“باستخدام دائرة النقل السحري، يمكن الانتقال من الشمال إلى الغرب في غضون دقائق. غير أن استخدامها يتطلب مبلغًا باهظًا للغاية. وبخلافكِ، بصفتكِ من طبقة النبلاء العظام، فإن على البارون رودن – بصفته من طبقة أدنى – أن يمر بإجراءات معقدة ومتكررة ليستطيع استخدامها.”
آه… يا له من شخص يقرأ ما في القلوب كالأشباح.
“أليس كل ذلك لأجله؟ هل كنتُ مخطئًا؟”
أجابت كارينتينا بتأنٍ، محاولةً إخفاء الارتباك الذي تملكها حين شعر بها كمن كشف مكنون صدرها:
“نعم، معك حق. في البداية، أردت أن أتكفّل أنا بالنفقات وأُجهّز كل الترتيبات، لكن… شعرت أنّ البارون رودن سيثقل عليه ذلك أيضًا. أضف إلى ذلك أنّ الإجراءات ستأخذ وقتًا طويلاً. وسكان الإقليم سيعودون قريبًا من منجم الأحجار السحرية، لذا علينا الإسراع.”
مرّرت كارينتينا ظهر يدها على وجنتيها المحمرّتين من الحرج. أما إيجنيس، وبعد لحظة تأمل، فقد ابتسم بعينيه اللامعتين وردّ بنبرة واثقة:
“حسنًا، سأرافقكِ إلى الغرب.”
نظرت كارينتينا إلى وجهه الذي يشبه لوحةً من الجمال، وقد أخذها السحر حتى نسيت أن تغمض عينيها.
في تلك الليلة…
اتسعت عينا ستيلا كعيني أرنب، وهي تنظر بتناوب بين كارينتينا وإيجنيس.
“حقًا؟! أنتِ وأخي ستذهبان معًا؟ لوحدكما؟”
عيناها كانت تلمعان كمن رأت قالب كعك بالشوكولاتة أمامها.
“نعم، ثمة أمر مهم في الغرب، وسأذهب برفقة الآنسة لورين.”
“ومتى تعودان؟”
سألتها بعجلة وقد احمرّ وجهها كمن يتخيّل شيئًا حالمًا.
“سنعود في نفس اليوم. فالأمر ليس برحلة، ودائرة النقل السحري تُنجز الأمر بسرعة. سنعود قبل موعد العشاء.”
أجابت كارينتينا مبتسمة، فأومأ إيجنيس موافقًا.
غير أن ستيلا، التي راحت تنقل نظراتها بين الاثنين، بدت شفتيها ممتعضتين كمن يشبه منقار بطّة.
“ما المانع من البقاء لبضعة أيام إضافية…؟”
“……”
جعلت تذمّرات ستيلا إيجنيس يصمت وكأنه فقد الكلمات. أما كارينتينا، التي لم تلحظ ذلك، فأجابت بصوت هادئ تطمئنها به:
“سأترك شيون وليا في القصر، تحسّبًا لأي طارئ.”
“حقًا؟ إذًا ستكونان وحدكما فعلاً؟! حتى من دون حراس؟”
بدا أنّ ستيلا في مزاج فضوليّ للغاية اليوم، فلم تكفّ عن طرح الأسئلة.
“صحيح. لكنكِ يجب أن تظلّي بقرب جوزيف أو جيما، ولا تبتعدي عنهما، فهم المسؤولون عنكِ إلى أن نعود.”
“حاضر! سأجتهد في الدراسة وأنتظر حتى تعودان!”
ضحك إيجنيس بلطف وهو يربّت على شعر ستيلا برقة.
‘يا للعجب… أيوجد في هذا العالم أخٌ مثله؟’
كثير من صديقاتها اللواتي لديهن إخوة يسمّونهم: “رفقاء السجل العائلي” أو “ابن أمي المدلّل”، فهل هذا النوع من الإخوة حقًا موجود؟
رُبما فارق العمر بين ستيلا وإيجنيس كان السبب، لكنه مشهد مثير للدهشة.
