『 ✧ الفصل السابع والثلاثون: ليلة المطر والاعترافات الصامتة ✧ 』
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
ما إن لامست قطرات الشاي الدافئ شفتيها، حتى اجتاح عبير العنب الأخضر حواسها بنعومة خاطفة. بدا أن الشاي من نوع دارجيلينغ الفاخر.
وضعت فوق السكون الطري الكريميّة وكأنها تزيّن قطعةً من السعادة، ثم غرزت فيها أسنانها في قضمةٍ كبيرة. فانتشرت نكهة الزبدة الغنية داخل فمها، تدغدغ براعم التذوق بفتنة لا تُقاوم. ما لبثت القشطة الكثيفة والمربّى الحلو الحامض أن ذابا معًا في متعةٍ عابرة.
‘كم هو لذيذ!’
رغم أنها تأكل السكون يوميًا، إلا أن النكهة المصنوعة من مكوّنات طازجة لا يمكن تقليدها بسهولة.
كانت الحلويات التي قدّمتها السيدة شيرون تتناغم بانسجامٍ مذهل مع ذوق كارينتينا. لا سيّما جيلي الفواكه، الذي لم يكن مفرط الحلاوة، بل تفجّرت فيه نكهة الفاكهة المركزة بلطافة ساحرة داخل الفم.
‘هل عليّ أن أطلب منها وصفة التحضير؟’
سافرت بأفكارها إلى القلعة، حيث تنتظرها ستيلا، وهي تتأمل الأمر بتمعّن.
وما إن هدأ جوعها قليلاً، حتى تسلّلت مشاعر خفيفة من الحرج إلى قلبها.
كان كل من إيجنيس والبارون رودن غارقين في مناقشة خطط بناء المخازن المستقبلية، دون أن يلمسا شيئًا من الطعام عدا الشاي. فجلست كارينتينا تُنصت إليهما بانتباه، بينما بدأت تخطّ في ذهنها ملامح خطة مهرجان بداية السنة الجديدة.
وقد أعانتها الحلويات اللذيذة على تسريع دوران عجلة أفكارها.
“أعتقد أن الأمور تسير في طريقها إلى الاكتمال بهذه الصورة.”
ارتسمت ابتسامة رضا على وجه البارون رودن المتغضّن.
أنزل إيجنيس فنجانه بهدوء، ثم ألقى نظرة سريعة نحو ساعة الحائط ذات التروس.
رغم أنه ظنّ أن الاجتماع سينتهي سريعًا، إلا أن الوقت انقضى على نحوٍ غير متوقّع. ومع ذلك، بدا أنه سيتمكّن من اللحاق بالوقت الذي حدده سابقًا لسائقه.
تناولت كارينتينا العباءة الموضوعة بجانبها، وعدّلتها على كتفيها برقة.
“من المؤسف أن ترحلوا بهذه السرعة،” قالها البارون بنبرة يملؤها الأسى، مُطرقًا بجفنيه المتجعّدين.
فاكتفت كارينتينا بابتسامة دافئة عوضًا عن الرد.
“إن سمحت لي الظروف، سأعود لزيارتكم بكل سرور.”
“لقد طلبت من الخادم أن يُجهّز العربة أمام البوابة الرئيسية، فانتظروا للحظات فقط.”
أومأت كارينتينا برأسها امتنانًا لنبله.
مرّت دقائق… ثم انكسر الصمت الذي خيّم على الصالون بكلمة باردة من فم إيجنيس:
“لقد تأخّروا.”
شحبت ملامح كارينتينا، إذ لم يظهر الخادم الذي أُرسل لاستدعاء السائق.
“غريب… سأخرج لأتحقّق من الأمر بنفسي.”
خرج البارون رودن مسرعًا، بينما اتكأ إيجنيس على ظهر الأريكة، عاقدًا ذراعيه بتململ.
كانت السماء رمادية، تعجّ بغيوم كثيفة تنذر بما هو قادم، رغم أنها صباحًا كانت صافية تمامًا.
ثم…
‘تباً…!’
استدارت كارينتينا إلى النافذة إثر صوت قطراتٍ متسارعة.
كانت زخات المطر تضرب الزجاج بعنف، والسماء تُفرغ ما في جوفها وكأنها تنوي البكاء طويلًا.
عاد البارون رودن، وكتفاه ورأسه مبللان تمامًا.
“لقد عاد الخادم، لكن السائق قد اختفى. يبدو أنه غادر على عجل بسبب الأحوال الجوية السيئة.”
استدارت كارينتينا نحوه بقلق:
“هل يمكنني استعارة إحدى عرباتك يا سيدي البارون؟”
“هاه؟”
“يبدو أن علينا العودة للشمال قبل أن يشتدّ المطر أكثر.”
توسّعت عينا البارون في دهشة، ونظر عبر النافذة متنهّدًا بقلق.
“الجو في الجنوب متقلّب بشدة في موسم الشتاء، حتى وإن بدا صافيًا. المطر هنا لا يُؤتمن.”
“شتاء ممطر؟”
شعرت كارينتينا بركبتيها تضعفان.
اقترب البارون منهما، ونظر إليهما بالتناوب قائلاً:
“أقترح أن تمضوا الليلة هنا في القصر. كما رأيتم عند قدومكم، الطريق ضيق وغير ممهد، والمطر الغزير قد يتسبب بحادث.”
“ولكن… كان من المفترض أن نعود عبر دائرة النقل السحري…”
ارتسمت نظرة قلق على ملامح كارينتينا… وكذلك على وجه إيجنيس.
فكرة قضاء الليل مع إيجنيس… لم تكن محبّذة على الإطلاق.
