1
الفصل يحتوي على مشاهد غير لائقة.
──── ୨୧ ────
“آه…”
تسلّل أنينٌ واهن في العتمة المطبقة على أرجاء الغرفة.
كانت سينثيا تُمسك بكتفي الرجل بشيءٍ من الارتجاف، فيما كان يُغمر عنقها بوابلٍ من القُبَلات الحارّة، تتلاحق كنبضٍ مضطرب.
انزلق ملمس الزخارف المعدنية على بزّته العسكرية المحكمة كالجليد على راحتيها المرتعشتين.
“توقّف…”
“هل لا تُحبّين هذا؟”
رفع الرجل رأسه من عند موضع قُبَلاته أسفل ذقنها، والتقت نظراتهما في صمتٍ مكثّف.
كان ضوء القمر المنسكب من النافذة العالية يتلألأ في سواد عينيه العميق، فخفق قلب سينثيا بعنف، كأنّ الزمن توقّف لحظةً عن الجريان.
لم تُبصر من قبلُ عينين بتلك الكثافة والعمق — لا في الروايات، ولا في أكثر أحلامها شطَطًا.
“ليس أنّني أكرهه…”
“إذًا ما الذي يُقلقك؟”
ارتسمت على فمه ابتسامة جانبيّة، وهو يُميل رأسه قليلًا، يترك أثر شفتيه الرطبتين يصعد من فكّها إلى أذنها بخفةٍ متعمّدة.
“آه… لـ-لست من هذا النوع من الشخصيّات!”
وما إن لامست شفتاه شحمة أذنها، حتى اندفعت الصرخة من حنجرتها رغماً عنها.
توقّف الرجل عندها، وارتسمت على وجهه ابتسامة خافتة امتزجت بضحكةٍ واثقة.
“سينثيا، ما أغرب ما تقولينه أحيانًا.”
“… “
“كأنّك تعرفينني معرفةً تامّة.”
تعرفه؟ أجل، بل تعرفه جيّدًا.
وفيما كانت ممدّدة تحته، رمشت بعينيها متحفظة.
ذلك الرجل الوسيم الذي ينهل من عنقها شغفًا، ويتفرّس فيها بنظرةٍ حارّة، لم يكن سوى أحد الأبطال الرئيسيين في تلك الرواية المأساوية المصنّفة للبالغين التي كانت تُطالعها قبل أن تجد نفسها حبيسة عالمها.
بل لم يكن أيّ رجلٍ عاديّ، إنّما الدوق تيسيون لومانوف، خطيب البطلة، وإحدى الشخصيّات المحوريّة في الأحداث.
“ترى… ما الصورة التي تحتفظ بها سينثيا عنّي؟”
انساب صوته العميق الممزوج بالسخرية إلى مسمعها.
استجمعت شجاعتها والتفتت نحوه من جديد، فتردّدت قليلًا ثمّ قالت متلعثمة:
“أ-أنت… شخصٌ أكثر تحفظًا… رزين… أو بالأحرى… عفيف!
رجلٌ لا يشغل باله بمثل هذه الأمور…”
“أنا؟”
قهقه تيسيون ضاحكًا، ثمّ أخذ خصلة من شعرها المتدلّي ولثمها بنعومةٍ متعمّدة.
“أ-ألست محقّة؟”
تمتمت سينثيا، غير واثقةٍ تمامًا من قولها.
ففي الرواية الأصلية، كان الدوق لومانوف هو الرجل الوحيد الذي لم يُقيم علاقة مع البطلة إليزابيث، على الرغم من سجلّها المذهل مع عشرين رجلًا في حريمها المعكوس سيّئ الذكر.
ثمّ انحنى نحو أذنها وهمس بصوتٍ خفيض:
“حسنًا… مَن يدري؟”
حين كانت تقرأ الرواية أول مرة، لم تستوعب سينثيا كيف لبطلتها أن تُعرض عن خطيبٍ بمواصفاتٍ كهذه.