نظرت كارينتينا إليهما وهي تتساءل في داخلها:
‘ترى، هل يمكنني أنا أيضًا أن أكون هكذا مع داميان؟’
‘أتمنّى أن يعود داميان قريبًا…’
كانت تنظر إليهما بعينين تمزج فيهما الغيرة بالشوق.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
في الصباح الباكر…
بعدما أتمّت تحضيراتها بعناية، صعدت كارينتينا إلى العربة.
بداخلها، كان إيجنيس، وقد بدّل مظهره باستخدام أداة سحرية، مستندًا برأسه إلى ظهر المقعد بنظرة لا مبالية.
‘حتى لو ارتدى خرقةً بالية، سيظلّ وسيمًا…’
راحت تحدّق فيه بدهشة، فقد غيّر لون شعره وعينيه إلى الأسود.
لم يكن من الحكمة أن يُعرف أنه سيتجه إلى الغرب، لذا كانت الأداة السحرية مفيدة للغاية.
فحتى لو لم تكن كارينتينا سوى شخصية ثانوية، فإن هيئة إيجنيس معروفة في أرجاء الإمبراطورية.
تنهّدت بداخلها وهي تفكر فجأة:
‘يا له من لون يناسبه… الشعر الأسود جميل عليه أيضًا.’
وفجأة قاطعها صوته الخافت:
“ألن تجلسي؟ لا تخبريني أنكِ تنوين السفر وقوفًا.”
كعادته، فمه لا يرحم.
زفرت كارينتينا وجلست بعيدًا في المقعد المقابل، تسند ذقنها إلى نافذة العربة.
[سيدتي، هل ستكونين بخير وحدكِ؟]
جاء صوت شيون ممتعضًا، فلا يبدو أنه راضٍ عن تركها تذهب برفقة إيجنيس بدلاً منه.
ضحكت كارينتينا بخفة، وهي تدرك تمامًا كم يقلق لأجلها.
‘سأعود بسرعة. لكن فقط للمزيد من الحيطة، أرجوك احرص مع ليا على حماية ستيلا. وإن حدث أي طارئ، أخبراني في الحال.’
[حسنًا… سأنتظركِ في استقبال العودة.]
‘لا داعي لذلك. لن أتأخر عن موعد العشاء، فكن صبورًا قليلًا فقط.’
ثمّ مسحت على دُماها بنظرة حانية.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
ما إن تجاوزوا “أبلوود” وبلغوا أطراف حدود الشمال، حتى وصلوا إلى مدخل دائرة النقل السحري.
بفضل كون إيجنيس وليّ العهد، لم يكن هناك حاجة لأي إجراءات أو موافقات.
كانت كارينتينا قد جربت البوابة مع شيون من قبل، لكنها المرة الأولى التي تستخدم فيها دائرة النقل الرسمية. لذلك، كانت متوترة حتى تجمّدت حركتها.
“هممم…؟”
نزلت من العربة وحدّقت في دائرة النقل السحري، وقد اتسعت عيناها اندهاشًا.
فدائرة النقل هذه تُعدّ من أرقى الأدوات السحرية، تُدار من قبل البلاط الإمبراطوري وبرج الخيمياء.
‘كنت أظنها محاطة بالحرس ومهيبة جدًا…’
لكن الواقع خالف توقّعاتها. كانت الدائرة دائرةً سحرية ضخمة، بسيطة الهيئة، منقوشة بأحرف قديمة.
أُصيبت بخيبة أمل.
رمقها إيجنيس بطرف عينه، ثم قال:
“تعالي، يا آنسة.”
ابتلعت ريقها وتقدّمت بتردّد لتقف داخل دائرة السحر.
“……”
تنهد إيجنيس بخفة، ثم سحب ذراعها برفق ليضمّها إليه.
وجدت كارينتينا نفسها بين ذراعيه فجأة. وكان لعطره رائحة فاخرة ومُزهرة… فتصلّبت بين ذراعيه وهي تهمس:
“هـه؟ مـما… ما هذا؟!”
رفعت وجهها إليه باستغراب، لكنه قال ببرود:
“خشيت أن تخرجين خارج حدود الدائرة إن لم أُمسك بكِ. أعلم أن الأمر مزعج، لكن تحمّلي قليلًا.”
ضحكت بمرارة.
‘أنا لست طفلة مثل ستيلا! لا حاجة لهذا…’
لكن ما إن حاولت الانسحاب من بين ذراعيه، حتى أضاءت الدائرة فجأة، فأغمضت عينيها بسرعة.