ألقى نظرة سريعة نحو النافذة التي يصفعها المطر، ثم تنهد وقال:
“لنمكث هنا، كما قال البارون. من المستحيل الوصول إلى الدائرة السحرية عبر هذه الطرق الضيقة.”
“… مفهوم.”
أومأت كارينتينا، تكاد تُخفي دمعةً في عينيها. بينما المطر في الخارج يزداد وحشية.
ما إن تقرّر بقاؤهما، حتى استنفرت خادمة القصر بالكامل. فهذه ليست ضيفة عادية، بل آنسة من عائلة دوقية عظيمة!
ولحين تجهيز الغرف، بقي كل من كارينتينا وإيجنيس في الصالون.
“طقس الجنوب متقلّب قليلًا، أليس كذلك؟”
قالتها السيدة شيرون بابتسامةٍ دافئة، فابتسمت لها كارينتينا بخجل:
“لم أتخيل قط أن الشتاء هنا قد يجلب معه الأمطار.”
بدأت تتجول في الصالون تتفقد أركانه، من التحف فوق المدفأة، إلى قطع التطريز الجميلة التي أضاءت عينيها بالدهشة.
“يبدو أنكِ تُعجبين بالتطريز؟”
“نعم، إنه رائع وجميل.”
“بعد أن تزوج أبنائي وغادروا للدراسة، أصبحت أشعر بالفراغ. فلا يوجد في هذا الريف ما يشغلني غير التطريز. ولهذا، كانت زيارتكم لي اليوم بهجة لا تُقدّر.”
كانت كلماتها تحمل الحنين، ولمست كارينتينا بصدقها.
“أحببت دفء هذه العائلة حقًا.”
ثم انتقلت عيناها إلى الصور العائلية والتطريزات اليدوية على الرفوف، فأضافت السيدة شيرون برقة:
“أعتقد أنكِ ستكونين أمًا أكثر روعة مني بكثير. وعلى فكرة، هل ترغبين في تعلّم التطريز؟”
“أنا؟” شهقت كارينتينا.
“قبل زواجي كنت آنسةً تُضرب بها الأمثال في الرقي! تطريز، بيانو، رسم بورتريه… كل ذلك من أجل الزواج من فارس أحلامي، لكنني في النهاية تزوجت صديقي منذ الطفولة وسكنا الريف معًا! من كان ليظن ذلك؟”
“لكن علاقتكما تبدو جميلة جدًا.”
أومأت السيدة شيرون مبتسمة:
“سأجلب لكِ أدوات التطريز.”
“شكرًا! سأبذل جهدي!”
رفعت كارينتينا قبضتيها بحماس، فضحكت السيدة شيرون برقة:
“إلى أن أعود، لما لا تلعبين مع نورمان وآلون يا أميرتي الجميلة؟”
“نورمان وآلون؟”
ما إن نطقت بالأسماء، حتى فتح الباب فجأة، واندفعت منه كائنان كأنهما عجلان صغيران… يتبعهما عددٌ من الجراء اللطيفة!
“آآآآآه! كم أنتم لطيفون!”
فقدت كارينتينا وعيها أمام موجة من الكائنات الساحرة.
“الأصفر أنثى اسمها نورمان، والأسود الذكر آلون. وقد أنجبوا مؤخرًا، لذا أصبح البيت يعجّ بهم. سأترككِ معهم قليلاً.”
وما إن خرجت، حتى تدافعت الجراء إلى كارينتينا، تُدلّك على فستانها وتطلب دفئها.
رفعت جرواً أسود صغيرًا إلى صدرها. كان دافئًا ناعمًا، فخرجت ضحكة من فمها دون أن تشعر.
رغم أن قصر البارون لا يُقارن بفخامة قصر الدوق، إلا أن دفئه كفيلٌ بأن يزرع السعادة في القلب.
‘هل سأتمكّن يومًا من بناء منزل دافئ كهذا مع من أحب؟’
شعرت بحماسة لتعلّم التطريز أكثر من أي وقت مضى.
بما أنها ستبقى هنا ليلة، فلتعتبرها رحلة قصيرة في أجواء الجنوب.
جلست على الكرسي الهزّاز أمام المدفأة، وفي يدها قطعة بسكويت فانيلا. تطلّعت الجراء نحوها وبدأت تنشج طلبًا منها.
“آسفة، هذه ليست لكم.”
حينها، تذكّرت دُماها.
‘شيون… ليا…’
[سيدتي!]
[كارينتينا، هل وصلتِ إلى الشمال بسلام؟]
ابتسمت دون وعي حين سمعت أصواتهم الدافئة.
『آسفة، يبدو أنني سأبيت الليلة في قصر البارون رودن.』
[ماذا؟ هل أنتِ بخير؟! هل آتي إليكِ الآن؟!]
هزّت رأسها داخليًا، مبتسمة:
『لا، أخبرني فقط… كيف حال ستيلا والبقية؟ القصر بخير؟』
[كل شيء هادئ. لكن الجو موحش بغيابكِ. لم نفترق هكذا من قبل. حتى ليا تقول إنها تشعر بالغربة.]
ضحكت بخفة وهي تتذكر كيف كانت دُماها تشبه الجراء التي تحوم حولها.
『الطقس هنا ممطر فجأة. لكن الأمور سارت على ما يرام، وإن تحسّن الجو صباحًا، سأعود فورًا.』
[مفهوم. فقط احذري من ذلك الشبيه بي!]
“ففف!” اختنقت بالبسكويت من الضحك.
『ماذا تقصد؟』
[الرجال… هم ذئاب أصلاً!]
“كففف!” شهقت كارينتينا في وجهه.
『من أين لك بهذه الأفكار السخيفة؟ إيجنيس وأنا؟! لا يعقل!』
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"