صحيحٌ أنّه كان أعمى في الجزء الأوّل من القصة، لكن بعد أن استعاد بصره، أصبح أحد أكثر الشخصيّات انتظارًا من القرّاء — ذلك الرجل المكبوت المتزن، الذي يخفي خلف هدوئه بركانًا من الشغف المكظوم.
“كلّما طال الكبت، كان الانفجار أبهى!”
ومع ذلك… لم يحدث شيء قط.
“بل إنّ الناس كتبوا مراجعاتٍ يتساءلون فيها عمّا إن كان الدوق تيسيون يعاني من ‘مشكلةٍ’ ما في ذلك الجانب.”
“عمّ تحدّقين؟”
رفع تيسيون ذقنها برفق، مجبرًا إيّاها على النظر في عينيه من جديد.
أفاقت من شرودها، وتأمّلت وجهه، فبدا لها كمفترسٍ هادئ يدرس فريسته قبل الانقضاض.
“متحفّظ، رزِين، وغير مهتمّ بمثل هذه الأفعال… هكذا قلتِ؟”
كرّر كلماتها هامسًا، فاشتعل وجهها احمرارًا.
تألّقت عيناه الأرجوانيتان وهما تتلذّذان بارتباكها، فيما عبثت أصابعه بخيط الشريط المربوط عند صدرها.
“هل تودّين التحقّق من مدى صدق نظريتك؟”
تجمّدت في مكانها كتمثالٍ من صقيع.
هل ما يحدث أمامي…
واقعٌ أم خيال؟
تحت العربة المقلوبة التي تحوّلت إلى ركامٍ معدني، انسكب سائلٌ أحمر لزج على التراب، متدفّقًا نحو قدميها.
حدّقت فيه برعبٍ، وقد أدركت ما هو.
هل يُعقَل أن يُسفك هذا القدر من الدم من جسدٍ واحد؟
تلاشت الدهشة لتنفجر الأصوات في أذنها دفعةً واحدة بعد صمتٍ ثقيل.
“يا آنسة! هل أصبتِ بأذى؟!”
“السماء وحدها تعلم!
كدتِ تدهسين بتلك الخيول الهائجة!”
تخاذلت ساقاها من الفزع، وسقطت في حضن امرأةٍ قويّة البنية أمسكت بها.
“يا للمسكينة، لقد ارتجف جسدك بأكمله! هل أنتِ بخير؟”
ارتعشت ذراعها في قبضة المرأة، ودار رأسها بدوارٍ خانق.
“علينا إبلاغ السلطات—”
“هشش! ألا ترين شعار العربة؟ إنّه شعار دوق بايلي! سيهتمّ الناس بالأمر، لا طائل من التدخّل.
لنرحل قبل أن يُمسكوا بنا.”
“لكن لا بدّ من المساعدة—”
“لا تورّطي نفسك، يا فتاة!
التعامل مع تلك العائلة يجلب الويلات!”
بدأ الجمع يتراجع، متخلّين عن العربة المدمّرة، وكأنّ الخوف من اسم بايلي قد أصابهم بالشلل.
“…ساعِدوه…”
“ماذا قلتِ؟”
كانت عيناها زائغتين وهي تهمس بضعفٍ، مشيرة بيدٍ مرتجفة نحو الحطام.
“أحدٌ… من فضلكم… ساعِدوا ذاك الشخص الملقى هناك…”
“هشش، سيفعل أحدهم. هيّا بنا قبل أن يحضر الحرس!”
سُحبت بعيدًا بقسوةٍ غير متوقّعة، فيما كانت تعضّ على شفتها كي لا تنهار.
…
حتى هذه اللحظة، كانت تُقاوِم بكلّ ما تملك.
أن تُبعث فجأة في روايةٍ مأساوية مصنّفة للبالغين…
أن تكون شخصيةً هامشية بلا تأثير…
وأن تُدرِك أنّها لا تستطيع تغيير شيء.
لكن على الأقل حينها… كان في قلبها بصيص أمل.