‘آه…’
انبثق نور غريب كالشفق القطبي، أحاط بجسديهما بالكامل.
وبدافع الخوف، تمسكت كارينتينا بخصر إغنيس بكلتا ذراعيها دون شعور.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
في ذات الوقت، داخل قصر دوق هوتون…
كان السكرتير يهرول في الرواق، يلهث بأنفاس متسارعة حتى فتح باب المكتب بعنف.
كان الدخان الأبيض من السيجار يملأ الغرفة. وبقوة رائحته الخانقة، كتم أنفاسه لا إراديًا.
“يا صاحب السمو! وصلتنا أنباء عاجلة من الشمال. بوّابة قصر آل لورين قد فُتحت!”
“ماذا؟!”
أطفأ الدوق سيجاره بعنف، ونظره الحادّ ارتكز على الرسالة في يد السكرتير. فتسعت عيناه في صدمة.
“تقول الرسالة إن عربة قد خرجت من القصر متجهة إلى مكانٍ ما عبر دائرة النقل السحري. والوجهة… هي الغرب.”
“الغرب؟!”
ليست العاصمة… بل منطقة ريفية؟ ما الذي تخطط له رئيسة الوصيفات تيموشيا بحق السماء؟
هل تنوي خيانتنا؟!
ارتفع حاجب الدوق بغضب لا يستطيع إخفاءه.
“ومن استخدم دائرة النقل؟”
انحنى السكرتير وقال:
“يُقال إنهم شابّة ومَن يبدو أنه فارس حارس.”
شابّة؟ حسنًا… لكن فارس؟! لا يمكن أن يكون هذا تصرّفًا عشوائيًا!
“قالوا إن الدوقية قد حصلت على الموافقة قبل يوم واحد فقط.”
“ماذا؟! قبل يوم واحد؟!”
“نعم يا سيدي… أليس ذلك مريبًا؟”
شدّ الدوق قبضته موافقًا.
فهو، رغم كونه دوقًا من طبقة عليا، يحتاج إلى أيام ليحصل على الموافقة.
“وهل هناك ردّ من البلاط الإمبراطوري؟”
“لا، لم يصلنا شيء حتى الآن.”
في تلك اللحظة، بدأ القلق يزحف في عقل الدوق.
هل يعقل… أن يكون ولي العهد هو من رافقها؟!
كوووم!!!
ضرب المكتب بقبضته ونهض فجأة صارخًا:
“ألم يرَ أحدٌ مظهر ذلك الفارس؟!”
“بحسب الرسالة، كان يرتدي رداءً يغطيه بالكامل… لكن لون عينيه لم يكن كعيني ولي العهد.”
تنفّس الدوق بارتياح للحظة، لكن سرعان ما عاد التوتر يتملكه، فتذكّر عيني إيجنيس الحمراوين كالجمر، فعضّ على أسنانه.
“أرسل جواسيسنا في الحال! ليتعقّبوا تحركاتهم!”
“بالفعل، يا سيدي. صدرت الأوامر ما إن وصلتنا الرسالة.”
فانفرجت ملامحه الغاضبة للحظة.
“عملٌ ممتاز. اعرفوا لماذا ذهبا إلى الغرب. وإن كانت الفتاة من أتباع تيموشيا، ستشرح السبب بالتأكيد.”
“وإن لم تكن كذلك؟”
انطلقت كلمات الدوق، ببرود قاتل:
“اقتلوها… واسكتوا فمها.”
“كما تأمر، سيدي.”
بلع السكرتير ريقه وغادر سريعًا.
أما الدوق، فقد راح يحدّق في المكتب الخالي، أخرج سيجارًا آخر لكنه سرعان ما سحقه بيده.
قلبه ينبض بعنفٍ غير مبرّر… لكنّه أقنع نفسه:
كل شيء يسير حسب الخطة.
هذا القلق محض وهم… خلّفه الكمال الذي نبنيه.
ومع أول شعاع صباح ساطع دخل الغرفة… ارتسمت ابتسامة مُزيّفة على فم الدوق.
✦ ━━━━━━━ ⸙ ━━━━━━━ ✦
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 34"