطء، ثم قال بصوت خافت:
“آنستي…”
“نعم؟”
“شكرًا… لأنكِ اهتممتِ بستيلا أيضًا.”
ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهه، فابتسمت كارينتينا بدورها براحة.
“سأذهب للنوم الآن. ليلة سعيدة.”
انحنت له بأدب، وهمّت بالرحيل…
“لحظة.”
وقبل أن تخطو، كان إيجنيس قد اقترب منها فجأة…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 39"