أجلستها المرأة أمام متجرٍ قريب، تأكّدت من أنّها بخير، ثمّ هرولت مبتعدة.
“اللعنة… لقد انتهى كلّ شيء…”
همست سينثيا لنفسها بصوتٍ مُتهدّج.
لقد رأت بعينيها الآن — موت بطلة الرواية.
مرّ عامٌ كامل منذ أن اكتشفت أنّها قد وُلدت من جديد داخل روايةٍ خيالية.
وليس أيّ رواية، بل مأساةٌ مُفعمة بالفضائح والعلاقات المعكوسة، حيث البطلة تغوص بين أحضان الرجال دون حياء.
“يا لِسخرية القدر…”
وكيف عرفت ذلك؟
لأنّها التقت البطلة بنفسها — إليزابيث بايلي.
في البداية، حين سقطت سينثيا في هذا العالم، ظنّت أنّها في بُعدٍ آخر، أو أنّها تناسخت في جسد فتاةٍ غريبة.
لكن سرعان ما انكشف لها الأمر—
“سيّدتي إليزابيث، رجاءً لا تبتعدي كثيرًا! العاصمة خطرة!”
“حسنًا!”
إليزابيث؟
استدارت بسرعة، فرأت الفتاة التي نوديَ اسمها: شعرٌ ذهبيّ كموج البحر، وعينان خضراوان كالياقوت، وملامحُ ملائكيةٌ ناعمة…
“مهلًا… إنّها مألوفة!”
رمشت وهي تحدّق فيها بدهشةٍ تامّة.
إنّها مطابقة تمامًا لوصف البطلة في الرواية… لحظة، الرواية؟
نعم!
تلك الفتاة التي تلمع على شعرها شارة أسرة بايلي النبيلة، لم تكن سوى البطلة نفسها لرواية الفضيحة المشهورة بعنوان:
“حين ألتهم وردةً مثلك، تغمرني النشوة!”
تصلّبت سينثيا في مكانها، ثمّ أمسكت بذراع تاجرٍ يمرّ بجانبها.
“أ-عذرًا، سيدي… هل توجد أسرة نبيلة تُدعى بايلي في العاصمة؟”
“هاه! بالطبع! إنّهم أغنى بيت دوقي هنا!
أجهلُ الناس مَن يجهلهم!”
حكّ الرجل ذقنه الكثيفة وهو يرمقها باستغراب.
شحب لون وجهها.
“و-وأسرة لومانوف؟”
“أوه، هؤلاء من صُلب الدوقات الإمبراطوريين، قريبون من العرش نفسه.”
غمرها الذهول، وسرى العرق البارد في ظهرها.
“و-وهل بين العائلتين علاقة؟”
“همم… الشائعات تقول إنّ الآنسة بايلي ودوق لومانوف سيُعلنان خطبتهما قريبًا…”
“هذا كذب! هذا مستحيل!”
“ولِمَ أكذب؟”
رمقها التاجر بنظرةٍ متعجّبة، ثمّ نفض يدها عنه ومضى.
بقيت جامدةً مكانها، وضعت كفّيها على فمها تكتم صرخةً حارقة.
أيعني هذا… أنّني في الرواية التي كنتُ أقرؤها؟ اللعنة، لقد هلكتُ حقًّا…
أنزلت يديها ببطءٍ، وقالت بصوتٍ مبحوح:
“إذًا تلك المرأة… التي ستُنشئ حريمًا من عشرين رجلًا — تعبث بهم ليلًا ونهارًا — باستثناء خطيبها الرسمي، دوق لومانوف… هي هي؟”
توقّف رجلٌ مسنّ بالجوار، مصعوقًا بما سمع من ألفاظٍ فاضحة تتفوّه بها شابةٌ أنيقة.
“أ-عذرًا يا آنسة؟ هل قلتِ لتوّكِ ما ظننته… بصوتٍ مرتفع؟”
يا ويلها…
لم تدرك أنّها قالت ذلك بصوتٍ مسموع.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"